الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة 10

الفصل الثاني

الظواهر الموسيقية في شعر الدول المتتابعة

قال حسان بن ثابت:

إن الغناءَ لهذا الشعرِ مُضمارُ

تغنّ بالشعر إمّا أنت قائلُه

ذلك لأن الشعر نغم قبل كل شيء ينقل القارئ من عالمه إلى عالم آخر، وتسبح بسببه الروح مع العناصر الشعرية الأخرى من لغة وصورة مما يؤدي إلى نفاذ المعنى إلى شغاف القلب بيسر وسهولة، فيكون للشعر بذلك فعل السحر، وبرد الماء الزلال على الفؤاد، فيستل الضغن والضيق ويشجع الجبان ويسخو الشحيح، ولهذا قال r «إن من البيان لسحراً»([1]) .

والموسيقا العربية عبر عصورها الأدبية مرت بتطورات شتى، بدءاً من الوليد بن يزيد في العصر الأموي ومروراً بسلم الخاسر وأبي العتاهية في العصر العباسي، ثم استمرت عجلتها في الدوران، بسبب التغيرات الحضارية والتمازج بين الشعوب، مما أدى إلى استحداث أنغام جديدة ومن هنا فإن موسيقى الشعر في هذا العصر ستدرس من حيث تقليدها ،وما استحدث منها .

وسأبين هذين النوعين في موسيقا الشعر في عصر الدول المتتابعة.

أولاً – موسيقا الشعر التقليدية :

وهي تمثل القصيدة العربية بإيقاعاتها الداخلية والخارجية، وأعني بالإيقاع الخارجي الأوزان العروضية الخليلية([2])، وبالداخلية ما ينجم من نغمات بسبب آخر غير الأوزان وتفعيلاتها، وسأوضح هذين النوعين مبينة جمال النغم فيهما:

1- الأوزان الخليلية :

تعد الأوزان الخليلية ضابط موسيقانا التقليدية، وكانت أشعار العرب تنظم على الأبحر العروضية التي تمثل خلجات الإنسان العربي وتعبر عن بواطنه الداخلية، ويرى بعض النقاد أن لكل موضوع بحراً يناسبه، وروياً ينسجم معه، فالبحر الطويل يتسع للإخبار ولكثير من المعاني، وهو بحر جليل مهيب يناسب الأوضاع الرسمية والوصف والحماسة، والتاريخ، ويشبهه في ذلك البحر البسيط، إلا أنه لا يتسع اتساعه، ولكنه يفوقه رقة وجزالة، أما البحر الكامل فأتم البحور، ويصلح لأكثر الموضوعات لما يتمتع به من تدفق وتعاقب حركات، ويكثر في وصف الموضوعات الانفعالية كالحروب، ومجزوءه أكثر طرباً وانفعالاً، وتعبيراً عن العواطف الهائجة، ولهذا يصلح لما فيه توثب داخلي أو خارجي كالغزل والغضب، أما الوافر فهو ألين الحروف وأرقها ويشتد إذا شددته، ويصلح للفخر والرثاء وللطرب والرقص، وأما الخفيف فسهل، والرمل رقيق، ويسمى التصفيقة الشعرية لملاءمة للفرح والفخر، ويناسب الموشحات.

أما الأوزان الخفيفة فهي إيقاعات الأناشيد، كالأناشيد الدينية، كما تصلح لوصف زحوف الجيش لما فيها من سرعة الحركة. والرجز بحر سهل تنظم به العلوم فيساعد على حفظ المعلومات([3]).

وربما كان لهذا الرأي ما يبرره أحياناً، وفيه لفتة نفسية لدلالة الوزن على الحالة النفسية للشاعر، ولهذه الحالة أثرها بلا شك لأن الشاعر يختار هذا الوزن أو ذاك تبعاً لحالته النفسية([4])، ولكن هذا لا ينطبق على جميع الموضوعات، ولا على جميع الشعراء، ذلك لأن الشعر تجربة شعورية قبل كل شيء، وانفعالات الشاعر أو معاناته هي التي تملي عليه اختيار النغم أو الإيقاع، واختيار حرف الروي المناسب لحالته النفسية، وإلا غدا الشعر نظماً لا روح فيه ولا حياة، وصار ألفاظاً مرصوفة بعضها إلى بعض، لا تعبيراً عن حالته الشعورية النفسية([5]).

وهناك أيضاً ذوق العصر، فما يستحدثه الشاعر من نغمات كلامية إن هو في الواقع إلا صدى لما يتردد في بيئته من أنغام وأصداء، وهو يعيد صياغتها حتى تبدو في أنماط جديدة بعد أن يضفي عليها سمته([6])، وليس أدل على ذلك من الموشحات فقد كثر فيها التغيير في هذا العصر كما تعددت موضوعاتها.

على أي حال فإن شعراء الدول المتتابعة تأثروا بنظرة القدامى إلى العروض الخليلي، فجعلوا الأوزان الطويلة للأغراض الرسمية ، فأثبتوا مقدرتهم على الإتيان بأنغام جميلة ذات عاطفة شجية، بنظام كنظام أجدادهم، ولنقرأ لهم بعض هذه الأنغام التي جاءت على البحر الطويل، ومنها قول الشاعر «إسماعيل بن أبي بكر المقرئ» في مديح سلطان اليمن في عهده:

معالِمُهُ فينا وغارَتْ كواكبُهْ

وقامَ بأمرِ اللهِ من بعدما عفَتْ

يجاذبُ من أطرافِهِ وتجاذِبُهْ

وشمَّرَ عن ساقِ امرئٍ همُّهُ العُلى

وساسَ البرايا وهو ما طُرَّ شاربُهْ ([7])

وآمن من خوفٍ، وقرَّبَ من نوىً

فالشاعر يبدو هادئ النفس مطمئن البال، وهذا حال الأبيات الإخبارية التقريرية إذ تأتي في إيقاع غير قلق([8]) وقد ساعده البحر الطويل بما فيه من اتساع نغم على أن يطيل في الحديث عن الصفات، كما ساعدته المدود في إيحائها بمدّ هذه الصفات.

وهذا إيقاع البحر الطويل أيضاً يناسب الفخامة والجلالة التي نراها من أبيات الشاعر «عبد الغفار الأخرس»  وهو يمدح أحد القواد لاشتراكه في معركة ضد المفسدين في البصرة، يقول الأخرس:

وأنك لم تبرحْ عزيزاً مُكَرَّما

أبى اللهُ إلا أن تُعَزَّ وتُكْرَما

إذا استخدمَتْ يُمناك للبأسِ مِخْذَما ([9])

تذلُّ لك الأبطالُ وهي عزيزةٌ

طلولاً عفَتْ بالمُفْسدين وأَرْسُما ([10])

أرى البصرةَ الفيحاءَ لولاك أصبحَتْ

لقد انسابت النغمة القوية انسياباً طبيعياً حتى انتهت بروي الميم ذي النغمة القوية أيضاً ليدل على قوة الموقف البطولي وقوة القائد الذي قضى على الأشرار.

ويصلح البحر الطويل أيضاً للمناجاة الإلهية ممن اشتدت عليه الكروب وأخفق في الحياة وقد اتكأ عليه الشاعر «أمين الجندي» في استغاثته بالله سبحانه علّه ينقذه من السجن الذي أودع فيه لتآمره مع العدو ضد الدولة العثمانية، إذ نراه يقول فيه:

سواك مغيثٌ في الخطوبِ الغوائل

إلهي قد اشتدَّتْ كُروبي وليس لي

ولُطْفٍ خفيٍّ عاجلٍ غيرِ آجل ([11])

إلهي تدارَكْ ضعفَ حالي برحمةٍ

فالشاعر لجأ إلى البحر الطويل ذي المدى الواسع ليصف كربه، وهو يستعين بمولاه ليخلصه من لأواء الحياة، وقد ساعدت حروف المد بياء المتكلم وألف التأسيس في القافية خاصة على إشعارنا بامتداد الألم والكرب، وهذا مما يجعل القارئ يشاركه أحاسيسه.

كما يصلح البحر الطويل للملاحم الشعرية لما فيها من اتساع في الإخبار([12]) .

والبحر البسيط يتسع بامتداده للحديث عن الخلال الحميدة التي يتمتع بها الممدوح، وقد نظم عليه الشاعرمحمد بن عثيمين([13]) مدحة له فقال :

انْشُرْ لواءَكَ تلقَ العزَّ والظَّفرا

يا أيُّها الملكُ الميمونُ طائرُهُ

قِدْماً أبوكَ وبحرُ الموتِ قد زَخُرا

وشِدْ قواعدَ مجدٍ كان وَطَّدَهُ

أصبحْتَ تحمدُ مَنْ أفعالُه الأَثَرا ([14])

واشدُدْ يديك بسيفٍ إنْ ضرَبْتَ به

فالبحر البسيط ناسب هذه المدحة وجاءت أفعال الأمر لتساعد في تقوية نغمة البحر كما في انشر، شد، اشدد…

وقد زاد جمال البحر البسيط نغمة التنوين في أبيات «محمد المنوفي»([15]) :

مُدَبِّرٍ أمرَه بالحَزْمِ مُحْتَزِبِ

صبرْتَ صبرَ كريمٍ قادرٍ يَقِظٍ

جنودَ عادٍ لعادُوْا منك في تَعَبِ

وجئْتَهُمْ بخميسٍ لو أتيْتَ به

مُدَرَّعٍ بدُروعِ الرَّوْعِ والرُّعُبِ

في مِقْنَبٍ من عِتاقِ الخيلِ ذي رَهَجٍ

من آلك العز أهلِ المجدِ والحسب ([16])

من سادةٍ قادةٍ شمٍّ غطارفةٍ

لكأن التنوين نقرات إضافية أكسبت الأبيات دندنة لفظية متناسقة ، وترنما جميلا، وصدى جمالياً يوحي بالسرور والسعادة ، والكلام إذا انسجم بعضه مع بعض جرى على اللسان كما يجري الدهان على حد قول الجاحظ، ولذ سمعه وقرب فهمه وعذب النطق به([17]).

وهذا الشاعر العشاري يتخذ من البحر البسيط وسيلة للتعبير عن تقلب دهره وتبدله، وذلك في قوله:

صِفْرُ اليدين بلا وَرْقٍ ولا وَرِقِ

مولاي عبدُكَ في هَمٍّ وفي قلقٍ

وأنت مُنقِذُهُ من لُجَّةِ الغَرَق

لا مال في يده والفقرُ أوْهَنَهُ

كالغيثِ هَلَّ فَعَمَّ الناسَ مُنْدَفِق ([18])

أنت الجوادُ الذي أضحَتْ مكارمُه

   وهذه القافات تذكرني بقصة قابيل وهابيل التي وردت في قوله تعالى: )واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتُقُبِّلَ من أحدهما ولم يُتَقَبَّلْ من الآخر، قال لأقتُلَنَّكَ قال إنما يَتَقَبَّلُ اللهُ من المتقين.لئن بسطْتَ إليَّ يدك لتقتُلني ما أنا بباسطٍ يديَ إليكَ لأقتُلَكَ إني أخافُ اللهَ ربَّ العالمين…فطوَّعَتْ له نفسه قتلَ أخيه فقتلَه فأصبح من الخاسرين( ([19]) .

إذ كثرت القافات في الآيات الكريمات لتعبر عن القلق الذي انتاب نفسية ابني آدم، أما الأول فمن الحسد والجشع والغيرة، وأما الثاني فمن خوف على نفسه، وشك في تصرف أخيه، وكانت نفس الشاعر قلقة من فقره الشديد، وقد نظم على البحر البسيط الذي يناسب هذه التقلبات والاضطرابات النفسية.

ولمخلع البسيط نغمته التي تناسب المقطوعات الشعرية، وكأن الشاب الظريف ينظم عليه بمثل قوله :

كالفرخِ مُلْقَى بغيرِ ريشِ

هذا الفقيرُ الذي تراه

والقتلُ من عادةِ الحشيشِ ([20])

قد قَتَلَتْهُ الحشيشُ شُكْراً

 أما مجزوءه فنغمته طربة وقد نظم عليها «البوصيري» في مدحة له فقال:

يُرجى لدفعِ العَظائِمْ

ما في الزمانِ جوادٌ

ولا لبذلِ المكارمْ

ولا لنيلِ المرادِ

يُدعى ويا خيرَ حاكم ([21])

سواك يا خيرَ والٍ

وأما البحر الكامل فكامل الجمال،برأيي، إذ أشعر عندما أقرأ قصائد على نغمته باللحن الشعري ينساب انسيابا، ولنستمع إلى إيقاعه من أبيات للشاعر «عبد الرحمن بن عيسى المرشدي»([22]):

أذكى لدينا من دُخانِ العَنْبَرِ

نقعُ العَجاجِ لدى هِياج العِثْيَرِ

أسنى وأسمى من مُحَيّا مُسْفِرِ

وسنا الأسنةِ لامعاً في قَسْطلٍ

كالوَبْلِ كالسَّيْلِ الجِرافِ الجُوَّرِ ([23])

ودمُ العِدا مُتقاطِراً مُتدفِّقاً

فالشاعر هز كيانه النصر وحرك مشاعره، فراح ينظم عواطفه الثائرة في قصيدة تعبر عن فورة انفعاله الذي بدا في تتابع وصف الغبار والدخان والسيوف والدماء… ، وقد ارتأى الشاعر بحسه الموسيقي أن ينظم على هذا البحر المتدفق التفعيلات، وكان لحروف السين والكاف والقاف إيحاؤها أيضاً في الدلالة على فرحة النصر وقوة الإحساس، وقد أُجري اختبار حول المدة الزمنية لجملة فتبين أن إيقاع الضربة الشعرية يكون مشابهاً لإيقاع النبض، ولهذا قيل إن الشعر لغة القلب([24]) .

ولمجزوء الكامل جمال وطرب، وهياج وتوثب، وقد نظم عليه الشاعر «محمد سعيد السندي» مدحته للقائد «عبد الله الجته جي» الذي قضى على ثورة للأعراب كانت قد أقضت مضجع الدولة لما ارتكب فيها من جرائم، وقد طرب الشاعر للنصر، وأعجب بفعال ممدوحه، ونظم له ثناءه على هذا الوزن:

والحقُّ بالنُّعْمى أجابَهْ

الدهرُ أقْسَمَ صادقاً

مصطفى سَهْمُ الإِصابةْ

لم لا، وسلطانُ البسيطةِ

وحُسامُها المُوري شهابَهْ

تاجُ الوزارةِ ركنُها

أطوادِها تخشى عقابَهْ ([25])

أوَ ما ترى الأعرابَ في

و«للشاب الظريف» مقطوعة على مجزوء الكامل جاءت رشيقة الموسيقى خفيفة النغمة، وإن كان فيها ألم، لكنه ألم المحب اللاهث وراء محبوبته، وقد عبر عن هذا اللهاث بحرف الروي العين الموصول بالهاء ، ولكن بيته الأخير اشتدت موسيقاه مع اشتداد الشرط ومجي القافات، وذلك ليدل على شدة معاناته وألمه من قسوة الحبيب النافر، لنستمع إليه في قوله:

صَبٌّ جفاهُ هُجوعُهُ

يشكو إليك مُتَيَّمٌ

بك لا يزال يُطِيعه

يعصي العذولَ على هوىً

ما ضمَّنَتْهُ ضلوعُه

يكفيك من ألمِ الجوى

رقَّتْ عليك دموعُهُ ([26])

إن لم ترقَّ له فقد

وبحر الرمل بحر التصفيقة الشعرية ،وقلما مدح به الشعراء ،إلا أن فتح الله بن النحاس أجاد في مدحته عليه، وكان قد طرب لانتصار ممدوحه على الأعراب الغزاة فقال:

والدجى إنْ يمضِ جنحٌ يأتِ جُنْحُ

باتَ ساجي الطرفِ والشوقُ يُلِحُّ

كلما داوَيْتُ جُرحاً سالَ جُرحُ

كم أداوي القلبَ قلَّتْ حيلتي

في قراع الخيلِ والأبطالِ صدح ([27])

يا عروسَ الخيلِ والسيف له

وهذه نغمة طربة على مجزوء الرمل للشاعر «عبد الله التدمري الحلبي» تصلح للغناء، كما تصلح لأناشيد الأطفال، إذ يقول ناظمها:

فشَجا قلبَ المُعَنّى

بلبلُ الأوطانِ غنّى

عن سماعِ العُود أغنى

وغدا يُبدي شُجوناً

إذ غدا مثلي مُعَنّى

يذكرُ الأوطانَ شوقاً

زادني التذكارُ حُزْنا ([28])

قلْتُ مهلاً يا مَشُوْقاً

أما البحر الوافر فيناسب الطرب والانفعال لما فيه من رقة تناسب العواطف الحزينة ولهذا نظم عليه «خليل بن أيبك الصفدي» مرثية له فقال:

فَعزّوا في مصيبتِه الكمالا

مضى مَنْ كان للدنيا جمالاً

لأمرٍ شاءهَ الباريْ تعالى

كمالَ الدينِ لا تجزَعْ وسلِّمْ

له فيما حواه ولا مثالا ([29])

أبوك مضى ولم نَعْرفْ نظيراً

    ولمجزوء الوافر نغمته الحلوة ولاسيما إن كان في الإيمانيات والوعظ على نحو قول «العشري »:

لمَنْ قد كان مُعتبرا

كفى بالموت موعظةً

لمن هو صار مُدَّكِرا

وبالقرآنِ تذكرةً

وكنْ معْ ذاكَ مُصطبرا

ذَر الدنيا وأهليها

وخذْ من مكرِها الحذرا ([30])

فلا تركَنْ لزُخْرُفِها

ومجزوء الرجز كالرمل بحر الغناء والطرب، ولذا كانت تُحدى به الإبل، ويُرقص به الصغار وقد اتخذه شاعرنا «فتح الله بن النحاس» مطية للحديث عن بهجة الربيع وحيويته فقال:

يصحبُ آلَ برمكِ

هذا الربيعُ مقبلٌ

غَلائلاً لم تُحَكِ

يكسو لأعطافِ الرُّبا

ووالهٍ مُرْتَبِكِ ([31])

والطيرُ من مُغَرِّدٍ

ولقد نظم القاضي «محيي الدين بن عبد الظاهر» مدحة للسلطان «الظاهر بيبرس» حين انتصر على التتر والنصارى في سنة 673ه فقال على البحر الخفيف، وهو بحر لين وسهل وكأن العصر قد بدأت أنغامه تلين عامة، وذلك على نحو قوله:

وبه اللهُ قد أقَرَّ العُيونا

أيُّ يومٍ بنصرِه قد حُبِيْنا

أيُّ نصرٍ من ربِّنا قد جُزِيْنا

يومَ جِزْنا بلاد سِيْس وقلْنا

من بني الترك يعشقون المنونا ([32])

إذ تبدّى السلطانُ بين نجومٍ

وهذا «أحمد المقري» يذكر الرسول r ويترنم بخلاله الطيبة في قصيدة على البحر المجتث فيقول:

وسطوةً وجلالا

فاقَ النبيين جاهاً

في المرسلين مِثالا

فما لأحمدَ ندري

والكلُّ حازوا الكمالا

هذا وإنْ كان منهم

وكلُّها تَتَلالا

ففي السما نَيِّراتٍ

للشمسِ في النورِ لا، لا ([33])

وليس منها مُضاهٍ

وكأن الشاعر راح يتغنى بخلال النبي r على هذا الوزن الوادع العذب، ويشبهه في حلاوة جرسه ونغمة إيقاعه البحر المنسرح ولنقرأ للشاعر «الشاب الظريف» قوله وقد جاء على هذا الوزن الطرب :

وحبَّذا أهلُه وإنْ غضِبوا

يا حبّذا دارُه وإن بعُدَتْ

مِ الدينِ منها البطاحُ والكُثُبُ

وحبَّذا الشامُ إن سمَتْ بحسا

فِعلاً وطابوا أصلاً إذا انتسَبوا ([34])

من معشرٍ قد سَمْوا وقد كَرُمُوْا

وللمتقارب نغمة حلوة عذبة تناسب الفرح والتهاني، ولم يكن القدامى ينظمون عليه مدائحهم، خلافاً لشعراء هذا العصرفعبد القادر الطبري([35]) يمدح أحد الشرفاء لانتصاره في إحدى المعارك فيختار للتعبير عن بهجة النصر هذا البحر الطرب ويقول:

مغازي الأئمةِ من آلِ هاشِمْ

لقد أذكَرَتنا فتوحاتُه

كفى شرفاً عن طرازِ العمائم

سناءُ النبوةِ في وجهِه

مَلِيْكٌ فعَدْلُكَ أنسى المظالم ([36])

فهل مَلَكٌ أنت في الأرض أم

وهكذا كانت الموسيقى إحدى الوسائل التعبيرية إضافة إلى التصوير واللغة، إذ للنغمة أثرها في إدخال الطرب والسرور، أو الإحساس بالحزن أو بالقوة، ويطول بي الحديث لو رحت أتحدث عن كل بحر وأضرب له أمثلة، ولكني أرى أن مقولة «لكل موضوع بحر يناسبه» ليست مقولة حق بصورة قطعية، ذلك لأننا رأينا أن الأبحر المجزوءة وذات النغمات الطربات  ينظم بها أكثر الموضوعات جلالاً وقوة، والأمر يتبع مقدرة الشاعر على تطويع اللغة والوزن لغرضه الشعري، فهو الذي يجعله مقبولاً أو مردوداً.

2- الموسيقا الداخلية :

 الإيقاع هو (تردد ظاهرة معينة على مسافات زمنية متقاربة أو متساوية داخل الوحدة الموسيقية، وقد تكون هذه الظاهرة حركة، وقد تكون صمتاً، وهي في كليهما تؤدي جمالاً)([37])

ويرتبط الشعر بالإيقاع أكثر من ارتباطه بالأوزان حتى إن (إستوفر) يرى أن الشعر هو الإيقاع، لأن هذا يظهر الحالة النفسية التي يكون عليها الشاعر إبان تجربته الشعورية ([38])، وللإيقاع قانون وهو يقوم على تنظيم متوال لعناصر متغيرة، ويبدو في «النظام والتغير والتساوي والتوازي والتوازن والتلازم والتكرار» وهذه القوانين تعمل معاً ويدركها السامع في حسه ([39]) .

وقد يتحقق الإيقاع من التصريع لأن فيه توازناً وتساوياً بين الشطرين ونبرته تجذب القلوب، وبها تعرف مقدرة الشاعر، وقد عول العرب على أهمية المطلع لأنه يميز بين الابتداء وغيره، ويعرف منه روي القصيدة قبل تمام البيت وله حلاوة ووقع في النفس([40])، ومن التصريع الموفق قول الشاعر «عبد الجليل الطباطبائي» في مطلع قصيدة له يشتاق فيها إلى أهله:

لفي لاعجٍ بين الأضالعِ لاهِبِ

لكَ اللهُ إني من فراقِ الحبائِبِ

هوايَ ولا مُصْغٍ للاحٍ وعائب ([41])

هوايَ زبارِيٌّ ولستُ بكاتمٍ

فالشاعر عمد إلى التصريع في بيته الأول فأكسبه توازناً صوتياً حسّن به الكلام، ثم جاء البيت الثاني، ولم يلتزم فيه التصريع لئلا تصير الجلجلة الصوتية سمة للقصيدة، ولذلك نراه يعمد إلى نوع آخر من الإيقاع وهو تكرار حرف الهاء والتنوين بحيث تدل الأولى على آهاته وأحزانه، ويدل الثاني على الأنين والألم من جراء فراق الأهل وقصف مدينتهم… وبهذا تمكنت اللغة بأنغامها المختلفة من التعبير عن العاطفة الساخطة .

وللترصيع ([42]) جماله أيضاً،  وقد شبه بالعقد الذي يكون في أحد جانبيه من اللآلئ مثل ما في الجانب الآخر، وفيه توازن صوتي يحسن به الكلام، ومنه قول الشاعر «محمد سعيد أفندي»:

حتفُ العِدا /ربُّ المهابَةْ

غوثُ الندى /غيثُ الندى/

والبسطِ في أهلِ الإنابةْ

ذو البطشِ في هولِ الوغى

والجَزْمُ إن أمرٌ أرابَهْ ([43])

والحزمُ في آرائه

فالشاعر سجع في البيت الأول عباراته الثلاثة الأولى، ثم وازن بين شطري البيت الثاني والثالث. وهذا التكرار النغمي المتدرج شيئاً فشيئاً أكسب الأبيات جمالاً وحلاوة.

ولكن المبالغة في الترصيع قد تؤدي إلى التكلف، كما فعل الشاعريوسف بن سليمان[44] حينما قال مكرراً الترصيع :

أسناهُمُ كَرَماً/ في كلِّ مُبْتَذَلِ

أعلى الورى هِمَماً / أوفاهُمُ ذِمَما/

اعَ العظيمةِ/ وثّابٌ بلا فَشَلِ

ماضي العزيمة/وهّابُ الكريمةِ/ دفّ

عانُ الصفوفِ/ومُرْدِي الحادِثِ الجلل ([45])

معطي الألوفِ /ومِطعامُ الضيوفِ/ ومِطْ

ويستمر الشاعر على هذا المنوال حتى تصل الأبيات إلى خمسة مما يوحي بالتكلف غير الحميد .

