رواية "حرام نسبي" لعارف الحسيني في اليوم السابع

clip_image002_17d2d.jpg

ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني رواية "حرام نسبي" للأديب المقدسيّ عارف الحسيني، الصادرة عام 2017 عن دار الشّروق للنّشر والتّوزيع في رام الله وعمّان، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها مجد عسّالي في 312 صفحة من الحجم المتوسّط.

وهذه الرّواية هي الثّانية للرّوائي الحسيني بعد روايته الأولى "كافر سبت" التي صدرت عام 2012 عن دار النّشر نفسها.

بدأ النقاش ديمة جمعة السمان فقالت:

بين الحرام النّسبي.. والعيب النّسبي

خطّ عارف الحسيني روايته من منطلق إيمانه باهمية دوره.

 وثقته بقدرة قلمه على إيصال صرخة المقدسي إلى العالم.

"حرام نسبي" عنوان رواية مثير للجدل، هل قصد الروائي حرام نسبي أم عيب نسبي؟ الحرام له علاقة بالدين، فالحلال بيّن والحرام بيّن، أمّا العيب فله علاقة بالمجتمع وثقافته، فتنطبق عليه النسبية وفق المجتمعات وتطورها وحضارتها واعتقاداتها وعاداتها وتقاليدها. وقد أحسن الكاتب اختيار العنوان الذي بالتأكيد يفتح بابا للنقاش من الصعب اغلاقه، وهذا يسجل لصالح الروائي وروايته.

الرواية هي جزء ثانٍ من ثلاثية، كان جزؤها الأول بعنوان ( كافر سبت)، ففي الجزئين لم يكتف الحسيني بالحديث عن القدس بشوارعها وأزقتها وعاداتها وتقاليدها ولهجتها، بل تحدث أيضا عن نسائها وطقوسهن، وعن  شبابها المثقفين الذين يعيشون ازدواجية لا يحسدون عليها، فهم يؤمنون بشيء ويمارسون شيئا آخر، فموروث العادات والتقاليد لا زال يحكم.

 تطرق الكاتب إلى  ظروف القدس الاستثنائية، إلى عزلتها عن أخواتها من المدن الفلسطينية الأخرى، لامس ألمها، ولكنه لم ينس أملها، صوّرها بليلها ونهارها، وبالمتناقضات التي فرضت نفسها عليها وعلى مواطنيها، وثّق ما يحاول الاحتلال محوه مع الزمن. لم يكتف بأن يدخل القاريء البيت المقدسي الفلسطيني ويطلعه على عاداته وتقاليده، بل مسك بيد القاريء وأدخله بيت المحتل وعرّفه على عاداته وتقاليده ومعتقداته كيهودي، نصّب نفسه سيّدا، وآمن بأن الله  خلق البشر جميعا ليكونوا عبيدا له.

خطّ الحسيني روايته من منطلق إيمانه بأهمية دوره، وثقته بقدرة قلمه على إيصال صرخة المقدسي إلى العالم. بادر في طرح قضية القدس التي من الصعب أن يستوعبها أو يشعر بمرارتها سوى من يعيش داخل المدينة المقدسة بتفاصيلها المعقّدة.

ما فاجأني حقيقة أن معظم الرواية جاءت على لسان امرأة،  مع أن الرّاوي هو رجل. أفهم  أن يتحدّث (الراوي الرجل) بلسان امرأة عن الواقع المعيشي في داخل مجتمعه بشكل عام، وهو بذلك يكون ضمن منطقة الأمان، أمّا أن يغوص في داخل النفس الأنثوية وأحلامها، طبيعتها الفسيولوجية والسيكولوجية والتقاط أحاسيس معينة والحديث عنها بهذا العمق وهذا الاتقان! فهذا لا شك أمر يحسب لصالح الكاتب. فالأمر ليس سهلا على الاطلاق، فمن المعروف أنّ التركيبة الفسيولوجية والسيكولوجية للمرأة تختلف كثيرا عن الرجل، وقد يكون هذا الاختلاف هو السبب الحقيقي وراء الخلافات الزوجية التي تؤدي إلى فشل العلاقة بينهما، وقد ظهرت مؤخرا ظاهرة الدورات المصممة من قبل علماء متخصصين بعلم النفس للجنسين؛ لدراسة طبيعة الآخر للحد من نسبة الطلاق التي ارتفعت نسبتها كثيرا في الآونة الأخيرة، مع العلم أن الحسيني  متخصص بعلم الهندسة والفيزياء البعيد كل البعد عن علم النفس.

