مخطوطة قصيدة ابن زريق..

وصف المخطوطة:

عثر على مخطوطة "قصيدة ابن زريق" في قرية عرعره بفلسطين بين مخلفات الشيخ أحمد سلامة يونس، وهي مكوّنة من سبع صفحات من القطع المتوسط، تشتمل على حكاية ابن زريق وقصيدته المؤلفة من 40 بيتًا على البحر البسيط.1

الناسخ ومذهبه:

عمل الشيخ أحمد السلامة منذ بداية الثلاثينيات من القرن الماضي إمامًا للقرية ومأذونًا لعقد الأنكحة في قرية عرعره وتوابعها، ويبدو أنه هو الذي عُيّنَ سنة 1324ﻫ/1906 نائبًا للحاكم الشرعي في ناحية قيسارية، الذي فوّضه رؤية الأمور الشرعية والخصومات والدعاوى وسماع البينات ما عدا الحكم وتحرير التركات وإذن النكاح بشرط أن يكون القسام والإذنامه مختومين منه.2 وقد كتب بخط يده على غلاف كتاب قلائد المرجان اسمه: أحمد سلامة الشافعي ما يدل على أنه كان شافعي المذهب، وقد ورد على هامش الصفحة الثانية من المخطوطة المذكورة أعلاه ما يلي: "من تختم بالعقيق، ولبس البيضا(البياض) من الرقيق، وتفقه في مذهب الشافعي، وحفظ قصيدة ابن زريق فقد حاز الزرف(الظرف) كله والله اعلم". وهذا القول منسوب إلى الإمام ابن حزم الأندلسي ومنتشر في مؤلفات أصحاب المذهب الشافعي مثل السبكي في كتابه "طبقات الشافعية" 3 ، وهو يكشف لنا سر اعتناء الشيخ أحمد السلامة الشافعي بقصيدة ابن زريق وتدوينه لها.

من هو ابن زريق والمناسبة التي قيلت فيها القصيدة:

لم يرد في المخطوطة الاسم الكامل لابن زريق. في معظم المصادر ورد أن اسمه أبو الحسن علي بن زريق الكاتب البغدادي4، ولدى ابن خلكان في وفيات الأعيان: محمد بن زريق الكاتب البغدادي.5 هذا الاختلاف ربما كان السبب في جعل ناسخ المخطوطة يحذف الاسم الأول للشاعر.6

سميت القصيدة بالقصيدة اليتيمة لأن ناظمها لم ينظم في حياته غيرها، وبالقصيدة الفراقية لأن موضوعها الفراق والبعد عن محبوبته، وبالعينية لأن رويها هو العين المضمومة، والهاء هي وصل وحركة الهاء هي الخروج في علم العروض. ومنهم من أسماها أم الغرائب لأنها ليست من نظمه ولكنها من شعر الجن، قالوها وهم يعايشون حياته، وكتبوها ثم وضعوها في رقعة تحت رأسه عند موته7. ولعل ذلك يشير إلى أن الحكاية والقصيدة أصبحتا من التراث الشعبي المتناقل مشافهة بين الناس، وما يدعم رأينا هذا أن الجواري كن يتغنين بها في مجالس الأمراء والطرب،8 بالإضافة إلى تبديل بعض الكلمات في القصيدة دون المساس بموسيقاها العذبة. والقصيدة تخلو من الكلمات الصعبة وهي غزلية، رقيقة، لطيفة وتحمل عواطف جياشة وصادقة، فلا عجب أن أصبحت من عيون الشعر العربي، وأن يعدها فاروق شوشة واحدة من أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي،9 وفيما يلي مطلعها:

لا تعذليه فإنّ العذلَ يُولعُهُ *** قد قلتِ حقًّا ولكن ليس يسمعُهُ

ذكر المستشرق كارل بروكلمان أن أبا الحسن علي بن زريق البغدادي كان كاتبًا ببغداد في حدود سنة 420ﻫ/1029م. ثم رحل إلى أبي عبد الرحمن الأندلسي يرجو العطاء، فلما أعطاه عطاء نزرًا شقّ ذلك عليه، وحزّ في نفسه، فاعتل ومات، وقال قبل موته عينيته المشهورة في وصف حاله وشكوى أيامه، ونزوح داره. كما ذكر بروكلمان أن مخطوطة للعينية في أربعين بيتًا موجودة في برلين.10

