الاتجاه الإسلامي في شعر زاهر عواض الألمعي

clip_image002_82121.jpg

نشأة الشاعر وحياته:

هو الشاعر الدكتور زاهر عواض الألمعي، من الشعراء الإسلاميين من مدينة رجال ألمع بمنطقة عسير في جنوب المملكة العربية السعودية، ولد عام "1353هـ"/ 1935م.

وفي مقتبل شبابه انخرط جنديا في سلك الخدمة العسكرية "بجازان" عام "1371هـ"، ومن خلال عمله كان يواصل دراسته عند بعض المشايخ في جازان، وخاصة بعد فراغه من العمل اليومي.

دراسته ومراحل تعليمه :

وفي عام "1376هـ" استقال من الجندية ليلتحق بمعهد "شقراء العلمي" ليكون طالبًا في عام "1377هـ".

وبعد أن استكمل دراسته في المعهد العلمي التحق بكلية "العلوم الشرعية" بالرياض.

وحينما تخرج من الكلية انتدب للتدريس "بمعهد أبها العلمي" في عام "1389هـ"، ثم ارتقى مديرًا "لمعهد نجران العلمي" في عام 1385هـ".

وفي زحام الحياة والعمل حصل على "الليسانس" من "كلية الشريعة" بالرياض في عام "1386هـ" .

ثم حصل على "الماجستير" من كلية "أصول الدين" بجامعة الأزهر في عام "1389هـ".

وبعد حصوله على "الماجستير" عُيِّنَ أستاذًا بكلية "العلوم الشرعية" خلال عامي "91-1392هـ".

 وفي أثناء ذلك حصل على درجة "الدكتوراة" من كلية "أصول الدين" جامعة الأزهر.

أعماله :

بدأ حياته الوظيفية في الجندية, ثم انتقل إلى التدريس بمعهد أبها العلمي, ثم عمل مديراً لمعهد نجران, ثم مدرساً بكلية الشريعة بالرياض, ثم عميداً لشؤون المكتبات لمدة ست سنوات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, ثم أستاذاً للدراسات العليا بكلية أصول الدين في الجامعة نفسها, وآخر المناصب التي تقلدها عميد كلية الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود بأبها.

عضو لجنة الشؤون الإسلامية بمجلس الشورى.

شارك في الكثير من المؤتمرات المحلية والعربية.

أحيا العديد من الأمسيات الشعرية في المغرب, والإمارات العربية, والعديد من المدن السعودية.

مؤلفاته :

والشاعر زاهر له مؤلفات مطبوعة ومخطوطة، منها:

 1-كتاب "مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت جحش"

2-"مداخل الأصول الفقهية"

3- "أصحاب الأخدود"

4- "مناهج الجدل في القرآن الكريم .

5-دراسات في التفسير الموضوعي للقرآن

6- رحلة الثلاثين عاما (سيرة ذاتية)

7- مع الشباب في تنمية القدرات والمواهب.

8-وفي عام 1391هـ" صدر له الديوان الأول "الألمعيات" في حجم متوسط، 156 صفحة، طبع دار القلم في بيروت، وقدم له الأستاذ عبد العزيز الرفاعي. الطائف في 4/ 6/ 1391هـ.

9-وفي عام "1400هـ" صدر له الديوان الثاني "على درب الجهاد" في حجم متوسط 220 صفحة، مطابع الفرزدق التجارية بالمملكة العربية السعودية.

يقول الأستاذ عبد العزيز الرفاعي في تقديم الشاعر: صاحب هذا الديوان عصامية متجددة، بدأ حياته من أول درجات السلم، ثم أخذ يتدرج صعدًا كلما ارتقى درجة حفزته نفسه الطموح إلى أخرى أعلى، فاندفع وفي نفسه مضاء وعزم وأمامه هدف، ولا أدلّ على ذلك من ترجمة حياته المثبتة في هذا الديوان فهو يبدأ حياة الكفاح جنديًّا في أول سلم الجندية، ثم يأخذ في الارتقاء لا في سلم الجندية، فقد غادرها إلى حياة التعليم والتعليم، لكنه لم يفقد روح الجندي عزيمة وتصميمًا وتطلعًا إلى مرتبة أعلى1.  مقدمة ديوان الألمعيات.

ويقول الشاعر في تصدير الديوان الثاني: هذا هو ديواني الثاني يضم بين دفتيه عشرين قصيدة، حروفها نبض قلب يعتصره الألم لما عليه حال أمتنا الإسلامية، ومعانيها ومض فكر تؤرقه هموم الأجيال المسلمة التي ترنو إلى تحرير أرض الإسلام من قبضة الأعداء، وتطبيق شرع الله في جميع الأرجاء.. وهي في مجموعها مرآة تعكس ما يعتلج في قلوب بني العروبة والإسلام من آلام وآمال، وما يتطلع إليه أجيالها من حسن مآل2. على درب الجهاد: ص5.

نشر العديد من قصائده في الدوريات السعودية والعربية .

10- مع نفحات الصبا 1406هـ .

ممن كتبوا عنه:

علي علي مصطفى صبح.

عنوانه: مجلس الشورى - ص.ب 63393 الرياض 11516 - المملكة العربية السعودية.

الأغراض الأدبية:

تعددت الأغراض الأدبية في شعر زاهر، وإن غلب على الديوان الثاني "على درب الجهاد" الشعر الإسلامي، واحتلَّ هذا الغرض مكان الصدارة من شعره كله، ثم تأتي أغراض أخرى دونه من أهمها شعر القوميات والوطنيات، وشعر الطبيعة، والرثاء، والمدح، وشعر الحضارة.

وهذه الأغراض الأدبية منها ما هو قديم سبقه إليها الفحول من الشعراء القدامى، ومنها الجديد الذي تجاوب له الشاعر مع قضايا عصره، وعالمه الإسلامي والعربي، أو كان الغرض صدى لواقع البيئة التي يعيشها الشاعر في عالمه المعاصر، وسأوضح ذلك عند تناول كل غرض أدبي على حدة في مكانه بإذن الله تعالى.

أولًا: الشعر الإسلامي :

هو الغرض الأدبي الغالب على فنه الأدبي، وسيطر على عطاء الشاعر في كل مناسبة إسلامية، أو قومية، أو وطنية، فالمناسبات كانت من أهم الدوافع، التي جعلت الشاعر من الشعراء الملتزمين في الشعر السعودي خاصة والإسلامي بصفة عامة، وهناك دوافع أخرى تقف من وراء هذا الدافع وهي:

1- روح الجندية والعسكرية التي بدأ بها حياته العملية قبل أن يكون طالبًا للعلم، فأحيت في نفسه غريزة الحث على الجهاد في سبيل الإسلام والمسلمين.

2- حضور مؤتمرات الحجيج في منى وغيرها، وخاصَّة في الحفل الذي يقيمه جلالة الملك سنويًّا في "منى"، فينتهز الشاعر هذه الفرصة ليعبِّر عن مشاعره الإسلامية في هذا الموكب العظيم الذي يفجر المشاعر عند كل مسلم، ويحرك الأحاسيس، ويلهب العواطف الجياشة، ويهز الوجدان والضمير نحو التضحية والفداء في سبيل الإسلام والمسلمين.

3- تخصصه العلمي والعملي في حياته العملية، فقد حصل على أعلى درجة علمية، وهي "الدكتوراه" في الشريعة الإسلامية، وعمل أستاذًا في كلية "العلوم الشرعية"، ثم عميدًا لشئون المكتبات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

4- التحدي السافر من تكاتف الصليبية المسيحية مع الصهيونية العالمية أعداء الإسلام

ضد المسلمين وعقيدتهم، مما أدَّى إلى السيطرة على أراضيهم واستغلال أموالهم واحتلال القدس الشريف، فانطلق الشاعر يحث الأمة الإسلامية على التضامن في سبيل التحرير الكامل للقدس الشريف والأراضي الإسلامية العربية.

والشعر الإسلامي يضمَّ هذه القصائد في ديوانه "الألمعيات" منها قصيدة "مؤتمر الحج الأكبر ص33، 38" ألقاها الشاعر في الحفل السنوي الذي أقامه جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز تكريمًا لحجَّاج بيت الله الحرام في "منى" 11/ 12/ 1389هـ، وقصيدة "من رحاب الله ص39، 48" ألقيت في الحفل السنوي الذي أقامه جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز تكريمًا لحجاج بيت الله الحرام "بمنى" في 11/ 12/ 1390هـ، وقصيدة "جحافل المجد ص54، 56" ألقيت في الحفل الثقافي، الذي أقيم في "معهد شقراء العلمي" في 13/ 6/ 1378هـ، وقصيدة "دولة الإسلام في ماضيها المجيد ص72، 76"، ألقيت في حفل كبير "بمعهد أبها العلمي" في 18/ 7/ 1384 هـ.