ما لفت نظري في الرواية أن الكاتب كان يكتب المشهد مرتين، الأولى من وجهة نظر الشخصية الأنثوية، وفي فصل آخر يعيد كتابة المشهد من وجهة نظر الشخصية الذكورية. وقد نجح بذلك أن يعطي كلا من الجنسن حقه. كان كل مشهد بوجهين، يحمل بعدا ثنائيا، فكنا نتعاطف مع الأنثى في المشهد الأول، لنكتشف عند الاطلاع على الوجه الآخر أننا ظلمنا الرجل. فنتوه بين الوجهين؛ لنخوض في جدال يعمّق رؤيتنا للمشهد، لنكتشف أنّ الأنثى والرجل سويا كانا ضحية الاحتلال.

حورية..  كانت تمثل شريحة من النساء المقدسيات.. مثقفة.. تحمل شهادة جامعية تعمل بها في مجال الاعلام المكتوب، معتدة بنفسها، ترفض أن يدوس كرامتها أي رجل، حتى ولو كان حبيبها.

 كما كانت سميرة تمثل شريحة أخرى منهن، الشخصية الضعيفة المستكينة الخاضعة لزوجها كروم.. الذي يدوس على كرامتها وهي راضية بذلك غير معترضة.

وهناك رقية الانسانة البسيطة التي تعمل عند صاحب المصنع اليهودي، تركض خلف لقمة العيش، وتؤمن بكل ما يقول وليّ نعمتها، فهو العلّامة ومصدر المعلومات المؤكدة مهما كانت، وفي الوقت نفسه تكون ضحية استيلاء المستوطنين على منزلها وترحيلها من الحي.

أمّا ( هو)،  فقد كان يمثل الرجل المقدسي الفلسطيني التائه، فهو المثقف والمناضل الذي لم يجد له مكانا يحتويه. ولا عملا يجد نفسه فيه بعد خروجه من المعتقل، بقي في عزلته حتى آخر أيامه، لذلك استصعب الكاتب أن يطلق عليه أي اسما، فبقي "هو".. هو الرجل الذي تاه بين حبه وكبريائه وكرامته وقناعاته ونضاله وعلمه والجري خلف لقمة العيش، يتأرجح بين ما يؤمن به وما يفرضه عليه مجتمعه من عادات وتقاليد زرعته فيه ثقافته، فنمت في كل خلية من خلاياه وكبرت، ليعيش ويموت وهو غير راضٍ عن نفسه وعلى كل من حوله.

أمّا نبيه فهو يمثل شريحة متواضعة جدا من الرجال المقدسيين.. لذلك استحق أن يطلق عليه اسم "نبيه"

وينتهي الجزء الثاني من الثلاثية ( حرام نسبي) نهاية مفتوحة، تزيد من تشويقنا إلى الجزء الثالث والأخير الذي سيتحدث عن مرحلة نعيشها حاليا، تصنعها يوميات  المواطن المقدسي. ويوثقها عارف الحسيني بقلمه الذي يحمل نكهة العارف بخفايا الأمور، فهو المواطن الشاهد على ما يجري، علّ الأيام القادمة تحمل في طياتها القسم الأكبر من الأمل والتفاؤل والسعادة، يستعين بها أحفادنا ليعيشوا حياة أكثر أمنا وأمانا.

