الزمن في التعبير القرآني

بحث مقدم إلى مجلة الأحمدية بدبي

1434هـ / 2014م

مخطط البحث

الزمن في التعبير القرآني

المقدمة

أولاً : تعريف الزمن

ثانياً : ألفاظ الزمان في القرآن الكريم : 1- ألفاظ مباشرة

                                            2- ألفاظ غير مباشرة

                                            3- أدوات تحمل معنى الزمن

ثالثاً : أنواع الزمن في التعبير القرآني 1- الزمن تاريخياً

               2- الزمن نفسيا:(الزمن والفخر، والإعجاب والمديح ، والكراهية والخوف والعتاب ... ) .

رابعا: صفات الزمن في التعبير القرآني: 1- الزمن والتغيير

                                     2- الزمن والشمولية

                                     3- الزمن والديمومة

                                     4-الزمن والعشوائية

خامساً : تحولات الزمن  1- قدرة الله في الزمن

                        2- قدرة الله في الطبيعة عبر الزمن

                        3- الزمن مجال للعبادة 

                        4-الزمن وعاء للفقه

سادسا : الزمن فنياً  1- الزمن وبنية السورة القرآنية

                    2- الزمن ولغة النص القرآني

                    3- الزمن والتصوير الفني في القرآن الكريم :

                            أ-المشاهد  .

                            ب-الصور الجزئية

                  4- الزمن والانسجام الصوتي في القرآن الكريم :

                            أ-الانسجام الصوتي في الفاصلة القرآنية .

                            ب-أثر الزيادة والحذف في الانسجام الصوتي .

                           ج- أثر الميزان الصرفي في الانسجام الصوتي .

                           د-أثر التنغيم في الانسجام الصوتي  . 

  الخاتمة

بحث الزمن في التعبير القرآني

المقدمة :

    لفت انتباهي وأنا أتمعن في كتاب الله سبحانه كثرة الألفاظ والأدوات الدالة على الزمن فيه بشكل مباشر وغير مباشر، وكذلك الحديث عن الأمم السالفة وما حل بها عبر الأزمنة، وعن يوم القيامة والخلود فيه، وعن تغيير الزمن وتحوله بقدرته تعالى بكلمة كن فيكون، وعن صفات أخرى للزمن كالشمولية والديمومة والعشوائية، وعن تأثير الزمن في بنية السورة القرآنية ولغتها، وفي صورها والانسجام الصوتي فيها، وهذا ما جعلني أفكر بكتابة بحث عن الزمن في التعبير القرآني تاريخيا ونفسيا وفنيا ليكون وسيلة للتدبر فيه، وسببا لمعرفة إعجازه التعبيري ومن ثم محبته ومحبة لغته والدفاع عنها أمام الهجمات ضدها.

    وأبدأ بتعريف الزمن ثم أنواعه وصفاته وفنيته ...

أولاً : تعريف الزمن :

  الزمن لغة:" اسم لقليل الوقت وكثيره، وقد يطلق على العصر أيضا، والجمع أزمان وأزمنة وأزمن([1])" .

  وفي لغتنا العربية ألفاظ عديدة للزمن منها الدهر والأمد والوقت، وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لاتسبوا الدهر فإن الله هو الدهر([2])" فمعناه أن الله سبحانه يقدر في الدهر أو الزمن ماشاء من الحوادث، والقول من المجاز العقلي ذي العلاقة الزمانية .

    وقد يطلق الزمان على التاريخ لأن حوادثه أرخت فيه، ويدرس الزمان تاريخيا من خلال تتابع الحوادث في زمن ما، ويكشف هذا الزمن جوانب من حياة الأمم السالفة وعقائدهم وعلاقاتهم الاجتماعية التي كان لها أثر في مسيرتهم الدنيوية والأخروية، وهذا الزمن يتأثر بالبيئة والعصر والمعتقدات([3]) . كما يعرف الزمن تاريخيا من خلال أزمنة الأفعال المستخدمة . 

  ويطلق الزمن أيضاً على معنى نفسي، ويعني موقف الأديب من الزمن، وفي القرآن الكريم يطلق على الموقف من الدعوة إلى الله سبحانه ومدى الوعي والإحساس بالأمن أو الخوف أو ما شابه ذلك من حالات نفسية في الدنيا والآخرة .   

   وقد يطلق أيضا على الزمن الفني ويبدو في منهج النص الأدبي، وفي لغته وصوره وموسيقاه كما سيتضح في هذا البحث.

    وبذلك يتذبذب الزمن بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتتقطع أوصاله تبعا للموضوع والحالة النفسية والشعورية، وطريقة التعبير وأساليبه([4]) .

ثانياً : ألفاظ الزمن :

    كثرت ألفاظ الزمن في القرآن الكريم كثرة ملحوظة إذ جاوزت مئةً، وكُرِّر بعضُها عدداً قارب الأربعين، وتعددت معاني الكلمة الزمنية الواحدة، فكلمة " يوم" جاءت بمعنى اليوم الدنيوي، وبمعنى الحرب، والمجتمع الجاهلي يطلق كلمة يوم على الحرب كما في يوم ذي قار . كما تطلق كلمة يوم على يوم القيامة والحساب، قال تعالى يذكر هذه المعاني الثلاثة على لسان الرجل المؤمن في (سورة غافر):    " يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ(29) وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ(30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ(31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ(32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33(" . فيوم الأولى يقصد به أيام حكم فرعون وسيطرته في حياته الدنيا، والثانية يوم عذَّب الله الأحزاب من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، والثالثة يوم القيامة الذي لاعاصم  فيه من أمر الله .  

    وبهذا التعدد للمعاني ندرك أن الكلمة الزمنية يتغير معناها تبعا للمفاهيم الاجتماعية والعقائدية .

    ومن التغيير المعنوي حسب العقيدة أيضا قوله تعالى في (سورة السجدة):" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ(٤)يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ(٥)" . فالأيام التي خلق المولى تعالى بها الكون لانعلم زمانها الحقيقي، وكذلك العروج بعد ذلك لانعلم منه إلا أنه كألف سنة مما نعد. وفي قوله تعالى في (المعارج) يقول عن العروج يوم القيامة:" تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ(4)"، وفي (سورة الرحمن) : " يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِۚكُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ(29)" . " ذكر لشؤون المولى تعالى في كل يوم ، ولسنا ندري أهو يوم المجموعة الشمسية أم يوم في الكون العظيم كله لوجود مخلوقاته فيه، ثم عندنا يوم القيامة يوم ينفخ في الصور، قال تعالى في (سورة النبأ): " إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) "

   والألفاظ الزمنية جاءت في القرآن الكريم على أنواع فهناك ألفاظ ذات مدلول مباشر، وأخرى غير مباشرة والسياق يحدد معناها، وهناك أدوات لغوية زمانية أيضا :

1-الألفاظ الزمانية المباشرة في القرآن الكريم :

   وقد بلغ عددها ما يقارب خمسين لفظا منها "الوقت، الآن، الأبد، الأمد، الأمس، الحقبة، السرمد، القرن، الدهر، حين، الخلود، الدنيا والآخرة، الساعة، اليوم، الجمعة، السبت، الشهر، العام، السنة، الفجر، الصباح، الضحى، الغدوّ، الزوال، العصر، العِشاء والعشيّ، المساء، الغسق، الليل، الليلة...

    وقد وظفت هذه الألفاظ لتكون وعاء لمعان دنيوية وأخروية، عقائدية وسياسية واجتماعية، ففي قوله تعالى مثلا في (الأحقاف ): " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون(5) " ذكر يوم القيامة للتذكير والموعظة. وفي قوله تعالى في (الأحقاف ) أيضا: " ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً(15) " ذكر فيه قضية فقهية وعلمية أيضا، فقد أثبت العلم أن أقل الحمل للولد ستة أشهر، ثم فصاله في عامين فيكون مجموع الزمن ثلاثين شهرا تنهك فيها قوى الأم خاصة فتستحق الإكرام لما بذلته مع والد الطفل الذي ينفق على الأسرة  أيضا .

ومن كلمات الزمن المباشرة أيضا الحين والدهر، قال تعالى في (سورة الإنسان/1): " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا " .فكل من الحين والدهر زمنان .

  ومن الزمن المباشر ماهو في عالم البرزخ، قال تعالى عن آل فرعون في (سورة غافر) : " وحاق بآل فرعون سوء العذاب(45)النار يعرضون عليها غدوّاً وعشيّاً ويوم القيامة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب(46) " . فالغدو والعشي زمنان يعذب فيهما آل فرعون في القبر أو في عالم البرزخ قبل أن يأتي يوم القيامة، حيث سيلقون عذاباً هو أشد وأبقى .

   ويوم القيامة يكون العذاب الدائم كما عبر المولى تعالى في (سورة غافر ) أيضا : " وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) .

       وهنالك الخلود في النار أو في الجنان، قال تعالى في (سورة العنكبوت) عن أصحاب الجنة :       " وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(58) " ، وقال عن أهل النار في سورة آل عمران : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ  وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) " .

   وهذا لفظ (السَّنة أو السنين) وظفه الله عز وجل مع أزمنة أخرى للدلالة على حدث تاريخي ورد في قوله تعالى في (سورة الروم ) : " ألم~ (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)"   فقد حدد المولى تعالى الزمن " بضع سنين" وهو الذي سينتصر خلاله الروم على الفرس بعد خسارتهم أمامهم .

   ومن الألفاظ الزمنية المباشرة أيضا " النهار والآن " في قوله جل جلاله في (سورة يونس): " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)"  فالظرفان الزمانيان النهار والآن زمنان مباشران جاءا للتهديد بالعذاب فيهما، أما كلمة (بياتا) فهي هنا تحمل معنى زمن المبيت في الليل، وقد تحمل في غير هذا الموضع معنى المبيت فحسب، وهذا يوصلنا إلى الألفاظ الزمنية غير المباشرة .

2-الألفاظ الزمنية غير المباشرة :

    وهي أيضا كثيرة في القرآن الكريم إذ تزيد عن خمس وثلاثين منها : بلَغَ أشُدَّه، بلَغ الحُلُم، أرذل العمر، الشيب، الحر، العاجلة، قليل وقريب وفَواق، والشمس والصلاة الوسطى، وأسماء الزمان والمكان، وألفاظ بدء الخلق وإعادتهم . وهذه الكلمات قد لا تحمل معنى الزمن معجميا، ولكنها في النص القرآني قد تشير إليه، والسياق يحدد المعنى .

     ففي قوله تعالى في (سورة ص~ /15): " وما ينظرُ هؤلاءِ إلا صيحةً واحدةً مالها من فَواق "جاءت بمعنى لا تَوَقُّفَ ولا تأخير لها ولو بزمن مقدار الراحة بين حلبتي الناقة([5]) .

   وكلمة "الحَرّ" في قوله عز وجل في (سورة التوبة) : " فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) " . تشير إلى زمن الصيف حيث الحرارة الشديدة في صحراء الجزيرة العربية، ولذلك رد عليهم بقوله تعالى : " قلْ نارُ جهنمَ أشدُّ حَرّاً " .

        وفي (سورة يوسف/22) حكاية عنه قال تعالى : "ولما بلغَ أشُدَّه آتيناه حُكماً وعِلماً وكذلك نجزي المحسنين " . أي كبر سنه وصار في عمر النبوة .

  وفي (الزمر/7 )جاءت كلمة مَرجِع للدلالة على زمن الرجوع إلى الله تعالى في " ولا تزِرُ وازِرةٌ وِزْرَ أخرى ثم إلى ربكم مَرْجِعكم فيُنَبِّئُكم بما كنتم تَعملون ..." وقد تحمل معنى الرجوع المكاني مع الزماني وهذا من إعجاز القرآن الكريم، إذ قد يكون للكلمة أكثر من معنى وكلها يصلح للسياق .

    وكلمة قليل قد تحمل معنى القلة المادية، وقد تأتي للدلالة على الزمن القليل كما في قوله تعالى في (سورة التوبة) : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِۚ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِۚفَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38)".فالمتاع القليل هنا يشير إلى زمن الحياة الدنيا للإنسان أو إلى عمره القصير لئلا يتوانى المسلمون عن الجهاد في سبيل الله .

    وكذلك في كلمة قريب وقليل في قوله تعالى في (سورة الإسراء) أيضا : " قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا(51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا(52)" فكلمة (قريبا) تدل على سرعة مجيء يوم القيامة ، و(قليلا ) تدل على الزمن القصير الذي يمكث فيه العبد في القبر وذلك ليتعظ الإنسان فيخشى ربه خالقه([6]) .

   وكلمة الوعد قد تحمل معنى الزمن أيضا وذلك في قوله تعالى في (سورة الإسراء) : " وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا(4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً(5) " . فوعد الأولى تحمل معنى الزمن، أما الثانية فهي وعد بني إسرائيل بما سيحل بهم على أيدي أعداء أشداء .

     وكلمة الشيب تدل على كبر السن للنبي زكريا عليه السلام في قوله تعالى حكاية عنه في ( سورة مريم/4 ): " قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا " .

   والجاهلية الأولى في ( سورة الأحزاب/33) في قوله تعالى " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" هي الزمان الذي كان بين آدم ونوح، وقيل هو الزمان الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام كانت المرأة تلبس فيه درعها من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال،  أما الجاهلية الأخرى فهي بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم([7]) .

 3- أدوات تدل على الزمان :

   اللغة العربية غنية بأدواتها ولا سيما ما دل منها على زمان أو مكان، ومن هذه الأدوات أدوات الاستفهام والشرط الزمانيتين مثل " متى، أيان، أنّى التي تحمل معنى الزمان، بل إن أدوات الشرط كلها تدل على المستقبل مثل إنْ وإذا وكلما وعندما، ومما يدل على المستقبل أيضاً إذا الفجائية ولن الناصبة، ولم ولمّا الجازمتان، والثانية تنفي المعنى من الماضي حتى زمن التكلم، والفاء العاطفة إذ تدل على سرعة توالي العمل، وثم العاطفة تدل على بطء الزمن، والقسم، والسين وسوف قبل المضارع، والأفعال الماضية والمضارعة والأمر، وأفعال الرجاء واسم الفعل هيهات، وما المصدرية الزمانية و .. وهذه كلها وردت في القرآن الكريم لتدل على الزمان .