أما قصيدة "من ربا أم القرى ص82، 87"، ألقيت في الحفل السنوي الذي أقامه جلالة الملك "فيصل بن عبد العزيز" تكريمًا لحجاج بيت الله الحرام في "منى" في 11/ 12/ 1388هـ، وقصيدة "تحية المعهد ص91، 92" أنشدها الشاعر عندما زار أحد المعاهد العلمية، فأعجب بشبابه النابهين، ولمس فيهم الطموح، فحيَّا المعهد بها، وقصيدة "نجدة الإسلام ص108، 112" ألقيت في حفل ثقافي كبير "بمعهد شقراء العلمي"، حضره عدد من رجال التربية والتعليم، وقصيدة "وحدة العرب ص131، 135" ألقيت في حفل ثقافي كبير أقامه "معهد أبها العلمي" عام 1383هـ.

أما الشعر الإسلامي في ديوانه "على درب الجهاد"2 فقد اشتمل على قصائد منها:

 قصيدة "عودي إلى درب الجهاد ص9، 17" ألقاها الشاعر في "منى" عام 1399هـ، يناشد فيها ليلاه العودة إلى أصالتها، ويحذرها من كيد أعدائها المتربصين بها، ولا يرى لها انفكاكًا عن دينها ووحدتها؛ لأنها معدن التضحية والفداء، ويناشد المسلمين نبذ الفرقة والخلاف وتحرير المسجد الأقصى، وقصيدة "في رحاب البيت ص19، 25" ألقيت في موسم الحج "بمنى" لعام 1394هـ انطلاقًا لما يجيش في صدر الشاعر من حب لبيت الله الحرام، تتجلَّى في وصف المشاعر المقدسة ومواكب الحجيج، وقصيدة "مشاعر الإلهام ص27، 37" ألقاها الشاعر في مؤتمر الأدباء بمكة المكرمة عام 1394هـ بدأها بمطلع غزلي.

عفيف، ثم يشيد بالرسول الأعظم ورسالته الخالدة، والقصيدة تعكس معاني الحب الصادقة في قلب الشاعر.

أما قصيدة "وحدة العرب ص39، 46"، وهي في تصور الشاعر تختلف عن المفاهيم القومية الضيفة، فيوضِّح الأسس التي يمكن أن تقوم عليها هذه الوحدة، لتلتقي مع الوحدة الإسلامية الشاملة، فواقع الأمة الراهن من أهم ما يشغله، والقصيدة تعكس جانبًا كبيرًا من الدعوة إلى الوحدة والاهتمام بها، وقصيدة "ضيوف الرحمن ص75، 82" ألقيت في "منى" عام 1394هـ لإيقاظ مشاعر الحجاج حول قضايا الساعة، والإشادة بأبطال الإسلام، ومنهم المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز -طيَّب الله ثراه، فقد خصه بأكبر جزء من القصيدة.

وأما قصيدة "في ربا الحرمين ص95، 105" ألقاها الشاعر في منى عام 1395هـ، يصور فيها أثر فرقة المسلمين واختلافهم فيما بينهم من المآسي التي تحز في قلب الشاعر، فيحثّ المسلمين على التمسك بأهداب الشرع الشريف، ويحضهم على نبذ الفرقة والخلاف، وذلك في الحفل الذي يقيمه جلالة الملك سنويًّا "بمنى"، وقصيدة "دعوة الحق ص117، 129" يبتهل فيها الشاعر إلى الله تعالى أن يوقظ أمة الإسلام، ويلم شعثها على الكتاب والسنة، وعلى اقتفاء آثار الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين في الجهاد في سبيل نصرة الإسلام ورفع رايته، ولم ينس كعادته أن يذكر المسلمين بما يحيط بهم من أخطار تتهددهم، وتهدد عقيدتهم وكيانهم، وقصيدة "فجع الأيام ص131، 140"، يرثي فيها الشاعر فقيد العروبة والإسلام الملك فيصل ابن عبد العزيز -طيَّب الله ثراه، ويشيد بآثاره ومناقبه التي قدمها في خدمة الإسلام والمسلمين في كل قطر، ويهيب بالزعماء أن يقتفوا أثره في مواقفه الإسلامية والسياسية الرائعة.

وأما قصيدة "في مشاعر الحج ص141، 157" ألقاها الشاعر في "منى" عام 1391 هـ، يهيب فيها بالمسلمين لنصرة دين الله وإحياء شريعته، ومحاربة الفساد والإلحاد في كل قطر من أقطار المسلمين، ويذكرهم بما يجري في المسجد الأقصى من عبث وفساد الصهاينة، كما يذكرهم بما جرى للدولة الإسلامية الشقيقة "باكستان" من الغزو الوثني الذي دبره أعداؤها، وعاضده الكفار الملاحدة، وما يجري على مسلمي "زنجبار" و"الفلبين" من التنكيل العنصري، والاضطهاد الصليبي، وكذلك من "قصيدة في حرب رمضان ص159، 166" ألقاها الشاعر في "مكة المكرمة" عام 1393هـ، وتحطيمه لخط "بارليف" ويحث المسلمين كعادته على استعادة القدس الشريف، وتحريره من احتلال أعداء الإنسانية "اليهود".

وأما قصيدة "رسالة الإسلام الخالدة ص167، 177" ألقاها الشاعر على جموع.

الحجيج لبيت الله الحرام في الحفل الذي يقيمه جلالة الملك في كل عام، وأشاد في هذه القصيدة بعظمة الإسلام ومجده وفتوحاته العظمى، وقهره للفرس والرومان أغنى دول العالم في فجر الإسلام، كما أشاد بانتصارات المسلمين في "حطين" و"ذات الصواري"، وحثَّ المسلمين على استعادة مجد الآباء والأجداد من أبطال الإسلام، وقصيدة "يا قادة الإسلام ص 87، 196" ألقاها الشاعر في "منى" عام 1398هـ على وفود الحجيج، يشيد فيها بجهود وجهاد الرسول الأعظم محمد -صلى الله عليه وسلم- والسابقين الأولين، ويحثُّ صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز للعمل على لَمِّ شعث العرب، وتوحيدهم تحت راية الإسلام لإنقاذ القدس الشريف.

وأما قصيدة "رحاب القدس ص197، 205"، وهذه القصيدة تشغل بال الشاعر، فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائده دون تعريج على القدس، ودعوة المسلمين لتحريرها، ولكنه لا يرى مع النزعات القومية والأحزاب المتصارعة بارقة أمل لتحرير المسجد الأقصى، ولا يرى سبيلًا لتحريره إلا بالعودة إلى الإسلام، واجتماع الكلمة على منهج الله العادل، وقصيدة "شريعة الله" أنشدها الشاعر في الرياض عام 1393هـ، يوضح فيها أن شريعة الله هي البلسم الشافي لكل أمراض الشعوب، والمنهج الوافي لجميع شئون الحياة تربية ونظامًا ووسيلة وغاية، وفي هذه القصيدة وصف لشريعة الله بأصولها من توحيد وعبادات ومعاملات وحدود، وختمها الشاعر ببعض التأملات في هذا الملكوت العريض والتدبر في إبداعه.