وقال جميل السلحوت:

القارئ لروايتي عارف الحسيني سيجد أنّ الرّواية الثّانية تأتي استكمالا للرّواية الأولى، فكلا الرّوايتين تتكلّمان عن القدس والمقدسيّين، بحيث أنّ الثّانية تشكّل جزءا ثانيا للأولى، مع أنّ كلّا منهما مستقلّة بذاتها، ويمكن قراءتهما منفردتين، وهذا يسجّل لصالح الكاتب وحنكته وقدرته على السّرد.

العنوان: جاء في صفحة 107 :" فلا يحدّثني أحد من بعد عن الصّحّ والخطأ، ولا عن المنطقيّ وغير المنطقيّ، بل حدّثوني عن الحرام النّسبيّ، الذي يتلاعب به الأقوى، ليفصّله على مقاسه، أخبروا أبناء المستقبل أنّ الحرّيّة هي لمن يستطيع امتلاكها وليست لمن يستحقّها". وهذا تفصيل للحكمة القائلة:"الحرّيّة تؤخذ ولا تعطى."

والقارئ الحاذق لروايتي عارف الحسيني، سيجد نفسه أمام أديب خاض مجال الرّواية بقوّة وتميّز منذ روايته الأولى، ولا يحتاج القارئ لذكاء خاصّ حتّى يعرف أنّ كاتبنا يركّز على مدينته القدس التي ولد فيها أبا عن جدّ، وترعرع في حاراتها وأزقّتها وأسواقها ومدارسها ومساجدها وكنائسها، وبالتّالي فإنّ القدس تسكنه كما يسكنها هو نفسه.

    وفي رواية "حرام نسبي" وبالرّغم من أنّ الكاتب قسّمها إلى فصول، إلا أنّه أورد عشرات بل مئات الحكايات والقصص عن القدس وناسها، وتحمل هذه الحكايات في ثناياها تقاليد وعادات وأقوال وبعض الألفاظ المقدسيّة، عاشتها ثلاثة أجيال مقدسيّة من حوريّة الجدّة وابنتها اللتين جاءتا من الرّيف، وتزوّجت ابنتها من مقدسيّ، لتنجب ولدا وبنتا حملت اسم جدّتها "حوريّة"، ويلاحظ أنّ الجزء الأعظم من الرّواية جاء على لسان "حوريّة" الحفيدة، فهي "تبوح بما حملته معها عن الحياة والموت، عن الحبّ والزّواج، عن الفتاة والمرأة والرجل في مجتمع يعاني من قهر الاحتلال، وتذود عن حرّيّة روحها بكل ما لديها من عنفوان، فتنجح هنا وتفشل هناك، لكنّها تبقي الحبّ هاجسا وموجّها نحو الحرّيّة.

كما يلاحظ أنّ الرّواية رواية نسويّة بامتياز، ودور الرّجال فيها ثانويّ. وكأنّي بالكاتب يريد أن يطرح مسيرة المرأة المقدسيّة ومعاناتها من بطش الاحتلال، ومن سطوة المجتمع الذّكوريّ.

" والرّواية رواية مكان بامتياز، إذ نجد جلّ أحداثها في القدس القديمة وعقبة السّرايا والتكية، وتمتد إلى خارج السور في باب السّاهرة والشّيخ جرّاح وشارع صلاح الدّين والزّهراء وبيت حنينا."

وإذا كان المكان "القدس" يتعرّض للعسف والاغتصاب، فإنّ الإنسان هو الآخر يعاني، من تقاليد بالية تقيّده، ومن عسف احتلال يقيّد حرّيّته وينتهك حرماته وكرامته.