وللمماثلة([46]) أيضاً جمالها، وقد حسنت في قول «عبد الغني النابلسي» في مدحة نبوية له:

جادَتْ مجالسُهُ/بالعلمِ والحِكَم ([47])

طابَتْ سرائرُهُ /راقَتْ مواردُهُ/

والجناس له نغمة عذبة، وبه يترنم الشاعر بصوت مكرر فيحس بالأنس، وذلك في نحو قول الشاعر «موسى الرام حمداني» إذ شبه نفسه بسيدنا موسى الذي تحولت عصاته إلى ثعبان وفجرت اثنتي عشرة عيناً فقال في نبرة المفتخر المترنم بعظمته:

مالي وللقَنَصِ الصريحِ وهِمَّتْي صقرُ الصُّقُورْ

وعصايَ طَوْعُ يَديَّ تَلْقَفُ كلَّ سِحْرٍ مُسْتطير

إن أُلْقِها انبَجَسَتْ عيونُ المجد من صُمّ الصخور

وبها على الدُّرِّ الثمينِ أغوصُ في لُجَجِ البحور

ولي اليدُ البيضاءُ بين الجمعِ والجمِّ الغفير

أستغفرُ الرحمنَ حاضرةً لدى المولَى الكبير ([48])

إن الجناس هو ترجيع نغمي في تكرار لفظين تكراراً تاماً أو جزئياً([49])، وقد كرر الشاعر هنا صوت الصاد القوي في الأبيات الثلاثة وتحقق في البيت الأول جناس بين (القنص وصقر الصقور) وبين (سحر ومستطير) ، و(الجمع والجمّ)، و (الرحمن وحاضرة)، وهذه الراء المكررة والجيم والميم تشير إلى تكرار التعب والثورة القوية،لأن الانسجام الصوتي كما يقول «لاسل آبر كرمبي» أكبر عامل يشير إلى العاطفة أو الشعور، ويعرف بالنظر إلى الكلمات متتالية أو متعاقبة، لأن التتابع يولد تموجات صوتية تشير إلى العاطفة ([50]) . وفي الأبيات أيضاً تنغيم جميل تحقق من نغم الاستفهام ونبرات الفخر ثم انكسار الاستغفار، ويقول د.غازي طليمات: «إذا انتقلت من النبر الذي يعرو بعض الكلمة لتصغي إلى إيقاع الكلمات المنسوقة في عبارة تامة، وأحسست أن تناغماً خاصاً ينتظمها فقد وقفت على ما تسميه الصوتيات الحديثة التنغيم، وجوهر التنغيم أن يعطي المتكلم العبارة نغمات معينة تنجم عن عاطفة يحسها، وفكرياً عن معنى يعتلج في ذهنه، وعضوياً عن تغير في عدد الهزات التي تسري في وتري الحنجرة، فيزيد الاهتزاز أو ينقص وفق الغرض الذي يتوجه إليه الكلام» ([51])

وهذا التنغيم هو الموسيقا الداخلية، وتبدو هذه في حركات الأصوات التي لا تعتمد على تقطيعات البحر وتفعيلاته العروضية، وإنما على الإيقاع .

ومن الجناس حلو النغم أيضاً قول «الشاب الظريف»:

وإن أرادوا مكارهاً غَلَبُوا

وإنْ أرادوا مكارماً بلغوا

وإن نأَوْا عن مجالسٍ خُطِبوا ([52])

وإن حضَروا في مجالسٍ خَطَبوا

فهذا الجناس بين (مكارم-مكاره) و (بلغوا-غلبوا) و (خَطبوا-خُطبوا) إضافة إلى تكرار أداة الشرط (إن) وكلمة (مجالس) في شطري البيت الثاني أدى إلى ظاهرة صوتية ثابتة تارة ومتغيرة أخرى وكانت الحروف المكررة كضربات إيقاعية، أو كإشارة من عصاة موسيقي، وهذا ما أدى إلى إطراب السامع.

ولرد الصدر على العجز([53]) جماله الموسيقي أيضاً لما فيه من تكرار الأصوات وقد أحسن «عمر بن الوردي» بقوله:

باللِّقا حتى ضنِيْنا

دهرُنا أمسى ضنِيْناً

واجمعينا أجمعينا ([54])

يا ليالِي الوصلِ عودي

فتكرار (ضنينا) وأجمعينا قوى النغم وأعطى البيت رونقاً ومائية، وأساس المفاضلة في الشعر ما يحويه من قيم صوتية محسوسة كما يقول ابن الأثير، إذ أدى التكرار برد العجز على الصدر إلى إحداث إيقاع موسيقي صلح به البيتان للغناء ([55]).

وللتفويف جماله وطربه، فهو كنقرات موسيقية في أزمنة محدودة، متباعدة إن طالت الجملة، ومتقاربة إن قصرت، وهي متوزعة على أدوار متساوية يدركها الذوق السليم، أو هو نقلة الأنغام في أزمنة متساوية([56])،وقد جاء التفويف سريعاً في قول محمد العبدلي([57]):

فليس ذلك بِدعاً عند مَنْ سَبَرا

إن يجمعِ الله كلَّ الناسِ في رجلٍ

طلاقةٌ /بوقارٍ/ هيبةٌ /وقِرى ([58])

علمٌ /وحلمٌ /وجودٌ /عفةٌ /وتُقًى

وذلك لأن الشاعر أراد أن يقدم عدداً من الصفات في إيجاز شديد أوحى به تتابعها السريع السريع، وإن أصوات الألفاظ ذات طاقة تعبيرية وإيحائية في الكلام الشعري، والإشارات الصوتية تضفي على النص معنىً جديداً([59]) وقد كان للتنوين قدرة على إحداث نغم مستمر عبر به الشاعر عن إعجابه بممدوحه، مما جعله يترنم به ليرسخ هذا المعنى في الأذهان بهذا الجرس العذب.

وهذا تفويف طالت مدته للشاعر علي بن محمد النابلسي([60]):

غناءً لمسرورٍ /ونَوْحاً لمحزون/

عجبتُ لأصواتِ الحمائمِ إذ غَدَتْ

وشَوْقاً لمشتاقٍ /وتنهيدِ مفتون/ ([61])

ونَدْباً لمفقود /وشَجْواً لعاشق/

فالشاعر قدم لنا هذا التفويف في أزمنة متساوية، انتقلت فيها العبارة من نغمة إلى أخرى في تساوق زمني حتى وصلت إلى آخر البيت، وكانت النون والقاف خاصة تشيران إلى المعاناة والأحزان.

وقد يأتي النغم من التكرار، والتكرار هو تناوب الألفاظ وإعادتها في سياق التعبير بحيث تشكل نغماً يتعمده الشاعر ليقوي به الرنة الموسيقية، مما يكسب الأبيات جرساً موسيقياً عذباً وانسجاماً ناشئاً عن توالي الحروف أو الكلمات أو العبارات بعد قدر معين، كما يقوي المعنى إذ يفجر في الكلمات أقصى طاقاتها ودلالتها التعبيرية والإيحائية ، كما يكون موسيقى داخلية تساعد في إبراز عاطفة الشاعر([62]).

فمن تكرار الحروف قول إبراهيم بن يحيى العاملي وهو يشكو أحمد باشا الجزار الذي قضى على ثورة جبل عامل في لبنان، إذ يكرر أداة النفي «لا» مسبوقة بحرف العطف:

يُصابُ لمثلِي في الزمانِ نصيرُ

وبدَّدَ أنصاري على الدهر حيث لا

غنِيٌّ أتاهمْ خائفاً وفقيرُ

ولا فازَ منهم بالأمانِ وبالمنى

رئيسٌ ثوى في ظلِّهم وأمير

ولا نالَ ما يرجو من الدهرِ عُنْوَةً

كما رَفْرَفَتْ فوق الفضاءِ طيور

ولا خَفَقَتْ أعلامُهم فَوق فَيْلَقٍ

وزيراً غشُوماً يقْتَضيه وزير ([63])

ولا طوَّقوا بالمشرفيةِ والقنا

وقد كرر الشاعر عبد الرحمن البهلول([64]) كأن اثنتين وعشرين مرة في نبوية له خطها في مكة المكرمة، وفيها يعبر عن رحلته إلى الحجاز ويصف أشواقه والطريق إليها:

فلم تستطعْ وطئاً عليها من الوَقْد

كأن حصا البيداءِ أحشاءُ مُغْرَم

لطاعنِ سنٍّ قد أبادَ على العَهْد

كأن هلالَ الأفق قابَلَ حاجباً

مُحَيّا كَحِيْلِ الطَّرْفِ في حالِك البُرْدِ

كأن الدجى والبدرَ لو أنه بدا

تغيَّر منه ناصعُ الجيد والخد

كأن اغبرارَ الأفقِ ألفاظُ كاشحٍ

فرائدُ دُرٍّ قد تناثر من عَقْد ([65])

كأن انسيابَ الزَهرِ من حوله غدت

وهكذا… حتى حقق التكرار نغمة موسيقية أشبه بضربات إيقاعية أو بحركة عصا قائد الجوقة أو رجله بعد كل مرحلة زمنية هي مرحلة قراءة البيت.

وتكرار أداة النداء (يا) في قول الشاعر محمد بن سعيد الجمال[66]:

فَلَنِعْمَ وصفُ الصابر المتجلِّد

يا نفسُ لا تيأسي أسىً وتأسفاً

أضحى يُرَجّي غارةً من أحمد

يا قلبُ لا تجزعْ وكن خيرَ امرئ

ولعل تأتيك البشائرُ في غد ([67])

فعسى توافيك الغوائرُ مُمْسِياً

ساهم في إضفاء نغمة حلوة، كما شارك الصورة في التعبير عن الأسى الذي يحس به الشاعر من جراء مصيبة ما انتابته، وهو يرجو الخلاص منها في ليلته أو في غده.

وكأن جمال التكرار دعا بعض الشعراء أن يتكلفوا فيه، وإن بدا بعضه موفقاً، فصفيّ الدين الحلي نظم تسعاً وعشرين قصيدة على عدد حروف المعجم في مديح الملك المنصور الأرتقي سماها(الأرتقيات) وكانت أبياتها كلها تبدأ بالحرف الذي تنتهي به، وقد جاء بعضها في نغمة حلوة إذ أعطى جرساً عذباً كما حقق تناسقاً بين الشطرين كما في:

فما أنا مَنْ يحيا إلى حينِ نلتقِي

قِفي ودّعينا قبلَ وشْكِ التَّفَرُّق

ومَزَّقْتِ شملَ الوصلِ كلَّ مُمَزَّقِ ([68])

قَرَنتِ الرضى بالسُّخْط والقُرْبِ بالنوى

فالقاف بقوة وقعها أشارت إلى قوة أثر التفرق واختار الشاعر بعدها من الألفاظ ما يؤدي إلى هذا المعنى عن طريق تداعي الأفكار مثل (قفي، قبل، التفرق، نلتقي، قرب، مزق، ممزق) وكانت العلاقة بين هذه الألفاظ علاقة تضاد كما في (التفرق، نلتقي) أو علاقة تواؤم وانسجام مثل (التفرق، مزق، ممزق) وهذا الزخم من القافات وعلاقاتها يشير إلى قلق الشاعر وتقلبه فكأن نفسه قد مزقت شر ممزق بعد هذا التفرق .

ثم جاء الشاعر «محمد بن فرج السبتي» فنظم مقطعات خماسية الأبيات يبدأ كل بيت فيها وينتهي بحرف واحد، وقد جمعها أحمد المقري في كتابه فتح المتعال وكان منها في الحديث عن مثال نعال الرسول r :

بمِدْحَة نَعْلَيْ مصطفَى الرسْلِ أحمدا

دعِ الطرْفَ يسرحُ في رياض تزَيَّنَتْ

فأوحى الذي أوصى إليه من الهدى

دنا فتدلّى قابَ قوسَيْن إذ دَنا

يرَوْن وجيه المرسلين محمداً ([69])

درى فضلَه مَنْ في السماءِ فكلُّهم

وقد كثر التنويع الموسيقي حتى صار بعض الشعراء يبدؤون الأبيات وينهونها بكلمة واحدة على غرار قول «إسماعيل المقرئ»:

فما الهمُّ مخلوقٌ بأرض زبيدِ

زبيدٌ هي السُّلوان للنفسِ والهوى

فلا العيشُ إلا شئْتَهُ بزبيد

زبيدٌ هي الجناتُ والغِيْدُ حورُها

لنفسِك داراً فالهوى بزبيد ([70])

زبيدٌ هي الدنيا فخُذْها غنيمةً

لقد تفجرت أحاسيس الحب عند الشاعر فغدا يكرر اسم مدينته كما كرر جميل بن معمر اسم صاحبته بثينة، وفي ذلك لذة عقلية لها مغزاها النفسي وإيحاءاتها المعينة التي تعكس شعوراً يسيطر على الشاعر، وقد يقول قائل إنها من رد العجز على الصدر، ولكن تكرارها فاق ذلك إذ لم يقتصر على بيت أو بيتين وإنما تجاوز ذلك إلى عدة أبيات.

ومن التكرار الذي ظهر في هذا العصر نوع سمي بالتشجير وكأن الشعراء باتوا يتسلون بنظم أمثال هذه الموسيقا التي لم تعد وسيلة لتحقيق الجمال الفني فحسب وإنما لإظهار المقدرة الشعرية .

والتشجير على ثلاثة أنواع ([71]) :

أ- نوع تتكرر فيه النغمة في القصيدة بدءاً من أول البيت الذي يعد مركزاً أو كجذع الشجرة ويسمى بيت الأصل، ثم يفرع الشاعر له فروعاً في كل ناحية، فينظم بيتاً تكون أول كلمة فيه الكلمة الأولى من البيت الأول، ويكتبه في ناحية من بيت الأصل، ثم يفعل الشيء نفسه في الناحية الأخرى، ثم ينظم بيتاً آخر يبدأ بالكلمة الأولى والثانية ، ويتمه بعد الكلمة الثانية من بيت الأصل ، ويفعل الشيء نفسه في الناحية الأخرى، ثم ينظم بيتاً ثالثاً ليكتب أمام الكلمة الثالثة وهكذا… حتى تنتهي كلمات البيت الأصلي([72]) ومنه قول الشاعر «محمد المعولي»([73]) :

بالأمس كانوا في الفريق نزولا

منِّي السلامُ على الذينَ عهِدْتُهُمْ

تشفي لنا بعدَ الفراقِ عليلا

منِّي عليّ بنظرة فلعلَّها

ترك الفؤادَ مُوَلَّهاً مشغُوْلا

مني التحيةُ والسلامُ على الذي

أو هَبّ ذيّاكَ النسيمُ عليلا

مني السلامُ عليك ما سَرَتِ الصَّبا

يغشى الأحبةَ بُكْرَةً وأصيلا

مني السلامُ مُؤَبَّداً ومُسَرْمَداً

جسمِي لأجلِ فراقِهم مَنْحُولا

مني السلامُ على الحبيبِ وإنْ غدا

وتخيَّروا بعدَ المقام رحيلا

مني السلامُ على الذين تحمّلوا

لو كان قلبِي عندهم مكبولا

مني السلامُ على الذين أوَدُّهُمْ

للزائرينَ مسرَّةً وقبولا

مني السلامُ على الذين عهدْتُهم

في الرَّبْعِ فاختاروا عليه بديلا

مني السلامُ على الذين عهدْتُهم

بالأمسِ أضحى ذكرُهُمْ مشغولا

مني السلامُ على الذين عهدْتُهم

بالأمسِ أضحى ربعُهم مجهولا

مني السلامُ على الذين عهدْتُهم

بالأمسِ كانوا في القضاء عُدولا

مني السلامُ على الذين عهِدْتُهم

بالأمس كانوا للشحيحِ عُدولا

مني السلامُ على الذين عهدْتُهم

بالأمسِ كانوا في المُحول سُيولا

مني السلامُ على الذين عهدْتُهم

بالأمس كانوا في الرُّبوع كهولا

مني السلامُ على الذين عهدتُهم

بالأمس كانوا في الفريقِ قيولا

مني السلامُ على الذين عهدْتُهم

بالأمس كانوا في الفريقِ حُلولا ([74])

مني السلامُ على الذين عهِدْتُهم

وهذا المشجر في أصله تكرار يضفي على البيت نغمة موسيقية ولكنه لما تكرر كثيراً سبب الملل، ولذلك قلت إن غاية الأديب لم تكن إظهار النغمة وإنما  البراعة والمقدرة ولذلك كانوا يسجلونه على شكل شجرة .

ب- والنوع الثاني ما تكررت فيه كلمات الشطر الأول واختلف الشطر الثاني كقول الشاعر «علي الخاني»([75]) في مدحة له:

بَهاليلُ الهِياجِ الأَلْيَلِيِّ

دعا آسادَ عكارَ استجابَتْ

قساوِرَةُ النِّزالِ التُّبَّعِيِّ

دعا آسادَ عكار استجابَتْ

صناديدُ القِراع العَنْتَرِيّ

دعا آسادَ عكار استجابت

بطَعْنٍ سابقِ الأجلِ الدَّنِيّ ([76])

دعا آسادَ عكار استجابت

وقد جاء التكرار ولاسيما مع روي الياء المشدودة ليشير إلى القوة الشديدة التي يتمتع بها القائد «علي بن الأسعد» الذي تصدى لقبائل الفدعان منطقة حماة في سوريا والتي كانت قد أقضت مضجع الدولة.

ويطول بنا الحديث لقد تقصينا الموسيقا الداخلية في شعر الدول المتتابعة، وما ذكرت كان نموذجاً في كثير منه جمال وطلاوة .

3- موسيقا القافية الموحدة:

ومما يتحقق به الجمال الموسيقي أيضا حرف الروي، أو ما يسمى بالقافية الموحدة

والقافية كالفاصل الموسيقي يتوقع السامع ترددها، ويستمتع بمثل هذا التردد الذي يطرق الآذان في فترات زمنية منتظمة، وهي من أهم أجزاء الإيقاع، لأنها تعمل على ضبطه، وتساعد في إحداث الانسجام الصوتي، والتناسب النغمي([77])، فإن جاءت عذبة المخرج ساعدت على إحداث الجمال الموسيقي.

وقد وجهت إليها تهمة الحد من انطلاقة الشاعر في التعبير، ودعا بعض الدارسين ومنهم «جميل صدقي الزهاوي» في أواخر هذا العصر إلى تركها بحجة تجديد الشعر العربي([78])، ولكن آخرين كالدكتور «محمد النويهي» رد عليهم وبين غنى لغتنا بمفرداتها التي تجري على نسق موسيقي واحد، ولهذا فإن العيّ ليس في اللغة أو النظام الشعري، وإنما في ضعف مقدرة الشعراء، كما أكد الدكتور النويهي على ضرورتها وأوضح أن الوزن والقافية ليسا زائدين على البيت الشعري بل يكسباه رونقاً وزينة، وأنهما يعبران عن خلجات الشاعر ويفصحان عن بواطنه النفسية وزفراته الشعرية([79]).

أما الدكتور «أحمد الشايب» فقد قال «لا نغلق باب الاجتهاد في الأوزان الشعرية إلا أننا لا نوافق أبداً على إهدار الوزن والقافية استجابة لعجز المنشئين، وجرياً وراء المقلدين، وانخداعاً بتهافت الضالين»([80]) .

بل إن بعض النقاد ينفر من اختلاف القافية لأنه يمنع الشاعر من متعة السماع ويفقد لذة القراءة الشعرية، ويعد المتعة في انتظامها على نسق لأن كل بيت يمسك بأخيه في توازن نغمي دقيق يطرد إلى نهاية يستقر فيها النغم، وعندما يصل اهتزاز اللحن إلى نهايته يصل الإيقاع إلى غايته([81])

والقافية تضبط الشعر من أن يتحول إلى نثر، وبها إيقاع، وإيقاعها قد يأتي سهلاً رهواً، وقد يأتي قوياً صاحباً، فالشاعر «إبراهيم البقاعي» يختار لوصف المعركة روي الدال المردوفة ليوحي بمد القوة والصلابة، وذلك في قوله:

بحرب له شمُّ الجبالِ تميد

وخضْتَ إليهم غمرةَ البحرِ في الضحى

فأمسى به للعاويات يجود

بعثْتَ إليهم عسكرَ الموت أسهُماً

وما منهمُ إلا لديكَ حَصِيد ([82])

وعادوا كلمحِ الطَّرْفِ جلداً مُمَزقاً

فروي الدال كان أحد العناصر الموسيقية التي اتكأ إليها الشاعر في حديثه عن انتصار ممدوحه في هذه المعركة القوية، وقد أضاف إلى هذا الروي اتساع وزن البحر الطويل، والحروف الجزلة التي استخدمها، فأدى هذا كله إلى الإيحاء بالبطولة الفذة التي كانت في هذه المعركة الطاحنة مما ساعد الخيال على الإثارة، والعاطفة على البروز.

أما «أبو بكر العمري» فقد عبر بروي القاف عن القلق الذي انتاب الشعب عندما ثار القشلق أو الانكشارية في دمشق ضد أشرافها وقتلوهم شر قتلة، وقد تألم الشاعر كثيراً لما حل بهم، وتمنى لو يبلغ الأمر إلى السلطان لينقذ رعيته من ظلمائهم، يقول:

من العَنا في زمنِ القَشْلَقِ

أواه مما حلَّ في جِلِّق

وما لنا من مُنْجِد مُشْفق

قد مسَّنا الضُّرُ وعمَّ البلا

من جندِه في حَرَجٍ ضيِّق ([83])

مَنْ مبلغٌ سلطانَنا أننا

أما الشاعر ابن النحاس فقد أحس بثقل الحياة فراح يشكو لأواءها في أبيات على روي الباء الموصولة بالهاء الساكنة، مشيراً بذلك إلى شدة تعبه ولهاثه في حياته، يقول:

طمِّنْ فؤادَك أيُّ حُرٍّ لم يُرَعْ بالخَطْبِ قَلْبُهْ

ودعِ المَلام فداءَ مَنْ عالجْتَ في التسليم طبُّه

لا تكثِرَنْ هلاّ فعلْتَ عليه فالفَعّالُ ربُّه

السيفُ يرمى بالفُلولِ إذا فشا في الصَّلْدِ ضربُهْ

والصبر يرقيني إذا وثب الزمان وعض كلبُه ([84])

لقد كان حرف الروي الباء والموصول بالهاء، ينم عن كثرة المعاناة فكأن الباء وهي تنفجر من الشفتين تشير إلى الانفجار النفسي الذي ولد الشعر لديه، كما تشير الهاء إلى زفرة المنكوب التي كانت حبيسة بين أضلعه ثم أطلقها ليخفف معاناته، وقد ساعد على هذا الوزن أيضاً تدوير البيت مما أوحى بسرعة توالي الحوادث عليه وبهذا تكون القافية وثيقة الصلة بالفكرة التي يتحدث عنها.

وروي اللام المردوفة يكسب الأبيات ليناً ومدّاً للنغم، وإذا أضيف إليه الكاف كان أمتع وأكسب البيت عذوبة ورونقاً، وهذا ما نراه عند الشاعر"أحمد الكجي"([85]): 

والدهرُ يفخر في مثالك

الخيرُ فيك وفي رجالِك

ن، ويشهدون بحُسْن حالك

والناسُ طُرّاً يمدحو

يا واحدَ الدنيا كذلك ([86])

من رامَ مجدَك فليكنْ

وقد يأتي الروي مقيداً بالسكون، وله دلالته المعنوية فالشاعر «محمد بن حسن الكواكبي» أراد أن يشير إلى التعب وضرورة التخلص منه بالتوكل على الله، فنظم قصيدة على روي الحاء الساكنة على نحو قوله:

حتامَ في ليلِ الهموم زنادُ فكرِك تَقْتَدِحْ

ارفقْ بنفسِك واعتصمْ بحِمى المُهَيْمِنِ تَنْشَرِحْ

واضرَعْ له إنْ ضاقَ عنك خناقُ حالِك تنْفَسِحْ

ما أمَّ ساحةَ جوده ذو مِحْنَةٍ إلا مُنِح ([87])

هذا الاهتزاز النفسي ناسبه روي الحاء في قصيدة على مجزوء الكامل وهو بحر يشعرنا بتقلبات الحياة والضيق منها، ومجزوءه يشير إلى الانفعال، ولاسيما أن بعض الأبيات جاء مدوراً فدل ذلك على استمرار المعاناة، وأما تسكين الروي فكأنه يشير إلى أن الشاعر أراد أن يوقف حدة توتره النفسي ورغبته في قطع الآلام والخلاص منها.

