محمد البشير الإبراهيمي من خلال الشعر الملحون في الجزائر

clip_image002_b0981.jpg

في جلسة واحدة، وأنا أنتظر أكبر الأبناء من الانتهاء من إجتياز إمتحان البكالوريا، أنهيت قراءة كتاب " التراث الشعبي والشعر الملحون في الجزائر "، لإمام البيان محمد البشير الإبراهيمي، تحقيق الأستاذ عثمان سعدي، دار الأمة، الجزائر، الطبعة الأولى 2010، من 59 صفحة.

ميزة الكتاب أن أمير البيان محمد البشير الإبراهيمي الإبراهيمي رحمة الله عليه أملاه من حفظه العجيب في الخمسينات من القرن الماضي. فالمتحدث عن الشعر الملحون ليس من الهواة الذي لايفقه في اللغة والشعر، بل هو أمير البيان الذي أنجبت منه الأمة القليل جدا في فصاحة اللسان، وبلاغة العرب.

جاء في صفحة 9، أن الأدب العربي قبل الإسلام هو أساس لجميع الأطوار التي مرّ بها الأدب العربي إلى الآن. والأدب كالكائنات الحية كلها تتأثر بالزمان، والأدب فرع من الحياة.

ويرسم أهمية الأدب العربي وقيمته، فيقول في صفحتي 17-19، أن الملوك والوزراء، كانوا يتمنون لو يذكرهم المتنبي ببيت واحد، لعظم مكانته وتأثيره البالغ. لكنه رفض أن يمدح غير سيف الدولة، لما إتّسم به من خصال الفروسية والشجاعة. ورفض المتنبي مدح الوزير المهلبي، لما عرف عن مجلسه من خمر وشذوذ.

وذكر في صفحة 21، أن الموشحات التي إبتكرها العرب في الأندلس، لم تفقد خصائص الشعر العربي شيئا ذا بال. فالجرس الموسيقي الذي هو جمال الشعر لانقص فيه.

ويقول في صفحتي 22-23، أنه بعد سقوط الأندلس تهافت الناس على الشعر العامي على يد الداخلين إلى المغرب العربي، الذين يمتازون بالفصاحة التي ورثوها عن بني هلال. والشاعر حين لايستطيع التحكم في قواعد اللغة العربية، يتجه للشعر العامي ليفهمه عامة الناس. مع التذكير أن شعراء العامية كانوا أئمة الشعر الفصيح، كعبد ربه.

ويرى في صفحة 24، أن الموهبة الشعرية توجد في الشعر الفصيح والعامي. وقد يكون المرء أميا لايقرأ ولا يكتب لكن شاعريته لاتتعطل، فينظم الشعر باللغة التي يفهمها. والشعر العامي لون من ألوان الشعر التي تختلج فيه الأفكار. واللغات العامية لاتسمو إلى اللغة الفصحى. وقد سمعنا في بعض الشعر العامي بالجزائر أبياتا لاتقل روعة في التصوير عن مثيلاتها في الشعر الفصيح.

ويقول في صفحة 25، أن من عيوب الشعر الملحون أنه شعر إقليمي، يقصر فهمه على أهله دون غيره. بل إن البشير الإبراهيمي يرى أن لكل إقليم من أقاليم الجزائر، شعر ملحون خاص بها لايفهمه الإقليم الآخر، مايجعله حبيس الإقليم الذي نشأ فيه، أو الإقليم الذي يقاسمه نفس الطابع والميزات. ويرى أن من العيوب التي تعتري شعراء الشعر الملحون ، أنهم لم يدونوه كالشعر الفصيح، رغم أنه يحتوي على بدائع لايليق بها الإهمال، خاصة وأن الشعر العامي  في الجزائر يشتمل على أغراض الشعر الفصيح، وفي المواضيع التي يتناولها.

وفي صفحتي 26-27، يقول أن أغلب الشعر العامي في الجزائر حول المديح النبوي، ومدح الأولياء والصالحين. وكانوا يستغلون قطار الحج القادم من المغرب، وعابرا الجزائر، وتونس ، ومصر للإبداع في الشعر الملحون، والتغني بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبكاء شوقا لزيارة البقاع.

ويذكر في صفحة 28، أن الجزائر لم تخل في عصر من العصور من الأدب الصحيح الفصيح، وهناك مدنا جزائرية شدّت لها الرحال، ويزورها أكابر العلماء الأندلسيين والأدباء العظام إما للرحلة أوالاطلاع أوقصد ملوك تلك الدول، وإما لقصد الحج، فيتلقاه أهلها بالترحاب ويسكنونه عندهم سنة أو سنوات حتى يقول جميع ماعنده من علم وأدب كما صنع أهل بجاية  بعبد الحق الأشبيلي.