فحوريّة كانت تستمع مباشرة أو من خلال استراق السّمع في طفولتها لأحاديث "الآنسات" الدّينيّة، وحكايات النّساء في جلسات تعقد في بيت جدّتها حوريّة، فإنّها تربّت في حضن أب ماركسيّ، وتزوّجت من أسير محرّر يكبرها بسنوات، يعاني من البطالة، ليختلفا ويتطلّقا لاحقا دون أن ينجبا، ولتقع في ألسن النّاس وما يحيكونه من شبهات حول المرأة المطلّقة، خصوصا بعد بقائها في البيت وحيدة بعد وفاة أبيها، ولتقع لاحقا بغرام شابّ "نبيه" جمعتها به الصّدفة في طائرة أثناء عودتهما من رحلة إلى الولايات المتّحدة، ولم تنج من اعتداء المستوطنين عليها وعلى زائريها في البيت الواقع في الشّيخ جرّاح أحد أحياء القدس.

ويلاحظ أنّه جرى تغييب شقيق حوريّة، فبعد انهائه للمرحلة الثّانوية سافر إلى الأردن، ولم يعد حتّى أنّه لم يحضر جنازة أبيه، وفي هذا إشارة ذكيّة إلى هجرات أبناء العائلات المقدسيّة من مدينتهم واستقرارهم خارج الوطن.

ولم تقتصر المعاناة على حوريّة الحفيدة فقط، بل تعدّتها إلى زميلتها سميرة التي تزوّجت، وتمّ اصطحابها صباح زفافها إلى طبيب للتّأكد من عذريتها، ليتبيّن أنّ بكارتها من النّوع المطاطيّ الذي لا يزول إلا بالولادة.

وتطرّقت الرّواية بشكل سريع وذكيّ أيضا إلى موقف أبناء العائلات المقدسيّة من أبناء الرّيف ونظرتهم الدّونيّة لهم، فقد حذّرت الجدّة "حوريّة" عند زواج حفيدتها من أصول العريس القرويّة، رغم أنّها نفسها تنحدر من أصول قرويّة.

الأسلوب: اعتمد الكاتب في سرده على ضمير "الأنا" وجاء غالبيّة السّرد على لسان "حوريّة" الحفيدة، ورغم أنّ الكاتب قسّم روايته إلى فصول، إلا أنّها مترابطة، لتشكّل رواية متماسكة، لا ينقصها عنصر التّشويق.

اللغة: لجأ الكاتب إلى اللغة الفصحى والبليغة، ولم يلجأ إلى اللهجة المحكيّة المقدسيّة إلا قليلا، لتكون ذات دلالات بخصوصيّتها، لكنّ الرّواية لم تخلُ من بعض الأخطاء اللغويّة والنّحويّة.

وماذا بعد: تشكّل الرّواية إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة والعربيّة، خصوصا فيما يكتب عن القدس الشّريف.

وكتب محمد عمر يوسف القراعين:

  رواية "حرام نسبي" للأديب المقدسيّ عارف الحسيني، الصادرة عام 2017 عن دار الشّروق للنّشر والتّوزيع في رام الله وعمّان، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها مجد عسّالي في 312 صفحة من الحجم المتوسّط.

الرواية مكتملة العناصر لغة وموضوعا، تعالج في مجملها مشاكل المرأة في مجتمعنا الأبوي الذكوري، وخاصة مشاعرها الداخلية، وهي تنتظر الشريك المناسب، الذي يقبلها مساوية له ولا ينفر من تميزها. ومع شمولية الرواية، إلا أنها قدمت لنا صورة مشوشة عن الزواج، فالتقليدي فيه كبت للمرأة التي يجب عليها القبول بالحرية النسبية، كما أن الزواج عن حب وتوافق لم ينصفها أي المرأة، لأن حبيبها لم يقبل أن تتميز عليه زوجته، فهرب إلى من تنجب له الأولاد.