أما معاصره أبو حيان التوحيدي المتوفى سنة 414ﻫ/1023م فينقل بيتين من قصيدة ابن زريق في كتابه الإمتاع والمؤانسة، ولم ينسبهما لأحد، وهما:

استودع الله في بغداد لي قمرًا ***بالكرخ من فلك الأزرار مطلعُهُ

ودَّعته وبودّي لو يودّعني*** صفو الحياة وأني لا أودّعه11

بينما معاصره أبو منصور الثعالبي المتوفى سنة 429ﻫ/1038م في كتابه يتيمة الدهر في شعراء أهل العصر فينسب أربعة أبيات من قصيدة ابن زريق للوأواء الدمشقي وهو أبو الفرج محمد بن أحمد الغساني الدمشقي المتوفى سنة 370ﻫ/ 980م، والثعالبي ثقة، وحجة في تاريخ الأدب والأبيات هي:

استودعُ اللهَ في بغدادَ لي قمرًا *** بالكرخِ من فلك الأزرار مطلعُهُ

ودّعته وبودّي لو يودعني *** صفوُ الحياة وأنّي لا أودّعه

وكم تشبّث بي يوم الرحيل ضُحًى ***وأدمعي مستهلات وأدمعُهُ

لأ أكذبُ اللهَ ثوبُ الصبرِ منخرقٌ ***عنّي بفُرقته لكن أرقّعُهُ12

وقد ثبت سامي الدهان محقق ديوان الوأواء الأبيات الأربعة في وصلات تابعة للديوان.13

أما جعفر بن أحمد السراج القاري في كتابه مصارع العشاق فقد ذكر أنه سمع، وهو متجه إلى مكة في سنة 441ﻫ/1049م، حكاية بإسناد تقول إن رجلاً من أهل بغداد قصد أبا عبد الرحمن الأندلسي، وتقرب إليه بنسبه، فأراد أبو عبد الرحمن أن يبلوه ويختبره، فأعطاه شيئًا نزرًا، فقال البغدادي: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.! سلكت البراري والبحار والمهامة والقفار إلى هذا الرجل فأعطاني هذا العطاء النزر؟! فانكسرت إليه نفسه واعتل فمات. وشُغل عنه الأندلسي أيامًا، ثم سأل عنه فخرجوا يطلبونه، فانتهوا إلى الخان الذي كان فيه وسألوا الخانية عنه، فقالت: إنه كان في هذا البيت، ومذ أمس لم أره، فصعدوا فدفعوا الباب، فإذا بالرجل ميتًا، وعند رأسه رقعة فيها مكتوب:

لا تعذليه فإنّ العذل يولعه *** قد قلت حقًّا، ولكن ليس يسمعه

جاوزت في نصحه حدًّا أضرّ به ***من حيث قدرت أن النصح ينفعه

ثم ذكر ثمانية أبيات أخرى. وقد أشار إلى أن أبا علي الحسن بن علي المتصوف زاده ثلاثة أبيات وهي:

والحرص في المرء والأرزاق قد قسمت***بغي، ألا أن بغي المرء يصرعه

لو أنني لم تقع عيني على بلد *** في سفرتي هذه إلا وأقطعه

اعتضت من وجه خلي بعد فرقته ***كأسًا تجرع منها ما أجرعه

من الجدير بالذكر أن البيت الثاني غير موجود في قصيدة ابن زريق.

ويستأنف السراج القاري السرد فيقول: "فلما وقف أبو عبد الرحمن على هذه الأبيات بكى حتى اخضلت لحيته، وقال: وددت أن هذا الرجل حيّ وأشاطره نصف ملكي، وكان في رقعة الرجل: منزلي ببغداد في الموضع المعروف بكذا، والقوم يعرفون بكذا، فحمل إليهم خمسة آلاف دينار وسفتجة، وحصلت في يد القوم وعرفهم موت الرجل". يلاحظ أن السراج القاري  اكتفى بذكر البغدادي ولم يذكر ابن زريق أو ابنة عمّه14.