وقد يزيد الشاعر في النغمة والإيقاع بالتزامه حرفين أو أكثر في قافية قصيدته([88])، وقد يأتي هذا حلواً سهل الوقع على الأذن،، وقد يتكلفه الشاعر.

فمما تستسيغه النفس قول الصفدي وقد التزم ثلاثة أحرف:الروي والدخيل وألف التأسيس:

وقد كان في إغفائِه عنه غافِلا

تيقظَ طَرْفُ الدهر نحو جَنابه

كما أنه من عِزّه راحَ جافلا

يحنُّ إليه الجودُ من حيثُ ينتحي

وبذلِ الندى ما زال يختال رافلا ([89])

لقد كان في بُرْد الشبيبةِ والعُلا

ولكن «عمر بن أحمد الصعيدي([90])» تكلف حين التزم أربعة أحرف روي التاء وألف الردف والباء قبلها بعدألف أيضاً:

عصر الشباب فهاجَتْ بِي صباباتي

طالعْتُ يوماً بديوان الصبابةِ في

وطيبِ عيشٍ بأيامِ الصِّباباتي ([91])

فقلْتُ للنفس في لهوٍ وفي لعِبٍ

ولعل مما خفف هذا التكلف حروف المد الثلاثة الألفان وياء الوصل بعد الروي.

وبعض الشعراء تكلفوا في القافية حتى جاؤوا بها خشنة مستقبحة على نحو قول «مصطفى الكردي»([92]) في قول له يمدح فيه من اسمه (عياشي):

بحبِّ ظبيٍ على وصلِ الجَفا ناشي

أذكرتَني عهدَ أنسٍ أيها الواشي

ذاك الحَمِيدُ الثَّنا السامي ابنُ عياشي ([93])

وقمْ بنا نلتقي يوماً لذي كرمٍ

وهناك من التزم مقطعاً كاملاً ([94])، ويطول البحث لو رحت أعدد هذه النماذج المتكلفة، مما لايزيد في جمال الموسيقى بل يفتح المجال للهجوم على العروض الخليلي والتزامه بالقافية الواحدة.

ولعلّ هذا التكلف كان السبب في اتجاه الأدباء منذ العصر العباسي إلى تنويع النغم فيما سمي بالشعر المستحدث، وهذا ما سأتحدث عنه تحت اسم الموسيقا المستحدثة .

ثانياً – الموسيقا المستحدثة:

أو نظام القوافي المتعددة، وأقصد بالشعر المستحدث ما لم يتبع النظام الخليلي، ذلك لأن شعراء الدول المتتابعة كانوا من جنسيات شتى، كما كان سلاطينهم من غير العرب، ولهذا فقد حملوا إلى البلدان العربية والإسلامية التي كانوا يتنقلون بين جنباتها أنغامهم، ثم راحوا يزاوجون بينها وبين العروض العربي.

 ولم يكن هذا التغيير أمراً طارئاً على العصر، وإنما وجدت محاولات قبله للوليد بن يزيدالخليفة الأموي ، ثم جاءت محاولة «سلم الخاسر»، إذ أنشأ قصيدة على تفعيلة واحدة هي (مستفعلن)([95])، و «أبي العتاهية» إذ أوجد وزن «مدق القصار» ولما اعتُرِض عليه قال: «أنا أكبر من العروض»([96]) مشيراً بذلك إلى أن للشاعر الحرية في إيجاد النغمة التي يحب، وكان علماء العروض قد ابتدعوا أوزاناً أهملت لأنها لم تلقَ استحساناً من الشعراء، وبذلك فتح الباب على مصراعيه لمن شاء أن يغير، ولمن ملّ من النغمة الواحدة المرددة في القصيدة كلها([97]) .

ولكن التغيير الذي حدث في عصر الدول المتتابعة كان بنظام ونظم به  الموضوعات الشعرية قاطبة، حتى المديح الرسمي الذي كان ينأى عن نماذج الشعر المستحدث، ومن هنا فإننا صرنا نرى المزدوجات والمثلثات والمسمطات وهي على أنواع (المربعات والدوبيتات، ووزن السلسلة والمخمسات والمسدسات حتى المعشرات)،ثم الموشحات ،والمواليا، والبند .

وسأدرس هذه الأنواع وأنظمتها العروضية ثم أعرج إلى الحديث عن الأوزان المخترعة والمآخذ العروضية عامة، ثم سمات موسيقا الشعر في العصر .

1- المزدوجات :

وتتكون من شطرين أو مصراعين([98])، على قافية واحدة، ثم من شطرين آخرين على قافية أخرى، ثم تتوالى الوحدات الموسيقية في نغمة مزدوجة على بحر الرجز غالباً.

وكان الخليفة «الوليد بن يزيد» أول من اخترعها، وكان شعره من أرق الشعر، ويقال إن بشار بن برد هو الذي استحدثها، ثم شاع ونظم عليها أبان بن عبد الحميد كليلة ودمنة كما نظم أبو العتاهية عليها أرجوزته "ذات الأمثال"، وبهذا فتحا المجال ليكون هذا النوع صالحاً للشعر التعليمي، ثم صارت تعرض به العلوم والقصص، وتنظم على بحر الرجز لما فيه من من حيوية ويسر،  وطواعية لامتداد النفَس الشعري والإطالة به([99]).

وعلى الرغم من شيوع المزدوجات فإن بعض النقاد لم يعدوها من القصيد لأنها برأيهم تدل على عجز في المقدرة الشعرية، ولهذا قال أبو العلاء المعري:

ويعود جمال المزدوجات إلى أن الوحدات الموسيقية ثنائية الشطور تتوالى واحدة تلو الأخرى، فتقدم لنا بذلك نغمة تلو نغمة مع التزامها بالبحر، فهي إذاً تعتمد على مبدأ الثبات والتغير معاً، وهذا التغيير يكسبها رشاقة ويمنعها من الرتابة، ويسهل حفظها، ولذلك نظم عليها الأراجيز التعليمية والأسئلة العلمية، من ذلك قول أحمد بن ماجد في أرجوزة له على البحر الرجز يحدد فيها سمت القبلة للبحارة، وكان عالماً في البحر:

مُصَلِّياً على النّبي أحمد

باسم الإلهِ المستعانِ أبتدي

في نظمِ دُرِّ قِبْلَةِ الإسلام

ليَسْهُل الشديدُ من مَرامِي

كنْ مُسْتَعِداً واستمع مقالِي

إن شئتَها يا صاحِ بالكمالِ

في صُحُفٍ أو ورَق بالسَّوية ([100])

وانصِبْ لها دائرةً أُفْقِيَّة

وهناك مزدوجات على غير بحر الرجز كقول رفاعة الطهطاوي([101]) :

إلا المحبَّ للوطنْ

ليس اللبيبُ ذو الفِطَنْ

عُلاه قد سامَى السما

أكرمْ بمصرَ مَنْ حمى

في حُبِّها تعلو الشِّيَمْ ([102])

في حبِّها تسمو الهِمَمْ

وهكذا كانت المزدوجات كمعزوفة على أكثر من آلة تنسجم فيها الألفاظ فتلتذ الأفئدة والأسماع لخفتها وجاذبيتها.

2 - المثلثات:

وفيها يبدأ الشاعر بمطلع أشطره الثلاثة على روي، ثم تعقبه أشطر ثلاثة أخرى يكون فيها ثالثها على روي المطلع، وفي هذه المثلثات إيقاع عذب محبب، على نحو قول خليل مطران([103]) في مدحة له للسلطان عبد الحميد بمناسبة إعلانه للدستور العثماني، يقول فيه:

يا أخْتَ شمسِ البريةْ

حُيِّيْتِ خيرَ تحيّةْ

حُيِّيْتِ يا حرية

 وقاهرو الأبطالِ

قوادُ جيش الهلالِ

في كل حرب عَتِيّة ([104])

فالشاعر بدأ بروي الياء المشددة الموصولة في المقطوعة الأولى، ثم أتبعها بثالثة قسيمها الثالث على روي المطلع، وهذه المقطوعة لخفتها ورشاقتها تصلح للغناء .

3 - المسمطات:

المسمطات لغة: درج اللؤلؤ في الخيط أو القلادة تنتظم فيها عدة سلوك تلتقي جميعها عند جوهرة كبيرة، وقيل المسمط هو الخيطماكان فيه خرز وإلا فهو سلك([105]) .

 واصطلاحاً كما في الصحاح: ماقفِّيَ أرباع بيوته وسمط في قافية مخالفة يقال مسمطة وسمطية، وفي لسان العرب : المسمط من الشعر أبيات مشطورة تجمعها قافية واحدة مخالفة لقوافي الأبيات .

ومع ذلك فقد اختلف في تعريفه قديماً وحديثاً :

1- فالجرجاني وعلي أبو زيد مؤلف كتاب البديعيات يريان أن المسمط هو البيت المسجوع الذي تتفق فيه ثلاث عبارات دون الأخيرة، وقد ضرب الجرجاني مثلاً على ذلك في قول أحد الشعراء:

وعِلْجٍ شَدَدْت /عليه الحِبالا

وحرْبٍ وَرَدْتُ /وثَغْرٍ سَدَدْتُ/

وضيف قَرَيْتُ /يخاف الوكالا ([106])

ومال حَوَيْتُ /وخَيْل حَمَيْتُ/

وقد جاء منه في العصر العثماني قول أمين الجندي:

شقَّ لي الليلا /فرقُها الأجلى

مذ بَدت ليلى /بليلِها تُجلى/

أيها السائرْ /نحوها مَهْلا ([107])

لم أزل صابْر /في الهوى شاكرْ/

ونغمة هذه القصيدة عذبة لذيذة، ولو دققنا النظر في هذين المثالين لرأينا أن الشاعرين جاءا في المطلع بأربعة أشطر ثلاثة منها ملتزمة في البيت دون الآخر، والرابع اختلف عنها ولكنه ملتزم في المقطوعة كلها .

 وعلى هذا أستطيع أن أعد الرباعيات من المسمطات ويمكن تسجيل هيكلها كالآتي:

………………   ل

……………. ل

………………   ل

……………. ل

………………   ر

…………….   ر

………………   ل

…………….   ر

والجرجاني  يقول إن أقسام السجع ثلاثة معروفة ويجدر أن تكون زيادة عن الثلاثة وقد نظم أحدهم سبعة أقسام على قافية واحدة ، ونظم القسم الثامن على القافية الأصلية التي أقام عليها بناء الشعر ([108]) .

وكذلك يرى ابن رشيق في العمدة أن للمسمط أنواعاً متعددة، ويذكر منها كا يعرف بالرباعيات، وما يعرف بالمخمسات، وما يشابه إلى حد كبير الموشح من حيث القفل المزدوج والبيت ذي الأقسام المتعددة ([109]) .

فمما يشابه الرباعيات ما جاء هيكله على :

هيكل ( 1 )

……………   ن

………….     ن

…………… ب

………….     ن

…………… ل

………….     ل

…………… ب

………….     ل

ومما يشابه المخمسات ما كان هيكله على:

هيكل ( 2 )

…………… ل

………….     ل

…………… ن

…………      ن

…………… ن

………….     ن

              …………….     ل

…………… ع

………….    ع

…………… ع

………….    ع

             …………….     ل

كما جاء بنظام آخر كشاهد على المسمطات يسير على نمط المخمسات أيضاً وهيكله :

هيكل ( 3 )

…………… ن

………….     ن

…………… ن

………….     ن

                 ……………. ن

  كما يذكر د.صفاء خلوصي و محمد الحسناوي أن التسميط له أكثر من تعريف([110]) إذاً ليست المسمطات ما اقتصرت على البيت المسجع، وإنما له أنواع متعددة منها أن يكون على أربعة أوخمسة أشطر أو سبعة أو ربما أكثر.

وفي كشاف اصطلاح الفنون أن الشاعر الذي يسمط يقول بيتين متفقين في الوزن والقافية ويأتي في النهاية بمصراع أخير متفق في الوزن والقافية الأصلية، ويجعل بناء الشعر على هذا المنوال سواء أكانت القافية الأصلية موافقة المطلع أم لم تكن، ويضع هذه المصاريع القليلة سمطاً، وينظم بعدها أبياتاً أخرى على العدد نفسه من غير قافية المسمط الأول، اللهم إلا في المصراع الأخير الذي يكون على قافية المسمط الأول شرطاً، ويضع هذه أيضاً سمطاً، ويتم الشعر على النمط، ولا يجوز أن يكون هذا أقل من أربعة أبيات، ولا يستساغ أن يكون أكثر من عشرة وبناء على هذا فإن المربعات والمخمسات والمسدسات…. حتى المعشرات من المسمطات([111]) .

ويرى د. خلوصي ود.عمر فروخ في تاريخ الأدب العربي، ود.نعيم اليافي في أمالي في الأدب الأندلسي أن المسمطات تكون بأن يبتدئ الشاعر ببيت مصرع ثم يأتي بأربعة أقسمة على غير قافيته، ثم يعيد قسيماً على قافية البيت وهكذا، ومخططه على :

……………… ل

…………….    ل

……………… ن

…………….    ن

……………… ن

…………….    ن

                      …………….    ل

وهذا يشبه المخمسات لولا مطلعه، كما يشبه مخطط الهيكل الثاني الذي أورده ابن العميد ويذكر أنه قد يأتي بأقل من أربعة أقسمة مثل :

……………… نا

…………….    نا

……………… ب

…………….    نا

……………… ل

…………….    ل

……………… ب([112])

…………….    ل

وهذا هو هيكل الرباعيات اتلذي أورده ابن رشيق في الهيكل الأول .

ويذكر د.خلوصي أيضاً أن المسمطات كانت خطوة ثانية بعد المخسات في طريق التطور إلى الموشحات ،وأكثرهم على أن الرباعيات والمخمسات حتى المعشرات من أنواع المسمطات.

وقد أورد «عبد الرزاق البيطار» في حلية البشر في ترجمة الشاعر «عثمان الموصلي» قوله «لهذا شمرت ساعد الجد لتسميطها طلباً للثواب…»ثم قال: «التخميس العبهري على بائية العمري» وهي:

قمْتُ لمدحِ آلِ طه مُعْرِبا

«مُذْ شبَّ زَنْدُ الفكرِ بعد أَنْ خبا

هذا الكتابُ المُنْتقَى والمُجْتَبَى

مُسَمِّطاً، أوصافَهم فيما احتبَى

في نعتِ آل البيتِ أصحابِ العَبا»([113])

ثم ذكر المؤلف في شرح المسمط: (سمط الشيء لزمه، والشاعر نظم مسمطاً أي مخمساً)([114]) وهذا يعني أن المخمسات من المسمطات .

وبناء على ما سبق أستطيع أن أعد قول عبد الرزاق فتاحي([115]) الآتي من المسمطات لأنه بدأه ببيت" سمط " روي صدره وعجزه النون، ثم ألحقه بأربعة أشطر التزم في ثلاثتها الأولى بحرف، وكان الرابع منها على روي المطلع، وقد كرر هذا في القصيدة كلها:

والغمُّ زال والعَنا

بشرى فقد نِلنْا المنى

وبه لنا فاحَ الأَرَجْ

بالصبرِ قد حِزْنا الفَرَجْ

مع كل كربٍ أحزَنا

والغمُّ زالَ كذا الحَرَجْ

ربُّ الكمالِ الباهرِ

قد فازَ عبدُ القادِرِ

لما بذا الخيرِ اعْتَنَى ([116])

بجَزِيل أجرٍ وافر

ومن هنا فإن المسمطات برأيي هي الأصل الذي تفرعت منه الرباعيات والمخمسات،ثم الموشحات، ولاسيما أن ابن سلام الجمحي في طبقاته يذكر في معرض حديثه عن أوليات الشعر أنه لم يكن لأوائل العرب إلا الأبيات يقولها الرجل في حادثة ما([117])، وفي ديوان امرئ القيس مسمطتان له الأولى خماسية الأشطر وهي :

ومستلئمٍ كشّفتُ بالرمح ذيله    أقمت بعضبٍ ذي سفاسق ميلَه

فجعت به في ملتقى الحي خيله     تركت عتاق الطير تحجل حوله

كأن على أثوابه نضح جريال([118])

 ويذكر د.صفاء خلوصي أن هناك مسمطاً نسب لامرئ القيس وهو:

عفاهُنَّ طولُ الدهر في الزمن الخالي

توهَّمْتُ من هندٍ معالمَ أطلالِ

يصيحُ بمَغْناها صدًى وعوازفُ

مرابعُ من هندٍ خلَتْ ومصايفٌ

وكل مُسِفّ ثم آخرُ رادفُ

وغيَّرَها هُوْجُ الرياحِ العواصفُ

بأسحمَ من نَوْءِ السِّماكَيْنِ هطّالِ

وفي لسان العرب لابن منظور مسمطة رباعية هيكلها كالآتي :

..........................نا         ..........................نا

..........................نا         ..........................ب

..........................ل         ..........................ل

..........................ل         ..........................ب 

   وهي من الرباعيات كما نرى .

وتحقيق ديوان امرئ القيس من هؤلاء الباحثين مع وجود المسمط في المعاجم القديمة دليل على وجود المسمطات في أدبنا العربي القديم، وهي وإن لم تصح لقائلها فإنها تدل على قدم هذا النص، وتثبت أن العرب نوّعوا أنغامهم أولاً كما ذكر ابن سلام الجمحي ثم أعجبوا بجمال القصيد ذي الروي الواحد فاتبعوه، ثم لما تعددت الشعوب والأجناس تعددت الأنغام ثانية، وهذا العمل أدى إلى وجود الرباعيات والمخمسات والمسدسات وغيرها من أنواع المسمطات، ثم تطور ذلك فكانت الموشحات، ثم تنوعت هذه أيضاً على نحو ما سنرى عند الحديث عنها.

وعلى هذا فإني أقسم المسمطات إلى ( الرباعيات و المخمسات و المسدسات حتى المعشرات ) ، ولئن حدث تغيير في بعض هذه الأنواع على نحو ما سنرى فإن التطور والتغيير من سنن الحياة، والموسيقا لا تقف عند حد، والطريق مفتوح لمن أراد إن كان عمله ضمن نظام وقانون.

وسأدرس هذه الأنواع مبينة أقسامها وتغيراتها.

أ – الرباعيات:

كثرت الرباعيات في شعر الدول المتتابعة، ولم تعد مقطوعات، وإنما صار الشعراء ينظمون بها مطولات على غرار القصائد.

والرباعيات على أنواع مختلفة باختلاف رويها، ولكنها جميعها تتفق في أنها مجموعات شعرية تتألف كل مجموعة من أربعة أشطر، ثم تختلف بعد :

1ً-فهناك المسمط الرباعي المسجع الذي جاء على شرط الجرجاني بحيث يتألف البيت من أربعة أقسام، ثلاثتها على روي واحد مع مراعاة القافية في القسيم الرابع الذي يقوم عليه بناء الشعر إلى أن تنقضي القصيدة، من ذلك قول شاعر لبناني يمدح الأمير الشهابي :

صاحب السعود / أسد الأسود        الغازي الغضنفر / قايد الجنود

فاتح الحجاز / في العبيد فاز        للحصون جاز / فايق الحدود

مالك الجزار / حايز المفاخر        للعدو قاهر / راغم الحسود([119])

   وهذه الأقسام حققت جرساً موسيقياً بحركاتها الإيقاعية .

2ً-وهناك المسمط المصرع، إذ يبدأ بسمط من مصراعين يلتزمان حرفاً واحداً كما هو الحال في مطالع القصائد،ثم تأتي المقطوعات الرباعية كما في قول عبد الرزاق فتاحي :

سلت لفتكي من الأحداق هنديا     خود حكى قدُّها بالميل خطيّا

وقد أتم صنيع الخير حيث سرى     لباب سلطاننا السمى الرفيع ذرا

يرجوه إطلاق من في النفي فاعتبرا     منه المقام وبالبشرى له حيا([120])

3ً- فهناك من يرى أن القسيم الرابع فحسب هو الملتزم في جميع المقطوعات، وهو يتبع روي المطلع، أما الأشطر الثلاثة الأخر فعلي روي واحد غير روي المطلع([121]) .

ومنها قول الشاعر «صالح به سلطان»([122]) في رباعية نبوية له:

إن جِزْتَ وادي الرَّقْمَتَينْ

يا برقَ شِعْبِ الأَبْرَقَيْنْ

وآلهِ والصالحينْ

سلّم على جدِّ الحُسَيْنْ

ومَنْ أتانا بالهدى

أزكى الأنامِ محتِدا

أخجَلَ نورَ النَّيِّرَيْن ([123])

ونورُه لما بدا

فنغمة هذه الأبيات طربة فقد جاءت على مستفعلن مستفعلان وهو وزن خفيف الوقع إضافة إلى نغمة النون المقيدة المردوفة .

ومنها أيضاً قول «الأمير الصنعاني» في مديح أحد العلماء :

منكُم يا جيرةً نُقُبا

هلْ ينالُ ما طلبا

فيؤدي بعضَ ما يجبُ

ويردُّ الدهرُ ما سَلَبا

عبرةً في الخدِّ قد عَبَرَتْ

فجفوني بعدكمْ سَفَحَتْ

أرضكُمْ واخضرَّتِ الكثُبُ ([124])

لواليكم وُجِّهَتْ لسَقَتْ

4ً- وبعضها يأتي مصراعه الأول والثاني والرابع على روي يختلف عن الثالث كقول «يوسف بن خلد الحسفاوي»([125]):

فقد أشرقتْ بالنورِ منك المطالعُ

أوَجْهُك هذا أم سنا البدرِ لامعٌ

وذكرك بالمعروفِ والعُرْفُ شائع ([126])

حديثكُ للسُّمّارِ خيرُ فكاهةٍ

5ً- ومنها ما جاءت أشطره الأربعة على روي واحد كقول «محمد بن يعقوب الجمال»([127]):

فلم تكنْ مهجتي في الحقِّ مرتاحة

طلبْتَ للقلب بالأسفارِ لي راحة

مَنْ كان مثلي فهو يستأهِلُ الراحة([128])

مذ غبتَ عن مربعِ الأحبابِ والساحةْ

6ً- ومنها ما جاءت مقطوعة المطلع على روي التزمه الشاعر في الشطر الثالث والرابع من المقطوعات الأخرى، دون الأول والثاني نحو قول «عبد الرحمن العيدروس»:

أشهدَتْنا جمالَها والجلالا

أشرقَتْ بهجةً وعزَّتْ منالا

هكذا هكذا وإلا فلا لا

غادةٌ باللحاظِ تغزُو الغزالا

قلْتُ أهلاً لا عطرَ بعد عَروس

أقبلَتْ كالبدور بل كالشموسِ

هكذا هكذا وإلا فلا لا ([129])

فاستمال القَوامُ منها وصالا

وهذا مايجعل الرباعية قابلة للغناء، ولعله كان ينشدها في حلقات الصوفية، فحروفها اللينة ومدودها المتوالية وهاءاتها الصادرة من الأعماق تجعلها صالحة للغناء .

7ً-ومن الرباعيات ما يسمى بالدوبيت، وهو يتكون من بيتين أو أربعة أشطر تتحد قوافيها ، ويسمى الدوبيت التام ،  ومنهم من يجعل الشطر الثالث على روي آخر ([130]) ،ويسمى الدوبيت الأعرج ، وقد يكون شطره الثاني أقصر من الأول ، ويسمى حينذاك الدوبيت الممنطق .

وهو فارسي الأصل والوزن، ووزنه :

(مكررة مرتين)

فعلن متفاعلن فعولن فعلن

   وقد يأتي عروضه وضربه على (فعْلان أو فعولن أو فعو)، ولغته فصحى لا غير.

أما حازم القرطاجي فقد ذكر للدوبيت وزناً آخر هو:

(مستفعلاتن، مستفعلن ، مستفعلن) ([131])

وهو وزن غريب النغمة ولا ينسجم مع الذوق العربي، ولذلك قل نظمه عند الشعراء العرب، ولكن بعضهم نظم عليه ما يزيد عن ثلاثين مقطوعة كالشاب الظريف، كما وجد عند شعراء الخليج العربي لقربهم من الأعاجم، وعلى أي حال فقبول النغم أو رفضه يتبع الذوق ومقدرة الشاعر على اختيار الكلمة وسبكها في عبارة عذبة .

ومن الدوبيت التام: وقد جاءت أشطره الأربعة على روي واحد هو اللام مع هاء الوصل قول «الشاب الظريف»، وكان أبوه قد عاش في بلاد الروم أمداً طويلاً ثم عاد إلى دمشق ولعله تأثر بأنغام الأعاجم :

بالله دمُ المُحِبِّ مَنْ حلَّلَهُ

كم قلْتُ مُغالِطاً لكي أسألَهُ

من يعذِلُني عليك فالسَّبُّ لهُ ([132])

قتلي لك بالصدودِ من سبَّلَهُ

ومن الدوبيت الأعرج: وتأتي أشطره الثلاثة الأول والثاني والرابع على روي واحد، أما الثالث فعل روي آخر، قول «البهاء العاملي» وكان قد هاجر إلى بلاد العجم صغيراً وتأثر بهم :

قد ودَّعَني فغاب صبري إذْ غابْ

يا بدرَ دجًى فراقُهُ الجسمَ أذابْ

عيناك لقلبي المُعَنّى فأجابْ ([133])

بالله عليك أيُّ شيءٍ قالت

وقد جاء ضربه على (فعلاْنْ).