أولًا: الخصائص الفنية للشعر الإسلامي :

تميز الشعر الإسلامي عند زاهر بخصائص فنية، منها طريقته في منهج القصيدة، فأحيانًا تتجرَّد القصيدة للشعر الإسلامي بلا مقدمات غزلية، فتخلص له من مطلعها إلى نهايتها، وخاصة في ديوانه الأول "الألمعيات"، فقد خلت كل القصائد الإسلامية فيه من المقدمات الغزلية، مثل قصيدة "مؤتمر الحج الأكبر" ومطلعها:

أرب البيت عفوك والمتابا ...          وألهمنا بعزتك الصوابا

وألبسنا بفضلك تاج نصر ...   إذا سقنا إلى "الأقصى" ركابا

فقد خشعت جوانح كل فرد ...        وأحنينا لعزتك الرقابا

وفي البيت العتيق علا هتاف ...       يناشدك المثوبة والمتابا

وقد عبق الأريج وكان مسكا ... وعم البقاع واعتنق السحابا

إلى قوله:

"أموتمر الحجيج" سموت نهجًا ... وذللت المتاعب والصعابا

ولبيت النداء بكل فج ...        وأديت المناسك مستجابا

وفي نبرات صوتك ذكريات ...   أعادت في ضمائرنا الشبابا

وقد هزت مشاعر كل فرد ...    يريد المجد أو يهوى الطلابا

لأنَّا أمة عاشت لمجد ...          وتحمي صفوه من أن يشابا

وإن بدرت بواعث كل شر ...     نصبنا في مسالكها الحرابا

ففي "اليرموك" أذكينا ضرامًا ...     وسيف الله لا يأوى قرابا

وقد أزجى بوادي النيل عمرو ... جنودًا تعشق الموت احتسابا

وفي "البسفور" غارات وزحف . طوى فيه "ابن عباس" الصعابا

ودان الرافدان لجيش "سعد" ...  وقد جاب المشارف والرحابا

وفي مدريد طافتها ليوث ...       ودقت حصنها العاتي فذابا

ونادى "طارق" أسمى نفير ...      وقد قطع البحار به وجابا

بني الإسلام هل حان اعتصام ...    بحبل الله لا نخشى غلابا

ونمضي في ركاب المجد زحفًا ...        به تعلو صوارمنا الرقابا

ومن عشق البطولة وهوشهم ...  أماط العار واخترق الصعابا

فبالإقدام نبني كل مجد ...   و "شوقي" حين أنشد قد أصابا

"وما استعصى على قوم منال ... إذا الإقدام كان لهم ركابا

ثم يحث المسلمين إلى الجهاد في سبيل المسجد الأقصى فيقول:

فإن رمتم زوال الضيم فاسعوا ... إلى سبل الوغي أسدًا غضابا

فذاك "المسجد" الأقصى" رهين ... وقد كنتم له سورًا مهابًا - الألمعيات: 33/ 38.

وهكذا يمضي في أبيات كثيرة حين ينادي حامي حمى الإسلام الملك فيصل بن عبد العزيز في مواقفه التاريخية فيقول:

فيا حامي حمى الإسلام جرد ... سيوف الله تلتهب التهابا

وقدنا في ملاحم ضاربات ... فأنت القائد الأعلى جنابا

فقد ناديت للأقصى شعوبًا ... وكان دعاؤك الأسمى مجابا

فإن تسبق إلى الأقصى ركاب ... فإن "لفيصل" منها ركابا

فدم يا فيصل الإسلام ذخرًا ... زعيمًا في الورى بطلًا مهابا

وفي أسمى الذرى تبني بعزم ... صروح المجد مؤتلقًا مثابًا

والقصيدة طويلة جدًّا اقتصرت على بعض أبيات في المطلع والوسط والخاتمة، ومن خلالها يصور الشاعر أمجاد الإسلام وبطولاته وتشريعاته وحضارته، ثم بحث على الجهاد ومواصلة الكفاح للحفاظ على تراثه المجيد وحضارته العريقة، وعلى تحرير الأرض المغتصبة، والمسجد الأقصى، وغيرها من المعاني والخواطر التي دارت حول الغرض منها بلا مقدمات غزلية، وبلا خروج عن موضوع الغرض العام، وهو "مؤتمر الحج" الذي فجر تجربة الشاعر الشعورية بهذه الخواطر المختلفة، والتي تتآخَّى جوانبه ومشاعره فيه، وتتلاحم هذه المعاني الكثيرة مع ما يوحي به مؤتمر الحجيج؛ لأن موضوع عام تدخل فيه هذه الجوانب كلها، ولم يقتصر الشاعر على جزئية واحدة فقط؛ لأنه يناشد مؤتمر الحجيج من جميع بقاع العالم الإسلامي، وهذه الجوانب تتناسب معه، ولا تخرج عن موضوعه.

واستجاب الوزن والقافية فيها للمعاني والأفكار التي تلاحمت مع الغرض؛ لأن مظاهر تأثر زاهر بقصيدة "المولد النبوي الشريف" لأمير الشعراء واضحة في هذه الجوانب، ولذلك انسابت أفكاره ومعانيه مع الوزن والقافية انسياب الماء الزلال بلا تكلف أو تعمل، ولكن في ثورة شاعرية متدفقة في انثيال الألفاظ ومطاوعة الأساليب، لتصويره الأدبي الرائع الذي يتسارع إلى الذهن فلا يتعثر في الفهم، وتنفتح منافذ العقل والقلب معًا، بل استجابة القارئ لشعره تسير مع القراءة أو السماع جنبًا إلى جنب، وانظر كيف انسابت بعض الأفكار والمعاني والأبيات لشوقي في قصيدة الشاعر زاهر بلا استذان كما في قوله:

فبالإقدام نبني كل مجد ... وشوقي حين أنشد قد أصابا

وما استعصى على قوم منال ... إذا الأقدام كان لهم ركابا

وليس معنى ذلك أنه قد عارض شوقيًّا في كل المعاني والأفكار والصور، ولكنه بلا شك قد ظهرت شخصيته في معانٍ كثيرة اقتضاها الغرض؛ لأن قصيدة شوقي في المولد النبوي الشريف، وقصيدة زاهر في موضوع آخر يختلف عن غرض الشاعر، وهما يفترقان في معان وصور كثيرة.

وشاعرنا يتأثر بأمير الشعراء في بعض المعاني والصور، بالإضافة إلى الإيقاع الموسيقي والوزن، أما التأثر بكلمات القافية فهذا أمر طبيعي ما دام البحر واحدًا والروي واحدًا.

ونرى الشاعر في هذه القصيدة تسيطر عليه بعض الألفاظ النثرية الخطابية، مثل لفظ "قد"، فقد كررها ما يقرب من عشرين مرة، وليس هذا من حقل الألفاظ الشعرية؛ لأن للشعر ألفاظه وللنثر ألفاظه، واستعمالها مع الفعل الماضي هنا يجمد الحدث في التصوير ليحقق الوقوع في الماضي بلا استمرار وتجدد، وهذا لا يتناسب مع الحيوية والحركة التي هي من عناصر الصورة الشعرية، وإلَّا تجمدت وتحجَّرت، واستعمال الفعل الماضي وحده من غير قد في الشعر لا يلتزم

جمود الحدث ووقوعه في الماضي، بل يوحي بالتجدد والحركة، وتأمل معي الفرق في الاستعمالين عند الشاعر، مثل قوله: "وقد هزَّت مشاعر كل فرد" فدلَّ على وقوع الهزة في الماضي فقط بلا إيحاء الاستمرار، أما قوله بعده مباشرة "لأنَّا أمة عاشت لمجد" فدلالة الماضي على وقوع الحدث فيه أو حتى الصورة فيه مع ذلك بالاستمرار والحركة المتجددة والمعنى فلا تزال أمة الإسلام تعيش لمجد، على حد قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} 1 والمراد والله أعلم: سيأتي أمر الله بقيام الساعة، مع أنَّ التعبير بلفظ "لأنَّ" يتجافى مع طبيعة الشعر التي تنأى عن التعديل والتدليل، وإنما يتناسب مع الأسلوب العلمي الذي يقوم على ذلك.

وحدة العرب :

ويقول زاهر في قصيدة "وحدة العرب" ومطلعها2:

من معهد العلم شمــــــــــــــــــــــاخة القمم ...  من منبت العز من دوامة الكرم

من قلب "أبها" وقد حفت جوانبها ... بالعلم بالصيد أبطال ذوي شمم

صوت يدوي له في الأفق جلجلة ...  يمتد في الأفق من وهاجة الضرم

قلبي جريح لداء العرب ملتهب ...   وعلة القوم أدهى من أذى السقم

ما للزعازع تجري في مواكبهم ...         تحثو السموم بداء قاتل عمم

ومنها:

لا مجد للعرب ما دامت أكفهموا ... في كل أمر تنادي هيئة الأمم

يا أيها العرب أحيوا نهج شرعتكم ...   من طارف المجد ومن تالد الكرم

وبرهنوا للملأ أهداف وحدتكم ...   حتى تمــــــــــــــــــــــاسك بالحافات واللجم

أما البناء على الفوضى بدون هدى ... فقد سئمنا فضول القول والكلم

فهل لكم وحدة تبني على أسس ...   من العــــــــــــــــــــدالة والإسلام والحكم

من منبع النور تستسقي مشاربها ...لا من بني الغرب في العادات والنظم

أقولها من هنا شماء ناصــــــــــــــــــــــــــعة ...   بالدين نرعى مـــــــــــــــقام العدل والذمم

لا وحدة اليوم ما دامت منكسة ...   معـــــــــــــالم الدين بين العرب والعجم

الدين منطلق الإصلاح منبلج ...        بفجره الســــــــــــــــــــــــاطع البناء للأمم

يا قوم نادوا شعوبا عاثها دول ...      أن ليس هذا من الأخلاق والشيم

أيدي الكريم إذا الإذلال نازعها ...         تفتر أسيـــــــــــــــــافها مخضوبة بدم

تأبى الأشاوش أن يحتل معقلها ...        وأن تلين لبطش الغاصب العرم

فأيقظوا الوعي من كابوس غفلته ...        بزاجر من ذوي الأمجاد محتدم

إن المبادئ والأخلاق سنتها ...          تبني الشعوب وترعى حرمة الأمم - الألمعيات: ص131/ 135.