وفي أحدى مخطوطات المستنصرية ببغداد نسبت القصيدة كاملة إلى الشاعر حسام الدين الحاجري المعروف بابن الوكيل والمتوفى في شوال سنة 632ﻫ/1235م. 15

كل الدلائل تشير إلى أن جزءًا من القصيدة كانت متداولاً قبل أن يولد ابن زريق البغدادي، وأن هذا الجزء كبر في عملية تراكمية قام بها الرواة في فترات متعاقبة، وخير دليل على ما نقوله ما جاء في مخطوطتنا من أن ابن زريق لم يسافر إلى الأندلس وإنما سافر إلى الموصل، وهناك قام الملك باختباره بأن أعطاه دينارًا واحدًا نظير قصيدة دبجها في مدحه، ما أدى إلى حزن الشاعر وكمده وانكسار خاطره، وأن الملك أمر بالبحث عنه فوجدوه ميتًا تحت رأسه قصيدة يبث فيها وجده ويعبر عن حبه لابنة عمه التي تركها في بغداد، ويشكو الغربة. يبدو أن الرواة استبدلوا الموصل بالأندلس بعد ضياعها للدلالة على أن الرحلة  كانت طويلة وشاقة ومضنية من أجل الفوز بالمال الوفير ولكن هيهات.! مما يُعظّم المأساة التي انتابت الشاعر والتراجيديا التي آل إليها .!. 16   

 اهتم الشعراء بقصيدة ابن زريق فعارضوها وخمّسوها وشرحوها، فممن عارضها أحمد بن جعفر الواسطي، وخمسها علي بن ناصر الباعوني، وشرحها علي بن عبد الله العلوي وولي الدين يكن. 17

من الجدير بالذكر أنه في عام 2009 أصدر الشاعر البحريني أحمد الدوسري رواية بعنوان(ابن زريق البغدادي-عابر سنين) تتناول سيرة  ابن زريق المغترب وكتابته لأشهر قصيدة حب ولوعة واغتراب في الشعر العربي بأسلوب شائق وممتع.

المخطوطة الموجودة بين يدينا هي نادرة وقديمة وفيها معلومات لم ترد في مصادر أخرى.

يستهل ابن زريق قصيدته بمخاطبة زوجته، ابنة عمه، ويناشدها ألا تعذله أو تلومه، فقد أثر فيه اللوم وآذاه، وأضر به بدلاً من أن ينفعه، إنه هنا يبسط بين يديها أسباب رحيله وتركه لها طمعًا في الرزق الفسيح والعيش الهانئ الوثير، وسرعان ما يعلن عن ندمه لأن ما أمله لم يتحقق، وما رجاه من رزق وفير لم يتح له.

ثم يلتفت ابن زريق التفاتة محب عاشق إلى بغداد حيث زوجته التي تركها دون أن يستمع إلى نصحها، إنها مملكته التي أضاعها ولم يُحسن تدبيرها وعرشه الذي خلع عنه.

وفي ختام القصيدة يصف ابن زريق، في تعبير صاف مؤثر ونسيج شعري محكم، واقع حاله في الغربة، بين الأسى واللوعة، والألم والندم، وهنا ينفسح المجال للتأمل وينطلق اللسان بالحكمة التي انضجتها التجربة، ويشرق القلب بالدموع.18

هوامش وملاحظات:

1. ذكر حاجي خليفة، في كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، ج2، ص 1329، أن قصيدة أبي الحسن علي بن زريق في 41 بيتًا، أما فاروق شوشة فقد أورد 38 بيتًا فقط، انظر: أحلى عشرين قصيدة حب في الأدب العربي، دار الشروق، 1991م، 165-171.

2. محمد عقل، المفصل في تاريخ وادي عاره من العهد الكنعاني إلى العهد العثماني، ج2، ص 193.

3. السبكي، طبقات الشافعية، ج1، ص 308.

4. السبكي، مصدر سبق ذكره، ج1، ص 220. الصفدي، الوافي بالوفيات، ج6، ص 396(الموسوعة الشاملة)، العاملي، الكشكول، ج1، ص 93-94.