ويقول في صفحة 30، أن الأدب العربي الحر لم ينقطع سنده من مدن العلم الشهيرة وفي ظل دولتها العتيدة التي إزدهرت الفنون والصنائع في زمنها. وكانت الآداب تعلو وتنحط تبعا لقوة الدولة وازدهار الحضارة.

ويتحدث عن عظمة الجزائر، فيقول في صفحة 32 أن الإمام المصري ابن دقيق العيد الذي كان معتنيا بكتابة شعر ابن خميس التلمساني وروايته، وأنه لايقدم عليه أحد من شعراء الشرق، وقد آلى على نفسه ألا ينشد ابن خميس معروفة إلا قائما إجلالا لشاعريته الفياضة وبلاغته.

وعن أسباب عدم التدوين، يقول في صفحتي 32-33.. لم يدون الشعر العامي، لأنه لايصور إلا النزعات الإقليمية والمفاخرات الشعبية، كالغزل العامي والمدح والهجاء ، وهذه إعتبارات محلية. والناس تميل للشعر العامي لسهولته وبساطته، وعدم إستطاعتهم فهم الشعر الفصيح.

ويقول في صفحتي 34-36، أنه نشأ في الأقاليم الجزائرية شعراء مجيدون في نظم الشعر العامي في القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجريين. واشتهر الإقليم الوهراني في المائة التاسعة الهجرية جماعة من فحول الشعراء من هذا النوع يتقدمهم الشيخ الأخضر بن خلوف المستغانمي المتوفي سنة 1024 هـ، ومصطفى بن إبراهيم ، وبوعلام السجاري وسعيد المنداسي.

واشتهرت الأقاليم القسنطينية بمدح النبوي والتشوق إلى زيارته والتوسل به ووصف بعض مغازيه وأصحابه وأولهم سيّدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم وأرضاهم. ومنهم محمد بن السنوسي وبعده محمد الشلالي وآخرون. ويتأسف إمام البيان بكون هؤلاء الشعراء الكبار، إقتصروا على رواية العر العامي ثم زال واندثر.

ويرى في صفحات 37-42، أن كل إقليم جزائري يمتاز عن الآخر بشعر له خصائص تميّزه عن غيره ويمتاز بها، منها..

يعتمد الشعر القسنطيني العامي على مخاطبة الناس والفرس، وتبليغه الأمانة، ورثاء حاله، ويستنطقون الفرس  كأنه  ناطق.

ويعتمد النوع الثاني من الشعر العامي على مخاطبة الڤمري وهو ذكر الحمام، ويخاطبونه مخاطبة العاقل للعاقل، ويكلفونه بحمل الرسالة للمحبوب، ويوصونه باليقظة، وينتظرون منه الإجابة بشوق.

والشعر العامي الوهراني لايعتمد على الحمام التي تحتوي على الأمثال.

ويمتاز النوع الثالث من الشعر العامي، بكونهم يكلفون الڤمري بتبليغ الرسالة إلى الأولياء والصالحين، كسيّدنا عبد القادر الكيلاني.

وهناك نوع آخر من الشعر العامي في الجزائر، يحتوي على الحكم ويشبه إلى حد كبير الشعر الفصيح. وهذا النوع من الشعر الملحون يتساوى فيه شعراء الملحون في كافة الأقطار المغربية كلها، وهو متناقل لأنه مفهوم عند الناس كلهم. وللتدليل على ذلك شعر سيدي عبد الرحمن المجذوب، وكيف إنتشر شعره بسهولة في الجزائر، وتونس، ومراكش. 

وعبر صفحات 45 – 58، قدّم أمير البيان نصوصا للشعر العامي لشعراء جزائريين، منهم..

محمد بن يوسف الخالدي الجلاّبي، عبد الله بن كريو الأغواطي، محمد السماتي الجلاّبي، والشيخ بن يوسف، وابن السنوسي الديسي، وشعراء الجلفة، وشعراء الإقليم الوهراني، وعلي بن الحفصي.

يستحسن جميع الشعراء بدأ شعر المديح بالبسملة والحمدلة والتصلية مثل المتون العلمية المعروفة سواء بسواء.

وبما أن الشعر الملحون غير مدون، يصعب التعامل معه. والحافظون له يسترزقون به، وينشدون مايوافق هوى العامة كمدائح سيدي عبد القادر الكيلاني، والمغازي النبوية.

وكان شعراء الملحون يقع بينهم من مساجلات كما يقع بين شعراء الفصيح، وكانوا يرتجلون الشعر من غير أن تختل القافية.

وسوم: العدد 671