وهذه الأبيات مقتطفات من القصيدة الطويلة التي تقوم على غرض واحد، تتجه معانيها كلها إلى موضوع واحد وهو "وحدة العرب" التي صورها الشاعر بمفهوم واسع، لا يقتصر على الجنس العربي فقط، وإلا كانت قاصرة في مفهومها وأبعادها وغايتها النبيلة الشاملة، وإنما المقصود من الوحدة العربية في تصويره الأدبي هي الوحدة الإسلامية الشاملة، وهي مطلب كل مسلم، وإن كانت الوحدة العربية هي الجسر القوي الذي يعبر عليه المسلمون في جميع أنحاء العالم لتحقيق الوحدة للأمة الإسلامية، على أنَّ لغة القرآن والإسلام هي اللغة العربية، فكل من يتكلم العربية فهو عربي ولو كان ذلك من خلال القرآن أو الصلاة.

والوحدة الإسلامية -لا العربية- هي التي تقف شامخة كما كانت قديمًا أمام أعداء الإسلام؛ لأنها تقوم على المساواة والعدل والإخاء والاصلاح والأخلاق، وغيرها من مقومات التشريع الإسلامي الذي يصلح لكل زمان ومكان، ولا يتحقق مثل ذلك من خلال وحدة الجنس مهما كان هذا الجنس البشري ملتزمًا بقيمه الخاصة لا بقيم الإسلام.

ودائمًا ينشد الشاعر الوحدة العربية بهذا المفهوم الواسع، فقد أنشد قصيدة أخرى بنفس الموضوع والغرض "وحدة العرب" في ديوانه الثاني "على درب الجهاد" ومطلعها1:

من دوحة المجد شماخة القمم ...       مـــــــــــن منبت العز خفاقة العلم

نادى المنادي إلى الإيمان فاستبقوا ... وأســـــــــوا جراح أسيرتاه في الظلم

قلبي جريح بداء العرب ملتهب ... وفتنة القوم أدهى من أذى السقم

ومنها:

لا مجد للعرب ما دامت حناجرهم ...     في كل أمر تنادي هيئة الأمم

يا أيها العرب أحيوا نهج شرعتكم ...   من طارف العز أو من تالد الكرم

وبرهنوا للورى عن صدق وحدتكم ... وابنوا البلاد على الأسمى من النظم

أما البناء على الفوضى بدون هدى ...  فقد سئمنا فضول القول والكلم

فهل لكم وحدة تبني على أسس ...         من العدالة والإسلام والقيم

من منبع الوحي تستسقي مشاربها لا من رؤى الغرب أو مستسمن الورم

أقولها من هنا شماء ناصعة ...      بالدين نرعى مقـــــــــــــــــــام العدل والذمم

لا وحدة اليوم ما دامت منكسة ...  أعلام أمجادنا في القدس في الحرم

الدين منطلق الإصلاح منبلج ...     بفجره الساطع الوضاء في القمم -  على درب الجهاد: 39/ 46.

وكان أحيانًا يرمز بليلاه عن "الوحدة العربية الإسلامية" التي ينشدها في شعره، كما في قصيدة "عودي إلى درب الجهاد"، وذلك في غزل عفٍّ طاهر، يشتمل في المطلع على سبعة عشر بيتًا، ينتقل بعدها إلى الغرض، وهو حثّ المسلمين على الجهاد في سبيل "المسجد الأقصى"، وصرفهم عن التناحر بين الأحزاب المعاصرة، من يمينية ويسارية ورجعية، وفي النهاية يعود إلى الحث على الجهاد في آخر القصيدة كما بدأ1.

وكذلك في قصيدة "تحية المغرب العربي" بدأها الشاعر بمطلع غزلي عفيف في ثلاثة عشر بيتًا، ثم يتسلل إلى الإشادة بحضارة الإسلام والمسلمين في المغرب والأندلس وأمجادهم هناك2، وهكذا في قصيدة "في رحاب البيت" يصور فيها الشاعر أثر الحج في النفوس أولًا، ثم يختمها بليلاه رمز الوحدة الإسلامية عند الشاعر في بيتين3.

أما قصيدة "مشاعر الإلهام" فقد بدأها زاهر بالعزل الطاهر في تسعة عشر بيتًا، ثم أشاد بالرسالة المحمدية الخالدة في ثلاثة وعشرين بيتًا يعبِّر فيها عن مشاعره نحو الإسلام والمسلمين، وما يرجوه لهم من مجد، يمتد في أصالته إلى أمجاد المسلمين في القديم، يقول في المقدمة الغزلية4:

طلعت فلاح اليمن في طلعاتها ...      وبدا جمال الورد في وجناتها

وسرى النسيم على مشارف ثغرها ... تتضوع الأرجاء من نسماتها

ورنت بألحاظ الجفون نواعسًا ...     تتراقص الأطياف في ومضاتها

وتبسمت عن ثغر حسن باسم ..    فشقائق الأكمام من بسماتها

ونظرت -عف النفس- سحر جمالها ... ومصارع العشاق في لمحاتها

ومفاتن السحر الحلال تشدني ...    شوقًا وما مست يدي حرماتها

فأطل ثم الحارسان وأشرعًا ...        نحوي الأسنة من كمين كماتها

فأدرت في ذهني عجائب أمرها ... وخشيت هول السطو من طعناتها

فإذا هما فوق الترائب والحنا ...        من قلبها الخفاق بعض سماتها

قالت: رويدك فالمراقي صعبة ...         لا ترتقيها الطير في غدواتها

فأجبتها أوما علمت بأنني ...         كالصقر يغزو الطير في وكناتها

قالت: معاذ الله أن تخشى الحمى ...   وتبيح محل الدر من صدفاتها

إني عشقت من النفوس أبيها ... من كانت الأخلاق خير صفاتها

فأجبتها: نفسي الأبية في الهوى ... تفديك قد أججت من زفراتها.

وتنهدت أعماق روحي لوعة ... وسرى الجوي والشوق في جنباتها.

لولا ارتباعي من مغبات الهوى ...  لقطعت زهر الورد من جنباتها

ولسرت أمتاح الرياض وأجتلي ...منها رضاب الشهد من زهراتها

لكن أطيافي وإن جنحت بها ...  فتن الجـــــــــمال تعف عن زلاتها

وتتوق أشواق إلى سنن الهدى ...  فمشاعر الإلهام في رحباتها1

أرأيت هذا الغزل العفيف الطاهر، لا يجرح مشاعر مسلم، ولا يخدش بكرامة مسلمة، وإنما هو تنفيس بشري عن غريزة الحب التي غرسها الله تعالى في الإنسان غريزة، تنساق مع طبيعته البشرية، وما أجمل أن يعبر عنها الإنسان في لفظ عفِّ، وتصوير بريء وأسلوب طاهر على غرار هذا التصوير الغزلي البري، الذي يعبر بصدق عن تلك الفطرة الإنسانية، في إطار الخلق الإسلامي وأدب القرآن الكريم.

والحب العفيف في جوهره جانب إنساني روحي، يسمو به الإنسان إذا صوره ظلال خلق الإسلام، لينتقل الشاعر في تسلل وانسياب إلى جانب روحي وبنا، نفسي آخر، وهو الحديث عن شريعة الإسلام، وأخلاقه في بناء المسلمين.