5. ابن خلكان، وفيات الأعيان، دار صادر، بيروت، ج5، ص 338.

6. ثمة من اكتفى بذكر ابن زريق، انظر: ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، ج10، ص 532(المكتبة الشاملة).

7. جابر قميحة، القصيدة العينية..الفراقية ..اليتيمة..لابن زريق، رابطة أدباء الشام بتاريخ 3 أيلول 2005، وانظر:  نبذة عن حياة الشاعر ابن زريق البغدادي على الرابط التالي:

http://www.hmst7ob.net/t12444.html

كريم مرزة الأسدي، الحلقة 3: ابن زريق البغدادي-لا تعذليه واحدته، وعصره وقصته، رؤى جديدة، في موقع: كتابات في الميزان(جوجل)، وموقع الحوار المتمدن. 

ولابن زريق أرجوزة في الأخلاق ترجمها المستشرق ديلس للألمانية. راجع: كارل بروكلمان، ج2، ص 67. 

8.ابن خلكان، مصدر سبق ذكره، نفس الصفحة. أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ج1، ص 123.(المكتبة الشاملة).

9. فاروق شوشة، أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي، ص 163-165.

10. كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ترجمة عبد الحليم النجار، ط2، ج2، ص 66-67.

11. أبو حيان التوحيدي، مصدر سبق ذكره.

12. أبو منصور الثعالبي، يتيمة الدهر، ج1، ص 340 (المكتبة الشاملة)، العاملي، الكشكول، ج1، ص95.

13.ديوان الوأواء الدمشقي، تحقيق سامي الدهان، ط2، دار صادر، بيروت، 1993، ص 273.

14. جعفر بن أحمد السراج القاري، مصارع العشاق، دار صادر، بيروت، ج1، ص 4-5.

15. مخطوطة رقم 694 في المستنصرية.

16. راجع نص المخطوطة في ذيل هذه المقالة.

17. كارل بروكلمان، مصدر سبق ذكره.

18.فاروق شوشة، مصدر سبق ذكره.

نص المخطوطة:

(قصيدة ابن زريق)

هذه قصيدة ابن1 زريق لأنه لما عشق بنت عمّ له، وهي أي ابنة2 عمه بغاية من الحسن والجمال، فلما تولع بها أخذ يتعاطى الأسباب الفعالة حتى أنه انفق جميع ماله، فوصل لها بعد جهد جهيد، 3 وهو فقير بلا مال، وكان من أشعر الشعراء ومشهور في ذاك الزمان، وكان في ذلك4 الزمان ملك في بلاد الموصل يُعطي على القصيدة التي يستحسنها ألف دينار أو ألفين دينار، فقال ابن زريق قصيدة وأخبر امرأته أن مراده التوجه إلى بلاد الموصل فمنعته وقالت: يكفينا من الزاد الرمق ولا تفارقني فأبى وودعها5 وسار حتى وصل إلى ذلك الملك، فقدّم له القصيدة ومدحه بها، فأخذها الملك وأعطاه دينارًا 6 أو أقل لأجل امتحانه حيث أن الملوك كانت تعمل امتحان مع الشعراء لأن الشاعر إذا امتحن انجلت قريحته وقال أجمل مما قال سابقًا، فلما ابن زريق أخذ الدينار من الملك تأسف على مجيئه إلى تلك7 البلاد، وقعد حزينًا كئيبًا، وتفكر في محبوبته وما بينه وبينها من البعد فبتلك 8 الليلة قال قصيدة وقضى الله عليه في تلك الليلة، ففقده الملك وقال: اِئتوا 9 به، الشاعر المشهور ابن زريق أتانا في قصيدة وعملنا معه امتحان وراح ولم يرجع علينا فأحضروه، ففحصوا 10 عليه فإذا هو ميت والقصيده تحت رأسه، فتأسف الملك، وبعث إلى زوجة بن زريق أمتعة ومالاً كثيرًا 11، فلما حضروا عندها بالمال وخبّروها بموت ابن زريق تفرقعت بوقتها 12 ، وهذه القصيدة (هي):

(قصيدة ابن زريق الكاتب البغدادي)