وأما الدوبيت الممنطق فيكون عجزه مؤلفاً من تفعيلتين هما (فعلن فعلن) ومنه أيضاً قول البهاء العاملي:

وقتَ السحَرِ

يا سعدُ جزْتَ ديارَ الأحبابْ

واقضِ وطري

قبِّلْ عني ترابَ تلك الأعتابْ

رؤيا النظر

إن هم سألوا عن البهائي فانطقْ

هذا خبري ([134])

قد ذابَ من الشوقِ إليكم قد ذابْ

وهنا نرى أن الدوبيت لم يأت كعادته في بيتين وإنما طال، وقد ذكر ابن الجوزي في المنتظم أن الشاعر «هبة الله بن المفضل» (ت558ه) نظم قصيدة على الدوبيت([135]) بل جاءت بعض الموشحات أيضاً على الدوبيت.

ويشترط «د.خلوصي» التزام نغمة الدوبيت «فعلن متفاعلن فعولن فعلن» فإن جاءت (فعلن: متفاعل، أو متفاعلن) خرج عن الدوبيت ([136]) .

ولا أرى ذلك في جميع الدوبيتات فالدوبيتات التي بين يدي حدث تغير كبير في نغماتها، وإن حافظت على الهيكل النغمي العام لها، فمنها ما جاء على «فعلن متفاعلْ فاعلاتن فعلن» أو فاعلن، ومنه قول «الشاب الظريف»:

أو زالَ ودادُه الذي أعتقدْ

إن صدَّ وأضحى للجَفا يعتمِدْ

لا يدخلُ بينه وبيني أحدْ ([137])

فالأمرُ له وما عليه من حَرَجْ

فإن حدث التغيير في بعض أشطرها دون بعض كان ذلك خللاً برأيي، ذلك لأن بعض الدوبيتات جاء على وزن «فعلن متفاعلْ متفاعلْ فعلن» في بعض أشطرها لا في جميعها، ومنه قول «محمد القاسمي» إذ جاء شطره الثالث على هذا الوزن في :

والوحشةُ منْ هواك لا تعدوني

لقياك سرورُ قلبي المحزونِ

مني فأتَتْ بدُرِّها تُرْشيني ([138])

يا ويحَ عيوني خِشيَتْ شقوتُها

وفي ديوان «الشاب الظريف» جاء القسيم الأول والرابع على هذا الوزن([139])، و «للبهاء العاملي» دوبيت جاء قسيمه الثاني على هذا الوزن ([140])، وتكرر في القسيم الأول والثاني والرابع من دوبيت آخر له ([141])، وجاء في آخر له في البيت الأول بشطريه ([142])، وفي دوبيت آخر جاء القسيم الثاني والرابع على هذا الوزن مثل :

إن شرَّدني الزمانُ عن جُلاسي

لم أشْكُ من الوحدة بين الناسِ

والهمُّ جليسي، وبه استِيناسي ([143])

فالشوقُ لقُرْبهم قريني أبداً

وقلب التفعيلات (فعلن متفاعلْ – متفاعلْ فعلن) أمر معهود في العروض الفارسي، ولكن الشعراء لم يلتزموا هذا القلب في أشطر الدوبيت كلها، وإنما كانوا يأتون به في شطر، وهذا ما أدى إلى تغير في النغمة وخلل فيها.

بل إن بعض الشعراء غيّروا وزن الدوبيت فجعلوا بعض أشطره على أوزان أخرى ، ففي كتاب أوزان الشعر الفارسي دوبيتات على وزن «فاعلاتن مفاعيلن فعولن»([144]) ، وهو ثلاثي التفعيلات، ومثله في ثلاثيته وزن «مفاعيلن مفاعيلن فعولن» وهو وزن للدوبيت ينسب إلى بابا طاهر العريان الهمذاني([145])، وقد غيّر العرب أيضاً فجاء القسيم الأول والرابع من دوبيت «للشاب الظريف» على «فعلن متفاعلن فاعلاتن فاعلن» وهو:

لم يبقَ بلا صَبابةٍ مخلوقُ

مذ مالَ دلالاً قدُّك الممشوقُ

ما أسعدَ مَنْ أنت له معشوق ([146])

قد حِزْتُ ملاحةً ولُطْفاً وحَيا

وجاء بعض أشطر الدوبيتات على أوزان عربية وبعضها الآخر على أوزان الدوبيت المعهودة أو المتغيرة([147]) وهذا التغير الشديد يشير إلى مدى الحرية التي أطلقت للشعراء، أو لعلهم لم يتقنوه لأنه كان يخالف أذواقهم فحصل عندهم خلل كثير فيه ، ولأن الفرس غيرّوا فيه أيضاً كما رأينا عند بابا طاهر .

    ومما يلحق بالدوبيت عند بعضهم وزن يسمى بالسلسلة لم ينظم عليه الفرس أكثر من بيتين بأربعة أشطر، ويأتي شطره الأول والثاني والرابع على روي واحد خلافاً للثالث ووزنه:

فعلن فعلاتن مستفعلن فعلان (أو فعلاتان)

أو : تن مستفعلن مستفعلن مستفعلن ([148])

ويقول «د.صفاء خلوصي» عنه «إنه نظم مجهول المنشأ والزمن وسبب التسمية، ولم نعثر على أمثلة في كتب الأدب والعروض غير البيتين اللذين أوردناهما، والشطر الذي أورده الدمنهوري في الحاشية الكبرى وهو (…) وقال إنه من قصيدة مشهورة، وغير شطر واحد لشاعر آخر هو (…) هذا كل ما عثرنا عليه من وزن السلسلة، وأكبر الظن أنه فن من الشعر لم يستهو الشعراء كثيراً، لذلك انطوى وانغمر مع الأوزان المهملة»([149])، ويتبعه في رأيه هذا «د.هاشم مناع» إذ يقول «إن هذا الوزن لم يكد يظهر حتى اختفى»([150])، ويبدو أنهما لم يطلعا على كتب شعر الدول المتتابعة، إذ كثر هذا الوزن عندهم حتى لم تعد له علاقة بالدوبيت وجاء منه قصائد طوالاً كما عند الشاعر «الحكيم الرشيدي الأسلمي»([151]) مدحة نبوية عليه ومنها قوله:

عرّج فضيا البدرِ في المنازلِ قد بانْ

يا سَعْدُ لك السعدُ إن مرَرْتَ على البانْ

أقبلْتَ على الحيِّ حيِّ دارا وسُكّان

قُلْ صُبَّ من الصَّبِّ مَدْمَعٌ وإذا ما

من خيرِ نزارٍ ومن مَعَدٍّ وعدنان ([152])

دارٌ جمعَ اللهُ شملها بنبيٍّ

  وذكر «د.محمود سالم محمد» الذي أورد هذه الأبيات أن وزن السلسلة يلائم الروايات والحديث لضعف إيقاعه الموسيقي،وذكر أن الشاعر"ابن الوردي" نظم عليه([153]).

وفي العصر العثماني نظم عليه «رضي الدين الحنبلي»([154]) و «أحمد بن الملا الحصكفي»([155]) و «فتح الله بن النحاس»([156]) و «ناصر الدين الحلفاوي»([157]) و «علي الكيلاني» و «أحمد السابق»([158]) وغيرهم، وهذا يعني أن شعراء عصر الدول المتتابعة قد طوروا هذا الوزن وأكثروا منه، بل إن الحصكفي نظم منه القصائد التقليدية، وكذلك فعل ابن النحاس، والكيلاني، ومن قول الأخير

خِلجانُ دموعي غَدَتْ مشارعَ أفلاكْ

يا بدرَ سماءٍ له الأَرْزَةُ أفلاك

لولاك لما هام في المحبةِ لولاك

عطفاً بمُحِبٍّ يفوقُ عامرَ قيسٍ

يرتاحُ قلبي بشبهِ برقِ ثناياك ([159])

إن أومضَ برقٌ من الغُوَيْر ونجدٍ

ب- المخمسات([160]) :

وهي نوع من الفنون المستحدثة أيضاً أوجده بشار بن برد، وكان ابن رشيق يعده دليل عجز الشاعر وقلة قوافيه وضيق عطفه ولم ير متقدماً حاذقاً صنع شيئاً منها، وقال إن الشعراء الذين قالوا فيها ما كانوا إلا عابثين مستهينين بالشعر([161])، ولا أرى نظرته لأن الأذواق العربية تغيرت بالتأثر والتأثير، وبكثرة الجنسيات.

وكان الفرس قد نظموا عليه خمسة مصاريع يتفق فيها الأول والثالث في القافية، وكذلك الثاني والرابع، على حين كان المصراع الخامس بقافية أخرى([162])، ولكن العرب غيروا هذا وجعلوه:

1ً- خمسة أشطر تأتي على روي واحد، ثم تأتي المقطوعات الأخرى بحيث تكون أشطرها الأربعة الأولى متحدة الروي ويكون قسيمها الخامس على روي المطلع على غرار ما فعلوا في الرباعيات، ولعل هؤلاء وجدوا في المخمسات نغمات صوتية تنساب انسياب الماء الزلال.

ومن هذه المخمسات الطربة قول «صفي الدين الحلي» في مدحة له للملك المنصور الأرتقي:

فَرَنَّحَتْ أعطافَه بالسُّكْرِ

دارَتْ على الدَّوْح سُلافُ القَطْر

فَغَرَّدَتْ فوقَ الغصونِ الخُضْر

ونبَّهَ الوُرْقَ نسيمُ الفجرِ

تُغْنِي عن العودِ وصوتِ الزمر

مُحْيي الأنامِ قبلَ نفخِ الصور

لُذْ بربوعِ الملكِ المَنْصُور

قاتلُ كلِّ أسَدٍ هصور

باني العلا قبل بنا القصور

مَلَّكَهُ اللهُ زمام النّصر ([163])

2ً- وهناك من التزم في مخمسته بروي واحد لكل مقطوعة مع التزامه في الشطر الخامس منها بروي دون أن يستهل مخمسته بمقطوعة تتحد أشطرها الخمسة بروي واحد، ومن هذا النوع قول الصفدي:

فكلُّ بليغٍ فاضلٍ من رُواته

أيا فاضلاً تُلهي معاني صفاتِه

له آمرٌ بالرُّشْد في يقظاتِه

ومن يَسْتبينُ الفهمَ من لحظاتِه

وفي النومِ يهديه لخيرِ الطرائق

وأسطُرُهُ تُزهى بزهرِ خميلةٍ

ومَنْ قربُه غاياتُ كلِّ فضيلةٍ

فإن قام لم يَدْأبْ لغيرِ فضيلة

وجُمْلَتُه في الناسِ أيُّ جَميلةٍ

وإن نامَ لم يحلُمْ بغير الحقائقِ ([164])

3ً- ومنهم من كرر الشطر الخامس ليحقق بالتكرار نغمة إضافية كما فعل الشاعر «أحمد بن محمد المغربي» وأضاف إلى هذا التكرار التزامه بروي الشطر الرابع، كما جاء بمقطوعات على عدد حروف المعجم مرتبة، ومنها المطلع ثم حرف الباء قوله:

وقضى له الفضلَ والتقديما

اللهُ زادَ المصطفى تعظيما

فهو المتمِّمُ فخرَه تتميْما

وأنالَه شرَفاً لديه جسيما

صلوا عليه وسلموا تسليما

فأضاءَ بالأنوارِ أقصى المغرب

صلُّوا على بدرٍ بدا في يثربِ

فبدا لنا نَهْجُ الرشادِ قويما

وَجَلا عن الدنيا دياجي الغَيْهَبِ

صلُّوا عليه وسلموا تسليما ([165])

4ً- وهناك نوع آخر يكون بتخميس قصيدة معروفة لشاعر ما قديم أو معاصر، وقد حظيت بردة البوصيري بكثير من التخميسات، وكان الشعراء يجعلون أبياتها في الأشطر الرابعة والخامسة من كل مقطوعة، من ذلك قول الشاعر «محمد الصغير داود»([166]):

وحالُ خَدَّيْك لا ينفَكُّ عن سَلَل

تنفي الهوى وتُريق الدمعَ من مُقَلٍ

لولا الهوى لم تُرِقْ دَمعاً على طلل

لا والذي خلقَ الإنسانَ من عَجَلٍ

«ولا أَرِقْتَ لذكرِ البان والعلم» ([167])

كما لقيت قصيدة عبد الرحيم البرعي النبوية إعجاب الشعراء فخمسوها ومن هؤلاء «محمد العاري» في قوله:

وصِرْتُ بهم حليفَ ضَنىً مُعَنّى

على الأحبابِ قلبي أنَّ أنّا

«سمعْتُ سُوَيْجع الأثلات غنّى»

ولما أنْ بدا ليلي وجَنّا

على مطلولةِ العَذَباتِ رنا»

ومنها في خاتمتها:

على مَنْ قد تَقَدَّمَها وتاهَتْ

وأُمَّتُكَ التي حقاً تباهَتْ

«عليك صلاةُ ربي ما تناغَتْ»

وفضلُك فيه أقوالي تناهَتْ

«حمامُ الأَيْك أو غصنٌ تَثَنى» ([168])

كما خمس الشاعر «الحكواتي» نبوية «فتح الله بن النحاس» التي مطلعها

وليس يخفاك ما تخفي جوانحه ([169])

تذكر السفح فانهلت سوافحه

فقال:

والقلبُ يَرْعد والأحشا تكافِحُهُ

برقٌ أهاجَ سحابَ الدمعِ لائحه

«تذكَّرَ السفحَ فانهلَّتْ سوافحُه»

والصبُّ مذ بانَ في الذكرى فوادحُه

«وليس يخفاك ما تخفي جوانحه»

ومنه في المديح النبوي:

ولا لنا لاح من سرِّ العلوم عَلَنْ

لولاهُ ما كان فرضٌ في الهدى وسَنَنْ

«وما أقولُ إذا ما جئْتُ أمدحُ مَنْ»

ماذا أُحَصِّل فيه بالمديحِ لَسَن

جبريلُ خادمُهُ والذكرُ مادحُهُ ([170])

5ً- وبعضهم جاء بأبيات الآخر ضمن أبياته، دون أن يلتزم وضعها في الشطر الرابع والخامس، كما في قول عبد الله البري([171]) مخمساً أبياتاً لمحمد بن أحمد الديباجي:

يا نَصوحي فقد عَصَيْتُ النصوحا

«دع جفوني يحقُّ لي أن تبوحا»

إنّ عندي لمَتْنِ قلبي شُروحا

لا تلُمْني فالحالُ زاد وُضوحا

«لم تدعْ لي الذنوبُ قلباً صحيحا

6ً- ويلحق بالمخمسات مقطعات شعرية تتكون كل مقطعة منها من خمسة أبيات مرتبة على حروف المعجم بحيث يبدأ كل بيت من المقطعات بحرف من حروف المعجم وينتهي به، وقد خلف الأدب العربي في هذا العصر مقطعات من هذا النوع «لمحمد بن فرج السبتي» تحدث فيها عن مثال نعل الرسول r ومما قال في حرف الباء:

نبيِّ الهدى المخصوصِ بالقربِ والحُبِّ

بنفسي مثالُ النعلِ نعلِ محمدٍ

غياهبَ أشجانٍ تراكَمْن في قلبي

بدالي مكانَ البدر جلّى بنورِه

بمُطْفِيَّةٍ نارَ الأسى دمعةُ الصبِّ

بكَتْ مقلتي شوقاً للابسِها وهل

فبشَّرَني بالقربِ منهم على قلبي

بعثْتُ به شخصاً من الأنس ميتاً

عليها مشَتْ فالتِّبْر يَحْسُدُ للترب ([172])

بموطئها قد شرَّفَ اللهُ تربةً

ولمالك بن المرجل السبتي([173]) مخمسة تعد من غرر قصائده النبوية التزم فيها إيراد اسم الحرف المعجمي الذي بدأ به، من ذلك قوله في الألف :

ألف أجل الأنبياء نبيْءٌ        بضيائه شمس النهار تضيء

وبه يؤمل محسن ومسيء     فضلاً من الله العظيم عظيما

صلوا عليه وسلموا تسليما

باء بدا في أفق مكة كوكبا      ثم اعتلى فجلا سناه الغيهبا

حتى أثار الدهر منه وأخصبا   إذ كان فيض الخير منه عميما

صلوا عليه وسلموا تسليما

واستمر على هذا حتى أنهى حروف المعجم .

ونظراً لعذوبة أنغام المخمسات فإن الشعراء المتصوفة غنوها في حلقاتهم كما في مخمسة محمد بهاء الدين الرفاعي التي كان يغنيها أحمد عقيل في مجالس الذكر([174])

ج- المسدسات حتى المعشرات :

ومن نغمات هذا العصر مقطعات سداسية الأشطر أو سباعية أو ثمانية … إلى المعشرات :

فمن المسدسات قول رفاعة الطهطاوي في نغم حلو، إذ تتألف المسدسة من أدوار يتكون كل منها من ستة أشطر على البحر المتدارك، وهو بحر خفيف الوقع عذب الجرس،وكان مطلعها على روي النون، وقد انتهى بشطرين كانا لازمة تكررت في المسدسة كلها، وجاءت المقطوعات الأخرى لتحافظ في أقسامها الثلاثة الأخيرة على روي النون، وجاء روي الشطرين الأول والثاني في المقطوعات الأولى على الدال، كما كرر شطر " وبيُمْن سعيد نحن نصان " وذلك على النحو الآتي :

هيا نتحالف ياإخوان        بأكيد العهد وبالإيمان

أن نبذل صدقا للأوطان        (وبيُمْن سعيد نحن نصان)

(للحرب هلموا ياشجعان    حب الأوطان من الإيمان)

دور

هيا اجتهدوا هيا اجتهدوا     و(الحر) ينجز مايَعِد

وجميع الناس لكم شهدوا   بشجاعتكم عند الميدان

(للحرب هلموا ياشجعان    حب الأوطان من الإيمان)

دور

هيا اتحدوا هيا اتحدوا     للمِلّة سيفكم عضد

(وبيُمْن سعيد نحن نصان)    والفضل يجلُّ عن النكران

(للحرب هلموا ياشجعان    حب الأوطان من الإيمان)([175])

وبهذا التكرار التناوبي مع نظام وغير التناوبي أعطى النص نغما مؤتلفاً ومؤتلقاً معا لما في كلماته من رشاقة ن وما في مدوده من حلاوة وطلاوة، وللتناسق والنظام والانسجام تأثير على الذوق .

   ومن المسبعات قول الشاعر «مصطفى الكردي» وقد سبع بردة البوصيري:

والجسمُ من سقمِ أجفانٍ به سَقَمُ

داعي الغرامِ جميلٌ والهوى قَسَم

لكنّ رقبي ينادي ذا الفتى عَدَمُ

وإن ركْنَ اصطباري عنه مُنْهدِمٌ

«أيحسَبُ الصَّبُّ أن الحبَّ مُنْكتِمُ»

يرومُ شراً في أحشائِه ألمٌ

«ما بين منسجمٍ منه ومُضْطَرِمِ»([176])

  والمثمنات على أنواع :

أ- فهناك من التزم روياً واحداً في أشطر صدورها وآخر في أعجازها، على نحو قول الصفدي وقد التزم الهاء في الصدور والنون المكسورة في الأعجاز:

تكحلُ بالأنوارِ أجفاني

لعزِّك يا مَنْ رؤيتي وجهَه

وأيَّدَ القولَ ببرهان

هذي ضميري لحمي حلَّه

فإنه للمذنب الجاني

إن زالَ منه الربعُ معْ قلبه

فالقلبُ في تصحيفه الثاني([177])

عليك تصحيفُ الذي رمته

ب- ومنهم من اتبع النظام نفسه لكن أشطر الأعجاز جاءت أقصر من أشطر الصدور، وكأن ناظميها قلدوا شعراء الدوبيت الممنطق في ذلك، من هذا النوع ما نظمه «محمد بن إسحاق اليمني» وعارضه «إسماعيل الصنعاني» في ذلك، ومن قول الثاني:

شجو قلبي فهو دوني([178])

الحمامةْ إن أثارَتْ بالهديل

وأنا مالَتْ غُصُوني ([179])

هي علْ الأغصانِ في الظلِّ الظليلْ

لعواذِلْ يحسدوني ([180])

قد أمالَتْهم رياحٌ في الظلِّ مِنْ قالٍ وقيل

من هواهُمْ خَلَّصوني ([181])

ليتَهم إن لم يَرُقُّوا لي قليلْ

وفي هذه الأشطر أخطاء عروضية وتسكين لمتحرك وتكلف بادٍ.

ج- والتزم بعضها روياً واحداً في أشطر المثمنة السبعة الأولى في كل مقطوعة، أما الشطر الثامن فهو ملتزم في المقطوعات كلها، وذلك كقول «أيمن البزولي» وقد ضمن أبيات للشاعر الأندلسي «أبي عبد الله محمد بن جابر»:

وذلةٌ وافتقارُ

للعاشقينَ انكسارٌ

وعزَّةٌ واقتدار

وللملاحِ افتخارُ

وودَّعوني وساروا

وأهلُ بدري أشاروا

وعلَّموك التجري»

«يا بدرُ أهلُك جاروا

جَدَّ الهوى بعد هزلي

كتبْتُ والوجدُ يملي

ما بين بدرٍ وأهلي

وحارَ ذهني وعقلي

إذا أتَوْك بعذلي

يا بدرُ فاحكُمْ بعدلٍ

وحلَّلوا لك هجري ([182])

وحرَّموا لك وصلي

فالشاعر هنا التزم في المقطوعة الأولى الراء المضمومة في الأشطر السبعة الأولى ثم جاء بالراء المكسورة، والتزم في المقطوعة الثانية باللام ثم عاد إلى الراء المكسورة.

د- ومنهم من التزم في روي الأشطر كلها إلا السابع جعله سائباً ، كقول محمد بن إسحاق الطرسوسي :

إنَّ بعد العُسْرِ يسرينِ

اصبري فالصَّبْرُ مفتاحُ الفَرَجْ

بعدما قد كان بقَيْدينِ

كم أسيْرُ سجونٍ من سجنِه خرَجْ

صَدَق هذا القولُ الأمينِ

ورقى من بعد ذاك أعلى الدَّرَجْ

قلم يا ناسُ احبسوني ([183])

لو بدَتْ لي غايَةُ الصبرِ الجميلْ

4- وأما المعشرات فهي على أنواع :

أ-نوع من عشرة أشطر تلتزم الأشطر الثانية حرفا واحدا يتغير بعد كل مقطوعة.

ب-ونوع من عشرة أبيات يلتزم صاحبها حروف المعجم مسلسلة في الأشطر الأوائل، ومن ذلك قصيدة الشاعر غرس الدين الخليلي في مديح الشريف زيد بن محسن رتبها على حروف المعجم من الألف إلى الياء([184]) .

ج-وثالث كقصائد نظمت على عدد حروف المعجم، بحيث تكون كل قصيدة من عشرة أبيات، مبتدأة ومقفاة بحرف من حروف المعجم التسعة والعشرين بإدخال لام الألف في العدد([185])،  وممن كتب منها "أبو السعود يحيى المتنبي"([186]) في مدحة نبوية له ، وقد بنى المعشرة على حرف الجيم :

فهدانا بنوره الوهاج

وللنابل

جاء بالحق من أنار الدياجي

واجتباه لقربه والتناجي

جل من بالجمالِ فيه تجلى

من أولي العزم واضح المنهاج

جرَّد العزم فهو خير نبي

عصبة بين زائغ ومداجي

جدد الدين بعدما فرَّقته

هُ بحارٌ، والخلق كالأمواج

جوده عمر الوجودَ وجدْوا

إذ رمى اللهُ نورَها بالعجاج

جحدته عيون قوم فأطفا

وانطوى الكل فيه بالاندراج

جمع الأمر بين حقٍّ وخلق

ه بطور الفؤاد وهو المناجي

جبرائيل الأمين منه يناجي

ورأى اللهَ ليلة المعراج([187])

جال في لُّجة الغيوب وأسرى

د لعبدٍ ما زال للفضل راج([188])

جُدْ بعفو يا خير من بذل الجو

4- الموشحات([189]) :

أ- رأي في نشأتها :

مع مجيء الإسلام بمعجزته الخالدة، وبأنغامه العذبة الطربة، ومع تغير الحضارة والاتصال بالأمم المتعددة، دخلت الثقافة العربية مضمار التجديد، فالقرآن الكريم بجمله الموسيقية المتتابعة والمتناغمة، وبإيقاعه المتوازن أثر في موسيقا الشعر العربي، إذ أحس أصحابه بجمال تنوع النغم، وحرية طول المقطع وبنغمة التعقيب الذي ورد في بعض السور كسورة الرحمن والشعراء والمرسلات، ولذلك راحوا يقلدونه([190]).