ثم أرأيت الخيط الرفيع في البيتين الأخيرين، الذي شد به المقدمة الغزية إلى الغرض، إن القارئ لا يفجع بهذا الربط، وإنما يتأمَّل فيه، ويدقق النظر، حتى يعثر على ما دق من أدوات الربط الدقيقة في مهارة، ويستمر الشاعر في التصريح المباشر بالغرض الأساسي بعد الوحي والتلميح من أول هذه الأبيات2:

تمتـــــــــــــــــــــــــــــد آفاقي وتــــــــرقى همتي ...  سبل الجهاد أخوض في غمراتها

ويشد حب النبي محــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمد ... من شاد بالسمحاء مجد دعاتها

يا من حملت أبر قلب في الورى ... وأعــــــــــــــز نفس جانبت شهواتها

تهفو إليك قصائدي ومشاعري ... في ظل هديك واصلت رحلاتها

فلقد نشأت على سلامة فطرة ...   وصفاء نفس في عظيم صفاتها

ولقد أويت إلى حراء وكنت في ... غسق الدجى نورًا يضيء جهاتها

فأتاك جبريل الأمين ولم تكن ... من قبل تتلو أو ترى قبــــــــــــــــــــــــساتها

فدنا وقال: اقرأ. ولست بقارئ ...  أو كاتب تدري بمــــــــــــــــــــــــــروياتها

بل كــــــــــــــــــــــــــــنت أميًّا ولكن الذي ... رفع السمــــــــــــــاء حباك خير هياتها

وقرأت باسم الله فانجاب الدجى ... وأضــــــاء نور الوحي من مشكاتها

أي من الذكر الحكيم ومنطق ...  أحنت له البلغــــــــــــــــــاء من هــــــــاماتها

وإذا تسامى الفيلسوف وأوغلت ...  نظـــــــــــــــــــــــراته في الآي من آياتها

رجعت إليه الموغلات ضوالعا ...  دون ارتقــــــــــــــــــــــــــــــاء حول قدسياتها

سور يشع النور مــــــــــــــــــــــــن آياتها ... ويفيض بحر العلم من صفحاتها

أما قريش فجانب سبل الهدى ...  وتجــــــــــــــــــــــــــانفت للإثم في ندواتها

لم تلتفت للنور فوق ربوعها ...   أو تلتـــــــــــــــــمس خـــــــــــــــــــــــيرًا بمؤتمراتها

بل كذبت داعي الهدى وتنكرت   واستوحشت والإنس في جنباتها

ولربما يعشى الصباح نواظرًا ...      وتموت مرضى وهي بين أساتها

من لي بناشئة على درب الهدى ...      وثابة العزمات في دعواتها

تحمي حمى الغراء مما يفترى ...      وتصد بالإقدام كيد غزاتها

إن الحياة هي الجهاد وإن نمت ...    فيه وإن الموت في شهواتها

والله أنزل في الكتاب بصائرًا ...  تهدي الورى وتنير درب هداتها

فامضوا على نهج الهداة وجددوا . من دعوة الإصلاح مجد دعاتها -  على درب الجهاد: 33/ 37.

هذه هي القصيدة كلها لكي نرد بها دعوى الذين يرفضون الشعر الملتزم بالقضايا المعاصرة لمعالجتها، وتوجيه الرأي العام إلى جوهر الحقيقة فيها، أو بالأحرى يقولون بأنَّ الشعر الإسلامي لا يمكن الشاعر من التصوير الأدبي الرائع الذي يهز الوجدان ويحرك المشاعر، وها هي القصيدة في الشعر الإسلامي الملتزم نرد عليهم بروعة التصوير فيها.

فالعاطفة فيها مشبوبة صادقة، والمشاعر قوية متدفقة، والأحاسيس دقيقة متوفرة، والوجدان ملتهب ثرار، في خيال خصب عميق وصور أدبية قوية سارت على نهج القدماء في التصوير الشعري يلتزم الشاعر عمودهم الشعري في انتقاء الألفاظ، وإحكام الأساليب وإيحاء النظم والسير على بحور الخليل بن أحمد ويلتزم القافية القوية العمودية.

فالشاعر هنا يصور مبادئ الإسلام وقيمه من خلال مشاعره الذاتية، ووجدانه النفسي المحموم، فلا يقوم بوضع النقاط على الحروف التي من شأنها أن تكون مهملة، وإنما تتدفق الحروف منقوطة من وجدانه ومشاعره تفيض بإيحاءات زاخرة، ومعانٍ حية تنبض بعواطف الشاعر وأحاسيسه.

ويوم أن يسير الشعر الملتزم على هذا النهج يكون حقق ما يهدف إليه الشعر القويّ، وما يبتغيه الشاعر من تصوير أدبي رائع يوقظ الإحساس في الآخرين، ويثير عواطفهم ومشاعرهم، ويحرك الكوامن في وجدانهم، وهل نريد من الشعر أكثر من هذا، بل هذه القصيدة تسمو بالنفس، وترقى بالذوق الأدبي وتنميه، وتضبط المشاعر عن التطرف والمبالغة، فتسير في استواء واتِّزان نحو الغاية المنشودة، التي تحقق السعادة للإنسان، وهل يبتغي الإنسان من الشعر أكثر من تحقيق هذه السعادة، وفيها الامتاع، وإليها الإثارة والإقناع، وهي في ذاتها الغاية من التصوير الأدبي، الذي يثير المشاعر، ليوقظ العقل والقلب والوجدان فينتهي الجميع بالتسليم والإقناع عن صدق ويقين، هذا هو الشعر الشاعر والأدب الحي الخالد، لا "أزهار الشر" ولا شجر "السرو" و "الخلاف" يعجب رواؤه وما له ثمر، ويخطف ضؤوه، فيعشى البصر.

في ربا الحرمين :

وقصيدة "في ربا الحرمين" بدأها زاهر بمطلع غزلي عفيف، ضم خمسة أبيات، ثم انساب إلى مراده فيها يقول1:

سرت في هجعة المسرى تسامي ...   وترمق في تطلعها المراما

وكان الشوق يحدوها ابتهاجا ...  ويذكي في مشاعرها الغراما

وفي جنباتها تمشي طيوف ...    كأطياف المحب إذا استهاما

فقلت لها وفي نبرات صوتي ...       وداد أين أزمعت المقاما

فقالت في ربا الحرمين أشدو ... أناجي البيت والبلد الحراما

غزل عفيف طاهر بلا تبذل أو سقوط، يمضي مع الغرض من القصيدة بلا استئذان، فليلاه تزمع الرحيل معه إلى ما يؤم، إلى ربا الحرمين ليتناجيان مع البيت الحرام، وينعمان بالبلد الأمين، وتتمدد هذه المعاني في جوانب الأبيات الباقية من القصيدة ومنها:

وعند الركن تنحسر الخطايا ...       ململمة جوانحها انهزاما

فتنشرح الصدور بطيب ذكر ... أماط الكرب عنها والقتاما

سأعشق موطن القربى وإني ... على حب القداسة لن ألاما

فقد عبق الأريج بكل فج ... وعـــــــــــــــــــم النفح زمزم والمقاما2

وهكذا يمضي الشاعر إلى آخر القصيدة وهي طويلة، تدور معانيها حول الغرض منها ما عدا المقدمة الغزلية السابقة.

ومن خصائص الشعر الإسلامي عند الشاعر أنه جعل الحروب العربية ضد إسرائيل حربًا إسلاميًّا تنزف بدماء المسلمين كما تنزف قيم الإسلام في العصر الحديث، وإسرائيل في قلب الأمة العربية أفعى مسمومة تبث سمومها لتنخر في عظام الأمة الإسلامية، وتبدد قيمها السامية، فالصهاينة أعداء للإسلام، للعروبة؛ لأنهم يعتقدون بأن القضاء على العروبة هي الجسر القوي للقضاء على الشريعة الإسلامية التي تقلق مضاجعهم، فالقرآن الكريم لغته العربية، وسيبقى خالدًا لعروبته، إذن فالعربية في نظر أعدائنا هي الإسلام، والإسلام في العربية، فهما متلازمان، وعلى هذا الاتجاه يحاربنا أعداء العروبة والإسلام وهم الصهاينة والصليبيون.