   ففي قوله تعالى في (سورة المؤمنون) وردت ( الفاء) و (ثم ) العاطفتان في قوله تعالى : " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12) ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَـــخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَـــخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَـــكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ(15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ(16) " . فبين خلق الإنسان من طين وخلقه من نطفة مسافات زمنية طويلة ولذلك جاءت ثم، وبين النطفة والعلقة زمن أطول من الزمن بين العلقة والمضغة ولذلك جاءت ثم للأول والفاء للثاني، وبين المضغة وكسوة اللحم زمن أقصر من اكتمال الجنين ولذلك جاءت الفاء وبين مرحلة اللحم واكتمال الجنين مرحلة أطول ولذلك جاءت ثم، وبين الولادة والممات زمن أطول عادة وكذلك بين الموت والبعث ولذلك جاءت ثم فيهما .

    ومن المضارع المنصوب بـ(لن) الدال على المستقبل أيضا قوله تعالى في (سورة طه /90) " قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى" فقد أوضح استمرار اليهود مستقبلا على عبادتهم للعجل إلى أن يعود إليهم موسى .

    ومن دلالة (إذا ) الشرطية على المستقبل قوله تعالى في (سورة الجمعة/9) : " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " . فهو ينبه المؤمنين ليتركوا البيع فيما بعد في أوقات الصلوات ليشغلوا بذكر الله والصلاة .

    و(لمّا ) تنفي المعنى من الماضي حتى زمن التكلم، قال تعالى في (سورة الجمعة/3) : " وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم، أي لم يلحقوا بهم فيما مضى وإلى  زمن التكلم .

  وأيان الاستفهامية للسؤال عن الزمان في قوله تعالى في (سورة القيامة) : " بلْ يُريدُ الإنسانُ لِيَفْجُرَ أمامَه(5) يسأل أيانَ يومُ القيامة(6)".

    و (إذْ ) الظرفية تدل على الزمن، وتكثر في حكايات الأمم كقوله تعالى عن داود عليه السلام في (سورة ص~/21 ) : " وهل أتاكَ نبأُ الخَصْمِ إذْ تسَوَّروا المحرابَ " أي حين تسوَّروا المحراب .

   وفي قوله تعالى في (سورة البقرة/ 49) " وإذ نجَّيْناكمْ من آلِ فرعونَ يسومونَكمْ سوءَ العذابِ " أي اذكروا نعمة الله عليكم حين نجاكم من آل فرعون...

   و (إذا) الفجائية تدل على زمن حدث فجأة كما في قوله تعالى في (سورة الروم/36 ): " وإذا أَذقْنا الناسَ رحمةً فرِحوا بها وإنْ تُصِبْهمْ سيئةٌ بما قَدَّمتْ أيديهم إذا هم يَقْنطون " . فالقنوط جاءهم مباشرة إثر إصابتهم بمصيبة ما .

   ومن دلالة (السين) على المستقبل قوله تعالى في(سورة البقرة/142) عند أمره بتحويل القبلة :"ســيقولُ السفهاءُ من الناسِ ما ولّاهمْ عن قبلتِهِمُ التي كانوا عليها قلْ للهِ المشرقُ والمغربُ يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم "  فقد أخبر تعالى أن تحويل القبلة سيتبعه مستقبلا سلوكيات مناوئة  من اليهود.

   ومن (القسَم ) الذي بعده فعل مضارع يدل على زمن مستقبلي قول إبليس اللعين بعدما رفض السجود لآدم كما حكى تعالى عنه في (سورة البقرة/142) : " فبعزتك لأُغويَنَّهم أجمعين إلا عبادَك منهم المخلَصين" .

    و( ما) المصدرية الزمانية في (سورة آل عمران /75): وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا " أي مدة دوامك عليه قائما .

    هذه بعض الألفاظ والأدوات الزمانية، وفي ذلك كفاية تشير إلى تعددها وكثرتها ...

ثالثاً : أنواع الزمن في التعبير القرآني :

   الزمن في التعبير القرآني نوعان تاريخي ونفسي :

1-الزمن تاريخياً :

   النص القرآني يجول في فضاءات التاريخ لينقل لنا من حوادثه ما يثبت به الإيمان، ويكشف عن علاقات المؤمنين والكافرين بالدعاة إلى الله من رسل ومصلحين، كما يبين تصارع الفكر والاتجاهات فيكون استدعاؤه تعميقا للرؤى، وتفخيما للحدث، وإشارة إلى ضرورة الاهتمام بالدعوة إلى الله، وبمن قام بعظائم الأمور من أجلها، وصحح المفاهيم ورفد الثقافات بشرائع من عند الله سبحانه هي خير للعباد .

    فالله سبحانه ذكر بعضا من تاريخ آدم أبي البشر وخدعة إبليس، وذكر جهود الأنبياء عليهم السلام في سبيل توحيد الله عز وجل، وكانت الغاية من عرض قصصهم تبيان وحدة العقيدة، والعمل بشريعته التي ارتضاها لكل منهم، كما أجرى على أيديهم معجزات مادية ومعنوية ليؤكد بها أقوالهم، ويبين للعباد أن الذي أرسلهم بدعوته هو الذي أيدهم بمعجزاته ليصدقوا نبوتهم .

    ففي قصة موسى نراه وليدا يوضع في صندوق لترعاه عين الله بأن يلتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزناً، ثم يؤيد بالعصا وباليد وبإيمان السحرة، ثم أيده بانفلاق البحر وإغراق آل فرعون. ولم تنته الحادثة التاريخية بهذا وإنما أطلعنا على سلوكيات اليهود وعبادتهم للعجل أثناء ذهاب موسى لتلقي الآيات من ربه، وإصرارهم على ذلك حتى يرجع إليهم موسى على الرغم من نصيحة النبي هارون عليه السلام، كما أوضح غضبة موسى عليه السلام الشديدة من كفرهم وتصرفه معهم ومع السامري([8])، وكأنه تعالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن الكريم لا تحزن مما يرتكبه اليهود من شناعات، فتلك عادتهم مع نبيهم .

    وإذا كانت المدرسة التاريخانية التي ظهرت مؤخراً في أمريكا تدعو إلى قراءة النص الأدبي في إطاره الثقافي والفكري لأن الأفكار تتغير حسب المتغيرات الثقافية والتاريخية([9]) فإن هذه القصة القرآنية دليل على ذلك، إذ عملت على تغيير المفاهيم المتعلقة باليهود في المجتمع المدني في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأطلعته على مكرهم وماديتهم، وبذلك يكون في استنطاق التاريخ تحريك للعواطف واستحضار للفكر لتكون ذكرى وعبرة حتى ينفض الناس عنهم ويدركوا فسادهم .

   وكثيرا ما تتكرر الحادثة التاريخية ويسترجع التاريخ فيها ليقدم شخصية تاريخية جديدة، أو يأتي بفكرة لم تذكر من قبل وذلك من خلال عرض الحوادث وربطها([10])، ففي قصة موسى في سورة القصص أضيفت شخصية قارون، وفي قصة آدم عليه السلام في سورة البقرة اهتمت بحوادث حكاية خلق الخليفة في الأرض وهو آدم أبو البشرية، وإباء إبليس السجود ثم إغوائه لآدم، وإخراجه من الجنة وإنزاله إلى الأرض ليختبر المولى تعالى خلافته فيها وهو العليم بما سيفعله([11])، أما في سورة الأعراف  فبسطت ما أُجْمِل في البقرة كتصريح اللعين بالحسد، وتوهمه التفوق على آدم بخلقه من النار، وطلبه الإنظار، وطرده وتوبيخه وأجوبة إبليس المنكرة، ثم توعد اللعين بالتسلط على ذرية آدم والإذن له في ذلك مع توعّده وتوعّد متبعيه، ثم أخذه بالوسوسة لآدم بعد أخذ الوعد بإمهاله إلى يوم الدين([12]) ، ورد الله سبحانه بتعذيبه ومن تبعه، وذكر بعد ذلك مدى كراهية إبليس للبشر ومحاولته الدائبة لإهلاكهم في جهنم مستعينا بالقَسَم، وبرغبة آدم في الخلود، وبإغوائه بالفساد  مما لم يذكر في البقرة([13]) .

   وقد يأتي التاريخ مفصلا للحوادث فيبطؤ الزمن عبر مسيرتها الزمنية، وقد يتسارع الزمن فيها فيكون عبارات موجزة، ففي سورة هود طالت قصة نوح عليه السلام، إذ ذكر دعوته لقومه وجداله لهم، والوعد بالطوفان الذي سينهي وجود الكفرة على الأرض، وبناء السفينة وحمله المخلوقات فيها، ونداءه لابنه وجواب الابن وغرقه، ثم انتهاء الطوفان ومناجاة نوح لربه من أجل ابنه، وجوابه تعالى له مبينا عدم بقاء  الرابطة بين المؤمن والكافر، واعتذار نوح لربه. وانتهت القصة بالدعوة إلى الصبر وأن العاقبة للمتقين([14]).

   وفي (سورة العنكبوت) جاءت قصص نوح ولوط وصالح مع ثمود وعاد سريعة في بضع آيات على نحو قوله تعالى في نوح وقومه: " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (15) .

   وفي (سورة الشعراء) جاءت قصة نوح بينَ بين لتركز على فكرة جديدة وهي أن المؤمن المستضعف خير من الكافر مهما علا، وأن النبي داعية وأجره على الله تعالى، وأن قوم نوح لما هدّدوه بالرجم نصره الله سبحانه بإغراقهم، وكان ذلك آية من الله تعالى العزيز الرحيم([15]) .

   وفي (سورة نوح) ذكر الدعوة السرية والجهرية لقومه وإصرارهم على عبادة الأوثان التي وردت أسماؤها، ثم دعاؤه بإهلاك الكفرة على وجه الأرض لئلا يضلوا عباد الله سبحانه، وإغراقهم بسبب خطيئاتهم، وطلب نوح أن يغفر الله سبحانه له ولوالديه ولمن دخل بيته مؤمناً وللمؤمنين جميعاً([16]) .

    وهكذا جاءت هذه القصة بأساليبها الأربعة، وفي كل استرجاع فيها للتاريخ الماضي جديد وعبر، وتفصيل أو إيجاز يستدعيه الموقف، وعرض للتسلسل الزمني الذي يذكر فيه الزمان والمكان  والشخصيات التاريخية .

   وقد تسرد الحوادث التاريخية حسب زمان وقوعها من البداية فالوسط فالنهاية، وقد يتخطى النص الزمن فيعرض القصة من وسطها أو من آخرها ، ثم يعود الزمن القهقرى إلى البداية  فالوسط فالنهاية، فقصة سليمان عليه السلام في سورة النمل بدأت بوراثته لأبيه داود عليه السلام، ثم انتقلت إلى ما آتاه الله سبحانه من نِعَم وهي جنوده من الجن والإنس والطير ، ومن ثم حكى قصة الهدهد وبلقيس وانتهت القصة بإسلام هذه في حضرة سليمان عليه السلام([17]) .

    وقصة موسى في (سورة طه) بدأت من الوسط، من إتيانه النبوة، ثم عرجت إلى البداية من ولادته ورضاعه، ثم سارت بنا الحوادث عبر الزمن حتى وصلنا إلى عرضه التوحيد على فرعون، وذكر السحرة وقتلهم، وخروج موسى ولحاق فرعون به وغرقه، ثم قصة السامري وتوعده بعذاب المولى تعالى له([18]) .

    أما في (سورة القصص) فقد بدأ من الخاتمة وهي أن فرعون لما استضعف المؤمنين أراد تعالى أن يجعلهم أئمة في الأرض، ثم عاد الزمن بالقصة إلى ولادة موسى، وتابعت القصة عرض حوادثها عبر الزمن إلى أن تحدثت عن قتله لرجل وخروجه من مصر، وزواجه ودعوته وموقف فرعون منه وغرقه ، ثم انتقلت إلى سلوكيات اليهود مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبذلك لم تتوقف القصة عند التاريخ الماضي وإنما ربطته بالحاضر، زمن نزول القرآن الكريم لتحقق الحادثة التاريخية الهدف من عرضها وهو تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ومواساته لئلا يحزن مما يتعرض له هو والمؤمنون من ضغوطات شتى .

    والقرآن الكريم في عرض الحوادث لا يؤرخ لها لأن غايته ليست كغاية التاريخ في سرده للحدث، بل يهدف من عرضها إلى غاية دعوية هي تفتيح القلوب للإيمان، ولا يذكر من الزمن إلا ما يرتبط بالغاية التي يريدها المولى تعالى ، فذكر سنوات بقاء أهل (الكهف في الآية/25 ): " ولبثوا في كهفهم ثلاثَمِئَةٍ سنينَ وازدادوا تسعا " أراد منه تحقيق معجزة نومهم الطويل وحمايتهم خلال هذه المدة الطويلة التي لا يبقى امرؤ خلالها نائما وهو على قيد الحياة . وذكر ليلة القدر في سورة القدر: " إنا أنزلناه في ليلة القدر([19]) " أراد منه تبيان ارتباط الزمن بهذا الحدث الجليل وهو نزول القرآن الكريم تعظيما لهذه الليلة المباركة لينشط المسلم فيها في عبادته، وقد يرتبط الزمن بقضية فقهية كما في تحديد مواعيد الصوم والحج والكفارات .   وقد يساعد سبب النزول الوارد في كتب التفسير في معرفة الحدث وزمانه كما في سبب نزول سورة الأنفال وحدوث معركة بدر([20]) . وقد يعرف الزمن من قرينة دالة عليه، ففي (الدخان/12-14 ): " كذَّبَتْ قبلهم قومُ نوحٍ وأصحابُ الرَّسِّ وثمودُ، وعادٌ وفرعونُ وإخوانُ لوطٍ، وأصحابُ الأَيْكَةِ وقومُ تُبَّع كلٌّ كذَّب الرسلَ فحقَّ وعيدِ " ذكرت ثمود قبل عاد مع أنها متأخرة عنه زمنيا، وذكر فرعون قبل لوط مع أنه متأخر عنه كما عرف في (سورة الأعراف) من التصريح بالأسبقية، إذ ذكر فيها نوح عليه السلام، ثم في نهاية قصة عاد ذكر أن هودا جاء بعد نوح عليهما السلام، وكذلك ذكر بعد عاد مجيء صالح على ثمود، قال تعالى في (الآية /69) : " أوَعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربِّكم على رجلٍ منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاءَ من بعدِ قومِ نوحٍ ... " ثم لما ذكر صالحا قال تعالى (في الآية / 74 ): " واذكروا إذْ جعلكم خلفاءَ من بعدِ عادٍ ..." .