ثم جاءت التغيرات الموسيقية إثر الاتصال بالفرس، وكان هؤلاء قد تأثروا بالعروض العربي لكنهم لم يكتفوا بنظامه ونغماته بل راحوا يغيرون على حسب ما ينسجم مع أذواقهم ولغتهم.

وأيضاً إذا صحت نسبة المسمطات إلى امرئ القيس الجاهلي فإن تغير القوافي ظاهرة سبقت التزام الأوزان والأنغام .

 ويرى د.خلوصي و د. مصطفى الشكعة و د.شوقي ضيف و د.عمر فروخ و د.محمد هيكل أن تعدد القوافي في الشعر العربي في المقطوعة الواحدة أدى إلى ظهور الموشحات([191]). أو أن المسمطات بأنواعها كالرباعيات والمخمسات التي ظهرت في المشرق كانت سبباً في ظهور الموشحات في الأندلس وذلك للأسباب الآتية :

1- الغربيون لم يعرفوا الشعر المقفى، وقد اقتبسوه من العرب، وكان العرب قد اخترعوا الموشحات في القرن الثالث الهجري، وأقدم صورة مشابهة لها في الغرب ظهرت بعد قرنين أي في القرن الخامس الهجري، ولذلك نرى الغربي قد يتخلى عن القافية في شعره، إلا أنه لا يتخلى عنها في الموشحة لأنه عرفها كذلك عن طريق العرب .

2- مضمون الموشحات كان غزلياً غالباً، ويمتاز غزله بالعذرية على حين كان الغزل الغربي مادياً أفلاطونياً، وقد تأثر الغرب بالموشحات فظهر الحب العذري عندهم بعد تأثرهم بها، وكان أول ظهوره في إقليم بروفانس جنوبي فرنسا لقربه من الأندلس ([192]) .

3- يقول المستشرق «جب» إن مخترعي الموشحات تأثروا بالأغاني الدينية الإسبانية المتأثرة بدورها بالتراتيل الكنسية ([193])، ولكني أرى أن نغمات القرآن الكريم أولى بأن تؤثر في الشعراء المسلمين، وكنا رأينا أنموذجاً لتعدد النغم والقوافي في سورة المرسلات، ولعل تعدد قوافي فواصله أوحى إلى الشعراء العرب أيضاً بتجديد أنغامهم عامة فكانت المزدوجات والمسمطات ثم الموشحات.

4- زرياب ([194]) الذي كان السبب الأكبر في نشر الشعر الغنائي في الأندلس الذي ساعد على نشوء الموشحات – كان مغنياً في قصر هارون الرشيد (ت193ه)، وقد نقل أنغامه عندما هاجر إلى الأندلس وكون مدرسة للغناء وكان يعمل معه أولاده فيها، ولعله أثر في مخترع الموشحات مقدم بن معافى([195])، أو محمد القبري([196])، اللذين ينسب إليهما أقدم موشحة في الأندلس، ومعنى هذا أن المشرق ظهر فيه تغير النغم قبل حوالي قرن من ظهوره في الأندلس ثم نقل إلى الأندلس عن طريق المغني زرياب.

5- دخل العرب الأندلس في سنة (91ه) وعاشوا مع أبنائها، ومع ذلك لم يبتكروا الموشحات إلا بعد قرنين بعد اطلاعهم على الغناء المشرقي وتغيرات الشعر العربي من زرياب، والمغنية العجفاء، والثنائي المغني أيضاً علون وزرقون، وهذا يعني أن المشارقة هم الذين أثروا بفنهم في الأندلس ولهذا يقول د.عدنان صالح مصطفى في كتابه «الجديد في فن التوشيح» إن المنظومات الغنائية التي كان يضعها زرياب لألحانه هي الأصل الذي انبثقت منه الموشحات([197]).

كما يذكر أيضاً أن نص كتاب الذخيرة لم يؤكد أن محمد بن محمود القبري كان مخترع الموشحات، فهو يقول «وأول من وضع الموشحات بأفقنا واخترع طريقتها – فيما بلغني – محمد بن محمود القبري([198])، وكلمتا «بأفقنا» و «فيما بلغني» توحيان بأنها ربما عرفت في أفق آخر قبل أن تصل الأندلس، ثم يقول إن كتاب «المسهب» ذكر أن مخترعها هو «مقدم بن معافى القبري ت295ه».

إذاً شعراء الأندلس لم يبتكروها وإنما وجدت عندهم منظومات غنائية مشرقية، خضعت لجملة من التعديلات حتى بدت فناً قائماً بذاته له قواعده وأصوله، ولذلك يقول د,صفاء خلوصي إن سبب الخطأ في نسبة الموشحات كان في الخلط بين جذورها الأولى المشرقية ، وبين تطورها في الأندلس بتأثير عوامل متعددة ([199]) .

6- يورد د.مصطفى الشكعة للوليد بن يزيد الخليفة الأموي في القرن 2ه مسمطاً، ولأبي نواس من القرن 2ه أيضاً، وهو معاصر هارون الرشيد مسمطاً آخر، ولأحمد بن سعيد الشاعر العباسي كذلك، ثم يقارن بين أشعار هؤلاء وبين المسمطات ليثبت أن المسمطات هي جذور الموشحات، وقد نشأت الأولى منذ القرن الثاني للهجرة، وانتشرت عن طريق الغناء، ثم يقول: «إن الموشحات الأندلسية بدأت جذورها في المشرق، وأخذت تترعرع وتنمو حتى وصلت إلى الشاعر الأندلسي الذي أضاف إليها بعض اللمسات الفنية الجميلة في أرضه الخلابة، فكانت هذه الثمرة التي عرفت عند جمهرة الأدباء باسم الموشحات الأندلسية([200]) .

وقد حاولت أن أكتب مسمطة الوليد بن يزيد :

أحب الغناء / وشرب الطلاء / وأنس النساء / وربِّ السوَرْ

ودل الغواني / وعزف القيان / بصبح يماني / قبيل السّحَرْ([201])

على شكل رباعية هكذا:

………. ء ………. ء

………. ء ………. ر

………. ن ………. ن

………. ن ………. ر

ثم كتبتها على الشكل الآتي فصارت أشبه بالموشحة :

………. ء   

………. ء                    تشبه البيت

………. ء

………. ر       يشبه القفل الملتزم

………. ن   

………. ن                    بيت آخر

………. ن

………. ر       قفل آخر

وبذلك يعد القرن الثاني للهجرة أول من ابتكر النموذج المشابه للموشحات، ولاسيما أن الموشحات الأولى لم تكن ذات أقفال وأغصان متعددة، وقد نقل هذا النموذج وشبيهه إلى الأندلس، فظهرت الموشحات في القرن الثالث الهجري فيها، ثم تطورت فكثرت فيها الأغصان والأقفال في القرن الخامس على يد عبادة بن ماء السماء المعروف بالقزاز، وقد قال فيه أبو بكر بن زهر الأندلسي: «كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز، وذكر له من موشحته أنموذجاً يشابه أنموذج الوليد بن يزيد وهو:

بدر تم        شمس ضحى               غصن نقا         مسك شم

ما أتم         ما أوضحا                  ما أورقا  ما أتم

7- ولعل هذا السبب – أعني تشابه مسمطات الوليد بن يزيد وأبي نواس وغيره مع الموشحات – هو الذي حدا ببعض المستشرقين مثل «هارتمان وفريتاغ، ونيكل» أن يعدوا المسمطات سبباً في نشوء الموشحات، يقول الأخير «إن الموشحات الأولى لم تكن إلا مقطوعات أبي نواس وضعت أبياتها في ترتيب مغاير([202])، أما الأولان فيقولان «الموشحات تطوير للشعر المسمط الذي عرفه المشارقة قبل المغاربة»([203]) .

8- أما القول بنشأة الموشحات اعتماداً على الخرجة العامية الأندلسية، وأن العرب عرفوا هذه الخرجات من الأغاني الأندلسية نتيجة امتزاجهم بالإسبان فيرد عليه بأن الأندلسيين كانت لديهم نماذج من الشعر العامي في «المواليا والكان كان» وكان هذان قد وجدا في المشرق قبل أن توجد الموشحات، فالمواليا مثلاً أوجدتها امرأة لتندب بها البرامكة الذين نكبهم هارون الرشيد (ت193ه).

ثم إن الوشاح قد يأخذ خرجة غيره لعجزه وقد لا يأخذها الآخر، ولا يعني استفادة بعض شعراء القرن الخامس الهجري، وهو أول زمن وجدت فيه موشحة مسجلة، أن الأندلس بنت نظامها في الموشحات على الخرجة الأجنبية، لأن الموشحات الأندلسية ظهرت بعد المواليا. ثم إن أغاني التروبادور الأعجمية ظهرت في المجتمع الأندلسي في القرن السادس الهجري أي بعد ثلاثة قرون من ظهور الموشحات، وهذا يدل على أن الأندلس هي التي تأثرت بالشعر المشرقي لا العكس.

ثم إن الأندلسيين ذكروا اللغات القديمة كاللغة اللطينية ولم يذكروا تأثرهم بالأغاني الأجنبية الإسبانية، ولو كان الأمر كذلك لصرّحوا به.

9- أما قول د.مصطفى عوض الكريم: أوزان الموشح لم يعرفها العرب ولذلك فهي أعجمية ([204]) فيرد بأن تغير الأوزان بدأ مبكراً منذ القرن الثاني للهجرة عند أبي العتاهية، والموشحات بدأ ظهورها في القرن الثالث للهجرة.

وهكذا كانت الأدلة التي تثبت أن جذور الموشحات مشرقية لا أجنبية أقوى ولكن يبقى للأندلسيين فضل تطويرها ونشرها لإعجابهم بها نتيجة أوضاعهم الثقافية والترف الذي عاشوا فيه .

وأخيراً فإن «د.مقداد رحيم» يقول في كتابه الموشحات في بلاد الشام أن الموشحات الشامية تطورت بانتشار رقص السماح([205])، وأرى أن حلقات الصوفية ومجالس ذكرهم التي كانت تغنى بها الموشحات والقدود كانت سبباً في انتشارها، نظراً لكثرة انتشار التصوف في عصر الدول المتتابعة، وكان الشاعر أمين الجندي، وهو من متصوفة بلاد الشام،من رواد الفن الغنائي وسميت موشحاته بالقدود الشامية، وكان يدخل فيها المعاني الصوفية ويجمع في غزله الرمزي بين العذرية والمادية، وقد لقي هذا الفن رواجاً كبيراً في حلب ودمشق وبغداد([206]) …

ب- بنية الموشحة :

يتألف الموشح الجيد من خمسة أدوار تضم أقفالاً عدد أشطرها بين الاثنين والأربعة، وأبياتاً عدد أشطرها بين الثلاثة والستة، وقفل ختامي يسمى الخرجة ([207])، ومع ذلك فللوشاح حرية العدد، ويمكنني أن أعد موشحة "عبد الرحيم المخللاتي" ([208]) النبوية من خير نماذج موشحات العصر، وقد جاءت في خمسة أدوار، استهلها بقفل من أربعة أشطر اتحد روي شطري صدريه، وروي شطري عجزيه، ثم جاء البيت من ستة أشطر اتحد روي صدرها، كما اتحد روي أعجازها أيضاً، وذلك على نحو قوله:

قفل المطلع في

موشح تام

حيثُ أيامُه اقتراح

شاطرَ الدهرَ أَسْهُما

لاكتسابِ العُلى المُتاح

وامتطى الليلَ أَدْهَما

دور 1

البيت

لعُلا شأوِه الرفيعِ

سيِّدٌ تخضعُ الشموسُ

روضُ أفضالِه المريعِ

إذ غدا بهجةَ النفوس

ذكرُه العاطِرُ البديع

بعد ما عطَّر الطروسَ

قفل ثان

خَيَّمَ السعدُ والفَلاح

أَْسْعَدٌ حيثُ يمَّما

بشذا فخرِه وفاح ([209])

وسرى الريحُ مُنْعِما

وقد جاءت خرجتها دعاء وصلاة على الرسول r على عادة مداح العصر .

وإذا ترك الوشاح قفل المطلع وبدأ بالبيت سمي موشحه أقرع على نحو قول صفي الدين الحلي في موشح مدح به بني أرتق، وبدأه بوصف الطبيعة فقال:

دور 1

بيت

أيها الساقُوْنْ

شقَّ جيبُ الليلِ عن نحرِ الصباحْ

لؤلؤٌ مكنون

وبدا للطَّلِّ في جيدِ الأقاحْ

طائرٌ ميمونْ

ودعانا للذيذ الاِصطِباح

قفل

بدمِ الأَرجون

فاخضُبِ المبزل من نحرِ الدِّنان

في صحافٍ جُوْن

تتلَقّى دمَها حورُ الجنانْ

دور 2

بيت

بسَنا الأنوارْ

فاسقِنيها قهوةً تكسو الكؤوسْ

راحةُ الأسرارْ

وتُمِيْتُ العقلَ إذ تُحيي النفوسْ

في بيوتِ النار

بنتُ كرمٍ عُتِّقَتْ عند المجوس

قفل

يدُ أفلاطون

غَرسَتْ كرمتها بين القيان

دنُّها المخزون ([210])

وبماءِ الصَّرْع قد كان يُطان

والملاحظ أن هذا الموشح قد حدث فيه تغيير، فقد جاء شطره الأول أطول من شطره الثاني في الأقفال والأبيات، ولكن التغيير كان في نظام، وقد اتفقت حروف روي الصدور والأعجاز وهذا يدل على أن الأمر ليس اعتباطياً .

وهناك موشحات جاءت بوزن واحد في شكلين، بحيث كان القفل فيها أطول من البيت، كما في موشحة محمد بن عثمان المنبجي([211]) النبوية، إذ كانت على البحر الكامل في القفل ، وعلى منهوكه في البيت، يقول فيها :

مولاي أجفاني جفاهنَّ الكرى    والشوق لاعِجُه بقلبي خيّما

مولاي لي عملٌ ولكن موجبٌ    لعقوبتي فامنن علي تكرما

واجْلُ صدا قلبي بصفو محبة     ياخير من أعطى الجزاء وأنعما

ياذا العطا    يا ذا الوفا

ياذا الرضا   يا ذا السخا

اسقِ العطا    شَ تكرُّما

كثرت تغييرات منهج الموشح وأوزانه وقوافيه حتى بات من الصعب علينا أن نحصر أنواعها وعددها، وذكر" ابن سناء الملك "  أن نغمات الموشحات وصلت إلى (146) نغمة، وهذا يشير إلى مدى الحرية التي أعطيت للوشاح، شريطة محافظته على الإيقاع،كمااعترف ابن سناء الملك أن لا ضابط للموشحات إلا التلحين فهي فن غنائي وجد ليلحن ([212]) ، ولهذا قال د.خلوصي «فأكثر الموشحات جميل في الغناء لا في الإنشاد والقراءة، فهي قد نظمت لتغنى لا لتنشد» ([213]) .

وقد حافظ الصفدي في موشح له على نغمة مستفعلن لكنه أحدث تغييرات كثيرة إذ راوح في هذه النغمة بين البحر البسيط والرجز، وجعل القفل على أربعة قواف، والبيت على ثلاث، وجعل الأشطر الثانية في الأبيات أقصر من الأشطر الأولى وكأن غايته كانت إظهار براعته أمام ممدوحه ، يقول:

قفل

قد انجلى/ وانبلجت سدفه الدجون

يُردُّ خَطْبَ الردى الحرونِ /سهلا

بيت

عنه العنا

يا سعدَ ملك قد استجلاّ /جلاّ

عنه الخَنا

لأنه عندما تولي / ولى

فيه الثنا

فمي بذكراهُ مذ تحلّي/حلّي

: قفل

حين اغتلى/على عقود المدح الرصين

وجاء بالجوهرِ الثمينِ /جزلاً

بيت

إلى الصواب

فطَرسُه جامعُ الفرائد/رائد

فصلَ الخطاب

ولفظُه زينةُ القصائد/صائد

إلى العُجاب

وكلُّه نخبةُ العقائد/قائد

قفل

حتى علا/منابرَ الأيكِ والغصون ([214])

وذكرُه صار في القرون/يُتلى

وكما تشير الخطوط نرى أن الشاعر تكلف حرف الروي وتقسيم الأقفال والأبيات إلى أجزاء متعددة، والموشحة لا تكون موشحة حتى تكون عارية من التكلف كما قال ابن خرمون([215]) وهذه الموشحة تصلح للغناء لا للقراءة، وذلك بسبب التلونات الصوتية المتعددة لحروف الروي، وبنظامها العروضي القائم على :

مستفعلن/ متفعلن فاعلن متفعل

القفل: مستفعلن فاعلن متفعل /فعلن/

الشطر الثاني

الشطر الأول

مستفعلن

البيت: متفعلن فاعلن متفعلن /فعلن

الشطر الثاني

الشطر الأول

ولذلك نرى المتصوفة يكثرون من نظم الموشحات لتغنى في مجالس ذكرهم إذ كانوا ينشدونها مع الآلات الموسيقية، وقد أطلق عليها اسم القدود، ومنها القدود الحلبية والقدود الشامية ([216])، ومنها قول أمين الجندي وقد جمع بين الحب العذري والحب المادي في نبرة صوفية:

من ثغرِك الزاهْ

يا أختَ شمسِ الضُّحى مِلي الطّلا ملي

تبارك / اللهْ

ملِّي بهذا الجمالِ اليوسفي ملّي

لا تكنْ / اللهْ ([217])

قالت إذا رمْتَ تحظى بالوفا مني

واستغفرِ / اللهْ

وقل لعين الحشا من غيرنا ملي

والحسنُ حياك/ والطرفُ مرآهُ

بدريْ محيّاكَ/ والقلبُ يهواهُ/

فالروحُ / تهواهْ

هاتِ اسقِني يا نديمي رائقَ البكر

ذي القدرِ / والجاهْ

عن يدِ قطبِ الوجودِ العارفِ البكري

إن كنتَ / أواهْ

فاشربْ وعَرْبِدْ معي في حضرةِ الذكر

فليس / إلاه ([218])

ولا تَلُمْني إذا ما غبْتُ في سكري

فالموشحة بدأت بالغزل، ثم انتقلت إلى الخمرة الصوفية التي يقدمها له القطب – برأيه – وسيشربها في عربدة هي مجالس الذكر – على سبيل الرمز – ليحس بحلاوة طعمها، طعم العبادة، وقد يغيب عن وعيه ولكنه يدرك تماماً أن لا إله إلا الله، وهذه الموشحة غنائية ولذلك يسكن كلمة (الزاهْ) بدلاً من (الزاهي)، و (أواه) بدلاً من (أواهاً) بل أكبر دليل على هذا سكوته في قوله:

لا تكنْ – اللهْ

قالت إذا رمت تخطى بالوفا مني

فكأنه حذف خبر (لاتكن) وجاءت كلمة (اللهْ) بعدها للتعجب، وهذا ما يؤكد أن الموشح فن للغناء لا للقراءة، ولهذا يقول جامع الديوان «إنها من القدود والأناشيد من عروض يا ويلاه» وكأنه نغمة معروفة آنذاك ولكنها جاءت على البحر البسيط التام في الشطر الأول وعلى مشطوره في الشطر الثاني.

و لعبد الغني النابلسي موشح غنائي ضمن فيه بيتين لأبي بكر الهلالي([219])  كلازمة غنائية وهما:

فلازِموا في البابِ

أحبابي يا أحبابي

فأنتمُ كُفْءٌ لها

ولا تقولوا مَنْ لها

فقال النابلسي  وكان موشحه ينشد في حلقة ذكر الهلالي:

والسادةِ الأنجابِ

يا جملةَ الأقطابِ

أشكو إليكم ما بي

ويا أولي الألبابِ

فلازِموا في الباب

أحبابي يا أحبابي

فأنتم أهل لها

ولا تقولوا مَنْ لها

في موشح طويل، وكان ينشد في حلقة ذكر الهلالي([220]) .

ومن القدود الحلبية أيضاً قول الوشاح محمد تراب([221]) وكان يعد من أركان فن القدود الحلبية الصوفية، وقد جعل أشطر الأعجاز أيضاً أقصر من أشطر الصدور:

في قرارِ البحارْ

يا مجيباً دعاءَ ذي النونْ

قد دعا باضطرارْ

استجِبْ دعوةَ المحزون

مُوقِناً بالنجاهْ

يا إلهي طالما أدعو

لك يا سيِّداهْ

ولحالي وقصّتي رفعُ

أنتَ أنت الإله

أنت منك العطاءُ والمنعُ

ولك الاقتدارْ

لك أمرٌ بالكافِ والنونِ

فالبَدَارَ البَدارْ ([222])

أنت مِنْ ظُلْمتي تُنَجِّيْني

وهناك من نظم موشحة على طريقة المغاربة إذ أضاف تفعيلة إضافية في وسط القفل كما في موشحة «لعبد الرحمن بن العيدروس» كان وزنها على السريع ولكنه أضاف بين الشطر الأول والثاني تفعيلة مستفعلن فجاء على :

مستفعلن مستفعلن فاعلان /مستفعلن/   مستفعلن مستفعلن فاعلان

مستفعلن مستفعلن فاعلان

ومنه قوله:

وقد جلاها العذبُ فردُ الزمان

أهلاً بشمسِ الراحِ بنتِ الدنانْ/في ذا المكانْ/

راحٌ بها قد هام أهلُ العقولْ

وقد تجلَّت بالهنا والقبولْ

وهي العروسُ الغادة العَيْطَبُول

وهي التي تمحو لنا الغَيْهَبان ([223])

وقلْ بها ما شئْتَ في كل آنْ/فهي الجنانْ/

وقد أعطت هذه الزيادة إضافة إلى مد الردف في القوافي كلها نغمة حلوة عذبة صلح بها الموشح للغناء كما صلح ما سبقه من قدود.

وبعض الموشحات حوى سلسلة ([224]) بين قفل المطلع والأبيات، وهذا يذكرنا بجذورها الأولى ،المسمطات التي كانت تستهل ببيت من شطرين قبل المقطوعة الأولى، ومن هذا النوع قول الشاعر «يوسف بن عبد القادر الأسير» ([225]) في موشح نبوي له:

قفل ملتزم

سِرْ بي أُسَرْ

لطيبةَ الغرّاءِ ذاتِ النورِ

سلسلة غير مكررة

شوقاً أَسَرْ

فإن بي لتُرْبِها الكافورِ

بيت

من نحوها أو فاحَ عَرْفُ انتسام

أبقى إذا ما لاحَ للبرقِ ابتسامْ

قفل

كالمحتضرْ

أو مرّ بي ذكرٌ لتلك الدورْ

بيت

برٌّ رؤوفٌ راحمٌ بالمؤمنينْ

محمدٌ رسولُ ربِّ العالمينْ

قفل

مَنْ قدْ كفَرْ

وقد غزا بجيشه المنصورِ

وقد ختم الموشح كما بدأه بقفل فيه سلسلة، وذلك في قوله:

البيت

وآلهِ وصحبهِ الغُرِّ الكرامْ

عليه من دبي الصلاةُ والسلامْ

سلسلة بين البيت والقفل

غبَّ المطرْ

ما انتظم الوردُ مع المنثورْ

قفل الخرجة

فوقَ الشجر ([226])

وغرد القُمْريُّ مع الشُّحرورْ

وانتهاء الموشح بالدعاء والصلاة على الرسول r أمر شاع في هذا العصر .

ج- أوزان الموشحة :

أما فيما يتعلق بأوزانها فإننا نرى ظاهرتين هماتعدد أوزان بعضها، ومجيء أخرى على غير الأوزان العربية الخليلية .

1ً- تعدد الأوزان:

  كثرت هذه الظاهرة، وساعد عليها قدرة الأوزان العربية على الانقسام والتنوع إلى أشكال إيقاعية متنوعة تضفي على الموشحة أنغاماً عذبة، ويغلب أن تأتي الأقفال على وزن، والأبيات على آخر ([227])، وممن نظم على أكثر من وزن عمر بن السراج ([228]) ومطلع موشحه :

البحر الطويل

فأجرى دموعي من شؤونِ محاجري

أرقْتُ لبرقٍ لاح من أرضِ حا جري

البحر المتقارب

فأُضرِمَتِ الأفكارُ

وهيَّج لي التذكارُ

سمط لم يأت إلا مرة وهو على البحر المتدارك

أو كادَتْ تذيبُ([229])

في قلبِ الكئيبِ

قفل التزم فيه القاف فقط في الموشح كله

حشاشَةُ الأشواقِ

نيران الوجيبِ

البيت من ستة أقسام على البحر المتقارب

وهل أنا كاتمْ

كتمْتُ الهوى جَهدي

وشوقي لازم

وقد جدَّ بي وَجْدي

دموعٌ سواجم ([230])

ونمَّتْ بما عندي

وقد جاءت أشطر الصدور في البيت على روي الدال، وأشطر الأعجاز على روي الميم ، وجاء في الموشحة ثلاثة أوزان: الطويل في المطلع، والمتدارك في السلسلة ،والمتقارب فيما سواهما، وظهر في هذا الموشح أيضا جديد آخر هو دخول السلسلة بين أجزاء القفل، ومجيء القسيم الخامس في القفل على حرف روي آخر.