ومن هذا المنظور جعل زاهر تصوير الانتصار في حرب رمضان شعرًا إسلاميًّا؛ لأن الاسلام انتصر فيه على أعدائه يقول: "من قصيدة في حرب رمضان" أنشدها في مكة المكرمة عام 1393هـ، ويبدو أن الشاعر اختزلها في ديوانه، فأغلب الظن أنها أكبر من ذلك بما سيجود به الزمان في المستقبل، لقوله "من قصيدة"1:

تثنت أمامي وهي لا تعرف الخطبا ... وقالت: لهيب الحب في القلب قد شبا

تثنت بأعطــــــــــــــــــــاف وألوت بمعصم ... ورنت بأنغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام لتأســـــــــر لي القلبا

فكانت كغصن ألبان لامس فرعه ... نسيـــــــــــــــم الصبا فاهتز من أنسه عجبا

فقلت لها مهلات فلست بهائم ...      يرى في سراب القاع من زيفه شربًا

وليس هيام الحب يصرع عفتي ...            ولا مارد الإغراء في أفرعي دبا

فلا تمتطي صهو السفاهة والردي ...       ولا تركبي في الحب مركبه الصعبا

وكوني مع الأحداث سبرًا لغورها ...   إذا انتظمت سلمًا أو اشتعلت حربًا

فما أفلحت في موكب المجد أمة ...       إذا لم يكن درب الجهاد لها دربا

أتلك رحاب القدس ضجت فروعت ..    قلوبًا وأزجت في ضمائرها رعبًا

أتلك النساء الصارخات بمعقل ...         هببن بوجه البغي مستشريًا هبّا

أتلك فتاة الخدر يثلم عرضها ...   نحارب عنه الدهر ولو ملكت غضبًا

فليت لها من أمة المجد أمة ...      وخاضت طريقًا في الوغي ثبجًا رحبًا

وسارت جنود الله في كل جبهة .  صداها من التكبير قد جاوز السحبا

لقد نفضت عنها مذلة نكسة ...   أحاطت بها شؤمًا وأودت بها نكبًا

فكانت على صرح الجهاد انتفاضة .. أدالت على الأعداء منعطفا صعبًا

تواثبت الأبطال يمتد زحفها ...        وهبت أسود من خنادقها غضبي

أقامت على متن القناة معابرًا ...       جسورًا إلى سيناء مدت بها وثبًا - 1 على درب الجهاد: 159/ 166.

ويتابع تصوير المعركة في تشرين فيقول :

وقد حطمت بارليف قصفًا مزلزلا  ودكت حصونًا طالما افتخرت عجبا

وكم من فتى في صهوة الخطب صامد ...  بدبابة فــــــــــــــــــــــــوق المجازر دبا

وقد هب للتحرير مستعذبًا له ...      كئوس المنايا فهو يمتاحها شربا

وفي جبهة الجولان كرت أشاوس ...   وصبت عذابًا من قذائفها صبًّا

وضمت كفاح الجبهتين انتفاضة ...من المغرب الأقصى إلى "حلب" الشهبا

وسارت بأرض الرافدين جحافل ... كما هب من "أم القرى" جيشها لجبا

تلاقت على الجولان فاعتز ركنها ... وســـــــــــــــارت على "سيناء" محورها صلبا

ومنهم صقور الجو تنقض كالردى ...  تذيب قـــــــــــــــــــــلوب الغدر تملؤها رعبا

يقودون أسرابًا صقورًا كواســــــــــــــــــرًا ...  إذا اعتلى ســــــــــــــــــــرب أضافوا له سربًا

وكم من فتى في الروع أغلب باسل ...  قضى في سبيل الله مستشهدًا نحبا

وما ميت من مات ذودًا عن الحمى .. فتلك هي الحسنى وأنعم بها كسبًا

دروب العلا للطامحين رحيبة ...         ودرب الشهيد الحر أوسعها دربًا

ومن خصائص الشعر الإسلامي عند زاهر أنه جعل الرثاء لفقيده العروبة والإسلام شعرًا إسلاميًّا حين صوَّر الشاعر مواقف المرثي العربية والإسلامية، والتي سجلها التاريخ خالدة تعبر عن حضارة الإسلام والعرب في عصرنا الحديث، ولذلك كانت هذه القصيدة أقرب إلى الإسلامي منه إلى فن الرثاء الذي سيأتي ضمن الأغراض الأدبية، يقول الشاعر في قصيدة "فجع الأيام" يصور فيها التاريخ الخالد للملك فيصل بن عبد العزيز -طيب الله ثراه1 منها:

يا فيصل الإسلام يا من جرحه ...  سيظل في الأعماق نارًا تضرم

تبكيك من أرض الهدى أطلالها ...     نواحــــــــــــــــــــــــــــــة لو أنها تتكلم

ومنابع الشعر الرفيع نواضب ...      وفم البيان لهول فقدك ملجم

فالمسلمون لهم بفقدك غربة ...      ولهم عليك تنــــــهد وترحــــــــــــــــــــم

ولسوف تذكرك المحافل والنهى ... ويروعها الحدث الرهيب ويدهم

ولسوف تذكرك السياسة بعدما ... هرعت إليك فحولها تستلهم

فلطالما أصغت لرأيك خشعًا ... ومشت إليك قلوبها والأجسم

ولطالما أحكمتها لذوي الجحا ... وأحاطها منك السياج المحكم

ونهجت منهاج الفلاح بأمة ... حتى علت وصحا لصوتك نوم

ودعوت نحو تضامن وتكاتف ...  لم يئن عزمك للوئام تصرم

فإن بلاد المسلمين يضمها ...        شمل يوحدها ودين أقوم

وسيذكر الإسلام ما قدمته ...    لبنيه إن جار الزمان عليهم

فلأنت للإسلام سيف مرهف ..تحميه من كيد البغاة وتحسم

واليوم تنعاك الدنى فيهزها ...     ألم الفــــــــــــــــــراق ولوعة تتضرم

لكن هذا الخطب خفف هوله ...    شمل يلم "بخالد" وينظم

وولي عهد المسلمين نصيره ...     "فهد" الأمين لمجدنا يتسنم

وكلاهما في الحكم يحذو "فيصلًا"  فكأنه في الشعب حي يحكم

ولكم ذرا عبد العزيز ضياغما ... حملوا الأمانة في الورى وتقدموا- على درب الجهاد: 131/ 140.

ثانيًا: الشعر الوطني والقومي:

هذا هو الغرض الثاني من الأغراض الأدبية في شعر زاهر، وهو يلي الشعر الإسلامي كثرة وشمولًا، ويضم الشعر الذي أنشده الشاعر في وطنه العام: المملكة العربية السعودية، وشعره الذي أنشده في وطنه الصغير: البيئة التي ولد فيها، والبلد الذي نما فيه صباه وترعرع شبابه، وشعره الذي قاله في وطنه الأكبر: في الدول العربية والإسلامية الشقيقة كالجزائر وبغداد، وسواها من دول العالم الإسلامي والعربي.

ويضم الشعر الوطني والقومي قصائد كثيرة في "الألمعيات":

 مثل قصيدة "ثورة الجزائر ص20، 22"، ألقاها الشاعر في الحفل الكبير الذي أقيم "بمعهد شقراء العلمي" في 10/ 7/ 1380 هـ، ويصور فيها كفاح الجزائر، وثورته على الطغاة المستعمرين، وبطولاتها التي حررت الشعب العربي الإسلامي، وقصيدة "مجد الشباب ص60، 62" ألقيت في النادي الثقافي "بمعهد شقراء العلمي" في 22/ 7/ 1379هـ، وفيها يحث شباب أمته ووطنه على العمل في سبيل الوطن، وفي سبيل الأمة الإسلامية جمعاء، وخاصة تحرير فلسطين المحتلة من أعداء الإسلام.

أما قصيدة "مواكب المجد ص63، 66" ألقاها الشاعر في حفل عسكري، يحث فيها الجيش على النضال في سبيل الوطن، والجهاد في سبيل الأمة الإسلامية جمعاء، فقد سجل التاريخ البطولات الرائعة التي كان لها الوجه المشرق في كل بقعة من بقاع العالم، وقصيدة "سد جازان" ألقاها الشاعر في حفل افتتاح سد وادي جازان في 25/ 1/ 1391هـ، وقد حضر الاحتفال سمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية فهد بن عبد العزيز وعدد من الأمراء والوزراء ورجالات الدولة، وفيها يصف السد وآثاره العميمة التي عمَّت البلاد، وبعثت في المنطقة الحياة، مما يساعد على تقدم المملكة ورقيها بزيادة الإنتاج الزراعي الموفور، وذلك بفضل الأيادي البيضاء لأسرة الملك عبد العزيز التي تزرع الخير دائمًا للأمة الإسلامية العربية، والتاريخ يعيد نفسه في هذه المنطقة؛ حيث كان فيها سد مأرب، الذي كان له آثاره

إني عشقت من النفوس أبيها ... من كانت الأخلاق خير صفاتها

فأجبتها: نفسي الأبية في الهوى ... تفديك قد أججت من زفراتها.

وتنهدت أعماق روحي لوعة ... وسرى الجوي والشوق في جنباتها.

لولا ارتباعي من مغبات الهوى ...   لقطعت زهر الورد من جنباتها

ولسرت أمتاح الرياض وأجتلي ...  منها رضاب الشهد من زهراتها

لكن أطيافي وإن جنحت بها ...       فتن الجمال تعف عن زلاتها

وتتوق أشواق إلى سنن الهدى ...      فمشاعر الإلهام في رحباتها- على درب الجهاد: 28/ 32.