    واستجواب التاريخ يشير إلى علاقات الأمم والقبائل والأديان بعضها مع بعض، ومن هذه العلاقات التي أوضحها القرآن الكريم خيانة اليهود للمسلمين بانضمامهم إلى مشركي قريش لعداوتهم للإسلام، ولذلك تحدث المولى تعالى عما عاقب به اليهود لجريرتهم هذه في (سورة الأحزاب) بقوله: " وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) " .

   ومن ذلك أيضا العلاقة بين الفرس والروم وموقف المشركين والمسلمين من ذلك مما ورد في (سورة الروم): " ألم(1)غُلِبَتِ الرُّومُ(2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(5) " . فالله سبحانه ذكر علاقة المشركين بالفرس والروم إذ فرح المشركون لانتصار الفرس على الروم " وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم فلَنَظهرَنَّ عليكم فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا يُقِرُّ الله أعينكم فو الله ليَظهَرنَّ الروم على فارس بعد بضع سنين فقال أُبَيّ بن خلف كذبت اجعل بيننا أجلاً، واتفقا على عشر قلائص وجعلا الأجل ثلاث سنين، فقال صلى الله عليه وسلم البضع مابين الثلاث إلى التسع فزيدوه فجعل الاتفاق على مئة قلوص إلى تسع سنين، ومات أُبَيّ ، وظهرت الروم على فارس عند رأس سبع سنين وذلك يوم الحديبية . وقيل كان النصر يوم بدر([21]) " . وبذلك كان ذكر الحادثة في القرآن الكريم لغاية دينية، وهي أن الشرك ملة واحدة ولهذا كان المشركون مع الفرس، وكان الروم أهل كتاب ولهذا فرح المؤمنون بانتصارهم ، فضلا عن إثبات صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الوعد الصادق .

    وفي هذه الآيات نرى أيضا الزمان الغيبي فقد وعد المولى تعالى بنصر المؤمنين وكان النصر كما وعد، وفي قوله عز وجل  للرسول صلى الله عليه وسلم في (سورة الفتح /16 ): " قل للمُخَلَّفِين من الأعراب ستُدْعَون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ تُقاتلونهم أو يُسلمون فإن تطيعوا يؤتِكم اللهُ أجراً حسنا وإن تتولَوْا كما تولَّيْتُم من قبلُ يُعذِّبْكم عذابا أليما " وعد بأنهم سيُدْعَون مستقبلاً إلى قتال كفرة أولي بأس شديد وهم بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب، وقيل الروم والفرس([22])، وكان قتالهم جميعا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تحقق هذا الزمن وبانت العلاقات به أيضا بين الأقوام والدول .

   ومن الزمن الغيبي ما سيكون في البرزخ ويوم البعث والحشر من مواقف ونهايات في جنة أو نار، وهما باعتقاد المسلم حقائق نؤمن بها وبما سيكون فيها. واليومُ في عالم البرزخ لا يعرف زمانه الحقيقي، ولذلك يقول تعالى في (سورة الروم) : " ويومَ تقومُ الساعةُ يُقسمُ المجرمون ما لبثوا غيرَ ساعةٍ كذلك كانوا يؤفكون (55) وقال الذين أُوْتُوا العلمَ والإيمانَ لقد لبثْتُمْ في كتابِ اللهِ إلى يومِ البعثِ فهذا يومُ البعثِ ولكنكم كنتم لا تعلمون(56) " . وهنا نرى كلا الطرفين لا يعلمون الزمن الحقيقي الذي لبثوه في القبور .

  وورد في (سورة يس~) حديث عن البعث والجنة والنار: " وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(٤٨) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ(٤٩) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ(٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ(٥١) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ(٥٢) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ(٥٣) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(٥٤) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ(٥٥)هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ(٥٦) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ(٥٧) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ(٥٨) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ(٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ(٦٢)هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(٦٣)اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ(٦٤)الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(٦٥) .

   فهنا نرى المولى تعالى يبين لنا أحوال الناس في يوم القيامة في موقف الحشر، وعاقبة البشر، والزمن في القرآن الكريم هو محوره وجوهره، فالدنيا مفتاح السعادة للآخرة، والبرزخ بينهما، والحوادث تسرد سردا لتكون عبرة وموعظة .

    ومن الزمن التاريخي أيضا ما نراه من تحولات الأفعال في هذا النص إذ يحكي عما سيكون يوم القيامة بالزمن الماضي ليدل على ثبوت الفعل، فكأن الموعود لشدة تحققه قد صار، من ذلك قوله تعالى في الماضي (ونفخ في الصور، من بعثنا)، أو لحكاية الكفرة ما كان في دنياهم (هذا ما وعد الرحمن وصدَق المرسلون ) .

   وهناك اختصار للزمن بإلغاء بعض المشاهد القصصية لدلالة السياق عليها كما في قوله تعالى في (سورة الصافات) إذ نقرأ دعوة إبراهيم عليه السلام أن يهبه الله من الصالحين فيبشر بغلام حليم، ثم نرى الغلام يسعى معه في الحج، ثم يؤمر بذبحه، ثم يفتدى بذبح عظيم، وتسارع الأحداث هذه كان في بضع آيات في قوله تعالى: " رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ(100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ(101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ(104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ(106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ(107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ(108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ(109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(110) " .

2- الزمن نفسياً :

    يقول لالاند " إن الإبداع يقوم على إنتاج شيء ما على أن يكون ذلك الشيء جديدا في صياغته وإن كانت عناصره معروفة من قبل([23]) " . والمبدع حينما يقدم نصه يعرضه موضحا الحالة النفسية فيطيل الزمن أو يقصره تبعا لتلك الحالة النفسية المعروضة، فالنبي زكريا عليه السلام يدعو ربه لأنه أحس بثقل الزمن عليه وأنه لم يرزق بولد يرثه، فتأتيه البشارة بالولد، فتهتز مشاعره فرحا وإعجابا بقدرة الله سبحانه الذي سيرزقه الولد على كبره وعقر زوجه، ويطوى الزمن سريعا لنرى الولد نبيا يعطى الحكمة والكتاب، ثم يهدى السلامَ حياً وميتا، قال تعالى في (سورة مريم) : " كهيعص(1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا(2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا(3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا(7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا(8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا(10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا(11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا(12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا(13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا(14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا(15) " .

   وقد يتخذ الزمن وسيلة للتعبير عن حالات نفسية أخرى منها الفخر والإعجاب والمديح والكراهية ، والتعبير عن الخوف والعتاب ... :

   فمن الزمن مع الفخر قوله تعالى في تبيان قدرته على إهلاك الطغاة من قوم عاد على قوتهم وبأسهم وذلك في (سورة فصلت) :" فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ(15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ(16) .

     فالأيام النحسات كانت وعاء لتعذيب هؤلاء المستكبرين الذين قالوا من أشد منا قوة، ففخر الله سبحانه عليهم بأن أبادهم وأهلكهم بقوة أكبر من قوتهم . وقد حدد هذا الزمن في (سورة الحاقة/6-7) بسبع ليال وثمانية أيام حسوما .

    ومن علاقة الزمن بالمديح قوله تعالى في ( سورة المزمل/20 ) يتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم :" إنَّ ربكَ يعلمُ أنَّكَ تقومُ أدنى من ثُلُثَيِ الليلِ ونصفَه وثُلُثَهُ وطائفةٌ من الذين معكَ " .

    وهذا ثناء على أمةٍ من أهل الكتاب آمنت بالله ورسوله وعبدته حق عبادته، فقال تعالى في (سورة آل عمران): " لَيْسُوا سَوَاءًۗ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ(113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ(114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ(115) " .

   فهؤلاء أثنى المولى تعالى عليهم لأنهم استغلوا أوقات حياتهم لعبادته آناء الليل وأطراف النهار .

   وتدعو الحالة النفسية المؤمن المحب المعظم لمولاه، كإبراهيم عليه السلام أن يلجأ إليه وقت الشدة ليحميه من الضراء، وليجعل له سمعة طيبة في البشر الذين سيأتون بعده، وأن يدخله الله الجنة يوم يبعث، إذ لا ينفع في ذلك اليوم مال ولا بنون، وكان إبراهيم عليه السلام قد ضاقت به نفسه لرفض والده الإيمان فناجى ربه قائلا كما ورد في(سورة الشعراء):"رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ(84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)".

    ومن الخوف الذي بدا في زمن ما كانت عليه السيدة مريم الطاهرة البتول من حالة نفسية متأزمة اعترضتها وهي تبشر بولد، قال تعالى في (سورة مريم/20 ) يحكي قولها: " أنَّى يكونُ لي غلامٌ ولمْ يَمْسَسْني بشرٌ ولمْ أكُ بغِيّاً "،  وقولها في (السورة نفسها آية /23) " ياليتني مِتُّ قبلَ هذا وكنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً "، والرد في ( آية/26 ) " فقُولِي إني نذرْتُ للرحمنِ صَوْماً فلن أُكَلِّمَ اليومَ إنسيّاً " وبذلك كان الزمن وسيلة لعرض حالتها النفسية، ومنقذا لها مما تعاني منه .

   وقد اتخذ القرآن الكريم من الزمن وسيلة للتعبير عن الكراهية وهجاء من أعرض وتولى، ففي (سورة المائدة ) نقرأ عن بني إسرائيل رفضهم محاربة الأعداء في الأرض المقدسة  وقولهم : " يا موسى إنّا لن ندخلَها أبداً ما داموا فيها فاذهبْ أنت وربُّك فقاتِلا إنا ههنا قاعِدون(24) قال ربِّ إني لا أملكُ إلا نفسي وأخي فافرُقْ بيننا وبينَ القومِ الفاسِقين(25) قال فإنها مُحَرَّمَةٌ عليهم أربعين سنةً يَتِيهون في الأرضِ    فلا تأسَ على القومِ الكافرين(26) . " فقد ندد الله سبحانه باليهود حين رفضوا محاربة العدو، وكان في عقابهم تحديد الزمن الطويل الذي عوقبوا به .

   وأهل النار يلعن بعضهم بعضا ويكره بعضهم بعضا ، يقول تعالى عنهم في (سورة الأعراف/38) :  " كلما دخلتْ أمةٌ لعنَتْ أختَها حتى إذا ادّارَكُوا فيها جميعاً قالتْ أُخْراهمْ لأُولاهُمْ ربَّنا هؤلاءِ أَضَلّونا فآتِهم عذاباً ضِعْفاً من النارِ قال لكلٍّ ضِعفٌ ولكن لاتعلمون " .

   وذم المولى تعالى من أعرض عن الدين واتخذ من الزمن وسيلة لذلك فقال في (الأحقاف/17) :       " وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) " .

   ومن علاقة الزمن بالعتاب ماجاء في (سورة الجمعة) من معاتبته تعالى للمسلمين لأنهم تركوا صلاة الجمعة لاستقبال القافلة التجارية، ولم يبق مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً، وكان من عادتهم أن يستقبلوها بالطبل والدفوف والمعازف([24])، قال سبحانه "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(11)" .

رابعاً : صفات الزمن في التعبير القرآني :

    بدا الزمن في القرآن الكريم متصفا بصفات عديدة منها التغيير والشمولية والديمومة والعشوائية :

1-الزمن والتغيير

    الزمن يتقلب من حال إلى حال، فهو بين الأمل والاستلاب، وبين اللذة والراحة، وبين السعادة والشقاء والمعاناة، ويغلب الجانب السلبي في ذكر الزمن أو الترهيب في القرآن الكريم كما أرى، وكأنه يأخذ بفكرة الوقاية خير من العلاج، قال تعالى في (سورة إبراهيم) واصفا التغيير الذي سيحل بالأرض يوم القيامة وحال المجرمين يومئذٍ وهم يؤولون إلى العذاب الشديد بعد إمهالهم في الدنيا: " يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ(48)وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ(49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ(50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) " . فالأرض غدت يوم القيامة غير الأرض، والمجرمون آل حالهم إلى العذاب، فثيابهم من قطران، ووجوههم يغشاها النار،وهم مصفَّدون بعد أن كانوا أحرارا في الأرض مستكبرين فيها.

    من التغيير أيضا مواقف الأصدقاء بعضهم من بعض في ذلك اليوم العصيب، إذ يعادي بعضهم بعضا إلا المتقين، يقول تعالى في (سورة الزخرف) : " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا الساعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ       لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) " .

    والفاء ثم إذا الفجائية تدلان على التغيير السريع في (سورة الزخرف) حكاية عن موسى:" وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(48)وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ(49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) " فقد أراهم المولى تعالى آياته في العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات كبرى، فطلبوا من موسى أن يدعو الله ليكشف عنهم العذاب، فلما فعل وكشف عنهم العذاب بسرعة دلت عليها الفاء، وتغير حالهم إلى ما هو أحسن نكثوا على أعقابهم، وغيَّروا ما وَعدوا به بسرعة أيضا دلت عليها إذا الفجائية .

