الفقراء، الشاعر بدل رفو بين التسلط والفقر

عصمت شاهين الدوسكي

لا يمكن استبعاد الذهن عن مدى التسلط والفقر في المجتمع

clip_image002_1d200.jpg

عصمت شاهين الدوسكي

clip_image004_1b2aa.jpg

بدل رفو

إن عوالم المعنى النصي تتمحور في استخدام الذهن الواعي لاكتشاف آليات ما يكون عليه النص بشكل مدروس ، والتي تخفي مضامينها تحت ستار من الآلام والذكريات والحرمان بطرح صور الكبح الداخلي ، وهي لا تظلل الأشياء بل تظهر جوهرها ، وتخضع للرصد والبحث الدقيق ، كل صورة شعرية  أو ملاحظة بصرية وجذور تجربة إنسانية يتم التوصل إليها من خلال الإحساس ، النشاط الخاص بالإدراك الحسي ، والاستفادة من تطور الصور الشعرية ، الواقعية ، خلالها يقدم النص استنتاج واعي ، يترجم إلى صور واقعية ، واعية ، إضافة إلى دقة اختيار اللغة المجازية لوصف الصورة لكي لا تكون واضحة المعالم ، ويكون الشاعر متناغم مع المضمون الشعري ، وتجلياته العميقة ، فهو يعطي معنى لما هو معلوم أو مكشوف ، وقدرته على الوصف تمده بالقوة والاستمرار بيسر حينما يستخدم الشاعر بدل رفو في قصيدته " الفقراء " عنصر " الرصاص " ليكون مادة للانصهار والانتظار المفجع " للفقير الطموح " في معطيات تحمل عدداً كبيراً من المعاني الإنسانية بين الفقراء خاصة وبين الناس عامة ، تفسير من خلال افتراضات مسبقة بوجود أفعال مشابهة أخرى .

(( صهروا رصاص العالم كله

   في رصاصة واحدة

   وانتظروا حتى يمر الفقير الطموح ))

يقدم الشاعر دليل القوة والفقر " صهروا "  ولا يقتصر على الجمع فقط " صهروا " بل على المفرد " الفقير " وهو وصف لعرض جسدي وفكري وتسلط على الفقير مع معرفة المصدر الضمني ضمن الاستنتاج الذهني لما يسلط على الفقير ، وفي هذا المجال البحثي للشاعر يحاول أن يسقط نقاط الضعف المحسوبة على الفقير ومواجهة التحديات العامة والرغبات المنصهرة بواسطة المعرفة والإدراك الحسي ، حتى وإن اخترقت " الرصاصة " صدره ، اخترقت أضلاعه ووعيه وفقره " لن ترهبه " لأن الطاقة التي يحملها في داخله أقوى من الرصاصة ، جسد الشاعر توارد أفكاره وأنماطها وتشبيهاتها إلى حد الاقتراب من غرابتها بما هو مألوف وبما هو جامد ومتحرك ، وهي وسيلة تعين الشاعر لدعم المعنى النصي وإدراك قوته وأهميته ، والوصف الدقيق لصور شعرية مكثفة تهيأ الإحساس بتلقي الظواهر المعينة بعقلية واعية تكون بحجم صعوبة النص ، التي ربما لا يرغبها بعض الناس كظاهرة انصهار " الرصاص " وتوجهها نحو صدر " الفقير " المسكين وأحياناً همل عن قصد مسبق لاستبعاد الذهن بين صراع التسلط والفقر ، وهكذا لجا الشاعر إلى ترجمة إبداعية  للمعنى وتميز الصور الشعرية وإخراجها بشكل واعي .

(( واخترقت الرصاصة صدر المسكين

   واخترقت الرصاصة صدره

   لكن لم ترهبه الرصاصة ))

يشتمل هذا التوارد الفكري على تحول وتوسيع الإدراك وكشف موازين القوة والضعف ، فالمعرفة بالأشياء الضمنية الجديدة ، هي معرفة بشكل جديد لان الثوابت لا تبقى كما هي بل تضاف إليها تتغير وتنحسر في اهتمامات جديدة ، وقد يكون التغير الجديد في الشكل الجديد أكثر إمتاعاً ، فكرياً وحسياً ، تتسع أو تضيق في عموميات معاني التسلط والفقر ، لتكتسب الصور الشعرية المكثفة تأثيراً أوسع حسب الوعي والإدراك والتجربة ، حقائق جديدة تحتاج إلى فهم المعاني الظاهرة والضمنية ،ومن خلال هذه الصور التعبيرية المعنية ، يمكن إعادة تقويم النفس ، وروح الشخصية الدافعة للتسلط وتحديات الفقر الواضحة ، بما يخص المغزى الأخلاقي لكليهما التي تنضوي تحت تأثير إحساس الآخر  وليس بتحويل القارئ كقارئ ومتفرج فقط ، يرصد الشخصيات والدوافع والغايات والمواقف ثم يركن دون فعل ناشط ، ومهارة فكرية تجسد المعاني الإنسانية الراقية ، وفق المبدأ القائل بأن الطبيعة الأخلاقية والنفسية ، يمكن معرفتها من خلال السلوك لمدة قصيرة أو طويلة بظروف مختلفة ، وتضع فوق بساط الرأي الصحيح ، عدم الخشية من الرصاص مصداقية لمهارة أخلاقية ، سلوكية ، قائمة على الإحساس والإدراك " لم ترهبه الرصاصة " وإحساسه المفرط عبر إحساس الفقير بخشيته " أن لا تمس شظايا هذه الرصاصة " التي يتلقاها في صدره " حبيبته القابعة في أعماق قلبه " هذا التصور المركز على إحساس وفكر الفقير وتوجهاته الإرادية وسلوكه الاعتيادي وأخلاقه الإنسانية سمو يتجلى بالفعل المختلف عن المتسلط الذي يتجاهل ، وبعيد عن هذه الأخلاق بصورة ما .

(( لكن !!

   لم ترهبه الرصاصة

   إنما كان خشيته كانت :

   أن لا تمس شظايا هذه الرصاصة

   حبيبته القابعة

   في أعماق قلبه ))

 لا يمكن أن نتجاهل المعنى الجميل للإحساس بالحب والوفاء والتضحية التي تتعلق بكيفية رؤية  عوالم الفقر ، الفقير الطموح وأهمية وضوح التوازن المطلوب بنواحي أخلاقية مهمة ، الشاعر بدل رفو بإحساس مفرط مع تجليات الخيال الخلاق وباشتراك الذكاء ، لم يتجاهل الصورتين التسلط والفقر ، وهي ليست شكوك بل صور إنسانية يؤكدها الشاعر ، بالإضافة إلى تجاهل الآخرين لهذه المعاني عبر التصحيح  الفكري والأخلاقي لها ، بالتالي هي معرفة مطلوبة واحتمالية أخلاقية مألوفة ليست مجرد من المعاني الإنسانية ، بل قابلة للتغير والتطور في ضمن عالم عصري إنساني متغير دائماً . 

وسوم: العدد 665