أرأيت هذا الغزل العفيف الطاهر، لا يجرح مشاعر مسلم، ولا يخدش بكرامة مسلمة، وإنما هو تنفيس بشري عن غريزة الحب التي غرسها الله تعالى في الإنسان غريزة، تنساق مع طبيعته البشرية، وما أجمل أن يعبر عنها الإنسان في لفظ عفِّ، وتصوير بريء وأسلوب طاهر على غرار هذا التصوير الغزلي البري، الذي يعبر بصدق عن تلك الفطرة الإنسانية، في إطار الخلق الإسلامي وأدب القرآن الكريم.

والحب العفيف في جوهره جانب إنساني روحي، يسمو به الإنسان إذا صوره ظلال خلق الإسلام، لينتقل الشاعر في تسلل وانسياب إلى جانب روحي وبنا، نفسي آخر، وهو الحديث عن شريعة الإسلام، وأخلاقه في بناء المسلمين.

ثم أرأيت الخيط الرفيع في البيتين الأخيرين، الذي شد به المقدمة الغزية إلى الغرض، إن القارئ لا يفجع بهذا الربط، وإنما يتأمَّل فيه، ويدقق النظر، حتى يعثر على ما دق من أدوات الربط الدقيقة في مهارة، ويستمر الشاعر في التصريح المباشر بالغرض الأساسي بعد الوحي والتلميح من أول هذه الأبيات2:

تمتد آفاقي وترقى همتي ...      سبل الجهاد أخوض في غمراتها

ويشد حب النبي محمد ...      من شاد بالسمحاء مجد دعاتها

يا من حملت أبر قلب في الورى ...  وأعز نفس جانبت شهواتها

تهفو إليك قصائدي ومشاعري .. في ظل هديك واصلت رحلاتها

فلقد نشأت على سلامة فطرة ... وصفاء نفس في عظيم صفاتها

ولقد أويت إلى حراء وكنت في . غسق الدجى نورًا يضيء جهاتها

فأتاك جبريل الأمين ولم تكن ...     من قبل تتلو أو ترى قبساتها- على درب الجهاد: 33/ 37.

لقد استطاع الشعر الإسلامي رغم محاولات الطمث والتشوية وحملات التشكيك التي يمارسها أعداء المسلمين وأذنابهم في عالمنا الإسلامي أن يقف صلبًا متميزًا ومعبرًا عن الآمال والآلام الواحدة لأمتنا الإسلامية .

أما الذين راهنوا على سقوط القصيدة الإسلامية في خضم التقهقر والفجيعة والتكرار مبتعدة عن الأحاسيس الفنية الشعرية التي تجذب القارئ فقد خسروا وخابوا حين وجدوا أن الأصوات الشعرية الإسلامية قد وقفت بشموخ أمام الهجمة العلمانية المنظمة التي جعلت إفساد مجتمعنا الإسلامي هدفًا لها .

لقد حاول الأعداء تدمير إرثنا الثقافي ، وذوقنا الأدبي ، ولكن القصيدة الإسلامية تصدت لهذه المحاولات الدنيئة أيضًا ، حتى أصبح لها جمهورها العريض الذي يمتد إلى عمق مجتمعاتنا الإسلامية ، وإلى جذورنا الأصيلة العظيمة ، ولم تزل تنجب هذه الأمة رغم ما اعتراها من فتور وضعف شبابًا أقوياء في عقيدتهم وإيمانهم حملوا مشاعل الجهاد ، ووهبوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله مقاومين الأعداء أينما وجدوا ، مؤمنين بوعد الله بنصر هذه الأمة مادامت متمسكة بكتاب الله الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .

وكان من هؤلاء المؤمنين الصادقين المستنيرين بالإسلام نهجًا وعملاً ركب من الشعراء ، نقرأ لهم ، فنشعر بالفخر يسري في عروقنا ، ونعيش في عصور الإسلام الأولى ، ونشم رحيق الذكر ، ونصغى لصهيل الجهاد الإسلامي الحق ، بين أيدينا اليوم شاعر من هذا الركب ، إنه الشاعر الإسلامي زاهر عواض الألمعي ، نحاوره فنرنوا إلى البعيد البعيد ، بل إلى القريب القريب حيث هاماتنا تسمو إلى العلياء ، حيث الأمة تزف شهداءها إلى الفردوس الأعلى بإذن الله وحيث أوطاننا تغدو باقات من الفرح .

ويصدر شاعرنا الألمعي ديوانه الثاني بشاعرية مرهفة فيقول والأسى يعتصر قلبه : ( هذا هو ديواني الثاني يضم بين دفتيه عشرين قصيدة ، حروفها نبض قلب يعتصره الألم لما عليه حال أمتنا الإسلامية ، ومعانيها ومض فكر تؤرقه هموم الأجيال المسلمة التي ترنوا إلى تحرير أرض الإسلام من قبضة الأعداء وتطبيق شرع الله في جميع الأرجاء ) .

هكذا يقدم لنا ديوانه : ( على درب الجهاد ) وهو يتفطر حزنًا على ما آلت إليه أمتنا الإسلامية من فرقة واندحار لإعراضها عن شرع الله ، ولكنه في الوقت نفسه يطرز الآمال الحية للنهوض من هذه الكبوة التي لن تدوم بإذن الله .

أما القدس في هذا الديوان فلها وقع شفيف متميز في نفس الشاعر ، ذلك لأنه شاعر إسلامي ملتزم يرى في احتلالها المصاب الجلل الذي يدمي القلب ويشعل النفس بالمكابدة والحرقة ، ولم لا يكون ذلك ؟ أليست القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ؟ أليست فلسطين أرضًا مباركة باركها العلي القدير من فوق سبع سماوات ؟ ؟ أليست مسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ؟ ! يقول الشاعر في قصيدته ( عودي إلى درب الجهاد ) :

" المسجد الأقصى و يالإهابة

حرى مضرجة تحشرج في فمي

خجلاً وحزناً من مواقف معشرٍ

من مأثم يتخبطون بمأثم

شغلتهم الثارات فيما بينهم

وتنكبوا نهج الصراط الأقوم

هذا يميني ورجعي ، وذا

حزب اليسار يقال عنه تقدمي

ما غير دين الله يجمع شملنا

ويعيد سؤدد مجدنا المتصرم

ربطت أواصرنا العقيدة فارتقى

عز الجدود إلى عنان الأنجم

لا ، لن تحرره دعاوى هاتف

بالسلم زورًا ، للعدا مستسلم

لكن جهاد عادل متطاول

فتأهبي يا أمتي و تقدمي

في فيلق ، صاروخه ، عزماته

بالله ، يقصف كالقضاء المبرم

وصقور جو للجنان تطلعوا

لما رموا حممًا كنار جهنم "

هذا هو المسجد الأقصى يئن تحت نير الاحتلال اليهودي ، أما الأمة فهي تتخبط في مواقفها بين يمين ويسار ، ورجعية وتقدمية ، أليس هذا يعصرنا ألمًا وخجلاً ؟ ! أما المخرج من هذا التمزق والتناحر والوهن الذي أصاب أمتنا ، فالشاعر يدركه بحسه الإسلامي الصادق ، وهو يدعو إلى وحدة إسلامية عظيمة تقوم على تحكيم شرع الله ، وتجعل الجهاد ذروة سنام الإسلام حيث أن ذلك من صلب عقيدتنا ، وما رفعت راية الجهاد الإسلامي الحق إلا وكانت العزة والإباء والمنعة والنصر للمسلمين على مر التاريخ ، وما ابتعد عن شرع الله ، وعطل الجهاد إلا وكان الذل والخنوع والهزائم تخيم على هذه الأمة وهذا لعمري يملأ الصدر بالأسى .

وهكذا ببساطة الشاعر المسلم الحق تصبو القصيدة إلى تجسيد هذا النبض الجهادي الحي بلا مواربة أو زيف ، إنك لا تحس هنا بترف اللغة أو تشتتها عبر غموض الصورة والهدف بل تجد اللغة مشبعة بهذا الصدق وهذا الحنين لجذورنا الأولى ، وتجد مضمون قصيدته يصب في آمالنا ، وكم تأسرنا مواقفه الإسلامية الناصعة ، لأنه يرى بنور الإسلام .

أما في قصيدته ( وحدة العرب ) : فهي تستحضر تاريخنا الإسلامي المجيد ، تستنطقه وتخطو من خلال رؤاه ، وتحشد طاقاتها الشعرية الهائلة لتأسيس وحدة عضوية بين أجزاء القصيدة تقوم على التقابل بين الأمس واليوم .