    وقد يكون التغيير عبر الزمن بسبب التقوى إذ يبارك الله للمتقين في أرزاقهم، أو يكون التبديل عقوبة تأتي قوما ما في زمن ما، ضحى أو ليلا بسبب الكفر والعصيان، إذ يهلكون بذنوبهم، وقد جمعا في (سورة الأعراف) في قوله تعالى: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96)أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ(97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ(98)أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ(99) .

   وقد يكون التغيير في هيئة المذنب كما في (سورة يونس) إذ ربط تعالى بين هيئة الإنسان والزمن فقال: " وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۖ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(27) " . فهؤلاء بدا على وجوههم هيئة الذل وظلام الكفر كظلام الليل.

   وقد يكون التغيير بمعجزة أيد الله بها نبيه بسرعة دلت عليها قرينة ما، كالفاء العاطفة الدالة على السرعة في قوله عن موسى عليه السلام وفرعون في (سورة الأعراف) : " قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(106)فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ(108) " . فالعصا تغيرت إلى ثعبان واليد إلى بيضاء من غير سوء، والآيتان معجزتان سريعتان دحض بها موسى جحود فرعون .

   وقد يكون أمر الزمن معهودا في حال الإنسان بسبب كبر سنه وتطاول عمره، قال تعالى في (سورة التين/5) :  " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين " والأداة ثم دلت على التباطؤ.

2-الزمن والشمولية :

   وتبدو في أعظم معانيها في شمولية ما سجل في اللوح المحفوظ قبل أن يكون ما سجل على وجه الأرض، قال تعالى في (سورة الحديد) : " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَاۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(22)لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ..(23)".

   كما تبدو الشمولية في عبادة المؤمن لله تعالى عبر أزمنة الحياة، وذلك في قوله تعالى في (سورة الأنعام/162)  " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " .

   ونراها أيضا مع الزمن في الحصول على ما يرغبه العبد المؤمن في الجنة، قال تعالى في (سورة الزخرف) : "يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ(69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ(70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) . فأصحاب الجنة في سعادة شاملة لكل ألوان السعادة ولهم كل ما يشتهونه وما يلذهم ماديا ومعنويا .

   والموت يمتد ليصل إلى البشرية قاطبة في شمولية تامة ليحاسبوا بعده جميعا يوم القيامة، قال تعالى في (آل عمران/185 ) : " كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ وإنَّما تُوَفَّوْن أجورَكم يومَ القيامة " . كما أنهم جميعا سيشملهم فزع يوم القيامة الذي سيحل في الكون كله، قال تعالى في ذلك في سورة النمل/87 :" ويَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ " .

   والتوبة تجِبُّ ما كان عبر الأزمنة من سيئات إن صدرت قبل زمن الموت أو قبل حضور علاماته، وتشمل جميع المؤمنين، وتستثني جميع الكافرين، قال تعالى في (سورة النساء) : " إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌۚأُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18) " . فكلمة " من قريب " حددت الزمن الذي تجوز التوبة قبله لتشمل جميع المؤمنين لا الكافرين .

   والشمولية امتدت إلى الشريعة الإسلامية لتشمل كل شيء في الحياة بعد اكتمالها يوم حجة الوداع، قال تعالى في (سورة المائدة /3 ) : " اليومَ أكملْتُ لكم دينَكم وأتممْتُ عليكم نعمتي ورضيْتُ لكم الإسلامَ دينا " .

3-الزمن والديمومة :

    والديمومة في الخلود في الجنة ونيل نعيمها الدائم، أو في النار ودوام عذابها أبدا سرمديا مما ركز عليه القرآن الكريم، قال تعالى في خلود الكفرة في جهنم في (سورة الزخرف):" إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ(74)لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ(75)وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ(76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ(78)أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ(79)أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ(80( " .

   ومن العذاب ما توعد الله سبحانه به بني إسرائيل في حياتهم الدنيا لجرائرهم قوله تعالى في ( سورة الأعراف /167) : " وإذ تأذن ربك ليبعثَنَّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب " .

   والله سبحانه قادر على أن يجعل كلاً من الليل والنهار دائمين ولكنه رحمنا بليل ونهار نرتاح فيهما ونطلب الرزق ونعبد الله سبحانه، قال تعالى في (سورة القصص): " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(73) " .

   والكلمة الطيبة ثمرتها حسنة كل حين، قال تعالى في فضلها الدائم في (سورة إبراهيم) : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25( " .

4-الزمن والعشوائية :

    وتعني أن تصرفات الناس عبر الزمن تجري على غير نظام، أو هم يتخبطون فيه خبط عشواء، ويتصرفون خلاله تصرفات غير منطقية، وبغير هدى أو سنة متبعة([25]) " .

   وتبدو العشوائية في سلوكيات الكفرة والمشركين والعصاة من عباد الله، وفي أجوبتهم وجدلهم غير المنطقي خلال أزمنة حياتهم فيما رواه لنا القرآن الكريم :

    فإبليس بعدما امتنع عن السجود لآدم، وصدر منه كلمات لا تليق بجلال الله سبحانه وعظمته، أدرك أن الله تعالى أحل به لعنته وأنه سيعذبه على قوله، فأذل نفسه أمام مولاه القادر على معاقبته، ورجاه أن يؤجل عقابه إلى يوم القيامة، فأمهله لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، فعادت إلى إبليس عنجهيته، وأقسم بعزة ربه - ليؤكد ما أقسم عليه- على إغوائه للبشر إلا المخلصين منهم لربهم جل جلاله، وهكذا بدا إبليس اللعين في الوقت نفسه متكبرا تارة، وخائفا من ربه ذليلاً أمامه تارة أخرى، قال تعالى يحكي لنا هذه السلوكيات المتخبطة من إبليس في (سورة ص~) : " فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ(73)إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ(74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ(75)قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ(76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ(77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ(80) إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ(81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ(84)لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ(85) " .

    كما تتضح عشوائية التصرفات البشرية خلال حياتهم فيما يصدر عن الكفرة حين يسيرون على غير هدى كالذين يصدون عن سبيل الله ويغفلون عن الزمن الذي يتربص بهم ليلاقوا فيه وبال أمرهم، قال تعالى في مثل هؤلاء في (الزخرف/83 ): " فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ " . فهم في دنياهم كمن يخوض ويلعب في غفلة عن اليوم الموعود .

   ومن العشوائية أيضا تصرفات فرعون ومن معه، فهو يسخر من موسى عليه السلام ودعوته، فيريه الله آياته في العصا واليد، فيرميه فرعون وملؤه بتهمة السحر، ولما أرسل الله سبحانه عليهم الطوفان، والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مبينات، طلبوا من موسى أن يكشف الله عنهم العذاب ووعدوا بإيمانهم وأنهم سيهتدون، فلما استجاب الله لموسى ما وعدوا نكثوا على أعقابهم خاسئين، بل راحوا يفتنون الناس، ويدعون أن موسى مهين ولا يكاد يبين، وأنه ليس لديه ما لدى فرعون من أموال وزخرف، وكأن النبوة بالمال لا بالهداية بشريعة الله، وكانت تصرفاتهم واتهاماتهم العشوائية غير المنطقية سبباً في إغراق المولى تعالى لهم، قال تعالى يحكي ذلك في ( سورة الزخرف) : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(46)فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ(47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَاۖ وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ(49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ(50) وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِيۖ أفَلَا تُبْصِرُونَ(51)أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ(52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ(53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ(54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ(55)".

    ومن العشوائية أيضا ما صدر عن الكفرة والمترفين من سلوكيات في الدنيا فيما حكاه المولى تعالى عنهم في (سورة المؤمنون) ، فهم قد أعرضوا عن ربهم فأخذهم بالعذاب في الحياة الدنيا لعلهم يرجعون، فاستمروا في إعراضهم خلاف ما كان يتوقع من العقلاء في حياتهم الدنيا، فاستحقوا العقاب يوم القيامة، وقد بين الله سبحانه أنه لو رحمهم وكشف عنهم العذاب في الدنيا للجُّوا في طغيانهم يعمهون، ثم وبخهم وقال لو أنهم تضرعوا وتابوا إلى الله عندما يأتيهم العذاب في زمن دنياهم  لَرَحِمَهم، ولكنهم خالفوا ولم يُحكِّموا عقولهم، ولم يفكروا بخلق الله لهم، وأنه هو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يجري كلاً من الليل والنهار على الدوام، واستمروا في تفكيرهم العشوائي غير المنطقي، وفي إنكارهم كآبائهم يوم القيامة وادعوا أن هذا من أقوال الأولين وأساطيرهم التي كانت تحكى لهم ولآبائهم في أزمنة سبقت، قال تعالى في ذلك : " حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّكُمْ منا          لَا تُنْصَرُونَ(65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ(66)....وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) ....... وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَٰذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83) " .

   وهكذا بدت العشوائية من خلال تصرفات الناس في أزمنة حياتهم، وكان الزمن وسيلة من وسائل التعبير القرآني عن عشوائية هذه التصرفات .

خامساً : تحولات الزمن :

    وأعني بها أن الزمان قد يتحول تحولاً معهوداً أو غير معهود بقدرته تعالى بكلمة كن فيكون، وقد يتوقف الزمن بالموت أو بقيام الساعة، وقد يكون الزمن مجالا للعبادة، وهذا ما يدعو إلى الحديث عن : 1- قدرة الله في الزمن :

    الله قادر على كل شيء، ومن ذلك إحياء الموتى في الحياة الدنيا، فهؤلاء قوم من بني إسرائيل يدعون إلى الجهاد فيهابون الموت فيميتهم الله دفعة واحدة في أسرع زمن، ثم يبعثهم بكلمة كن فيكون ليبين قدرته على فعل ما يشاء، قال تعالى في (سورة البقرة/243) : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ([26]) " .

   وقدرته تعالى قلبت الأرض على كفرة الأمم السابقة عقوبة لهم، قال تعالى في (سورة غافر) : " أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ(22) " .

   وقدرته عز وجل أيضا تجعل مراحل حياة الإنسان تتحول من حال إلى حال عبر الزمن، فبعد  المرحلة الترابية الأولى يكون نطفة، ثم يتحول إلى علقة فمضغة، فجنين فطفل، ثم ينتقل إلى مرحلة الشباب، فالشيخوخة .. قال في (سورة الحج) :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا .. (5( " .

   وفي ظل مناجاته تعالى يستروح المؤمن وتهدأ روحه ولا سيما أيام النكبات والأزمات لأنه يدرك أن لا منقذ له من هذه الخطوب إلا رب العالمين القادر على كل شيء، بكلمة كن فيكون، وقد نجَّى الله سبحانه أهل الكهف وأنامهم ثلاثمئة سنة ليثبت للبشرية قدرته على حفظ المؤمنين، قال تعالى في ( سورة الكهف) : " إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا(10) فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا(11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا(12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)..وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26( " .

    ولقد خلق المولى تعالى سبع سماوات في يومين كما خلق الأرض في يومين، وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام، و... قال تعالى في (سورة فصلت ) : " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(12) " .

   كما تجعل قدرته سبحانه الكون يستجيب لدعوته في يوم القيامة فتزلزل الأرض في هذا الزمن القصير، وتخرج أثقالها، قال في (سورة الزلزلة) : " إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا(3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5) يَوْمَئِذٍ يَصْدرُ الناسُ أشْتاتاً لِيُرَوْا أعمالَهُمْ(6) " . وتقوم السماء والأرض بأمره كما ورد في (سورة الروم) ويخرج الناس من قبورهم في هذا اليوم المهول : " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ(25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ(26)" . فالدعوة الواحدة تجعل الكون يسارع ، فالأرض تزلزل وتخرج ما في باطنها ومن في باطنها جميعاً .

2-قدرة الله في الطبيعة عبر الزمن :

    والطبيعة معرض لقدرته تعالى أيضاً عبر الأزمنة في الحياة الدنيا، فهو قد جعل الشمس والقمر للحساب ليبين لنا أهمية الوقت في الحياة، وجعل الليل والنهار يخلف بعضهما بعضا، ويختلفان زمنا عبر الفصول ليكون ذلك دليلا على قدرته وعظمة خلقه، قال تعالى في (سورة يونس): " هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) " .

    وقد سخر الله عز وجل الطبيعة للإنسان وطالبه أن يستخدمها في حياته في الطاعة، فالحديد ألانه لداود عليه السلام ليصنع منه الدروع للحرب، ولكنه نبهه بعد ذلك أن يقدر لكل أمر قدره، فعمل الدروع له زمن، والعبادة لها زمنها، ولا يجوز أن يطغى العمل على العبادة، قال تعالى في (سورة سبأ) : " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًاۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ(10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(11) " . فقوله تعالى "وقدِّرْ في السَّرْدِ" تنبيه له ليقدر لكل أمر وقته، فلا ينفق ساعات عمره في عمل الدروع، بل عليه أن يعمل ما يكفيه قوته، أما باقي الأوقات فليصرفها في العبادة ([27]) "، كما سخرها بمقاربة الأزمنة والأمكنة كما حصل للنبي سليمان عليه السلام مع الريح : " ولسليمانَ الريحَ غُدُوُّها شهرٌ ورَواحُها شهرٌ([28]) " .  

   وبدَّل أحوال الطبيعة عقوبة كما حصل لأهالي سبأ، قال تعالى حاكيا قصتهم في (سورة سبأ) : " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌۖ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍۖ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ(15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ(16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواۖوَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ(17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ(18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(19) " . فالله سبحانه جعل جنتيهم الوارفتين المثمرتين ذواتي ثمر بشع وأشواك وسدر قليل، كما باعد بين أسفارهم ومزقهم كل ممزق حينما دعوا أن يباعد بين قراهم، وكانوا من قبل يسيرون ليالي وأياما آمنين حتى صاروا مضرب المثل وهجروا بلدانهم([29]) .