لا تعذليه فإنّ العَذلَ يُولعُهُ *** قد قلتِ حقًّا ولكن ليس يسمعُهُ

جاوزتِ في لَوْمِه حَدًّا أضَرّ به *** من حيثُ قدّرْتِ أن اللومَ ينفعُهُ

فاستعملي الرفقَ في تأنيبهِ بدلاً *** من عذله فهو مُضنَى القلبِ مُوجعُهُ

قد كان مُضطلعًا بالخَطبِ يحمله *** فَضُلّعتْ 13 بخُطوبِ الدهرِ أضلعُهُ

يكفيه من لوعة التنفيد14 أنّ له’ *** من النوى كلَّ يوم ما يُروّعُهُ

ما آبَ من سفرٍ إلا وأزعجه *** رأيٌ إلى سفر بالبين يجمعُهُ 15

تأبى المطالب إلا أن تجشّمه *** للرزقِ كدحًا وكم ممن يودعُهُ

كأنما هو من حِلٍّ ومُرتحلٍ *** مُوَكّلٌ بفضاءِ الأرض يذرعُهُ

إنّ الزمانَ أراه في الرحيلِ غنىً *** ولو إلى السّدّ أضحى وهو يزعمُهُ 16

وما مجاهدةُ الإنسان واصلةً *** رزقًا ولا دَعَةُ الإنسانِ تقطعُهُ

قد وَزّعَ اللهُ بين الخلقِ رزقَهمُ *** لم يخلقِ اللهُ من خَلْقٍ يُضيّعُهُ

لكنهم كُلِّفُوا حرصًا فلست ترى *** مسترزقًا وسوى الغايات تُقْنعُهُ

والحرصُ في الرزقِ والأرزاقُ قد قُسِمَتْ*** بَغِي ألّا إنّ بَغْيَ المرءُ يصرعُهُ

والدهرُ يعطي الفتى من حيثُ يمنعُهُ *** إرثًا ويمنعه من حيثُ يُطْمعُهُ

استودعُ اللهَ في بغدادَ لي قمرًا *** بالكرخِ من فَلَكِ الأزرارِ مَطلعُهُ

وَدّعتُهُ وبِوُدّي لو يُودّعُني *** صفو الحياةِ وأنّي لا أُودعُهُ

كم قد تشفع بي أن لا أفارقه *** وللضرورة حالٌ لا تُشَفّعُهُ

وكم تشبثَ بي خوفَ الفراقِ 17 ضُحىً ***  وأدمعي مستهلاتٍ وأدمعُهُ

لا أكْذِبُ اللهَ ثوبُ الصبرِ مُنخرقٌ *** عنه بِفُرقَتِهِ لكن أُرَقِّعُهُ

إنّي أوسع عُذري في جنايته *** بالبينِ عني وجُرمي لا يُوَسِّعُهُ

رُزقتُ مُلكًا فلم أُحسن سياستَهُ *** وكُلّ من لا يسوس المُلكَ يخلعُهُ

ومنْ غدا لابسًا ثوبَ النعيمِ بلا ***  شُكْرٍ عليه فإنّ اللهَ ينزعُهُ

اعتضتُ من وجهِ خِلّي بعد فُرقته *** كأسًا أُجرّعُ منها ما أجرعُهُ

كم قائلٍ لي (ذُقتَ البينَ) قلتُ له *** الذنبُ والله ذنبي لستُ أدفعُهُ

ألا أقمتَ فكان الرشدُ أجمعُهُ *** لو أنني يومَ بانَ الرُّشدُ اتبعُهُ

إنّي لأقطعُ أيامي وأُنفدها *** بحسرةٍ منه في قلبي تُقَطّعُهُ

بمن إذا هجعَ النوّامُ بِتُّ له *** بلوعةٍ منه ليلي لستُ أهجعُهُ

لا يطمئِنُ لجنبي مضجعٌ وكذا *** لا يطمئنُ له مُذ بِنْتُ مَضجعُهُ

ما كنتُ أحسبُ أن الدهرَ يفجعني *** به ولا أنَ بي الأيام تفجعًهُ

حتى جرى البينُ فيما بيننا بيدٍ *** عسراءَ تمنعني حظّي وتمنعُهُ

قد كنتُ من ريبِ دهري جازعًا فرقًا *** فلم أَوقَّ الذي قد كنتُ أجزعُهُ

باللهِ يا منزلَ العيشِ الذي درست *** آثاره وعفت مُذْ بِنتُ أربعُهُ