مجد بناه أسود من أوائلنا

تضمخ اليوم بالنقصان و التهم

واستفحل الغدر بل أمسى يشاد به

دويلة في ثرى مجدي وفي حرمي

تلك اليهودية الشوهاء مطمعها

أن تستبيح ديار العرب والعجم

فهل لكم وحدة تبنى على أسس

من العدالة و الإسلام والقيم ؟ ؟

هنا لا وحدة إلا بهذا الدين أما القومية والوطنية فهي غثاء ما بعده غثاء ونرى أن قصائد شاعرنا دائمًا تزخر بهموم المسلمين أينما كانوا ، وهي تقتنص مواسم الحج لتبت لواعجها ، وتشرع نوافذها لإرادة الإسلام القوى ، الإسلام الشامخ بمبادئه وعدله وعظمته وهو يرى في الحج قيمًا سامية ، ومشاعر متوثبة ، وهو بعد ذلك مؤتمر جامع من مؤتمرات الوحدة الإسلامية ، لذا فهو ينطلق إلى القدس من خلال الحج ، بل معظم قصائده الجهادية الشامخة تبرق من مكة وتحمل شذى ( أم القرى ) يقول في قصيدته ( رحاب الأقصى ) :

ضجت رحاب القدس و انتفض

الثرى وتفجر البركان من أم القرى

و مضى ينادي أمة قوامة

لتدك صرح الغاصبين و تقهرا

إن مكة معقل الإسلام منذ فجر تاريخنا ، وستبقى كذلك بإذن الله . وهكذا يرشح شعرنا الإسلامي بعبيره الفواح من خلال جراح أمتنا ، وهو لا يتخبط في رؤاه بين أشواك الأساطير والضلال ، بل يرق ليغدو ومضة من نور ، ولو عدنا لقصائد شاعرنا زاهر عواض الألمعي لوجدنا أن حروفه وأناشيده شدو أصيل ، فيه صدق المسلم مع فطرته ، وفيه روحانية الإنسان المؤمن وتفاؤله مهما تجهم الواقع فيقول في قصيدته ( ضيفو الرحمن ) مخاطبًا الملك فيصل كرم الله ثراه :

فيا ( فيصل ) الإسلام دمت موفقا

وذخرًا إذا ما زمجر الشرق أو هبا

فقد كنت للقادات رائد جمعهم

و للغضبة الشماء أعلاهم كعبًا

و تاقت ( فلسطين ) إليك تطلعًا

لتزجى في ساحاتها جحفلاً لجبًا

مددت يدًا بالمال كالغيث هاطلاً

وأمددت جند الله فاستبسلوا حربًا

فكف به الصاروخ يهدر في الوغي

وكف على البترول هز به الغربا

لقد كان فيصل رحمه الله قائدًا ملهمًا ، وزعيمًا عظيمًا استطاع بإيمانه وشجاعته وإخلاصه لله أن يجمع الأمة رغم شحنائها ، استطاع أن يحمل الأمانة بكل عزم وقوة ، وهو يدرك المخاطر التي تحيط بأمته ، بل كان فيصل نسيجًا فريدًا في تاريخنا المعاصر ، لذا كانت فجيعة المسلمين باستشهاده مصيبة مذهلة ، وشاعرنا لم يكن أقل حزنًا ، لقد كانت القدس في وجدان الفيصل معنى قدسيًا لا يقبل القسمة ، ولا يحتمل الخدش ، كانت القدس في ضميره ووعيه الإسلامي كيانًا واحدًا ، كان يتوق إليها ، وكانت تتزين له : { مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } ( الأحزاب : 23 )

نماذج من شعره :

من قصيدة: في حرب رمضان عام 1393 هـ

تثنَّتْ أمامي وهي لا تعرف الخطْبا     وقالت لهيب الحب في القلب قد شبَّا

تثنت بأعطــــــــــــــاف وألْوَتْ بمعصم        ورنّت بأنغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام لتأسر لي قلبا

فكانت كغصن البان لامَسَ فرعه        نسيم الصّبا فاهتزَّ من أُنسه عُجبا

فقلت لها مهلاً فلست بهائم            يرى في سراب القاع من زيفه شربا

وليس هيام الحب يصرع عفَّتي              ولا مارد الإغراء في أضلعي دبا

فلا تمتطي متن السفاهة والردى           ولا تركبي في الحب مركبه الصعبا

وكوني مع الأحداث سبراً لغورها      إذا انتظمت سلماً أو اشتعلت حربا

فما أفلحت في موكب المجد أمة         إذا لم يكن درب الجهاد لها درباً

أتلك رحابُ (القدس) ضجت فروّعت

                          قلوباً وأزجت في ضمائرها رعبا?

أتلك النساء الصارخات بمعقل

                          هبَبْنَ بوجه البغي مستشريا هبا?

أتلك فتاة الخدر يثلم عرضها

                                    تحارب عنه الدهر لو ملكت عضبا?

فلبت لها من أمة المجد أمة

                      وخاضت طريقاً في الوغى هائلاً رحبا

وسارت جنود الله في كل جبهة

                       صداها من التكبير قد جاوز السحبا

لقدنفضت عنها مذلة نكسة

                                         أحاطت بها شؤماً وأودت بها نكبا

فكانت على صرح الجهاد انتفاضة

                                        أدالت على الأعداء منعطفا صعبا

تواثبت الأبطال يمتد زحفها

                                         وهبت أسود من خنادقها غضبى

أقامت على متن (القناة) معابراً

                                         جسوراً إلى (سيناء) مدت بها وثبا

وقد حطمت (برليف) قصفا مزلزلاً

                                        ودكت حصوناً طالما افتخرت عُجبا

وكم من فتى في حومة الخطب صامدٍ

                                                 بدبابة فوق المجازر قد دبا

وقد هب للتحرير مستعذباً له

                                            كؤوس المنايا فهو يمتاحها شربا

وفي جبهة (الجولان) كرّتْ أشاوس

                                            وصبّت عذاباً من قذائفها صبا

وضمت كفاح الجبهتين انتفاضة

                                  من (المغرب الأقصى) إلى (حلب الشهبا)

وسارت بأرض (الرافدين) جحافل

                                     كما هب من (أم القرى) جيشها لجْبا

تلاقت على (الجولان) فاعتز ركنها

                                            وسار على (سيناء) محورها صلبا

من قصيدة: عســــيـريـــــة

جمالك فتانٌ سما وتألَّقا

     تغلغل في خفق القلوب وحَلَّقا

وثغرك بسام كومضة بارق

    تلألأ في جُنح الظــــــــــــــــــلام وأشرقا

وألحاظ عينيك الحسان توهجت

بسحر على الوجدان أفضى وأطبقا

وتمرح في أهداب عينيك خرّد

  توالى صـــــــــــــــــداها الثرّ غربا ومشرقا

عيون المها تبدو غيارى لأنها

  ترى الحسن في عينيك أزهى وأعرقا

وخدك ورد ينتشي في عروقه

رواء شبـــــــــــــــــــــــــــاب قد سرى وتدفقا

ونشرك إن مرت هبوب تحملت

وأهدت عبير المسك نشوان ريّقا

وجيدك جيد الريم زهواً ورقة

وطــــــــــــــــاب صفاء عبهريا ورونقا

وشَعرك مهما حرّك الدلّ موجه

يظــــــــــــــــــــــــل أنيقاً في التثني منمّقا

تراودني الأطياف منك حفيّة

وتبدع لي في الحلم بحراً وزورقا

من قصيدة: عــــودي إلـى درب الجهـــاد

عودي فذكرُك بالثناء علـى فمي

ومكانُ حبك من فؤادي في دمي

وتذكري محضَ الوداد أبثّه

لحناً فيحلو منك طِيبُ ترنُّم

حتى إذا ندّت طيوفك وانبرى

حبي يثلّم بالصدود ويرتمي

أحجمت لا أرضى ببذل مودتي

إلا لمؤتلق المناقب أكرم

وإذا تنافرت القلوب تلبدت

آفاقها من وحشة وتبرم

لكن من شيم الكرام تسامحا

وتناصحا وترفعا عن مأثم

وهكذا يظل شعرنا الإسلامي يحمل نكهة الجرح وعبق التاريخ الأصيل .

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك ، وأتوب إليك .

مراجع البحث :

 -انظر شعراء العصر الحديث. عبد الكريم الحقيل: ص14

- وديوان "الألمعيات" التقديم.

-نحو أدب إسلامي

-القدس في ديوان على درب الجهاد - للشاعر الإسلامي السعودي / زاهر بن عواض الألمعي - بقلم / محمد شلال الحناحنة

وسوم: العدد 685