الحرب والانتصار في ديوان ظبي المستحيل

clip_image002_644f7.jpg

صدر ديوان "ظبي المستحيل" للشاعر بكر زواهرة مؤخّرا عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس. ويقع الديوان الذي صمّمت غلافه الفنّانة رشا السرميطي في 160 صفحة من الحجم المتوسط.

هل يغفو الظبي وقد أحاطت به المخاطر ولا يدري متى تنقضّ عليه الأسود؟ وهل ينام الطفل وقد علا صوت الرّصاص؟ وهل الجمال والدعة، التي يمثّلها الظبي، وبراءة الأطفال، تكون رادعة لأنياب المفترس ورصاص القنّاص، وقد أصبح الأطفال وقود الحروب وضحاياها؟! وهل يُقبض على الظبي؟ وهل يُودِّع الأطفال البراءة؟ وهل موتهم وطحنهم ينهي الحلم بالحريّة والنّصر؟ نبحر في ديوان (ظبي المستحيل) للشاعر بكر زواهرة، نبحث عن إجابات لهذه الأسئلة التي يستفزّها الشاعر في أذهاننا، بكلماته الموجزة، ومعانيه التي تختفي خلف الكلمات والصور الشعريّة الرّائعة. 

في قصيدة (قبض على ظبي المستحيل) التي حمل الديوان اسمها، يصوّر الشاعر الحرب بصورة قاتمة مرعبة، حيث يتذوّق النّاس فيها طعم البارود، والغزاة تشعّ وجوههم موتا، والبنادق تزرع الموت الزؤام، والطائرات والدبّابات تجلب الدمار.

كتف المحارب نجمة صبغت دما

ففضاؤها في الخوف طيّار ترفّع بالسقوطِ

إلى الحضيض

تزني فروج الطائراتِ

فحمْلُها يلد الدّمار

دبابة من قوم لوطٍ

قرب جمع الأنبياء

ويصف الشاعر الأعداء بأنّهم لصوص الحياة التي يسلبونها دون رحمة، لكنّ الحرب ستكون حتما وبالا عليهم، فهي:

حرب تكرّ على المُحاصِر

بالجدار وبالغبار

وبعد هذا الوصف، وتلك الصور التي تشخّص الحرب وترسمها بأبشع صورة، يتحوّل جَرْس القصيدة فجأة، وينتقل الشاعر من الشعر الحرّ إلى الشعر العمودي؛ ليرسم الأمل في التّحرير والخلاص والنّصر، ويبشّر بمستقبل زاهر مشرّف. هذا التّحول الذكيّ في القصيدة، يستحضر الماضي التليد ويرسّخ الأصالة بالرجوع إلى النسق التقليدي في الشّعر، ليعطي دلالة أن النّصر على هذا العدو الغاشم لا يكون دون الرجوع إلى أصولنا وحضارتنا. ويصوّر الشّاعر العدو، رغم جبروته وقوّته وسحقه للأخضر واليابس، بالجبن والخذلان. وما يعمد الأعداء للدمار بآلاتهم الفتّاكة عن بُعد إلا لجبنهم وخوفهم من المواجهة. فيقول:

من هم أولاء على الأطراف قد وقفوا              من رجفهم كم تخال الأرض ترتجفُ

إن المزايا مزايا الأمس ذاهبة                      حوك العناكب دون الرّيح ينجرفُ

توهم الكون أن السيف مقدرة                      إن لم يكن في كفوف الحق ينخطفُ

لم يمسك الخوفَ إنسانٌ بهيئته                     خوفُ الغزاة من الأشباح يختلفُ

يدلي الركام بأنّ القوم قد جبنوا                      من يجهل المرء فالأفعال تعترفُ

ثم يقارن بين الأعداء وبين ضحاياهم فيقول:

شعب يراق لأنّه على قيد الوجود

هم يقتلون لأنهم ليسوا

على قيد الوجود

ليسوا على قيد الوجود

والشاعر يتألّم لمشهد الأطفال الذين يقعون ضحيّة الحروب والصّراعات، ويُبرز معاناتهم في عدد من القصائد وباستخدام الصّور المختلفة التي تهز نياط القلوب، وتضع الإنسانيّة أمام صورة القتل والتعذيب، بينما الصّخب الإعلاميّ حولهم لا يخفف من آلامهم شيئا، فيصبح الطفل المذبوح كالنبيّ الذي ضحّى من أجل الخلاص وعانى من أجل الأمّة. يرسم الشّاعر صورة بشعة جدا لموت هذا الطفل قبل أن تتفتح براعم الحياة لديه، والذي سُقي الرصاص بدل الحليب، وينتقد العجز أمام هول ما يصيب الأطفال.

والعجز تمثال يقدَّس في الهزيمة

لا يكذب الأطفال في رسم الفراق

في الحرب كم كذب الرصاص على الحليب

ويمعن الشاعر في التّعبير عن وحشيّة الأعداء في اعتدائهم على الأطفال، فيقول:

والذئب يفتش عن أخوة يوسف

في أضلاع محمد

في إشارة إلى قتل محمّد الدرّة ومحمد أبو خضير، ويضيف:

لماذا يجعلني أعدائي أتذوق

طعم (الهولوكست)

وطعم البنزين

لكنّه لا يقف عاجزا أمام ذلك ولا يائسا، فمن يدري فربما كانت دماء هؤلاء الأطفال إيذانا بحياة جديدة ونصر آت، تماما كما كانت الفتيل الذي فجّر انتفاضة غضب ضد الأعداء. فالشاعر يبدو واثقا من المستقبل، يرى الحريّة المفقودة ولا يشكّ بأنّها ستعمّر في بلادنا في نهاية المطاف.

لا شكّ في حريّة

كالطائر المجهول

تهدم ما توهمه الغزاة

من الحصار

ويضع الشاعر يده على سرّ الضعف والهزيمة، ألا وهو كبت الحرّية وتسلّط الحكّام، والخوف من الأعداء رغم ضعفهم.

أن تكتب شعرا في الحكام

وضد القمع

وفي اليوم التالي تُعطى جائزة

لا تُقتل

فاللامعقول هو الأجمل

***

الخوف هو المحتل الأكبر

وكلّ المحتلين هم الخوف الأصغر

ويرى الشاعر أن الحرب التي نشنّها على أنفسنا هي الأنكى والأخطر:

نموت  - - ونحيا

ونحيا - - ونموت

لا نعرف من يقتلنا

والقاتل يتكرر في نفس المشهد

ونقيم الحرب على أنفسنا

ثمّ يعود الشاعر ليدعو للكفّ عن الحرب وتحكيم العقل فيقول:

ردّوا لكم ثوب الربيع

ودفّئوا عريّ السراب

وحنّطوا البارود

وسوم: العدد 650