3-الزمن مجال للعبادة والذكرى :

   الغاية من الخلق عبادة الله سبحانه عبر مسيرة الحياة، ولذلك توجه ذكر الزمن لهذه الغاية فكان وسيلة للتذكير بطريق مباشر أو غير مباشر، فالظل خلق ليكون دليلا على أوقات الصلوات، وخلق الليل والنهار يخلف أحدهما الآخر للراحة والعمل وللعبادة وذكر الله سبحانه، قال تعالى في (سورة الفرقان) :    " أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا(45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا(46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا(47 (وهو الَّذي جعلَ الليلَ والنهارَ خِلْفَةً لمَنْ أرادَ أن يذَّكَّرَ أو أرادَ شُكُوراً(48) " . وقال أيضا في (سورة الإنسان) : " وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا(26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27( . فالبكور والأصيل والليل والنهار للذكر والتسبيح والصلاة ومن ثمَّ النجاة في يوم القيامة .

    وكذلك يكون الزمن لتعليم الناس شرع الله سبحانه ، قال عز وجل في (سورة الكهف/28): " واصْبِرْ نفسَكَ مع الذين يَدعون ربَّهم بالغَداةِ والعَشِيِّ يُريدون وجهَه ولا تعْدُ عيناكَ عنهم تريدُ زينةَ الحياةِ الدنيا " .

   والدنيا دار ابتلاء، والتسبيح خلال أزمنتها يرفع البلاء، قال تعالى في (سورة يونس) لما التقمه الحوت في سورة الصافات: " وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ(139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ(140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ(141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) " .

   والملائكة دائمة التسبيح لخالقها، قال تعالى فيها في (سورة فصلت/38) : " فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لايسأمون " .

   والزمان والمكان عبرة وذكرى، فديار الظالمين حينما يمر بها المسافرون صباح مساء يتذكرون عقاب من نأى عن طاعة بارئه ، قال سبحانه في (سورة الصافات) : " وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ(133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ(134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ(135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ(136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(138) " .

   ومن أعرض عن ذكر ربه عوقب يوم الحساب، قال تعالى في (سورة طه) : " وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ ۖ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا(101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا(102) .

4-الزمن وعاء للفقه :

  حركة الزمن في القرآن الكريم تخطت مجال الذكر والعبادة إلى مجال الفقه والتشريع، فالصلاة لها أوقاتها اليومية، قال تعالى في (الإسراء): " أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا(78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا(79) " ، وكأن الله سبحانه قسم الزمن اليومي للعبادة المفروضة ليبقى المرء على صلة دائمة بربه، وترك الليل لظروف العبد وشجع على العبادة فيه . 

   والصوم موعده السنوي في شهر رمضان المبارك، وموعده اليومي من الفجر إلى المغرب ، قال سبحانه في (سورة البقرة) فيهما وفي الهلال  : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ ...(187)... يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ ... (189) " .

   والحج في أيام معلومات، قال سبحانه في (سورة الحج) : " وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28( " .

   وهناك أزمنة أخرى وردت في القرآن الكريم كعِدّة الوفاة لمن توفي عنها زوجها، وعِدَّة الطلاق ، وأزمنة لكفارات ذنوب كما في كفارة اليمين، فمن لم يستطع تحرير رقبة مؤمنة أو الإطعام  فعليه صيام ثلاثة أيام([30])، وفي (سورة النور) حدد زمن دخول الأطفال الذين هم دون سن البلوغ ودخول الخدم بيوت المخاطبين، والاستئذان عليهم بأوقات ثلاثة: قبل صلاة الفجر، وعند الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء. قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) " .

 سادساً : الزمن فنياً :

    هذه الأهمية الكبرى للزمن جعلته يؤثر في بنية النص القرآني ولغته وصوره وفي انسجامه الصوتي :

1-الزمن وبنية السورة القرآنية :

 يبدو هذا الأثر في حالات كثيرة :

أ-ففي استهلال كثير من السور يبدو الزمن واضحا ولاسيما في القسم بالفجر والضحى والعصر والليل.. قال تعالى مثلا في مستهل (الفجر/1-5): " والفجرِ وليالٍ عشرٍ والشَّفع والوَتر والليلِ إذا يسرِ .." وقال في (الشمس1-4):" والشمسِ وضُحاها، والقمرِ إذا تلاها، والنهارِ إذا جلّاها، والليلِ إذا يغشاها " ... ولولا أهمية الزمن لما أقسم تعالى بما يدل عليه، ولما استهل به كثيراً من سوره، ولا سيما المكية التي تحث على عبادته بتأمل قدراته، والاستهلال كلمات أو جملة كلمات لها من القوة ما ليس لغيرها([31])، واستهلال القرآن الكريم به يشعر بتوجيهه إلى ضرورة العناية به لأهميته عنده سبحانه، ذلك لأن الزمن وعاء الحضارة، فمن خلاله تكون الطاعات والمعاصي، وتكون الإبداعات كما تكون الحروب، ولهذا نجد القرآن الكريم يلفت النظر إلى الزمن بالقسم وغيره كما يستعيذ من شره ، ففي (الفلق/1-3) نقرأ " قل أعوذ برب الفلق، من شر ماخلق، ومن شر غاسق إذا وقب " .

ب-تغلغل الزمن في نسيج السور المكية والمدنية من خلال ذكر القيامة والجنة والنار، فسورة النبأ على صغرها ورد فيها الزمن أكثر من عشر مرات حين ذكر الليل والنهار واليوم والأحقاب والميقات سوى الأدوات الدالة على الزمن بشكل غير مباشر، وكذلك الحال في سورة القيامة (1-5 و20-30 ) .

ج-وتبدو سطوة الزمن وأهميته في ابتلاء الأقوام خلاله بأزمات دنيوية بالغرق كقوم نوح وفرعون وملئه، وبالخسف كقارون، وبالصيحة كعاد وثمود ..

د-واسترجاع الزمن الماضي وتداخل الزمن في نسيج القصة الداخلي له علاقة بالزمن، فقصة إبراهيم عليه السلام فيها استرجاع لما حدث قصْدَ العبرة والذكرى، قال تعالى في (سورة الأنبياء/51 ) : " وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ(51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ(52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ(53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ(55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ(56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ(57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ(58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ(59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ(60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ(61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ(62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ(63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ(64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ(65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ(66)أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ(68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ(70)وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(71) .

    إن معمارية النص([32]) تعتمد على التوحيد الذي يطالب به العباد في حياتهم، ولقد كان استرجاع الماضي وتقاطعه مع الزمن الحاضر أثر في بنيته([33])، فالله سبحانه آتى إبراهيم رشده من قبل، ولهذا السبق أثره في دعوته، وقد حكى لنا المولى تعالى قصته وقسَمه بما سيفعله مستقبلا في الأصنام، ثم نرى الزمن يطوى سريعا بالفاء في (فجعلهم جذاذا) ثم نرى القوم يسألون ويستدعونه إلى المحاكمة ويصممون مستقبلا على حرقه وفعل الأمر يدل على المستقبل، وفي الخطاب استحضار للزمن في     ( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما )، وبسرعة يخسرون( فجعلناهم الأخسرين) . وبين النقاش والفعل والنجاة والهجرة  يطوى الزمن سريعا .

هـ- نهايات السور فيها ذكر الزمن كثيرا، ففي نهاية (سورة المائدة /119) نرى قوله تعالى لعيسى عليه السلام : " هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا..." وفي ختام سورة إبراهيم نقرأ قوله تعالى:"  يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ(49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ(50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ

 إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُواْ الْأَلْبَابِ(5) "([34]) .

   وهكذا نرى الزمن يتغلغل في نسيج السورة القرآنية بدءاً من استهلالها وانتقالا إلى مضمونها حتى خاتمتها  .

2-الزمن ولغة النص القرآني :   اللغة هي اللبنة الأولى في بناء النص، وانتقاؤها بمقدرة يؤدي وظيفتها التعبيرية إذ تكشف الحالة المادية والمعنوية لما يحكى عنه، ومن ثَمَّ تنم عن الإيجابيات والسلبيات في المجتمع، فتساعد بذلك في تصحيح القيم والمفاهيم وفي إثارة العواطف .

   ففي قوله تعالى مثلا في( سورة المزمل):" فكيف تتَّقون إن كفرتُم يوماً يجعلُ الوِلدانَ شِيْباً (17)السماءُ منفطرٌ به كان وعدُه مفعولاً(18)" تثار العاطفة الإيمانية إذ يخشى العبد هذا اليوم الذي يشيب الصغار حين تتفطر السماء وهذا ما يؤدي بهم إلى تصحيح مفاهيم حياتهم بالعودة إلى الله سبحانه .

    والزمن في اللغة قد يتغير عما هو فيه لغاية بلاغية، فصيغة الماضي تأتي لتأكيد وقوع الفعل المستقبلي كما في قوله تعالى في (سورة النحل /1 ) " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " فأمر الله ( الساعة ) لما يأت ولكن الحديث عنه بالماضي كان لإثبات وقوعه .

    والالتفات من الغائب إلى المخاطب فيه تغيير للزمن، فالغائب شيء مضى، والالتفات إلى الخطاب زمن حاضر، ففي قوله تعالى في (سورة الروم/11 ) : " الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون" فيه التفات إلى الخطاب ليخبر المخاطبين بالعودة إليه كما خلقهم أول مرة وبذلك يخافون قدرته فيتعظون .

   واسم الإشارة يشير إلى الزمن الحاضر، قال تعالى في (الروم/57 ): " وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون " ، فقوله تعالى كنتم لا تعلمون يشير إلى استمرارية جهلهم فيما مضى بيوم البعث الذي هو الآن حاضر أمامهم .

   والفاء تنم على السرعة ، قال تعالى في (سورة العنكبوت) في نوح وقومه : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (15) . فنوح عليه السلام أرسل فدعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، زمنا طويلا ، ولكنه في عمر البشرية قليل، ولهذا عبر عنه بالفاء للدلالة على سرعة الانتقام في فأخذهم الطوفان، ثم بسرعة إنجاء الله رسوله والمؤمنين .

    و( ثُمَّ) تدل على بطء الزمن كما في قوله تعالى في (سورة الروم /30 ): " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَٰلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ(40)". فبين الخلق والرزق والموت والحياة في يوم القيامة أزمنة طويلة عبر عنها بالأداة ( ثم ) وذكرها متوالية للدلالة على قدرته ورحمته بعباده لعلهم يشكرون .

  واسم الزمان يدل على الوقت أيضا كما في ( سورة الزمر/7 ) إذ جاءت كلمة مرجِع ( وهي اسم زمان ومكان من رجع يرجِع ) للدلالة على زمن الرجوع إلى الله تعالى، قال سبحانه " ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مَرْجِعكم فينبئكم بما كنتم تعملون ..." وقد تحمل معنى الرجوع المكاني مع الزماني وهذا من إعجاز القرآن الكريم، إذ قد يكون للكلمة أكثر من معنى وكلها يصلح للسياق .

   وقد نجد التعبير القرآني يتحول عن الإجابة المباشرة عن السؤال في صياغة (أسلوب الحكيم) لينبه إلى ضرورة الاهتمام بالغاية منه، من ذلك تبيان أهمية الزمن للعبادة في قوله تعالى (في البقرة/ 189):  " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " فالغاية هي تحديد مواعيد هذه العبادة وغيرها .

   ويسيطر الزمن الماضي في الخطاب التاريخي، ففي قصة شعيب نقرأ قوله تعالى في(سورة القصص) : " وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ(22)وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23)فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ(26)قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) " .

     فالأفعال الماضية المشار إليها بخط جاءت لحكاية ما كان ولا سيما في القول، أما المضارعة والأمر (الدالة على الحاضر والمستقبل) فدلت على ماكان يحدث أو سيحدث في مستقبل ذلك الزمان الماضي، ولذلك كان المستقبل إرجاعياً لما حدث في الماضي، وهذا ما يوضح خصوصية زمن الخطاب التاريخي التقليدي في تعاطيه مع الأحداث، إنه تعاط حكائي، الزمن فيه متسلسل تسلسلا منطقيا وفيه استرجاع لما كان، وفي هذا الزمن برزت الاتجاهات الفكرية والاجتماعية للمجتمع الجاهلي في التعامل مع المرأة حيث لا يراعي أنوثتها ويعدُّها كالرجل، وعليها أن تنتظر دورها وسط الزحام للسقي، وكذلك ظهرت القيم الربانية ومواقف الناس منها ممثلة في سلوكيات المرأتين والنبيَّيْن .

   3-الزمن والتصوير الفني في القرآن الكريم :

   تداخل الزمن في التصوير الفني في مشاهد القرآن الكريم وصوره الجزئية :

أ-الزمن في المشاهد :

   من ذلك قوله تعالى في مشهد من (سورة غافر): النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ(46)وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ(47)قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ(49)قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ(50)إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ(51)يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار(52)".

    ففي هذا المشهد نرى الزمن له أهميته في التعذيب، فالنار يعرضون عليها غُدُوّاً وعشيّاً، ويوم القيامة سيدخلون النار، ثم نرى الكفرة يطلبون أن يخفف الله عنهم العذاب ولو في زمن يسير، يوم واحد، ولن ينصر الله الكفار في الدنيا ولا في يوم القيامة إذ لا ينفعهم الاعتذار فيه . وقد قويت الصور بهذا الزمن خلال الرد على الكفرة .

   وهذا مشهد آخر من الجنة ونعيمها يبدو أثر الزمن فيه، قال تعالى في (سورة الطور): وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ(22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ(23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ(24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ(25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ(26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ(27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ(28) " .