وهذه الحرية تقودها أذن الشاعر الموسيقية وضرورات التلحين كما قال ابن سناء الملك([231]) والذي يجمع بين أجزاء الموشح هو توالي الأقفال والأبيات في نظام تحدده رغبة الشاعر وأذنه الموسيقية، ولهذا نرى بعض الوشاحين يغيرون نظام التزام الأقفال كله، ويأتون بموشحات على غرار المزدوجات، فضلاً عن تعدد أوزانها، وتغيير تفعيلاتها عما عرفه العروض التقليدي، من ذلك قول السلطان إسماعيل المؤيد أبي الفداء([232]) ،وقد جعل وزن القفل مغايرا لوزن البيت :

يا ويحَ مَنْ قد مضى بهلْ ولعَلْ

أوقعني العمرُ في لعلّ وهلْ

وفرَّ منه الشبابُ وارتحلا

والشيبُ وافى وعنده نَزلا

إذ حلَّ لاعن مرضاتي

ما أوقحَ الشيبَ الآتي

وخانني نقصُ قوةِ الزمن

قد أضعفَتْني الستونُ لا زمني

وفيه معْ ذا مِنْ حرصِه غُصَص ([233])

لكنّ هوى القلبِ ليس ينتقصُ

ونغمة هذه الموشحة تسير سيراً أفقياً لا عمودياً، بمعنى أن الالتزام كان في كل شطرين لا في صدور وأعجاز الأقفال والأبيات، وبذلك تحققت نغمة تسرع في كل شطر هكذا:

متفعلن فاعلن فعول فعلْ

متفعلن، فاعلن، فعول، فعلْ

أما في البيت فجاءت نغمته على :

مستفعلن فعْلن فعْلن

ولولا هذا الاختلاف لتحولت الموشحة إلى مزدوجة وبذلك يكون هناك وزنان، وهذا يوصلنا إلى فكرة تغيير الأوزان.

2ً- أوزان في الموشحة غير الخليلية :

وإضافة إلى ما ذكر من تغيير الأوزان فقد جاء بعض الموشحات على وزن الدوبيت كما فعل الشاعر محمد مكي ([234]) في قوله :

إلا سلبَ المها مع الغزلانِ/ سودَ الحَدَقِ

ما أخجلَ قدُّهُ عضونَ البانِ /بين الورقِ/

قاسوا غلطاً مَنْ حاز حسنَ البشرْ

بالبدرِ يلوحُ في دياجي الشَّعَرْ

لا كيدَ ولا كرامةَ للقمرْ ([235])

وقد جاء قفله وأبياته على وزن (فعلن متفاعلن فعولن فعلن) إلا أنه أضيف إليه في شطر كل قفل (فعلن فعلن) ويمكننا أن نجعله من وزن «الدوبيت الممنطق» لاسيما أن الروي واحد في كل قسيم ولذلك يكتب القفل بالطريقة الآتية:

بين الوُرْقِ

ما أخجلَ مدُّه غصونَ البانِ

سودَ الحَدَقِ

إلا سلبَ المها مع الغزلان

وقد أضيف إلى ذلك البيت، فكان هذا تطوراً في نظام الدوبيت.

ومن تغيير الأوزان أيضاً ما فعله الشاب الظريف، إذ كتب على البحر المديد «فاعلاتن فاعلن فعلن» والتزم هذا النغم حتى زحافاته، وهذا الالتزام للزحاف جعله يشابه العروض الفارسي([236]) ومما قاله في ذلك:

بهرَ الأبصارَ مذ ظهرا

قمرٌ يجلو دجى الغلس

آمن مِنْ شُبْهَةِ الكَلَفِ

ذبْتُ في حُبّيه بالكَلَفِ

لم يزلْ يسعى إلى تَلَفي

بركابِ الدَّلِّ والصَّلَفِ ([237])

ومن الملاحظ في هذا التغيير والتعدد أيضاً أننا صرنا نقرأ في الدواوين التي تحوي موشحات عبارات غير عربية تشير إلى التأثر بالأعاجم على نحو: (نغمة السيكاه وجام جام، وعروض أصبهان)  وما أشبه ذلك([238]) .

كما رأيت موشحات لم تتبع نظاماً معيناً بل صار الوشاح يختار لها ما يحلو لها وقد يتصرف في الأوزان حتى بلغ عدد ما استخدمه شعراؤها اثنين وعشرين في بلاد الشام ([239])، وأوصل ابن سناء الملك أوزانها إلى /146/ وزناً فكأن كل قافية صارت نقرة صوتية، وتتحد هذه النقرات والنغمات فتؤدي إلى إيقاع صوتي مطرب أحياناً، ولا حرج في ذلك إن كان النغم جميلاً يقول «د.نعيم اليافي» (ولو أن نظاماً ذهب يستخرج عشرات الأوزان ذات الإيقاع المتفاوت من أوزان الخليل، أو يمزج بين تفعيلة وأخرى من وزنين مختلفين، لما صح أن نقول له إنك خرجت على الوزن العربي، لأنه ليس للوزن العربي باب مقفل يحول دون استخراج ما يريده الشاعر من أوزانه، إذا جرى في الاستخراج على قاعدة سليمة، وكل ما نستطيع أن نقوله إن هذا الوزن الجديد شيء لم نألفه من قبل، أو شيء لا نستسيغه، فإذا طبق الوزن الجديد على ضرب من التلحين فقد يقنعنا بأن ما كنا نحسبه نابياً مستكرهاً أصبح مألوفاً سائغاً » ([240]) .

د- معارضات وتضمينات:

عارض بعض شعراء عصر الدول المتتابعة موشحات لشعراء قدامى أو معاصرين لهم، فالشاعر «إبراهيم بن الأحدب الطرابلسي» ([241]) عارض في موشحة له نونية ابن زيدون وضمن موشحه بعض أشطرها على سبيل التلفيق ([242]) فقال:

«ونابَ عن طِيْبِ لُقْيانا تجافينا

أجرى مآقينا بعد المحبينا

بسفحِ نُعْمانِ

يا طيبَ أوقاتي

بوصلِ نعمانِ

إذ نلْتُ لذّاتي

رُوحي ورَيْحاني

يديرُ كاساتي

«أضحى التنائي بديلاً من تدانينا» ([243])

فالآن كما بانَ يُزري غصونَ البانْ

ومما يذكر هنا أن الموشحات في عصر الدول خاضت ميادين فنون الشعر كلها من مديح ووصف وغزل، حتى الفكاهة وجدت موشحات تتحدث عنها ومنها موشحة الشاعر مصطفى الحمصي ([244]) وفيها يقول:

بيضاً قلَوْا وعلى السمن القباوات استووا

لحماً شوَوْا، خبزاً طوَوْا

راح للمحشي وبالكوسى استجار

مذ رآني شيخُنا المَغْشي جارْ

لصدورِ الكِنافات حَوَوْا

أيها القطرُ انعقِدْ مذْ أنت جارْ

وذَروا الجوعَ وعنه أعرِضوا

أيها الإخوانُ للأكلِ انهضَوا

بأصابيعٍ على الصحنِ هَوَوْا ([245])

وعلى الخاروفِ بالكفّ اقبِضوا

5- المواليا:

ويقال له اليوم الموّال تحريفاً للكلمة، وذكر المحبي أنهم كانوا ينظمونه معرباً على قاعدة القريض([246]) إلا أنه لا يتقيد بروي واحد، وهو شعر يأتي على البحر البسيط غالباً، وقد يأتي ضربه على وزن فعلان، ولغته عامية غالباً أو فصيحة مسكنة، وقد تأتي معربة قليلاً ([247]) ، وسبب تسميته أن جارية رثت البرامكة فقالت بعد كل مقطع (يامواليّا)، وقيل بل سمي كذلك لموالاة قوافيه بعضها لبعض.

وهو على نوعين :

أ- المواليا الرباعي :

ويتألف من أربعة أشطر على روي واحد، وقد يزاد مصراع خامس على حرف الروي نفسه، ومنه قول النابلسي عند زيارته لقبر الصحابي شبيب أبي روح الكَلاعيّ:

يدعى أبو الروح زُرْناه ببحرٍ طافِ

شبيبٌ وهو الكَلاعِيُّ كاملُ الأوصافِ

سِرْنا جميعاً له بالقِلْع والمِقْدافِ ([248])

وحين هاجَتْ بنا الأشواقُ والألطافُ

ب- المواليا النعماني:

ويأتي على البسيط تام التفعيلات، ويتألف من سبعة مصاريع الثلاثة الأولى والسابع على روي والباقي على روي آخر، ويكثر فيه التجنيس وذلك كقول أمين الجندي:

تهوى هواكم أبدلوا بالظبي من لها

لي مهجةٌ بعدَكم فرطُ الأسى مَنْ لها

زاد اشتغالي بكم بالهوى مَعْ مَنْ لها

ظلماً وعني تخلّى كلُّ خلّ وجارْ

حتى على عبدِكم أعدى الأعادي جارْ

عارٌ على الجار أن يرضى بذُلِّ الجارْ

إن لم تكنْ يا أبا الزهرا لها مَنْ لها ؟ ([249])

فقد التزم في المصاريع الثلاثة الأولى والسابع «من لها» في العروض والضرب أما الرابع والخامس والسادس فالتزم كلمة (جار)، وفيه جناس بين جار بمعنى ظلم، والجار القريب من الدار، وبين (تخلى، وخل) .

وقد نظم أمين الجندي أيضاً موالياً فاقت سبعة الأشطر فشابهت المسمطات المكونة من رباعيات ذات مطلع مصرع والتزم الشاعر حرف رويه في الشطر الرابع من كل مقطوعة وكانت لغتها فصيحة مسكّنة وهي:

قلبي كما أورثَتْ لي السقم والعَيّا

بصدِّها والنوى قد عذَّبَتْ ميَّا

فاقَتْ على البدرِ بالألحاظِ والجيدِ

أواه مَنْ مُنْصِفي من غادةٍ خودٍ

يكون تحتَ الثرى بالحدِ منسِيّا

ليت الذي قد سعى عنها بتبعِيْدي

وصلاً كما حدَّثوا أهلُ الهوى عنها

شكوْتُ وجدي إليها طالباً منها

ذاك القوامَ الذي فاقَ الرد ينيّا ([250])

ما سَتْ بعُجْبٍ فيا لله ما أبهى

على أي حال فإن المواليا لا تعد من الأدب الرفيع وإن نظم بها الغزل والمديح، وكان وجودها في هذا العصر اتصالاً لما كانت عليه في العهد العباسي .

6- البند :

استمرت تغييرات الشعر وزنا وقافية حتى أوجد شعراء العراق ما سمي بالبند ، وقد بدت بوادره في العراق منذ القرن الحادي عشر الهجري، وهو شعر يشابه شعر التفعيلة المعاصر إذ لا تتساوى أشطره، وكان معظم القدامى من شعرائه يلتزمون وزناً واحداً هو «البحر الهزج» وقافية واحدة وقد جاء عند «حسين العشاري»([251]) في أشطر متساوية كالشعر العمودي وعلى بحر الهزج وروي الدال في معظم أشطره،يقول فيه :

لك النعمةُ والحمد

وأنت الصَّمَدُ الفرد

خلقْتَ الحُرَّ والعبدْ

لك الأمرُ بلا ردْ

تعالَيْتَ عن الاسم

وتجاوَزْتَ عن الحد ([252])

    إلا أن المتأخرين منهم لم يحافظوا على هذا الالتزام، إذ قد تحوي القصيدة أكثر من وزن، كما أنها لا تلتزم بقافية موحدة، من ذلك قول معتوق الموسوي([253]) رائد هذا الفن ،ولم يأت قوله على الهزج:

أيها الراقدُ في الظلمةْ

نبِّهْ طرفَ الفِكْرَةْ

من رقدةِ ذي الغفلة

وانظرْ أثرَ القُدرة

واجلُ غسَقَ الحَيْرة

في فجر سَنا الخُبْرة

وإن الفلكَ الأطلسَ والعرس

وما فيه من النقش

وهذا الأفقُ الأدكن

في ذا الصنعِ المتقن

وفي ذلك آيات ([254])

   ومن شعراء البند أيضا «عبد الرؤوف الجد حفصي» ([255]) و «محمد بن الخلفة» ([256]) . ومما قاله الأخير وقد جمع بين بحري الرمل والهزج، وكانت أشطره غير متساوية:

أيها اللائمُ في الحبِ

دعِ اللوم عن الصبِ

فلو كنْتَ ترى الحاجبي الزُّجِّ

فُوَيْقَ الأعيُنِ الدُّعْجِ

أو الخدِ الشَّقيْقيِّ

أو القدِّ الرَّشِيْقيِّ

                                  الذي قد شابه الغصنَ اعتدالاً وانعطافا ([257])

والملاحظ أن البند يشبه «الشعر الحر» الذي ظهر في عصرنا هذا إذ يقوم كلاهما على أساس إيقاع التفعيلة لا الشطر، وتتكرر هذه التفعيلة عدداً من المرات يتبع المعنى والنفَس الشعري، كما يتشابهان في ترابط أجزاء المقاطع، وبأنه لا يخرج عند أكثرهم عن العروض التقليدي، إذ يلتزم شعراؤه غالبا بحرا عروضيا واحدا  .

 ويقول «د.صفاء خلوصي» إنه على الرغم من تشابهه مع الشعر الحر لا يمكننا أنه نعد الثاني تطوراً منه لأن البند نشأ وشاع في جنوبي العراق، ولم يتعداه إلى البلدان العربية الأخرى، بل إنه لم ينتشر في الأوساط الأدبية إلا مدة قصيرة، ثم انصرف عنه الشعراء إلا في حالات التندر والمفاكهة، وبقي ما قيل منه في بطون المخطوطات، ولم ينشر من نماذجه شيء إلا قبل بضع سنين، ولذلك لا يعد أصحابه رواد الشعر الحر، لأن هذا الشعر جاءنا من أدباء المهاجرة([258]) .

ثالثاً- أوزان مخترعة :

كان للتمازج العرقي والثقافي بين الشعوب الإسلامية العربية والفارسية والتركية والكردية أثره في تغيير العروض الخليلي، وابتكار نغمات جديدة لم يعرضها الخليل الفراهيدي، ولكن هذا التغيير بدأ منذ العصر العباسي، فعبد الله بن هارون بن السميدع جاء بأوزان عروضية غريبة، وخرج رزين العروضي (ت247ه) عن العروض العربي كذلك، ويذكر المسعودي أن جماعة من الشعراء زادوا على الخليل في العروض([259]) .

وكان للأعاجم دورهم في مزج النغم العربي بأنغام أجدادهم التي لها نظامها الخاص بها، فعلى سبيل المثال نرى أن تفعيلة المتقارب لا يستخدمها الفرس بصورة (فعول) لأنها لا تناسب لغتهم، والبحر الرمل عند العرب سداسي التفعيلات، وهو عند الفرس ثماني، والبحر الكامل المثمن أيضاً وزن فارسي لا عربي، وكذلك عندهم الوافر المثمن، والبحر الطويل يأتي عند الفرس مقلوباً، كما التزم الفرس الزحافات والعلل، ووضعوا أوزاناً جديدة بناء على التزامهم بالزحافات، ولم يجيزوا تغييرها إلا في مواضع محدودة ([260]) .

ورفض «شمس قيس الرازي» تفعيلتي (مستفعلاتن ومتفاعلن)، على حين استخدمها غيره من الفرس ([261]) .

وورد في كشاف اصطلاح الفنون أن العرب نظموا على عشرين بحراً، الستة عشر المعرفة إضافة إلى (البحر الجديد، والقريب، والمشاكل والمتداول)، وهي من الأبحر الفارسية ، وزاد صاحب جامع الصنائع بحراً سمي الأفضل([262]).

وهذا التأثر أدى إلى أن يبدل العرب في النغمات الخليلية ويضيفوا إليها .

 ومما كان في هذا العصر:

1-اخترع السلطان الملك إسماعيل المؤيد وزناً نظم عليه صفي الدين الحلي قوله:

قاسٍ غَرّني منه رِقَّةُ الخَدِّ واللَّفْظِ ([263])

بي ظبيُ حمًى وردُ خدِّه صارمُ اللَّحْظِ

 عنها بتبعِيْدي

وهو على وزن (فعلن فعلاتن متفعلن فاعلاتاني) وتقلب التفعيلة الأخيرة إلى (فاعلن فعلن) فيصير الوزن (فعلن فعلاتن متفعلن فاعلن فعلن) في كل شطر .

2- كما اخترع أيضاً نغمة ونظم عليها موشحاًله وكان قفله على (متفعلن فاعلن فعول فعل) أما بيت الموشح فكان (مستفعلن فعْلن فعْلن)([264]) .

3- واخترع الشاب الظريف بحراً على «فاعلاتن فاعلن فعلن» والتزم هذا النغم حتى في زحافات موشحه، فخالف بذلك البحر المديد متأثراً في ذلك بالفرس، وقد ذكر موشحه .

4- واخترع البهاء زهير وزناً هو «فعلن متفاعلن فعولن» إلا أن الصفدي أرجعه إلى البحر الوافر وقال «دخله العقص» ([265]) وهو اجتماع الخرم ([266]) ،والنقص ([267]) ، وبذلك يكون وزنه «مفعول مفاعلن فعولن» بدلاً من «فعلن متفاعلن فعولن» ([268]) إلا أني أرى أنه وسابقه بحران جديدان لأن العرب لا يلتزمون الزحافات .

5- ونظم ابن الوردي مقطوعة على بحر جديد اخترعه البهاء زهير وضمنها شطرين مشهورين له فقال:

«ما ألطف هذه الشمائلْ»

يا أفضل مرسل كريم

«كالغصن مع النسيم مائل»([269])

من يسمع لفظها تسرّه

   وهي على (فعلن فعلن فعول فعلن) أو (مستفعلن مفعلات فعلن).

6-ونجد عند صفي الدين الحلي بعض الأوزان الأعجمية ، ومنها في قوله:

قد زارني الحبيب فذا اليومُ يوم عيدُ ([270])

بشراي قد تنبه لي الطالع السعيد

7- وأوجد الشاعر المملوكي عبد النافع بن محمد وزناً من البحر البسيط بزيادة حرف على ضربه والتزم ذلك فصار الوزن «مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلاتن» وذلك في قوله:

كم هكذا أغتدي في غربة وفراق

يا غائبين وقولي حين أذكرهم

نحو الحجاز لما ذاق النوى ابن عراق ([271])

لو سار ركب بعشاق اللوى رملاً

8- وهناك من جاء بتفعيلة (متفاعلن) في مجزوء الوافر بحيث يكون عدد تفعيلات الشطرين معاً ثلاثاً لا أربعاً ([272]) .

9- ونظم ابن الحنبلي شعراً كتب على قبرين لابني صديقه توفيا معا، وكان على الوزن العجمي وهو:

في روضةٍ يُزار بها كلُّ مُجْتَبى

إيوانُنا حظيرةُ أنسٍ وطاعةْ

كلٌّ صفا وطابَ مقاماً ومَشْرِبا ([273])

من ذي ولايةٍ وشهيدٍ وصالحٍ

10- وهناك وزن جديد استحدثه حسين الحارثي([274]) نظم به قصيدة عارض فيها قصيدة الجامي([275])العربية الوزن وقد أشبع القافية فسار بذلك على العروض العربي،وكان مطلعه:

وصاحَ الديكُ» ([276])

«فاحَ عَرْفُ الصَّبا

ووزنه :  «فاعلاتن متفع لن فعْلاتن» ([277]).

إلا أن الحارثي سكن القافية وجعلها مقيدة والتزم هذا الزحاف في جميع القصيدة فجاءت على : «فاعلاتن متفع لن فعلاْن»  في المطلع وفي الضرب دائماً، أما عروض غير المطلع فكان على «فعلن» وذلك على النحو الآتي :

وانثنى البانُ يشتكي التحريكْ

فاحَ عَرْف الصَّبا وصاح الديكْ

تاه من وجدِه بها النِّسِّيْكْ ([278])

قمْ بنا نجتلي مُشَعْشَعَةً

وقد ذكر المحبي والمرادي أنه بهذا الالتزام كون بحراً جديداً([279])

   ثم جاء ابنه البهاء العاملي وعارض قصيدته فقال:

قمْ وهاتِ الكؤوسَ من هاتيك

يا نديمي بمُهْجتي أفديكْ

أفسدَتْ عقلَ ذي التُّقى النِّسِّيْك

هاتِها هاتِها مُشَعْشَعَةً

وقد عارض هذه القصيدة كثير من الشعراء في أصقاع شتى منهم عبد الغني النابلسي وخليل المرادي الذي قال:

باكتمالٍ يبدو بدون شريك

يا نديمي الحسنُ جُمِّعَ فيك

خمرةً طِيْبُ عَرْفِها يشفيك ([280])

فقم الفجر نحتسي عَلَناً

وقد سميْتُ هذا (البحر المتسع) لاتساع نغمته في الضرب بسبب المد والسكون بعده في (فعلان)([281]) .

11-  ولعل جمال نغمة فعلان شجعت الكثيرين على أن ينظموا بها ولاسيما شعراء المتصوفة إذ نرى أمين الجندي ينظم موشحات وقدوداً جاءت على:

فعلن، فعلاتن     فعلاتن فعلن ، فاعلاتن فاعلاتن     مكررة

     و: فاعلن فاعلان      مكررة ،  مستفعلن مفعولاتان         مكررة

   فعلن فعلاتن

وذلك على نحو قوله:

العالي الشانْ ([282])

أنت السلطان

يا سامي الأمدادِ

يا حامي بغدادِ

فعلاتن فاع

فعلاتن فاع

فعلاتن فعلان

فعلاتن فعلان

   وهذه النغمات الممدودة مقتبسة من الرمل وتغيراته، ولا غرو في ذلك فهو بحر التصفيقة الشعرية .

12-وللشاعر «إبراهيم الهدمة»([283]) قصيدة تائية من ستين ومئتين وألف بيت وزنها خلاف المعهود من أوزان العرب ومطلعها :

في الصحوِ سُكْري انظرْ من ذاك في الصفات

ساقي شرابِ وصلِ ناوي لهجر ذاتي

مشهودُ أهلِ كشفِ حَيَا بلا ممات

الجسمُ من وُجودي اسمٌ بلا مسمى

ذاك العُلُّو أعلى من حرف عاليات ([284])

في الحبِّ لي مقامٌ أدنى من التداني

وقد جاء على مستفعلن رباعي التفعيلات كما ينظم الفرس وكانوا يسمون تكرر (مفتعلن) أربع مرات: الرجز المطوي ([285]).

13-ومن الجديد أيضاً ما سمي بالوزن (الحميني) وهو على :

متفاعلن متفاعلن فعولان                  فعولن مستفعلان

وكما نرى جاء شطره الثاني أقصر من الأول وعلى نغمة أخرى، وهذا لم يكن إلا في الموشحات، ولكنه انتقل على ما يبدو إلى القصيد إذ كانت الحرية مفتوحة الأبواب لمن شاء أن يبتكر أو يغير، ومنه قول عبد الرحمن العيدروس:

حتى نوَيْتَ الفِكاكْ؟

باللهِ قل لي مَنْ عليّ أغراكْ

وقال خليه وراك؟

مَنْ ذا بطولِ البُعدِ عني أفتاك

وحفظُ ربي وَقاك

أنت المساعدُ والسعودُ يرعاكْ

ودُمْت حامي حماك ([286])

وأبقاك ربي للجميعِ أبقاكْ

ويطول بنا الحديث لو رحنا نذكر كل نغمة جديدة، ويكفي أن كثيرين اعترفوا بأن نغمات العروض لم تتوقف على معطيات الفراهيدي، وإنما استمرت تتجدد، وقد عدّ بعض الدارسين هذا التجديد مخالفات للذوق العربي، ولهذا قل من نظم عليها ([287]).