هل الزمانُ معيدٌ فيك لذتنا *** أم الليالي التي أمضَتهُ تُرجعُهُ

في ذمة 18 اللهِ مَنْ أصبحت منزله *** وجاد غيثٌ على مغناك يمرعُهُ

من عنده لي عهد لا يُضيّعه *** كما له عهدُ صدقٍ لا أُضَيّعُهُ

ومَنْ يُصدّعُ قلبي ذكره وإذا *** جرى على قلبه ذكري يُصَدِّعُهُ

لأصبرنَّ لدهرَ لا يمتعني **** به ولا بي في حالٍ يُمَتِعُهُ

علمًا بأن اصطباري مُعقب ٌ فرجًا *** فأضيقُ الأمر إن فكّرتَ أوسعُهُ

عسى الليالي التي أضنت بفُرقتنا *** جسمي ستجمعني يومًا وتجمعُهُ

وإن ينل أحد منا منيته 19*** فما الذي في 20 قضاء الله يصنعُهُ

من البحر البسيط: مستفعلن/فاعلن/ مستفعلن/ فاعلن *** مستفعلن/فاعلن/مستفعلن/ فاعلن

 وعلى الهامش ورد ما يلي: من تختم بالعقيق ولبس البياض الرقيق وتفقه في مذهب الشافعي وحفظ قصيدة ابن زريق فقد حاز الزرف(الظرف) كله والله أعلم.

عدد الأبيات : 40 بيتًا. وفي كشف الظنون لحاجي خليفة: 41 بيتًا.

هوامش وملاحظات:

1.في الأصل بن، وكذا في جميع المواضع.

2.في الاصل: بنة.

3. هذه قراءتنا للكلمات الثلاث المتراكبة.

4. في الأصل: ذالك وكذا في جميع المواضع.

5.في الأصل: ووالدعاها.

6. في الأصل: دينار.

7.في الأصل: ذالك.

8.في الأصل: فبذالك.

9.في الأصل: إتنوا به.

10. فحصوا بالعامية تعني فتشوا.

11.في الأصل: مال كثير.

12. تفرقعت: ماتت من شدة الغيظ.

13. وفي رواية أخرى: ضُيّقتْ. وانظر: نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار، لعبد الرحمن بن درهم، ج1، ص 121:  فضيّقت.

14. أحلى عشرين قصيدة حب، فاروق شوشة، ص 166: التشتيت.

15. في مصارع العشاق، ص 4: عزم إلى سفر بالرغم يزمعه.

16. في طبقات الشافعية للسبكي، ج1، ص 220: يزمعه. الصفدي، الوافي بالوفيات، ج6، ص 397: مربعه. وفي ثمرات الأوراق لابن حجة، ج1، ص 162(الوراق): إذا الزماع.

17. في طبقات الشافعية للسبكي، ج1، ص 220: يوم الرحيل.

18.في الأصل: ذمت.

19. الصفدي، الوافي بالوفيات، ج6، ص 398: وإن تغلّ أحدًا منا منيته.

20.العاملي، الكشكول، ج1، ص 95(المكتبة الشاملة)، البتلوني، نفح الأزهار في منتخبات الأشعار، ص 7: بقضاء.

***القصيدة و/أو شذرات منها تجدها لدى: عبد الوهاب بن علي السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، ج1، ص 220-223، السراج القاري، مصارع العشاق، دار صادر بيروت، ج1، ص 4-5، صلاح الدين الصفدي، الوافي بالوفيات، ج6، ص396، العاملي، الكشكول، ج1، ص 93-94. ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، ج10، ص 532-533(المكتبة الشاملة)، فاروق شوشة، أحلى عشرين قصيدة حب في الأدب العربي، دار الشروق، 1991، ص 165-171. 

وسوم: العدد 705