   فهؤلاء في نعيم الجنة يتبادلون كؤوس خمرها وهم يأكلون في مجلسهم هذا ويطوف عليهم غلمانها، وهذا النعيم قد حازوه، والفعل في الماضي للدلالة على ثبات ما سيكون لهم من جزاء كان بما قدموه من قبل في زمان حياتهم الدنيا من صالح الأعمال .

   ومن المشاهد التقابلية التي امتزج فيها الزمن قوله تعالى في ( سورة هود) : " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ(103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ(104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ(105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ(106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ(107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ(108) " .

   فزمن الآخرة مؤجل وهو يوم مشهود وفيه يجتمع الناس، ويبدو التقابل في الحديث عن الأشقياء فهم في العذاب خالدون إلا ما شاء الله، والسعداء فهم في الجنة خالدون فيها أيضا إلا ما شاء الله، إذ يخرجهم ربهم إلى مكان آخر ليزيدهم عطاءً ونعيماً .

ب-الزمن في الصور الجزئية :

   الغاية من إيراد الصورة الفنية هو الأثر الذي تتركه في النفس لأنها بذلك تنم عن حالة نفسية وتصير سجلا منبها للانفعال([35])، وقد تغلغل الزمن في جزئيات التصوير الفني في القرآن الكريم كما تغلغل في مشاهده :

   فمن الصور السمعية قوله تعالى في (سورة مريم/98 ) وهو يصور هلاك الأمم قبل الإسلام حتى إن أقل صوت لم يعد يصدر منهم: "وكم أهلكْنا قبلَهم من قرنٍ هل تُحِسُّ منهم من أحدٍ أو تسمعُ لهم رِكْزا "، وفي هذه الصورة تهويل للموقف ، فالناس قد أهلكوا فلم يعد لهم حس ولا خبر.

   وفي قوله تعالى في (سورة الأنبياء) : " إن الذين سبقتْ لهم منا الحُسْنى أولئك عنها مُبعَدون(101) لايسمعون حسيسَها وهم فيما اشتهتْ أنفسُهم خالدون(102) لا يحزُنُهم الفزعُ الأكبرُ وتتلقَّاهم الملائكةُ هذا يومُكم الذي كنتم تُوعَدون(103) " . فهؤلاء لا يسمعون أصوات النار لئلا يزعجوا في جنانهم التي لا فزع فيها ولا أحزان وقد وعدوا بالحسنى في هذا اليوم .

   وهذه صورة بصرية وسمعية في (سورة طه) : " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا(105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا(106) لَا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا(107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا(108)" . ففي هذا اليوم تنسف الجبال ويتبع الناس الداعي إلى الله سبحانه، وتخشع القلوب فلا يصدر من أصحابها صوت إلا همسا، وفي ذلك تحذير من أهوال هذا اليوم الشديد.

   ومن التشبيه المرتبط بالزمن قوله تعالى في (سورة النحل ): "وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) " فتغيرات الساعة كلمح البصر في تدمير كل شيء بل هو أقرب زمناً

   ومن التشبيه المتعلق بالزمن أيضا قوله تعالى في (سورة يونس): "  وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(27) " . ففي الليل يَسْوَدُّ الكون، وقد شبهت به وجوه الكفرة والعصاة .

    وتعد الاستعارة أقوى تأثيراً في النفس وإيضاحا للفكرة وتعميقا للإحساس، لما فيها من حذف يدع القارئ يتملى الصورة والعلاقة بين الطرفين اللذين حذف أحدهما وذكر ما يعوض عنه، وذلك لترسيخ المعنى وأثره في النفس([36]) .

   وهذه استعارة تصريحية كان للزمن أثره فيها- والاستعارة التصريحية تجعل المشبه به أقرب إلى المشبه وفي ذلك تقوية للصورة - قال تعالى في ( سورة الأنعام) : " قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) ". فالآثام صارت جسما يحمله الكفرة على ظهورهم يوم القيامة ، وفي ذلك تصوير للمتاعب التي يجنيها المذنب من أخطائه في ذلك الزمن الرهيب .

   ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في (سورة الإسراء) : " وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا(14) " . نرى أن أعمال الإنسان غدت بالاستعارة التصريحية يوم القيامة كطائر، فكأنها طارت إليه من الغيب ولزمته في عنقه يوم القيامة بحيث لا تفارقه أبدا، وفي ذلك ذكرى وموعظة ليتجنب الإنسان العذاب في ذلك الزمن المهيب .

    وهذه كناية يتداخل خلالها الزمن في قوله تعالى في (سورة طه) : " يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا(103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا(104) " فالمجرمون زرق واللون الأزرق عند العرب كناية عن مشاعر الحقد التي تبدو من بعضهم إلى بعض .

   وفي قوله تعالى في (المائدة /64) : " كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا " صورة كنائية أيضا تعبر عن إشعال اليهود للفتن الكثيرة وقدرة المولى على إبطال كيدهم .

    وشدة أهوال يوم القيامة كنى عنها المولى تعالى بذهول المرضعة عما أرضعت، ووضع الحامل جنينها من شدة الذعر، وإحساس الناس بذهول عقولهم، وذلك في (سورة الحج) : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)" .

   وفي (سورة الكهف/11 ) نقرأ الكناية: " فضربْنا على آذانِهم في الكهفِ سِنينَ عَدَداً " لأن الضرب على الأذن يعني عدم الإحساس بما حولها وهذا كناية عن النوم سنين عددا.

  ومن المجازات المتعلقة بالزمن قوله تعالى في (سورة المزمل) في مجاز مرسل علاقته زمانية : " ياأيها المُزَّمِّلُ(1) قُمِ الليلَ إلا قليلاً (2) نصفَه أوِ انْقُصْ منه قليلاً (3) أوْ زِدْ عليه ورتِّلِ القرآنَ تَرْتِيلا(4) " فقد عبر عن صلاة التهجد قبيل الفجر بقيام الليل، وحدد زمنه للرسول صلى الله عليه وسلم نصفه أو أن ينقص منه قليلا أو يزيد عليه .

    ومن المجاز المرسل ذي العلاقة الجزئية ما ورد على لسان الرجل المؤمن في (سورة غافر): " يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ...(29) ، فكلمة اليوم هنا تشير إلى أيام حكم فرعون الكثيرة، وليس المراد به يوماً واحداً .

   ومن المجاز المرسل ذي العلاقة المصدرية قوله تعالى في (سورة فصلت/16 ) : " فأرسلْنا عليهم ريحاً صَرْصَراً في أيامٍ نَحِساتٍ " فقد نسب النحس إلى الأيام والمقصود به الزمان الذي جاء نحسا على الكافرين لتعذيبهم فيه .

  4-الزمن والانسجام الصوتي في القرآن الكريم

    ليس الزمن في القرآن الكريم بألفاظ تحمل معناه فحسب، بل هو أيضاً في زمن نطق الحروف وطول مداها، والمدى هو الزمن الذي يستغرقه النطق بالصوت مقدرا عادة بجزء من الثانية([37])، وكذلك يعرف الزمن من نطق الجملة القرآنية ومن انسجام الأصوات فيها، وهذا الانسجام قد سحر الناس حتى الكفرة منهم إذ كانوا يتسمعون إليه خفية لما فيه من جمال أخاذ([38]) . وقد بدا هذا الجمال والانسجام والزمن في علم التجويد ولاسيما في المدود، وأضرب لذلك مثلا واحدا([39])من قوله تعالى في (سورة الأنعام): " وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ(80)" . ففي هذه الآية الكريمة نرى المثقل الكلمي في (حـــا~جَّه) و ( أتحــــا~جّو~نّي)، والصلة الصغرى في مد الهاء بين متحركين في قومه~ قال، والصلة الكبرى في ( به~إلا )فضلاً عن المدود الطبيعية في ( قال، ني، الله، هدان ،لا ، أخاف، ما، تشركون، إلا ، يشاء، ربي، أفلا تتذكرون)، وعند الوقف على (تتذكرون) نرى المد العارض للسكون ومقداره 2-4-6 حركات حسبما يريد القارئ . وهذه الكمية الكبرى للمدود التي قاربت خمسين حركة تحتاج إلى أزمنة شتى، ولهذا أضفت على الآية القرآنية نغمة عذبة .

   وكذلك يبدو جمال الانسجام الصوتي في الفواصل القرآنية وفي الميزان الصرفي ومن خلال الحذف والزيادة والتنغيم، وهذا ما سأعرضه في هذه الدراسة .

أ-الانسجام الصوتي في الفاصلة القرآنية :

    " الفاصلة كالقافية كلمة في نهاية الآيات الطويلة أو القصيرة، المكية أو المدنية، ولها وظيفة إيقاعية ومن ثم وظيفة دلالية بما توحيه في العبارة بمدها أو قطعها "([40])، فالألف مثلا أطول زمنا من الواو والياء إذ يقدر زمنها بضعف إحداهما، وتقدر ذبذباتها بـ (800) ذبذبة أما الواو فـ(362) والياء ( 308)، وهذه الذبذبات حتى يصل صوتها إلى طبلة الأذن عبر وسط ما يسمى المدى تؤثر باهتزازها على زمن النطق([41])، ومما يدل على قيمتها الزمنية أن الفاصلة في القرآن الكريم تلتزم الحروف الطويلة أو القصيرة ليتحقق الانسجام الصوتي فيه، ولا تجتمع مع الواو والياء لاختلاف الزمن في كل منهما .

   ففي (سورة طه) نرى الفاصلة ألفا فتكون أطول زمنا وأقوى دلالة، لأن كل زيادة في اللفظ يقابلها زيادة في المعنى، قال تعالى:" فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ(117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ(118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ(119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ(120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ(121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ(122) " .

    فهنا نرى الألف فاصلة في نهايات الآيات الكريمات، كما وردت في ثناياها إحدى وثلاثين مرة سوى الفواصل، وهذا ما أكسبها تناغما وانسجاما ومدّاً في المعنى يناسب تحذير المولى تعالى لآدم من وسوسات الشيطان عبر الأزمنة، لئلا يتعرض للشقاء المديد في عمره .

   ولردف الألف زمانه وجماله أيضاً، ومن جماليات ردف الألف قوله تعالى في (سورة نوح) : "قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا(5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا(6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا(7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا(8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا(9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا(13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا(14) ".  فهنا نرى الألف ردفا قبل الروي ووصلا بعده، وهذا ما سمح بمد الصوت في حال الألم والحزن، والمناجاة والاستغفار، ومد الرحمة والمغفرة وإضفاء النعم، وهذه " الدلالة التعبيرية للمد ما كانت لتتحقق لو أن الحروف جاءت غير مردفة ولا موصولة"([42])، فضلا عن أن الراء المجهورة في الروي أطول زمنا من الحروف المهموسة، لأن الراء فيها انسداد كامل قصير الزمن يتلوه انفتاح فانسداد آخر([43])، وهذا ما زاد الزمن طولاً.

    ويكثر في القرآن الكريم الفواصل المردفة بالواو والياء لأن صوتيهما متقاربا الزمن، أما الألف فلا ترد معهما لطول زمانها عنهما. ففي (سورة الواقعة) : " فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ(83)وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ(90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ(93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ(94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ(95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96( .

   نرى الفاصلة ردفت بالواو والياء، ولكنها لم تلتزم حرفا واحدا بل جاءت بين النون والميم، وهما حرفان  من حروف الغنة ، وللغنة زمانها أيضا، إذ ليست الغنة إلا إطالة في زمن النون والميم([44])، كما أن الزمن طال بردف الواو والياء المتناسبين زمنا، والفاصلة المردفة أطول زمنا من غيرها، وأمثال هذا كثير في السور الطويلة والمتوسطة والقصيرة، وإذا أضفنا إلى هذا الجمال حلاوة التناوب والتوازن بين أداة الشرط وفعل الشرط وجوابه المقترن بالفاء والمنون في ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ/ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ/ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ  وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ)، وجمال النغمة وطولها في الميم والنون المدغمتين([45]) في ( أمَّا – فروحٌ وريحانٌ وجنَّة نعيم) أدركنا عذوبة هذا الإيقاع والتناسب النغمي وأثر الزمن في هذا التناسب، ذلك لأن   " التناوب النغمي يطرق السمع في مدة زمنية منتظمة وهذا من أهم عوامل الإيقاع" ([46]) .  

   والحروف عادة تختلف أزمنة نطقها حسب اختلاف مداها الزمني عند النطق، فالحروف المجهورة  يحبس الصوت فيها فلا يجري معها نفَس ولا صوت، ويضغط الصوت ثم يخرج بعد الانحباس، وهي لذلك أطول زمنا من الحروف المهموسة([47])، والإيقاع الموسيقي كما يقول د. ماهر هلال يتأثر بجرس الألفاظ([48]). وقد كثرت الفواصل المجهورة في القرآن الكريم كالميم والنون والراء واللام والباء والقاف([49])، ففي قوله تعالى في (سورة الطارق ) :" وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ(1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ(2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ(3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ(4)... فالطرق قوي، والنجم الثاقب فيه قوة، ولذلك ناسب أن يأتي روي القاف والباء وهما من الحروف المجهورة ذات القلقلة في مجالي القوة، ولكن الله سبحانه لما ذكر قوة الكيد جاء بالدال القوية ولكنه وصلها بالألف عند الوقف ليشير بهما إلى قوة الكيد وطوله وامتداده الزمني، قال سبحانه : " إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17) " .

   وهذه فاصلة من حرف مجهور مع ردف الياء الملتزم قبله، وهو يشير إلى امتداد القوة في قوله تعالى في(سورة ق~): " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ(16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّۖذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ(19)وَنُفِخَ فِي الصُّورِۚذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ(20)وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ(21)لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ(22) " .

   وبهذه النغمة القوية والممدودة وبهذا الانسجام والالتحام تحقق الأثر النفسي([50])، وكان لاختيار الروي أثره في الحالة النفسية وهذا ما يلاحظه كل من يقرأ سورة ق~ .