ولكن بعضهم اعترف بأن نماذجها كثرت كثيراً حتى صارت من معطيات الأدب العربي في ذلك العصر، ومما يلاحظ أن معظم هذه الأبحر التي تغيرت عن أصولها تركت بلا تسمية وكأن الدارسين القدامى والمعاصرين باتوا يقتنعون بإمكانية إحداث تغييرات في الأبحر تخالف ما تعورف عليه من قوانين عروضية سابقة، مع بقاء التسمية الأولى، وقد لاحظت أن معظم هذه التغييرات كانت بالزيادة كما في الزيادة على البحر البسيط عند الشاعر عبد النافع بن محمد وعلى البحر الرجز عند إبراهيم الهدمة وعلى بحر السلسلة عند الملك المؤيد، أو بالنقصان كما في البحر المديد عند الشاب الظريف، وعند حسين الحارثي، ولو راحوا يسمون كل بحر نتح عن التزام زحاف كما فعل الفرس لكثرت الأوزان كثرة مفرطة وعز إحصاؤها، وكنا قد عرفنا أن ابن سناء الملك أتعب نفسه حين راح يحصي أوزان الموشحات وقد بلغت عنده 146 وزناً وفي هذا تكلف شديد لا حاجة له، وإلا تحول علم العروض إلى ما يشبه علم البلاغة في تكلفه، وبذلك يبتعد الشاعر عن روح الموسيقى كما ابتعدت البلاغة عن جماليتها وغدت صناعة شكلية.

رابعاً – مآخذ عروضية :

أجاز النقاد أن يغير الشعراء في ألفاظهم من أجل الضرورة الشعرية، لان التعبير الأدبي برأي بعضهم تعبير موسيقي، والموسيقى هدف الشاعر الذي يصبو إليه([288])، ويسمى هذا التغيير الضرورة الشعرية .

فالضرورة الشعرية إذاً هي ما وقع في الشعر مما ليس للشاعر عنه مندوحة، أو ما فعلها شاعر ويمكن لغيره أن يحتال فيزيل هذه الضرورة([289]).

وبعض الدارسين لا يجيز هذه الضرورة ويعدها ضعفاً من الشاعر، والحق يقال أن ورودها بكثرة في الشعر تشير إلى ضعف المقدرة الشعرية، وقد كثر هذا في الشعر اللبناني والمغربي لاختلاطهما بالأعاجم.

وبعض هذه الضرورات يتعلق بالقافية من ذلك الإقواء([290]) وهو عيب فيها كما في قول عبد الجليل الطباطبائي ، وقد جاء بالقافية مضمومة ثم كسرها في البيت الثاني :

(كما تَدِين تُدان) اليومَ أو بعدُ

فالمرءُ يجزى بما يأتي، صحَّ بذا

مسرى إلى اللهِ تأتيه بلا بُعْدِ ([291])

وحاذِِرَنْ دعوةَ المظلومِ إنّ لها

ومن عيوب القافية أيضاً الإيطاء([292])، ولكن الكلمتين المكررتين في القافية إن اختلف معناهما فلا حرج فيهما وذلك على نحو قول أحمد المقري في الحديث عن الشيب:

وعصرُ الشيبِ بالأكدار شِيبْا

مضى عصرُ الشباب كلمحِ برقٍ

ليومٍ يجعل الولدانَ شيبا ([293])

وما أعدْتُ قبل الموت زاداً

فقد كرر في قافيتين متتابعتين كلمة شيبا، وكانت الأولى بمعنى «امتزج» والثانية من «الشيب» وهذا لا عيب فيه، أما قوله في مديح السيدة خديجة زوج الرسول r :

إذْ لا وزيرَ له فيه ولا وزرُ

وزيرَةُ الصِّدْقِ في الإسلام ملجؤُه

مصدقٌ فهي الصديقةُ الوَزَرُ ([294])

هي التي صدَّقَتْه حين لا أحدٌ

فالكلمتان المكررتان في القافية وهما (وزر) بمعنى واحد وهو الملجأ، ولذلك يعد إيطاءً معيباً.

ومن عيوب القوافي أيضاً الإجازة، وهي أن يأتي حرف روي بيت مخالفاً لروي القصيدة، ويكون العيب أسوأ إن كان الحرفان متباعدين([295]) كالقاف والراء في قول أبي بكر العمري، وكان الروي قافاً :

بالسيف والدبوس والبُنْدُق

أجلَوْا أهالي الدور عن دورِهم

غنيَّهم جهداً فكيف الفقيرُ ([296])

وحمَّلوا كلفاً أعجَزَتْ

ومن عيوب القوافي السناد([297]) فإن كان الردف الواو مع الياء قبلا, وإلا عد عيباً، فالشاعر «سليمان بن إبراهيم» ([298]) أردف الواو والياء في قوله:

نحو مَنْ قربه مناي وسُوْلي

قصةُ الشوق سِرْ بها يا رسولي

قفْ بتلك الطلولِ غير مُطيل ([299])

وإذا ما حلَلْت تلك المغاني

وهو سناد قبله الفراهيدي، لكنه لم يقبل سناد الحذو كما في قول «مصطفى البابي الحلبي»:

أضلَّتْه ستونَ إلا كسُوْرا

وماذا عسى يستقرُّ امرؤٌ

وأتْهَمَ طوراً وأنْجَدَ طَوْرا

فتًى حلبَ الدهرُ أشطارَه

فقد جاء السناد رديئاً بين الضم والفتح قبل الواو في قافيتي البيتين.

ومن سناد الردف وهو مجيء بيت مردوف وآخر غير مردوف قول البابي الحلبي أيضاً:

إذا الدهرُ أخفى صدى جرسِه

وذُو اللُّبِّ مَنْ نال حُسْنَ الثناءِ

به يظهرُ الحمقُ من كَيْسِهِ ([300])

ومعيارُ عقلِ الفتى صُنْعُهُ

ومن العيوب أيضاً قطع همزة الوصل كقول محمد التقوي الحراكي :

وتمرَحُ في برودِ الاِفتضاح ([301])

أبَعْدَ الشيبِ تمزحُ بالتَّصابي

ومن الأخطاء النحوية رفع المنصوب في قافية قول الشاعر سليمان بن إبراهيم:

وبصدقِ الصِّداقِ لا تَكُ راضي([302])

لا تقلْ قد قبلْتُ عقدَ النكاحِ

والصحيح لا تك راضياً .

وهناك أخطاء عروضية تأتي من زيادة في التفعيلات أو نقص فيها، فالشاعر رفاعة الطهطاوي زاد حركة في أول البحر الطويل على تفعيلة فعولن في قوله:

وأغنى البرايا بِرُّهُ ونَوَالُه ([303])

ملأَ الكونَ بُشْراً عدلُه واعتدالُه

ومن عدم استقامة الوزن قول أحد الشعراء وكان المؤلف قد ذكر أنها من المتقارب وبعد التدقيق فيه تبين أن فيه اختلالا:

فاقطعوا لا ريبَ منا الإياس

إن لم تدرِكونا عزماً عاجلاً

والجوعُ قد ضرَّ بأكثَرِ الناسْ ([304])

والحربُ تدورُ في كلِّ يوم

خامساً – سمات الظواهر الموسيقية:

أما بعد فإن موسيقا الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة كانت امتداداً لموسيقا الشعر الخليلية، إذ حافظت عليها، وبدا في كثير منها جمال وعذوبة.

ولم يلتزم أصحابها بمقولة أن لكل موضوع بحراً يناسبه إذ نظموا الموضوعات الجليلة كالمديح النبوي والمدائح الرسمية على أوزان خفيفة طربة.

وقد حوت الأبيات موسيقى داخلية أضافت إلى الموسيقى الخارجية نغماً حلواً، وتوفرت في أمور متعددة كالتصريع والترصيع والجناس، والتفويف والتكرار، وتنوعت أساليب الأخير بين تكرار لحرف ولكلمة ولعبارة، بل زاد عن ذلك في التشجير، فكان في كثير من أنواعه تكلف غير حميد.

أما موسيقا القافية فقد وجد في أواخر هذا العصر من يدعو إلى التفلت منها نهائياً ولكن الصبغة العامة لشعره هي الحفاظ عليها في القصيدة كلها، وبدا في كثير من القصائد اهتمام الشعراء بروي القصيدة إذ شارك في الدلالة التعبيرية عن التجارب الشعورية التي يحس بها الشاعر.

و ظهر تنوع للقوافي فيما عرف بالشعر المستحدث، وكان منه المزدوجات والمثلثات والمسمطات، والأخيرة كان لها نظام معين، وهي أصل الرباعيات كما أثبت بأدلة ويتبع الرباعيات الدوبيت ووزن السلسلة ثم المخمسات حتى المعشرات، ثم الموشحات، ولكل واحدة من هذه الأنواع أنواع تقل أو تكثر، وفيه تجديد، فوزن السلسلة والدوبيت مثلاً كانا مقطوعات رباعية الأشطر ، ثم نظم عليهما قصائد وموشحات، وكثر تخميس القصائد وتضمين قصائد أخرى فيها، وكان لبردة البوصيري نصيب كبير من هذا التخميس ، ويلحق بالمخمسات مقطوعات من خمسة أبيات تبدأ وتنتهي بحرف واحد، وقد كتب منها السبتي خماسيات نبوية على عدد حروف المعجم.

أما الموشحات فكانت - برأيي – تطوراً عن المسمطات، وقد أيدت قولي بأدلة ولعل أهمها أن تعدد القوافي بدأ مع القرآن الكريم إذ حوى سوراً فيها عبارات تتكرر بعد كل مقطع وأدى تغيير النغم فيه إلى تأثر الشعوب الإسلامية بموسيقاه الطربة فسعت إلى التغيير، وظهر أثره في المزدوجات والمسمطات ثم كان لانتقال المغني زرياب إلى الأندلس أثر في نشر هذه الأنغام، وكان لطبيعة الأندلس الخلابة والترف الذي يعيش فيه أهلها دوره في تقبل الشعر الغنائي الذي تطور إلى الموشحات، فجذور الموشحات إذاً مشرقية لا غربية ولكن تطورها كان في الأندلس.

والملاحظ أن الموشحات كثرت في بيئة المتصوفة إذ غناها كثير منهم في مجالس ذكرهم وقد تعددت أوزانها وداخلها أنغام أخرى، وخالفت موشحات الأندلس لأن خرجتها كانت فصحى ولم أعثر على موشحة ذات خرجة عامية أبداً.

و كثرت معارضات الموشحات ، وبدا في بعضها تكلف شديد، ومحاولة لإظهار البراعة في نظم نماذج ذات قواف وأوزان متعددة .

وهناك المواليا، ولا تعد من الأدب الرفيع لأنها خالفت النظام الفصيح إلى تسكين بعض كلماته، والبند، وهو من الفصيح لكنه خالف وحدة القافية فكان شبيهاً بالشعر الحديث المعاصر لنا.

وقد استحدثت أوزان متعددة، وكدت اسمي كل بحر باسم، ولكني أعرضت عن ذلك بعد أن رأيت كثرة الأوزان وتغيراتها، ولعل معظم هذه الكثرة والتغيير كان من اتباع نظام الالتزام بالزحافات، وكأن العرب رفضوا مقولة الفرس بان التزام الزحاف يكوّن وزناً جديداً، وعدوا هذه الزيادات والنقصان تغيراً في البحر الأصلي وتطويراً لقواعده القديمة .

ووجدت ضرورات شعرية يتبع بعضها اللغة، وبعضها يتعلق بالقافية أو بالأوزان، وقد كثر النوع الثاني في الشعر اللبناني والمغربي لاتصالهما بالثقافات الأجنبية الوافدة .

([1]) جرس الألفاظ /44 .

([2]) نسبة إلى واضع علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي.

([3])منهاج البلغاء /250،266، في نظرية الأدب/64، موسيقا الشعر /138.

([4]) التفسير النفسي للأدب /58.

([5]) الأدب وفنونه ، مندور /54 .

([6]) سيكولوجية الإبداع /69 .

([7]) عنوان الشرف الوافي /14 .

([8]) الصورة الفنية في النقد الشعري /197 .

([9]) مِخذم: قاطع أو السيف القاطع: لسان العرب مادة (خذم).

([10]) ديوان عبد الغفار الأخرس /396 ومثلها في سمط النجوم العوالي 3/69 والكواكب السائرة 1/123 .

([11]) حلية البشر 1/331 .

([12])  كما في ملحمة صدى الحرب التي يمدح فيها أحمد شوقي السلطان عبد الحميد الثاني لانتصاره على اليونان في حروب البلقان، ديوان الشوقيات 1/48 .

([13]) محمد بن عثيمين (1270-1363ه) شاعر نجدي عاش شطرا كبيرا من حياته في العهد العثماني , وتحدث عن حروب الوهابيين ضده : الأعلام 6/245

([14]) العقد الثمين /413-414 .

([15]) محمد بن أحمد المنوفي (ت1044ه) شاعر وفقيه من الحجاز : سلافة العصر /124.

([16]) سلافة العصر /130 .

([17]) جرس الألفاظ /178 .

([18]) در الحبب ج1 قسم 2/926-927، وإعلام النبلاء 5/419 .

([19]) سورة المائدة /27-30 .

([20]) ديوان الشاب الظريف/190، وينظر لمثلها في ديوانه أيضاً ص70و107-111، 189 ….

([21]) ديوان البوصيري/208 .

([22]) عبد الرحمن بن عيسى المرشدي (975-1037ه) شاعر وعالم من الحجاز : الخلاصة 2/369

([23]) خلاصة الأثر 2/272 .

([24]) الأسس الجمالية للإيقاع البلاغي/363 .

([25])  ينظر للشعر ولقائله في : النفح الفرجي /387 .

([26]) ديوان الشاب الظريف/205-206 .

([27]) العقود الدرية /18 ونفحة الريحانة 2/521 ، وديوان ابن النحاس المطبوع مع ديوان علي بن مقرب /756.

([28]) سلك الدرر 3/105 .

([29]) أعيان العصر 1/130-137 .

([30]) ديوان العشري /173-174 .

([31]) سلافة العصر /281، وديوان علي بن مقرب الذي طبع معه ديوان ابن النحاس /859-860 .

([32]) تاريخ ابن الفرات 7/32 .

([33]) فتح المتعال /453 .

([34]) ديوان الشاب الظريف /43 .

([35]) عبد القادر بن يحيى الطبري ، محيي الدين ، شاعر مكي : سلافة العصر /42

([36]) الخلاصة 1/134 .

([37])الأدب وفنونه /31، الأسس الجمالية في النقد /276

([38]) الأسس الجمالية للإيقاع /277.

([39]) الفاصلة في القرآن /195 .

([40])بناء القصيدة في النقد /174 .

([41])  ديوان عبد الجليل الطباطبائي/1 .

([42])الترصيع هو أن يتوخى الشاعر تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع أو شبيه به، أو من جنس واحد في التصريف، أو هو تقسيمات داخلية. وهذا التكرار يشكل جرساً موسيقياً حسن الوقع على الأذن. ينظر : بناء القصيدة في النقد ص173 .

([43]) النفح الفرجي / 387 .

([44]) يوسف بن سليمان سيف الدولة التغلبي : شاعر مصري عرف بابن مهمندار العرب : أعيان العصر 5/37.

([45])أعيان العصر  /637-638 .

([46]) هي أن تتماثل ألفاظ الكلام أو بعضها في الوزن دون القافية: ديوان نفحات الأزهار /164 .

([47]) ديوان نفحات الأزهار /164 .

([48]) إعلام النبلاء 6/334 .

([49]) جرس الألفاظ /272 .

([50]) قواعد النقد الأدبي /42 .

([51]) في علم اللغة /154 .

([52]) ديوان الشاب الظريف /44-45 .

([53]) رد العجز على الصدر هو كلام وجد في نصفه الأخير لفظ يشبه لفظاً موجوداً في النصف الأول، وهو على أنواع حسب اشتراك اللفظين في الصورة أو في الاشتقاق أو المعنى: نهاية الإعجاز/134 .

([54]) إعلام النبلاء 5/12 .

([55]) جرس الألفاظ /255 .

([56]) التفويف: أخذت الكلمة من البُرد المفوّف أي المخطط بألوان مختلفة، وهو تقطيع موسيقي متوازن أشبه بالترصيع، وقد ألحقه د.صفاء خلوصي بعلم العروض، ينظر له في كتابه: فن التقطيع الشعري/352، وفي أوزان الشعر الفارسي/13 .

([57]) محمد العبدلي (ت1166ه) شاعر وطبيب من الموصل : سلك الدرر 4/126.

([58]) سلك الدرر 4/126 .

([59]) الصورة الشعرية  في الكتابة الفنية /49 .

([60]) علي بن محمد النابلسي يعرف بابن العفيف ، ولد752ه ، وكان من المعمرين : الضوء اللامع5/279

([61]) الضوء اللامع 5/280 .

([62]) جرس الألفاظ /238، والصورة والبناء الشعري /186 .

([63]) أعيان الشيعة 2/116 .

([64]) عبد الرحمن بن محمد البهلول (تبعد1111ه) شاعر دمشقي له تواريخ كثيرة : ساك الدرر 2/310

([65]) سلك الدرر 4/318-319 .

([66]) محمد بن سعيد الجمال اليماني ولد 776ه : شاعر يمني : الضوء اللامع 7/250

([67]) الضوء اللامع 7/251-252 .

([68]) ديوان صفي الدين الحلي /1 .

([69]) فتح المتعال /247 .

([70]) عنوان الشرف / و

([71]) هناك نوعان يضفيان على النص موسيقى، أما الثالث الذي تبدأ أحرف صدره بأحرف اسم علم لممدوح أو لفتاة فليس من هذا النوع ولذلك سأذكر هنا نوعين فحسب.

([72]) كشاف اصطلاح الفنون 2/106، وفن التقطيع الشعري /376 ويسميه المشجر.

([73]) محمد بن عبد الله المعولي شاعر عماني من القرن 11ه: شقائق النعمان على سموط الجمان ج1/80 .

([74]) شقائق 1النعمان 1/80 .

([75]) علي بن السيد بكري الخاني شاعر من إدلب : لبنان في عهد الأمراء /607-608.

([76]) لبنان - الغرر الحسان /621 .

([77]) بناء القصيدة في النقد /176 .

([78]) المعاصرون /155 .

([79]) بناء القصيدة /159 .

([80]) أصول النقد الأدبي /75 .

([81]) بناء القصيدة /184 و 193 .

([82]) نزهة الأنظار 2/16 .

([83]) الخلاصة 1/263 .

([84]) الديوان ص 156 والعقود الدرية /49، ونفحة الريحانة 2/518 .

([85]) أحمد بن محمود الكجي (ت1107ه) شاعر فاضل من دمشق : سلك الدرر 1/196

([86]) سلك الدرر 1/198 .

([87]) إعلام النبلاء 6/358-359 .

([88]) البديعيات /110 وعلم البديع /232 وقد عدّه الكفوي من أنواع البديع، ينظر لذلك الكليات 1/286 .

([89]) أعيان العصر 1/189 .

([90]) عمر بن أحمد السراج الصعيدي ( ولد بعد 840ه) شاعر وفقيه مصري : الضوء اللامع 6/70

([91]) الضوء اللامع 6/70 .

([92]) مصطفى الكردي (ت1225ه) شاعر حلبي : المنتخب من المخطوطات العربية في حلب/402 

([93]) إعلام النبلاء 7/187 .

([94]) حلية البشر /723 .

([95]) فن التقطيع الشعري /381، وقد ذكر ابن الجوزي في المنتظم أن سلم الخاسر اخترع شعراً على حرف واحد لم يسبق إليه: المنتظم ج9 ص121 .

([96]) الصورة الفنية في النقد الشعري /34 وفن التقطيع الشعري /379 ، ووزنه (فاعلاتُ فاعلا).

([97]) فن التقطيع الشعري /379

([98]) في كتاب تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ يذكر أن كل ما لم يأت على مثال الشعر الجاهلي أو الأموي يسمى مصاريع ولا يسمى أبياتاً، ينظر ج4/418، وسأستخدم هذه الكلمة أو كلمة شطر أو قسيم.

([99])في النقد الأدبي، ضيف /103، ومع ذلك هناك من يعد المزدوجات  فارسية الأصل كالمستشرق براون، والعكس هو الصحيح فقد اقتبسه الفرس من العرب، ونظموا عليه مطولاتهم وملاحمهم وشعرهم الصوفي،  وسموه المثنوي، ينظر لذلك الأدب التركي الإسلامي/40، ولكن المثنوي شرط له أن يأتي على البحر المجتث أو المضارع أو المقتضب، كما شرط أن يذكر اسم الشاعر في آخر بيت من أبيات قصيدة المثنوي: تاريخ الحضارة الإسلامية د.ماجد/195 ولعل االفرس نظموا المثنوي على هذه الأبحر القصيرة لأنها تشبه في نغماتها البحر الرجز الذي نظم عليه العرب أراجيزهم أو مزدوجاتهم.

([100]) مجلة مجمع اللغة العربية ج24 شوال 1388 يناير 1969 بعنوان علماء البحار العرب واصطلاحاتهم البحرية: حسن كامل الصيرفي ص145 .

([101]) رفاعة الطهطاوي (1216ه –1290ه) شاعر مصري: ينظر له في مقدمة ديوانه ص5 .

([102]) ديوان رفاعة الطهطاوي /96 .

([103]) خليل بن عبده مطران (1288-1368ه) شاعر لبناني عاش في مصر: ينظر له في الأعلام 2/320.

([104]) ديوان خليل مطران /154و159 .

[105] ) تاج اللغة وصحاح العربية مادة سمط ولسان العرب مادة سمط .

([106]) كشاف اصطلاح الفنون م2/176- والبديعيات/102، ويذكر د.عدنان صالح مصطفى أن د.مصطفى الشكعة أورد للشاعر الأموي الوليد بن يزيد شعراً على هذا النمط من المسمطات،  ينظر: الجديد في فن التوشيح ص61 ويعلق على ذلك بأن هذه المسمطات هي أصل الموشحات وموضوعها متشابه معها .

([107]) ديوان الشيخ أمين الجندي /278 .

([108]) كشاف اصطلاح الفنون م2/176-177 .

([109]) العمدة لابن رشيق 1/149 .

([110]) الأول في كتابه فن التقطيع الشعري/299، والثاني في كتابه الفاصلة في القرآن /185 .

([111]) كشاف اصطلاح الفنون /174 .

([112]) تاريخ الأدب العربي4/215، وأمالي د.اليافي/ 262 وقوله أقل من أربعة أقسمة أي ما عدا القسيم الملتزم الروي.

([113]) حلية البشر 2/1058 .

([114]) المصدر نفسه.

([115]) الشاعر عبد الرزاق فتاحي مفتي اللاذقية في عهد السلطان عبد الحميد له موشحات كثيرة ينظر له في حلية البشر 2/900 .

([116]) حلية البشر 2/901 وينظر لمثلها في المرجع نفسه ص900 ولرفاعة الطهطاوي في ديوانه/109 .

[117] ) طبقات الشعراء لابن ىسلام الجمحي / 52

[118] )شرح ديوان امرئ القيس ويليه أخبار المراقسة وأشعارهم /216، وهي أيضا في معجم صحاح اللغة في مادة سمط ، وفي ديوان امرئ القيس دون شطرها الخامس بتحقيق عمر فاروق الطباع / 138، وبتحقيق حجر عاصي /103، وبديوانه نشر دار صادر/161، وينظر لمسمطات العصر في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للعلوم الشرعية والعربية  ع 4 رجب 1428ه ، د. زينب بيره جكلي: المسمطات العربية في العهد العثماني ص 330 .

[119] ) لبنان في عهد الشهابيين 1/ 184 ، ومثلها في ديوان الشيخ أمين الجندي / 278

[120] ) حلية البشر 2 / 900

([121]) فن التقطيع الشعري /294 .

([122]) صالح بن سلطان ( 1157-1222ه) شاعر حلبي له مدائح نبوية كثيرة : إعلام النبلاء 7/169

([123]) إعلام النبلاء 7/171 .

([124]) ديوان الأمير الصنعاني /41 .

([125]) يوسف بن خلد الحسفاوي (ت 829ه) حافظ وفقيه من حلب : الضوء اللامع 10/312

([126]) الضوء اللامع 10/312 .

([127]) محمد بن يعقوب الجمال (ت830) شاعر مغربي عاش أربع سنين في بلاد العجم : الضوء اللامع10/87

([128]) الضوء اللامع 10/87 .

([129]) ديوان العيدروس /110 .

([130]) فن التقطيع/291 .

([131]) في نظرية الأدب /69 .

([132]) ديوان الشاب الظريف /341 .

([133]) خلاصة الأثر 3/454 ، بهاء الدين العاملي /140 .

([134]) أعيان الشيعة 9/247، بهاء الدين العاملي/103، وينظر لمثله في المرجعين والصفحتين نفسيهما.

([135])ينظر لذلك المنتظم 18/157 وهناك الدوبيت الرباعي المرفل، وفيه يكون الشطر الثاني على ثلاث تفعيلات هي (متفاعلن فعلن فعلن)، والمردوف بزيادة تفعيلة خامسة على العجز، والأصل في الدوبيت أن يأتي على أربع، ولم أر لهما شواهد من هذا العصر، وقد ذكرهما د.خلوصي في فن التقطيع /361-367 .

([136]) فن التقطيع الشعري /292 ه2 .

([137])ديوان الشاب الظريف /122، ومثله في الصفحة نفسها

([138]) ريحانة الألبا 1/99، والخلاصة 3/349 .