     وقد تتعلق الفاصلة بكلمة في آية لاحقة فيطول زمنها بالوقف، ففي قوله تعالى في (سورة الروم) :  " غُلِبَتِ الرُّومُ(2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(5) " . فالجار والمجرور الأول( في بضع) متعلقان بالفعل( سيغلبون)، والوقفة عند الفاصلة لها أثر في ترسيخ فكرة النصر، ومن ثَمَّ الفرح بالنصر في الآية الرابعة التي تتوقف الفاصلة فيها أيضا على الرغم من تعلق الجار والمجرور بعدها( بنصر) بها، وبذلك يمتد الكلام ويطول، ويتملّى القارئ المعنى فيرسخ في ذهنه.

   أما في قوله تعالى في (سورة التكوير) : " وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ(17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ(18) " فقد جاءت حروف السين المهموسة لتشير إلى عسعسة الليل وتنفس الصبح الوادع ببطء نوعا ما، وعندما انتقل التعبير القرآني إلى ذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جاء الروي ميماً أو نوناً مردوفة بالياء والواو ليشير إلى علو شأنه صلى الله عليه وسلم وذلك في: " إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ(20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ(21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ(22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ(23) " .

    وروي الهاء، وهو من الحروف المهموسة عند الوقف على رؤوس الآي فيه همس يوحي بخير أو بشر يحصل منه تعب ومعاناة، ففي قوله تعالى في (سورة القارعة) : " فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ(8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ(10)نَارٌ حَامِيَةٌ(11)" . فالجنة حفت بالمكاره ولهذه أتعابها حتى تكون الموازين ثقيلة، والنار حفت بالشهوات وأتعابها مؤجلة في الجحيم. ولهذا فالتعب إما دنيوي أو أخروي، وهو على أي حال تعب طويل، أشير إليه بزيادة هاء السكت في ( ما هيه) .

   وقد زاد الزمن أيضا بهاء السكت في قوله تعالى في (سورة الأنعام/90 ) : " أولئِك الذين هَداهم اللهُ فبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ " فالهاء في اقتده زيدت لتزيد معنى الاقتداء ، وهذا مايوصلنا إلى الانسجام الصوتي في الزيادة والحذف :

ب-أثر الزيادة والحذف في الانسجام الصوتي :

   الزمن الصوتي، ومن ثمَّ الانسجام الصوتي يتأثران بالزيادة والحذف طولاً وقصرا، وقد بدا هذا في القرآن الكريم واضحاً :

     ففي قوله تعالى في (سورة الأحزاب) : " يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) " . تشير زيادة الألف الأولى إلى مد الحسرة، والثانية إلى مد الضلال، ولهاتين المدتين أثرهما في التعبير عن الحالة النفسية للمعذبين .

   وفي الحذف أثره التعبيري والنفسي أيضا، ففي قوله تعالى في (سورة الزمر) : " قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(10) " فكلمة ياعباد لما حذفت منها ياء المتكلم دلت بسرعة نطقها على القربى من الله سبحانه .

   وفي قوله عز وجل في (سورة الصافات) : " وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102)". ففي حذف ياء المتكلم مسارعة في زمن الهداية في الأول، وفي زمن الرجاء في الثاني، وفي سرعة الطاعة في الثالث ، وبهذا يكون للحذف دلالته المعنوية والنفسية .

   وقد يحذف حرف العلة من الفعل والاسم كما في (سورة القمر/6 ) : " فتولَّ عنهم يوم يدعُ الداعِ إلى شيء نكر " وهذان الحذفان أشارا إلى سرعة العذاب في ذلك اليوم الذي لامفر فيه لأحد من البشر .

   وقد تحذف تاء المضارعة فيقتطع من الزمن زمن نطقها كما في قوله تعالى في (سورة هود/105) " يوم يأتِ لا تَكَلَّم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد " فالفعل لاتكلّم أصله لاتتكلم فكأن الخوف قصر من زمن نطقهم بعدما رأوا سرعة الحساب في يوم القيامة، وقد دل على السرعة حذف حرف العلة من يأتِ .

   وقد تحذف حركة الفعل فيُسَكَّن ليشير إلى قوة الجزم بالأمر وشدته كما في قول النبي الملك سليمان عليه السلام في (سورة النمل/28 ):" اذهب بكتابي هذا فألقـــِـــهْ إليهم ثم تولَّ عنهم فانظر ماذا يرجعون".

ج-أثر الميزان الصرفي في الانسجام الصوتي :

   وللميزان الصرفي أثره الموسيقي ولا سيما في المبالغات، لأن كل تضعيف([51]) أو حذف يؤثر على الزمن، ومن ثَمّ على المعنى والحالة النفسية، وقد بدا هذا في القرآن الكريم :

    ففي قوله تعالى في (سورة عبس/33):" فإذا جاءت الصاخَّة([52])" وهي الصيحة تصمُّ لشدتها، وإذا أضفنا إلى معناها شدة المثقل الكلمي وزمنه ست حركات([53]) أدركنا طول الزمن الذي يوحي بطول المعاناة من أهوال يوم القيامة ولا سيما بتضعيف حرف الخاء .

      وفي قوله تعالى في (سورة البقرة/72): " وإذ قتلتم نفساً فادَّارأْتُمْ ([54]) فيها والله مخرجٌ ما كنتم تكتمون " فالفعل بالتضعيف يوحي بشدة الكتمان، والزمن فيها طال بإدغام الدال المجهورة المبدلة من التاء المهموسة، والمجهور أطول زمنا من المهموس .  

    وفي قول نوح عليه السلام في (سورة نوح/ 22) : " ومكروا مكراً كبَّاراً " نرى أن كبّارا صيغة مبالغة وهي أقوى في الدلالة على الكبر من كبير ، وبذلك التضعيف والمد يطول الزمن فيوحي بالمبالغة بكثرة المكر.

   وفي قوله تعالى في (سورة ن~ ): "وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13( " . فصيغ مبالغات اسم الفاعل المشار إليها أطول من صيغة اسم الفاعل لوجود التضعيف والمدود فيها، وهذه الإطالة تؤثر في زمن الإيقاع أو النغمة القرآنية.

   وفي قوله عز وجل في (سورة المائدة/33) : " إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " .فـ ( يقتَّلوا ، يصلَّبوا ، تقطَّع) أقوى من (يقتَلوا ، يصْلبوا ، تقْطع) لوجود حرف زائد بالتضعيف وهذا ما أعطى زيادة زمنية ومعنوية معا .   

د- أثر التنغيم في الانسجام الصوتي :

   "التنغيم هو إعطاء الكلام نغمات معينة تنتج من اختلاف درجة الصوت التي تتحدد وفق عدد الذبذبات التي يولدها الوتران الصوتيان([55]) "، أو هو توالي درجات صوتية مختلفة أثناء النطق للتعبير عن التعجب والاستفهام والغضب والتقرير أو النفي، ويكون التنغيم في الجملة أما النغمة فعلى المستوى الفردي للكلمة([56]) . وعلى هذا فالتنغيم يؤثر في الزمن الموسيقي لأنه يؤثر في زمن نطق الجملة .

    ويكون التنغيم بالجملة الخبرية والطلبية، كالاستفهام بإظهار نغمة الاستفهام ولو حذفت أداته، والتنغيم بالتعجب ويكون بتغيير ذبذبات الصوت ليشعر السامع بالتعجب من قضية ما، وكذلك الحال في نغمة النفي والتقرير والنداء والأمر .

   وفي القرآن الكريم يطالب المرتل بمراعاة أغراض الكلام الذي في ضوئه تتفاوت نبرات الصوت ارتفاعا وانخفاضا وتغييرا في سياق الكلام، والطبيعة الإنسانية تألف الكلام الذي فيه تنوع وتغيير، والخروج بالجملة عن قالبها النغمي كالخروج بها عن قواعد النحو لأن تغير النبر أو التنغيم ليناسب أغراض الكلام هو الرسالة التي توصل المعنى إلى السامع .

      ففي قوله تعالى في ( سورة الأعراف/123) لما استنكر فرعون إيمان السحرة  في وقت قبل أن يأذن لهم قال : " آمنْتُمْ بهِ قبلَ أنْ آذَنَ لكمْ " أي أآمنتم به قبل ... نرى أن على القارئ أن يظهر هذا التنغيم الاستفهامي وإن حذفت أداة الاستفهام لأن التنغيم يؤثر على المعنى كما يؤثر على الانسجام  الصوتي .

      وفي  (سورة الكهف/28): " واصبِرْ نفسكَ مع الذين يدعونَ ربَّهم بالغَداةِ والعَشِيِّ يريدون وجهَه ولا تعْد عيناكَ عنهم تريدُ زينةَ الحياةِ الدنيا ولا تُطعْ من أغفلْنا قلبَه عن ذِكْرِنا واتَّبعَ هواهُ وكان أمرُه فُرُطا " فقوله تعالى( تريد زينة الحياة الدنيا) تعني: أتريد زينة الحياة الدنيا؟ والكلام، وإن كان في ظاهره موجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يراد به المؤمنون لئلا يتخلوا عن الدعوة إلى ربهم بالغداة والعشي مدى حياتهم الدنيا . وبهذا تكون النغمة هي الحكم على المعنى .

  وهذه نغمة هادئة تارة قوية أخرى يتداخل فيها الزمن في قوله تعالى وهو يُطَمْئِنُ بها المولى تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في (سورة الفرقان) حين كذبه قومه وقالوا : " إنْ هذا إلا إفْكٌ افْتراهُ وأعانَه عليه قومٌ آخرونَ(4) وقالوا أساطيرُ الأوَّلينَ اكْتَتَبَها فهي تُمْلَى عليه بُكْرَةً وأصِيْلا (5) "،  ثم طلبوا أن ينزل عليه ملَك،  أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة، فرد الله سبحانه وتعالى عليهم وعلت النبرة شيئا فشيئا حتى بلغت أقصاها مع اجتماع الكلمات القوية في الجملة، ومع التنوين المطلق بالألف المردوفة بالواو والياء ومع تداخل الزمن المهيب وذلك في قوله عز وجل : " بلْ كذَّبُوا بالساعةِ وأَعْتَدْنا لمَنْ كذَّبَ بالساعةِ سعِيراً(11) إذا رأتْهُمْ من مكانٍ بعيدٍ سمعُوا لها تَغَيُّظاً وزفِيْراً(12) وإذا أُلْقُوا منها مكاناً ضيِّقاً مُقَرَّنيْنَ دعَوْا هنالك ثُبُوراً(13) لاتَدْعُوا اليومَ ثُبُوراً واحداً وادْعُوا ثُبُوراً كثيراً(14) " فالنبرة علت مع التكذيب حتى بلغت مرتبة التغيظ والزفير مع الحسرات والضيق والثبور وكان التكرار وذكر الزمن وأهواله يزيد في هول الموقف ليدل على شناعة الفعل .

     وفي (سورة يوسف) وبعد اكتشاف الأخوة جريرة عملهم مع يوسف : " قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ(91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92( . نرى أن نغمة الحزن تطغى وانكسار النفس يبدو عند التقرير مع القسم في قول الإخوة، ثم يأتي التنغيم في النفي ليشير إلى جمال السماحة في زمن القدرة، مع رجاء العفو من الله سبحانه وذلك في قوله (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) .

 هذا هو السحر الحلال، وكيف لاينحني المرء سجودا لمن أنزل هذا الكلام العظيم معنى ومبنى ؟

الخاتمـــة

    بعد هذه اللفتات القرآنية أقول: إن دراستي للزمن ليست كعرض الوعاظ للوقت، ولا أنكر فضلهم،  وإنما هي دراسة للزمن في التعبير القرآني عرضت خلالها تعريف الزمن لغويا وتاريخيا ونفسيا وفنيا، ثم انتقلت إلى تبيان ألفاظ الزمان المباشرة وتغير مدلولها تبعا للأوضاع العقدية والاجتماعية، ثم ألفاظ الزمن غير المباشرة وتغير معناها في السياق، وأدوات الزمان في اللغة. ثم عرجت إلى عرض الزمن في القرآن الكريم تاريخيا بعرض حوادثه لتثبيت القلوب والكشف عن علاقات الأمم ومصيرها، وبينت أن الحوادث قد تتكرر لتقدم في كل مرة جديدا، وقد تتسارع فتوجز أو تفصل فتتباطأ وذلك تبعا للمعنى، وقد تستهل من بداية الزمن ثم تسير عبر الأزمنة حتى النهاية، أو تبدأ من الوسط أو الخاتمة ثم تعود بنا القهقرى إلى البداية، والقرآن الكريم ليس كتاب تأريخ ليذكر السنوات إلا ماتدعو إليه الضرورة كنوم أهل الكهف أو ذكر القضايا الفقهية عبر الزمن . وهناك إلغاء للزمن بحذف بعض المشاهد القصصية .

   أما الزمن النفسي فيطول أو يقصر حسب الأحاسيس، وقد يتخذ وسيلة للتعبير عن حالات نفسية أخرى كالفخر بإهلاك المولى تعالى للأمم الكافرة، والمديح والإعجاب بمن يستخدم الزمن للعبادة، والكراهية والهجاء مثلا لبني إسرائيل حين عوقبوا بالنفي أربعين سنة، والعتاب لمن ترك الصلاة للهو أو التجارة و...  

    وقد اتصف الزمن في القرآن الكريم بصفة التغيير إذ تتحول خلاله الأحوال وتتقلب، وبالشمولية كما في موت البشرية كلهم وبعثهم جميعهم، وبالديمومة ولاسيما في الدار الآخرة، وبالعشوائية في منطق إبليس وسائر الكفار وفي سلوكياتهم عبر حياتهم. وكان للزمن تحولاته الكبرى بقدرة الله سبحانه، فهو يحيي الموتى في الدنيا مثلا، والطبيعة معرض لقدرته فالليل والنهار والشمس والقمر للحسبان، والدعاء يحولها من حال إلى حال كما حصل لقوم سبأ، والزمن وسيلة للعبادة والذكر، أو للتشريع الفقهي ...

   أما الزمن فنيا فقد أثر في بنية السورة، فاستهل بعضها أو ختم بالزمن، كما تناثرت ألفاظه خلالها.   

   وبدا أثر الزمن أيضا في لغة النص، واختيارُها كشف عن القيم والعواطف، وكانت صيغة الماضي تؤكد الحدث، والالتفات من ضمير إلى آخر يغير الزمن، وكذلك كان لأسماء الإشارة وحروف العطف أثرها الزمني، ويسيطر الزمن الماضي على صيغة الحدث المحكي، أما المضارع فيأتي استرجاعا لما كان سيحدث في مستقبله، وخلال العرض التاريخي يسير الزمن تباعا أو يتنقل عبر الأزمنة.

    كما تداخل الزمن عبر التصوير الفني مشاهد وصورا جزئية كالتشابيه والاستعارات والمجاز والكناية.

   أما الزمن الصوتي فقد بدا من خلال أزمنة نطق الحروف ولا سيما في الفاصلة القرآنية، في حروف رويها وردفها ووصلها، وفي نطق ألفاظ المبالغات وغيرها من الموازين الصرفية، وفي حذف بعض الحروف وزيادة أخرى مما لاتدعو إليه الضرورة بل لغاية بلاغية ، وفي التنغيم في الجملة القرآنية.

   وأخيرا أرجو أن يكون هذا البحث مفتاحا لدراسة الانسجام الصوتي في التعبير القرآني بتوسع ليبين فيه الإعجاز الصوتي كما بان في كثير من أساليبه ومضمونه .

المصادر والمراجع

1-    القرآن الكريم

2-    الاستهلال، فن البدايات في النص الأدبي : ياسين النصير ، دار الشؤون الثقافية، بغداد 1993م .

3-    الأسس الجمالية للإيقاع البلاغي في العصر العباسي، ابتسام أحمد حمدان، دار القلم العربي، حلب، سوريا1997م .

4-    الأصوات اللغوية : د. إبراهيم أنيس ، مكتبة الأنجلو المصرية ط1977م.   

5-    البرهان في تجويد القرآن ويليه رسائل في فضائل القرآن، محمد الصادق قمحاوي، القاهرة 1973م .

6-    البرهان في تناسب سور القرآن : أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي، تحقيق د. سعيد بن جمعة الفلاح ، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع ط2 س 1431هـ .

7-    بناء القصيدة في النقد العربي القديم في ضوء النقد الحديث : يوسف حسين بكار، دار الأندلس ببيروت ط2 س1403هـ 1983م .

8-    التحليل الألسني : محمد عزام ، منشورات وزارة الثقافة بدمشق ، سوريا 1994م .

9-    التشكيل الصوتي في اللغة العربية فونولوجيا العربية : د. سلمان حسن العاني ، ترجمة ياسر الملاح ، مراجعة محمد عادل العاني ، ط دار البلاد، جدة، السعودية، 1403هـ 1983م . 

10-تحليل الخطاب الروائي : الزمن ، السرد، التبئير : سعيد يقطين، المركز الثقافي للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت ، ط3س1997م .

11-تفسير أبي السعود المسمى إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: أبو السعود محمد بن محمد العمادي، 4 أجزاء . ( د. ت )

12-جرس الألفاظ ودلالتها في البحث البلاغي  والنقدي عند العرب : د. ماهر هلال مهدي، وزارة الثقافة والإعلام في العراق، ط دار الحرية ، نشر دار الرشيد، بغداد 1980م .

13-الحياة والموت في الشعر الأموي : محمد بن حسن الزير، دار أمية للنشر والتوزيع، الرياض ، السعودية ط 1989م .

14-دلائل الإعجاز في علم المعاني: عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق الشيخ محمد عبده ومحمد محمود الشنقيطي ، دار الكتب العلمية، بيروت 1409هـ 1988م .

15-دروس في ترتيل القرآن الكريم : فائز عبد القادر شيخ الزور، مؤسسة علوم القرآن ، عجمان والشارقة ودار ابن كثير بدمشق وبيروت ، ط8 س1415هـ 1994م .

16-دليل الناقد الأدبي إضاءة لأكثر من خمسين تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا : ميجان الرويلي وسعد البازعي، الدار البيضاء بالمغرب، ط2 س2000م .

17-الزمن السردي في النص المسرحي : بيداء محيي الدين ميرو، دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة ، الإمارات 2003م .

18-الزمن في الشعر الجاهلي : د. عبد العزيز محمد شحادة ، مؤسسة حمادة للخدمات والدراسات الجامعية ، إربد، الأردن .

19-السيرة النبوية لابن هشام الأنصاري : تح عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة ط2 س 1987م .

20-صحيح مسلم بشرح النووي تحقيق حسن عباس قطب ، عالم الكتب بالرياض ، ط1424هـ 2003م .

21-الصورة بين البلاغة والنقد : د . أحمد بسام ساعي، ط المنارة للطباعة والنشر س 1984م .

22-الفاصلة في القرآن الكريم : محمد الحسناوي ، دار الأصيل ، حلب ، سوريا ط1977م .

23-في نظرية الأدب ، من قضايا الشعر والنثر في النقد العربي القديم والحديث : عثمان موافى، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية ط 1991م .

24-القاموس المحيط : الفيروز آبادي، 4 أجزاء ، دار الكتاب العربي .

25-لسان العرب ، محمد بن مكرم بن منظور ، 7 مجلدات ، دار صادر ببيروت ط1997م.

26-مبادئ اللسانيات : د. أحمد محمد قدور، دار الفكر بدمشق ودار الفكر المعاصر ببيروت ط2 س1419هـ 1999م.

27-مباحث في علوم اللغة أو مناهج البحث اللغوي ، د. نور الهدى لوشن ، الاسكندرية ، المكتبة الجامعية ط 2002م .

28-المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها : محمد الأنطاكي، دار الشرق العربي ، بيروت 1391هـ 1971م ,

29-معمارية القصيدة في تشكيل الخطاب الشعري ، دراسات في الشعر الجاهلي: موسى ربابعة، مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية والنشر والتوزيع، إربد، الأردن ط2000م .

30-موسيقا الشعر العربي ، مشروع دراسة علمية : د. شكري محمد عياد، دار المعرفة ، القاهرة 1986م .

31-النقد الأدبي أصوله ومناهجه : سيد قطب ، دار العربية ببيروت ط4 س1966م .

32- ومن الدوريات : بحث التضمين والاقتباس في ضوء التناص ، دراسة وتطبيق : د. نور الهدى لوشن ، مجلة كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة ، ع24 ، س1426هـ 2006م .

 


[1] ) لسان العرب مادة زمن .

[2] ) صحيح مسلم 15/4

[3] )ينظر : الزمن السردي / 8

[4] ) ينظر : الزمن في الشعر الجاهلي / 19

[5] ) فواق: بضم الفاء وفتحها: قدر ما بين الحلبتين من الراحة: لسان العرب مادة فوق، وفي تفسير أبي السعود: ما لها من فواق : أي من توقف مقدار فواق، وهو ما بين الحلبتين : م4 /218

[6] ) وينظر كذلك آية 76 من الإسراء .

[7] )ينظر تفسير أبي السعود م4 / 102

[8] ) سورة طه / 9-99 وشبيه بها في سورة القصص / 76-82 عدا قصة السامري، مع ذكر زواج موسى من ابنة النبي شعيب عليه السلام، وذكر فساد قارون الذي كان من قوم موسى فبغى عليه حتى خسف الله سبحانه به وبداره الأرض فلم ينفعه ماله وجبروته .

[9] ) ينظر : دليل الناقد الأدبي / 45

[10] ) ينظر : تحليل الخطاب الروائي / 144

[11] ) سورة البقرة / 31-38

[12] ) البرهان في تناسب سور القرآن / 102

[13] ) سورة الأعراف /12-18

[14] ) سورة هود / 25-49

[15] ) سورة الشعراء / 105-122

[16] ) سورة نوح

[17]) سورة النمل /15-44

[18] ) طه / 9-99

[19] ) سورة القدر / 1

[20] ) سورة الأنفال / 5-14 ، وينظر لسبب النزول في تفسير أبي السعود  م 2 /2

[21] ) تفسير أبي السعود م4 / 49

[22] ) ينظر تفسير أبي السعود 4/ 109

[23] ) القول ذكر في بحث التضمين والاقتباس في ضوء التناص، دراسة وتطبيق ، د. نور الهدى لوشن ، مجلة كلية اللغة العربية بالقاهرة ع 24 س1426هـ 2006م ص 528 . ولم تذكر الدكتورة مرجعا لهذا القول .

[24] ) ينظر تفسير أبي السعود م4 /250

[25] ) ينظر للمصطلح في كتاب الزمن في الشعر الجاهلي / 71

[26] ) ينظر تفسير أبي السعود 1/ 237

[27] ) سورة سبأ / 11 والشرح من تفسير أبي السعود 4/124

[28]) سورة سبأ /12، وذكر في تفسير أبي السعود 4/124-125 أن الله عز وجل سخر له الريح فكانت تسير في الغداة مسيرة شهر وتجري في العشاء مسيرة شهر، فكان يغدو في دمشق، ويقيل في إصطخر، ويكون رواحه بكابل، ويتعشى بسمرقند .

[29] )تفسير أبي السعود 4/ 127-129

[30] ) ورد في سورة البقرة عدة الطلاق آية / 228 و عدة الوفاة / 234 ، وفي المائدة /89  كفارة اليمين  .

[31] ) ينظر : الاستهلال /95

[32] ) ينظر لهذا المصطلح : معمارية القصيدة في تشكيل الخطاب الشعري / 117

[33] ) الاسترجاع الزمني يتنقل فيه القائل بين الماضي والحاضر في وقت واحد : ينظر : الزمن السردي / 76

[34] ) وكذلك خاتمة سورة  الأحقاف  والمعارج والنبأ والانفطار والقدر والبينة ...

[35] ) الصورة بين البلاغة والنقد / 30

[36]) ينظر : دلائل الإعجاز / 57 , وفي نظرية الأدب / 123 – 124 .

[37] ) الأصوات اللغوية /149

[38] ) ينظر لقصة تسمع أبي جهل وأبي سفيان وغيرهما لتلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم في السيرة النبوية 1/ 275-276

[39] ) لن أتحدث عن جمال التجويد والانسجام الصوتي الذي يحققه لأن له كتبا معروفة في ذلك، ولن يفي بحث بغرضها ، والإشارة إليها تجعل الباحث المستزيد يعود إليها، وإن كنت سأستفيد من بعض التجويد في الدراسة .

[40] ) الفاصلة في القرآن الكريم / 26

[41] ) ينظر: موسيقا الشعر العربي /113، وفي الأصوات اللغوية/44 ذكر أن المدى الذي يصل منه الصوت إلى طبلة الأذن عبر وسط ما أطول في الألف منه في الواو أو الياء، وفي التشكيل الصوتي /38 الحركات الطويلة هي ضعف الحركات القصيرة، وحدد المدى بـ 600 للطويلة، و300 للقصيرة، ولكن دراسته طبقت على اللغة المعاصرة لا على القرآن الكريم ، وعلى هذا فإن دراسته لا تنطبق على حروف اللغة العربية زمن نزول القرآن الكريم إذ لا يخفى أثر الاختلاط بالأمم على نطق  اللغة  . 

[42] ) الأسس الجمالية للإيقاع البلاغي / 156

[43] ) المحيط في أصوات العربية / 16 ، والأصوات اللغوية / 46، والتشكيل الصوتي / 119

[44] ) الأصوات اللغوية /69، والتشكيل الصوتي /51 .

[45] ) الحرف ذو الغنة كالنون في الإدغام بغنة زمنه ضعف الحرف المظهر أو في الإظهار : الأصوات اللغوية / 69-70.

[46] ) بناء القصيدة في النقد / 176

[47] ) الأصوات اللغوية / 87 و147، ويقدر زمن حروف اللين عنده بـ 146، والحروف المجهورة ذات القلقلة بـ 148 ، ينظر / 149

[48] ) ينظر : جرس الألفاظ / 16

[49] ) الحروف المجهورة  كما في عبارة قطب جد وفي الجيم والياء والضاد , ...  ، ومهموسة كما في التاء والكاف والسين والهاء والفاء و ... والهمزة عند سيبويه خلافا للدكتور إبراهيم أنيس إذ يعدها من الحروف الشديدة لا المجهورة ولا المهموسة : ينظر:البرهان في تجويد القرآن /21، ودروس في ترتيل القرآن الكريم/72، والأصوات اللغوية / 87  .

[50] ) ينظر للأثر النفسي في " النقد الأدبي أصوله ومناهجه / 56، والحياة والموت في الشعر الأموي / 266

[51]) الأصوات اللغوية / 149، ويتراوح مدى حروف المد بين 225-350 بمقياس د. العاني والحركات القصيرة بين 100-150، أما باقي الحروف فبين 70-100 ،والمضعفة منها بين 275-330 / م ثا : ينظر التشكيل الصوتي / 115

[52] ) الصخ : الضرب بشيء صلب على مصمت، وصيحة تصم لشدتها، والقيامة والداهية : القاموس المحيط: مادة صخَّ .

[53] ) المثقل الكلمي هو اجتماع ساكنين الأول في حرف علة والثاني أول حرف مضعف بالشدة بعد حرف العلة ويمد ست حركات مثل الضالَين أتحاجُّونِّي 

[54] ) أصل الفعل تدارأتم على وزن تفاعلتم، ولما قلبت التاء دالا وأدغمت صارت دَدارأتم ، ثم سكنت الدال الأولى للإدغام،  ووضعت همزة الوصل للبدء بها في أول الكلام لا في درجه .

[55] ) مبادئ اللسانيات 119- 120.

[56] ) ينظر : مباحث في علوم اللغة / 136-138 .

وسوم: العدد 655