([139]) ديوان الشاب الظريف /183 .

([140])خلاصة الأثر 3/454، ريحانة الألبا 1/213

([141])ريحانة الألبا 1/213، بهاء الدين العاملي /139 .

([142]) بهاء الدين العاملي / 139

([143])الكشكول 1/145، والبهاء 142 .

([144])أوزان الشعر الفارسي /61 .

([145])بابا طاهر العريان الهمذاني من شعراء القرن الخامس الهجري ينظر له في أوزان الشعر الفارسي 61/ه1 .

([146]) ديوان الشاب الظريف 230، ومنه أيضاً في ديوانه /254، وفي أعيان العصر 5/141 وقد أطلق الصفدي على هذه الأنغام اسم الدوبيت.

([147]) ديوان الشاب الظريف/234 إذ جاء الشطر الأول على البحر  السريع والثاني على فعلن فاعلاتن فاعلاتن فعل ، وينظر لمثلها في أعيان الشيعة 9/247، بهاء الدين العاملي /130.

([148]) فن التقطيع /291 ودر الحبب 1/116 .

([149]) فن التقطيع /362-267 .

([150]) الشافي العروض والقوافي /283 .

([151]) الشاعر الحكيم الرشيدي الأسلمي شاعر من القرن التاسع الهجري ينظر له في المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي /365 .

([152]) المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي /365-366.

([153]) المصدر السابق نفسه.

([154]) در الحبب ج1 قسم 1/116 .

([155]) در الحبب 1/261، وقد أوردتها في كتابي الحركة الشعرية في حلب / 326    .

([156]) خلاصة الأثر 3/263، والعقود الدرية 68-70 وهي قصيدة في مديح أبي المواهب البكري .

([157]) نفحة الريحانة 2/611 .

([158]) سلك الدرر 1/181 .

([159]) سلك الدرر 3/253-254 .

([160]) يرى د.شوقي ضيف أن المخمسات هي أصل المسمطات ينظر في النقد الأدبي – ضيف /103 ، وأرى خلاف ذلك فالمسمطات هي الأصل وهي أقدم في الظهور، والمخمسات عُدّت عند النقاد القدامى من المسمطات.

([161]) بناء القصيدة في النقد /27 .

([162]) أوزان الشعر الفارسي/38 .

([163]) ديوان صفي الدين الحلي /69 و 73 .

([164]) أعيان العصر 4/530 .

([165]) نفح الطيب 10/313، ومنهم من لزم في مخمساته ما لا يلزم بترتيب حروف المعجم في مطلع كل بيت وقافيته كما فعل السبتي في قوله:

ثم اعتلى فجلا سناه الغيهبا

باء بدا في أفق مكة كوكبا

    إلخ ….     ينظر نفح الطيب 10/309 .

([166]) محمد الصغير داود عالم صوفي من أتباع الطريقة الشاذلية كان مدرساً: ذيل بشائر أهل الإيمان /235 .

([167]) ذيل بشائر أهل الإيمان /235، وللشاعر أمين الجندي تخميسة لهمزية البوصيري في ديوانه /143 ، وليحيى بن زكريا تخميسة للبردة في خلاصة الأثر 4/470، وليوسف الدادة في إعلام النبلاء 7/442، ولمحمد تراب في إعلام النبلاء 7/268 وفي إعلام 7/526 تخميس لرائية أبي فراس الحمداني أراك عصيّ الدمع.

([168]) إعلام النبلاء 7/127-128 . ومثلها تخميسة أمين الجندي لنبوية عبد الله حجازي في ديوان الجندي ص442-447 .

([169]) ديوان فتح الله بن النحاس ص92 .

([170]) سلك الدرر 1/157-158 .

([171]) عبد الله البري من شعراء القرن الحادي عشر الهجري (ت1069ه) ينظر له وللشعر في

([172]) فتح المتعال/226 .

[173] ) مالك بن المرجل السبتي من شعراء سبتة التابعة للمغرب، عرف بمدائحه النبوية : نفح الطيب10/309  والشعر في الصفحة نفسها .

([174]) محمد بهاء الدين بن الشيخ محمد أبي الوفا الرفاعي الحلبي (ت1290ه) شاعر حلبي متصوف، له شعر وقدود تلحن في مجالس الذكر في زاوية الرفاعية: إعلام النبلاء 7/331-332 .

[175] ) ديوان رفاعة الطهطاوي م89 -90 .

([176]) المنتخب من المخطوطات/402-403 .

([177]) أعيان العصر 1/132، ويقول د.صفاء خلوصي فيما التزم في صدوره بروي وفي أعجازه بروي إنها من المثنيات وقد تكون هذه في بيتين أو في ثلاثة إلى السبعة، ومعظم الشعر الأوربي من هذا الطراز، ويبين أنها إن التزمت روياً واحداً في الأعجاز سميت مقطوعات. ينظر : فن التقطيع الشعري /289، وأرى أن هذه من المثمنات لا من المثنيات لأنها مقطوعات ثمانية الأشطر ولها نظام خاص بها.

([178]) يجب تسكين الحمامة ليستقيم الوزن على «فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن».

([179]) يجب حذف الألف المقصورة من (على الأغصان) لتصير (علْ الأغصان) ليستقيم الوزن.

([180]) أضاف كلمة (وقيل) فأساء إلى نغمة الوزن، وكلمة يحسدوني خطأ والصواب يحسدونني.

([181]) الأبيات في ديوان الأمير الصنعاني/467 .

([182]) أعيان العصر 1/670 وفي المرجع نفسه 1/671 قصيدة ابن جابر الأندلسي.

([183]) ديوان الأمير الصنعاني /466 .

[184] ) علماء دمشق وأعيانها في القرن الحادي عشر الهجري 2 / 25 . وقد أورد مثالين أحدهما على روي الثاء والآخر على روي الفاء دون أن يلتزم في المطالع أو في عروض الأبيات حرفا ما .

([185]) للشاعر أبي زيد الفارابي (550-627ه) ديوان المعشرات الحُبيّة والنفحات القلبية وهي معشرات في المدائح النبوية وقد اطلعت عليه، وللنابلسي معشرات في كتاب أبو الحسن القيرواني /209.

([186]) أبو السعود يحيى بن محيي الدين المتنبي (ت1127ه) شاعر دمشقي : سلك الدرر 1/58

[187] ) أخطأ الشاعر حينما قال ( ورأى الله ) لأنه لايرى أحد الله في الدنيا أبدا ولا موسى عليه السلام إذ قال له المولى سبحانه ( لن تراني )

([188]) سلك الدرر 1/62

([189])سميت الموشحات كذلك من الوشاح، لأن خرجاته وأبياته كالوشاح له وهو يخالف الشعر بتعدد قوافيه وكثرة أوزانه، إذ قد يأتي على أوزان العرب، أو يخالفها: خلاصة الأثر 1/108.

([190])يذكر د.محمد الحسناوي أنه لا يوجد في القرآن الكريم موشح بحسب شروطه، ولكنه وجد شبهاً يشير إلى تأثر الشعراء بأنغامه وعدم وقوفهم عند الشكل الشعري التقليدي، ويضرب لذلك مثلاً من سورة المرسلات في قوله تعالى ، ويسجل آياته على النموذج الآتي :

     )فإذا النجوم طمست

وإذا السماء فرجت

وإذا الجبال نسفت

وإذا الرسلُ أُقِّتَتْ

لأي يومٍ أُجِّلَتْ

ليوم الفصلِ      وما أدراكَ ما يومُ الفصلِ

      ويلٌ يومئذٍ للمكذبين

ألم نهلك الأولينَ

ثم نُتْبِعُهُمُ الآخرين

كذلك نفعل بالمجرمين

            ويلٌ يومئذ للمكذبين

ألم نخلُقكُمْ من ماءٍ مَهين

فجعلناه في قرارٍ مكين

إلى قَدَرٍ معلوم

      فقدَرْنا فنِعْمَ القادرون

                 ويلٌ يومئذٍ للمكذبين(

وهذه الوحدات الموسيقية تشبه عند الوشاحين الأقفال والأبيات، وقد حققت تناغماً موسيقياً ، وكأنها أوحت للعرب بجمال تنوع النغم :ينظر لذلك الفاصلة في القرآن، ص407-410 .

([191]) الجديد من التوشيح /60-64 ، وتاريخ الأدب العربي، فروخ 4/412 .

([192]) فن التقطيع الشعري /303-308، ومثلها في الجديد في فن التوشيح /55 .

([193]) الجديد في فن التوشيح /55.

([194]) أبو الحسن علي بن نافع الملقب بزرياب، وفد إلى الأندلس من المشرق 210ه، وكان تلميذاً لإسحاق الموصلي، درس علي يديه الغناء، وقد عاصر هارون الرشيد، وكان مثقفاً في النجوم وفنون الأدب، وجدّد في الحياة الاجتماعية في الأندلس، وأسس مدرسة غنائية، وكان هو وأولاده يعلمون فيها، وقد أبدع في الموسيقى وآلاتها وأساليب اختبار الأصوات: الجديد في فن التوشيح /38-47.

([195]) مقدم بن معافى (225-295ه) من شعراء الأندلس، وينسب إليه اختراع الموشحات، أخذ عنه ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد.

([196]) محمد القبري: شاعر أندلسي من القرن الثالث الهجري . وينظر للفكرة في : عصر الدول والإمارات ، الأندلس/146-147، والجديد في فن التوشيح /27، 70-71 ، 78 .

([197]) الجديد في فن التوشيح /7 و 70-71 .

([198]) المصدر نفسه.

([199]) المرجع نفسه /64 .

([200]) المرجع نفسه.

[201] ) ديوان الوليد بن يزيد  / 40-41 .

([202]) المرجع نفسه /64 .

([203]) المرجع نفسه.

([204]) نفسه /59 .

([205]) الموشحات في بلاد الشام /434 .

([206]) العصر العثماني – عمر موسى باشا /602 .

([207]) الموشحات /373. ويذكر أن الخرجة الأندلسية كانت عامية أو أعجمية، وفيها إسفاف في اللفظ، ويقدم لها بمثل (قالت) على لسان امرأة تتغزل برجل: أمالي الأدب الأندلسي /353، وعلى الرغم من أن د.مقداد رحيم قال إن خرجة الموشحات الشامية كالأندلسية عامية إلا أني لم أر من ذلك شيئاً على طول معايشتي لكتب التراجم عبر أزمنة عصر الدول المتتابعة، وامتدادها المكاني.

([208]) عبد الرحيم بن علي المخللاتي (1101-1140ه) شاعر دمشقي عالم بالفرائض والحساب وشاعر وشاح، سلك الدرر 3/6 .

([209]) سلك الدرر 3/27 ، وقد كثرت الموشحات النبوية في هذا العصر.

([210]) ديوان صفي الدين /80 .

[211] ) محمد بن عثمان المنبجي النبوية (1163-1209) عالم وفقيه زاهد : الموشحات / 242 والموشحة في الصفحة نفسها .

([212]) دار الطراز /13 .

([213]) فن التقطيع الشعري /310 .

([214]) أعيان العصر 3/672، ويشبهها في المرجع نفسه 5/67 للشاعر ابن كاتب المرج، ويشبه مجيء الأقفال والأبيات على أربع نغمات ما يسمى «التشريع» وهو بناء البيت على قافيتين يصح المعنى إذا وقفت على كل واحدة منها، ينظر : فن القطيع الشعري ص355، وعلوم البلاغة /340 .

([215]) أمالي الأدب الأندلسي /350 .

([216]) أحياء حلب /411،419 .

([217]) كلمة (الله) هنا لازمة، وقد يراد بها التعجب، أما خبر تكن فمحذوف وتقديره (بعيداً عني) فيما أرى. المؤلفة.

([218]) ديوان الشيخ أمين الجندي /279 .

([219])أبو بكر بن أحمد الهلالي (1069-1183ه) شاعر حلبي: إعلام النبلاء 7/44  .

([220])إعلام النبلاء 7/45-46 .

[221] محمد تراب (ت1264ه)شاعر حلبي له مؤلفات كثيرة : إعلام النبلاء 7/265-271.

([222]) إعلام النبلاء 7/270 .

([223]) ديوان العيدروس/90، ومثلها في المرجع نفسه /91 وفي إعلام النبلاء 4/336 .

([224]) نظام السلسلة في الموشح أوجده ابن سناء الملك حين أضاف جديداً إلى الموشح، وهو جزء ثالث، ويقع عادة بين القفل والبيت، وأقل ما يتكون منه قسيمان بقافية واحدة: فن التقطيع /308. وينظر للمسمطات في هيكل رقم 2 عند الحديث عن المسمطات ص 411  وتشابههما حدا الدارسين أن يقولوا إن المسمطات هي جذور للموشحات، وهو الرأي الذي أخذت به.

([225]) يوسف بن عبد القادر الأسير أديب بليغ من صيدا (1232ه-1307ه) له موشحات ومؤلفات ينظر له في حلية البشر 3/1616 .

([226]) حلية البشر 3/1617-1618 .

([227]) فن التقطيع /310 .

([228]) سراج الدين عمر بن مسعود الملقب بالمحار أو بالكتاني (ت711ه) شاعر وشاح من حماة : أعيان العصر 3/662

([229]) هذا سمط بين أجزاء القفل الستة ولم يأت إلا في المطلع.

([230]) أعيان العصر 3/674، وقد عارضه الصفدي بموشح مثيل له في المرجع نفسه 3/675، وينظر لتعدد الأوزان أيضاً في أعيان العصر 5/60 .

([231]) دار الطراز /13 .

([232]) السلطان إسماعيل المؤيد أبو الفداء كان ملك حماة ، ينظر له في أعيان العصر 1/508 .

([233]) أعيان 1/508 .

([234]) صدر الدين محمد بن عمر مكي شاعر دمشقي (ت716 ه) إمام ومحدث وعالم بالنحو والطب والتفسير والحديث، ينظم الموشحات والبلاليق (شعر عامي) ، أعيان العصر 5/50 .

([235]) المصدر نفسه.

([236]) سنرى عند دراسة أوزان مخترعة أن الفرس كانوا يلتزمون الزحاف ويعدون ذلك بحراً جديداً.

([237]) ديوان الشاب الظريف /354، وينظر لمثلها في ديوانه/353، إذ جاء بموشح على البحر المنسرح (مستفعلن مفعلات مستفعلن) وأضاف تفعيلة (فعلن) في أعجاز الأقفال.

([238]) من كتاب خلاصة الأثر 2/36-37، وديوان الشيخ أمين الجندي /305 .

([239]) الموشحات /435 .

([240]) أمالي الأدب الأندلسي /348 .

([241]) إبراهيم بن علي الأحدب الطرابلسي ولد 1240ه: حلية البشر 1/56

([242]) تلفيق الموشحة هي أن يأتي في آخر كل قفل بنصف بيت من كلام شاعر آخر على سبيل التضمين، وقد اخترع ابن حجة الحموي هذا النوع ثم جاء رشيد الدين العطار فأخذ كل قسيم من شعراء آخرين، وبذلك لا يبقى للشاعر إلا براعة التلفيق، الروض النضر 2/126-129 .

([243]) حلية البشر 1/56، وينظر لمثلها في معارضة الشاعر بدر الدين الغزي (ولد 706ه) لموشحة ابن سناء الملك: في أعيان العصر 2/226 .

([244]) الشاعر الشيخ مصطفى زين الدين الحمصي من حمص (ت 1319ه ) ، حلية البشر 3/1521 .

([245])حلية البشر 3/1529 . وقد رأينا موشحات في المديح النبوي والتصوف، ينظر لذلك ص     .

([246])خلاصة الأثر 1/109 .

([247])ينظر للمواليا في الشافي في العروض والقوافي /281 وفن التقطيع/345 وموسيقى الشعر /118. وسأدرس المواليا لأنها قد تأتي بالفصحى ولن اختار لها إلا الفصيح، وسأترك الزجل وعامة الشعر العامي لأنه يمثل  التفلت من العربية، ويجب ألا نعترف بأي أدب غير فصيح حفاظاً على لغتنا العربية، وإن ادعى بعضهم خلاف ذلك متأثراً بدعوات استعمارية مضللة، ولاسيما أننا في عصر العولمة، إذ تهاجم لغتنا لمصلحة اللغة الإنكليزية، وفي ذلك قضاء على تراثنا العظيم.

([248]) الرحلة الطرابلسية /10، وينظر لمثله باللغة الفصحى في أعيان العصر 1/322 ، والضوء اللامع 5/280 .

([249]) ديوان الشيخ أمين الجندي /441 .

([250]) المصدر نفسه .

([251] )  حسين العشاري (1150-1200ه ) شاعر عراقي : فن التقطيع الشعري /396

([252]) فن التقطيع الشعري /391 .

([253]) معتوق الموسوي شاعر عراقي من القرن الحادي عشر الهجري (1025-1087ه) له ديوان شعر مطبوع من الشعر المسمى بالبند: فن التقطيع الشعري /396 .

([254]) فن التقطيع /400 .

([255]) عبد الرؤوف الجد حفصي نسبة إلى قرية في البحرين تدعى (جد حفص) قريبة من المنامة (1066-1113ه)، كان من أصدقاء الحر العاملي، وكان شاعراً وخطيباً ونحوياً: فن التقطيع الشعري /396-397

([256]) محمد بن الخلفة شاعر من القرن الثالث عشر الهجري، المرجع السابق نفسه.

([257])المرجع السابق نفسه.

([258]) ينظر للبند كله في المرجع نفسه بين /391-402 .

([259]) بناء القصيدة في النقد /169-170 .

([260]) جمعت الأبحر غير الخليلية (الفارسية منها والعربية) فكانت ستةً وثلاثين هي البحر المستطيل، والممتد، والمتوفّر أو المتوافر، المتئد، المنسرد، المطرد، القريب، المشاكل، الجديد (والثلاثة الأخيرة فارسية نظم عليها العرب) والمهمل والغريب، والعميق، العريض، بحر الترانة، المتداول ، الأفضل ، السلسلة، المكفوف: (ينظر أوزان الشعر الفارسي/165-184) .

    وبحر مدق القصار : ينظر الصورة الفنية في النقد الشعري /340، والبحر المتسع، ينظر الحركة الشعرية في حلب في القرن الحادي عشر الهجري/335-336، والتسمية لي، وصار مجموعها مع الأبحر الخليلية ستةً وثلاثين، وسيضاف إليها ما سيذكر من أوزان مخترعة للسلطان المؤيد أبي الفداء وللبهاء زهير وغيرهما من شعراء هذا العصر.

([261]) أوزان الشعر الفارسي /73و258 .

([262]) المصدر نفسه.

([263]) فن التقطيع الشعري /469، وقد وزنته على بحر السلسلة (فعلن فعلاتن مستفعلن فعلاتن) فوجدته ينطبق عليه ولكنه أضيف إلى آخر تفعيلة سبب خفيف فيما يشبه الترفيل، ولكن الترفيل يكون بزيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع، ويدخل متفعلن وفاعلن: الشافي/230 وتفعيلة العروض والضرب هنا ليست من هاتين التفعيلتين وإنما هي (o/o/o//o/) ولا يوجد فيها وتد مجموع، ومن هنا كان تغيير الوزن .

[264] ) أعيان العصر 1/508، وقد ورد الموشحان عند الحديث عن تعدد أوزان الموشحة /446-447

([265])العقص علة تجري مجرى الزحاف وهو خرم (حذف أول الوتد المجموع) يدخل على مفاعلتن المعصوبة المكفوفة (مفاعلتن  مفاعلتُ) في البحر الوافر فتصبح فاعلْتُ وتنقل إلى مفعولُ، الشافي /237.

([266])الخَرْم ويقع في الوافر وهو علة جارية مجرى الزحاف لا تلتزم وتكون بحذف الحرف الأول من الوتد المجموع في أول تفعيلة من أول البيت فتصير مفاعلتن: فاعلتن وتنقل إلى مفتعلن: الشافي /233

([267])النقص ويكون في البحر الوافر وهو من الزحافات ويدخل على الأسباب ويقع في جميع أجزاء البيت، ولا يلتزم ، الشافي /227.

    وبناء على هذا فإن البهاء زهير يعد مخترع هذا الوزن على طريقة الفرس لأنه التزم الزحافات والعلل التي تجري مجرى الزحاف في عدم التزامها، والعرب لا يلتزمون ذلك.

([268]) المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي /365 .

([269]) أعيان العصر /

([270]) فن التقطيع الشعري /469 .

([271]) الحركة الشعرية في حلب في عصر المماليك د.فوزي الهيب /387 .

([272]) الوافي بالوفيات 3/138 .

([273]) در الحبب ج1 قسم 1/350 .

([274]) حسين بن عبد الصمد الحارثي الهمذاني شاعر من القرن العاشر هاجر من لبنان إلى إيران وصار من علمائها، وهو والد البهاء العاملي، ينظر له في بهاء الدين العاملي /19-20 .

([275]) نور الدين ملا بن عبد الرحمن الجامي شاعر إيراني متصوف، وقصيدته فارسية وفيها بعض أبيات عربية: معجم المطبوعات 1/671، وهو جد الشاعر الحلبي الملا أحمد الحصكفي: هدية العارفين 6/64، والزبد والضرب في تاريخ حلب/28 .

([276]) معادن الذهب/291 .

([277]) تكتب تفعيلة(مستفع لن) في الخفيف مركبة من سببين خفيفين بينهما وتد مفروق( o / /o/  o/)أما في البسيط والرجز فتكتب من سببين خفيفين بعدهما وتد مجموع هكذا( o//  o/   o/) وهذا يؤثر على الجوازات. وتأتي فاعلاتن في الخفيف(فاعلن أو فعلن) أما (فَعْلان) ففيها (تشعيث) وهي علة تجري مجرى الزحاف ولا تلتزم، وهي حذف أول الوتد المجموع في فاعلاتن وفيها (قصر) أيضاً، وهو حذف الساكن الأخير وتسكين ما قبله، وهذان لا يردان بصورة ملتزمة، وقد التزم الحارثي ذلك في قصيدته فغدت ذات وزن جديد بالمفهوم الفارسي الذي يلتزم الزحاف، فيكون بذلك بحراً جديداً، وينظر للتشعيث وللقصر في كتاب الشافي /230-238

([278]) سلك الدرر /197 وتراجم الأعيان 9/248 .

([279]) المصدر نفسه.

([280]) سلك الدرر 2/196 .

([281]) ينظر كتابي الحركة الشعرية في حلب في القرن الحادي عشر الهجري /336 .

([282]) ديوان الشيخ أمين الجندي /2،4،411 والشعر من ص293 .

([283]) إبراهيم الهدمة شاعر متصوف من فلسطين من القرن الثاني عشر للهجرة، كان قد زاره عبد الغني النابلسي إبان رحلته إلى الحجاز، له ديوان شعر: الحقيقة والمجاز ص165، والشعر في الصفحة نفسها.

([284]) المصدر نفسه.

([285]) أوزان الشعر الفارسي /165 .

([286]) ديوان العيدروس /123-124 .

([287]) موسيقا الشعر /132 إذ يرى إبراهيم أنيس خطأ أن هذه الأوزان ليست من اختراع الشعراء ولكن من اختراع العروضيين ولذلك قل من ينظم عليها، وأرى خلاف ذلك فقد كثرت الأوزان الجديدة وعورض بعضها ككافية الحارثي وقدود أمين الجندي

([288]) سيكولوجية الإبداع /143 .

([289]) أصول النغم /357 .

([290]) الإقواء هو تغيير حركة الروي برفع وجر في القصيدة الواحدة: الموشح للمرزباني /4 .

([291]) ديوان عبد الجليل الطباطبائي /74 .

([292]) الإيطاء هو تكرار القافية في قصيدة بعد أقل من سبعة أبيات بحيث يكون معنى الكلمتين المكررتين واحداً : الشافي /274 .

([293]) نفح الطيب 1/119، وديوان المقري 1/119 .

([294]) فتح المتعال /536 .

([295]) أصول النغم 347، ويسمى الحرفان المتباعدان إجازة، والمتقاربان إكفاء .

([296]) خطط الشام 2/248 .

([297]) السناد هو اختلاف أرداف القوافي: جرس الألفاظ /237، وسناد الحذو هو الحركة التي تسبق الردف فإن كانت ضمة مع كسرة لم يكن هناك عيب، فإن جاءت الفتحة مع الضمة أو الكسرة فذاك سناد يعاب عليه : الشافي /275 .

([298]) سليمان بن إبراهيم قاض يعرف بابن كاتب قراسنقر مصر: أعيان العصر 2/413 .

([299]) المصدر نفسه.

([300]) إعلام النبلاء 6/438 .

([301]) إعلام 6/284 .

([302]) أعيان العصر 2/418 .

([303]) ديوان رفاعة الطهطاوي /141 ,

([304]) طلوح سعد السعود 1/317 ، وينظر لمثلها في لبنان  في عهد الأمراء  / 358 و516   .

وسوم: العدد 670