وقد أعجبتني النسبية التي تظهر في معظم زوايا الرواية، كما تبدو في  كل نواحي حياتنا. أنا ألجأ إلي النسبية ببساطة، عندما يسألني البعض عن الصحة والأحوال، فأجيب قائلا: بالنسبة لسني أنا مْليح. وهذه عين الرضا، فلا أنسب للمطلق بل للمتغير. وأينشتاين شرح لنا نسبيته بشكل مبسط، كيف أن الشعور بالوقت أثناء انتظار دور الطبيب، يختلف عنه مع شلة أنس، مع أن الوقت هو الوقت. والحرام النسبي يظهر في بعض آيات القرآن الكريم، إذ تقول الآية الكريمة: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان". فالخطأ نسبي بالحَلف بالله. والبعض يقول: اليمين بكسر الهاء غيره بعدم الكسر. وفي الحديث الشريف أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يطلب إقامة الحد عليه، فحاول أن يثنيه عن طلب التهلكة قائلا: لعلك قبلت، لعلك لامست...إلخ، ليكون الجرم مخففا.

وعودة للرواية، فالنسبية في كل شيء هي الخط الموجه لحياتنا، تقودنا منظومة المصالح ولا تردعنا مبادئ الصواب والخطأ، والحرية هي لمن يستطيع امتلاكها وليس لمن يستحقها.

والبطلة حورية تتحدث عن أبيها الملقب بالشيوعي، الديمقراطي الليبيرالي مع التحفظ والنسبية، الماركسي في الشارع، والذي لا يمارس خلاف ما تفرضه الرجعية المطبقة على مجتمعنا في بيته. وهذه ربما من أكبر مفارقات الازدواجية في السلوك. ونظرة الناس لشخص ما نسبية: فرئيسة تحرير المجلة نظرت لشكل حورية، المنهك من أعباء العيش، فعكس أمامها نموذجا لكاتبة حكيمة مجربة متمردة موهوبة في الكتابة، ربما بسبب شعرها الأشعث، وعدم اهتمامها بالمكياج أو انتقاء ملابسها بعناية، بينما هي في الواقع منهكة من تفاصيل الحياة اليومية، والحالة الرمادية لعلاقتها الزوجية.

 كما أن هذا الوضع وخيبة أملها جعلها تصنف الهزائم لراحتها إلى نوعين: الأولى تنتهي مهما طال الزمن فيلتئم الجرح، والثانية لا تنتهي أبدا وتصبح عقدة غبية لا تتخطاها. والديمقراطية شيء نسبي عند سميرة، وهي أن زوجها مش رايح يتدخل فيها، بتفيق إيمتى ما بدها وبتجلي إيمتى ما بدها، المهم يكون الأكل جاهز عميعاد ترويحته.

أما النسبية التي لفتت انتباهي أكثر من غيرها في قانون الأحوال الشخصية، فتبدو ظاهرة في وثيقة الطلاق، من تمييز بين الرجل والمرأة، حيث تُبرئ المرأة زوجها إبراء تاما، مقابل أن يطلقها طلاقا تملك به نفسها، أي أنها أثناء فترة الزواج لا تملك نفسها، بينما هو يملك نفسه متزوجا أو مطلقا.

الرواية اجتماعية، ولكن المكالمة في الفصل الأول توحي بشيء من الحيرة والتشويق المعلق كما يقولون  a novel of suspense، كما في الروايات البوليسية. فحورية تهرع إلى بيت حبيبها على إثر مكالمة، ولا نكتشف سر حضورها لتلقى النظرة الأخيرة عليه وهو على فراش الموت إلا في آخر فصل منها، وبين الأول والأخير فصول عدة.

وكتب ابراهيم جوهر:

إنها رواية الإنسان في القدس بروحه وأحلامه ولهجته وحصاره واغترابه ومصادرة بيته وبيت جيرانه. رواية التّحدّي الذي تقوده فتاة مقدسية فتتغلّب على المعيقات التي تعترض طريق حياتها وتصرّ على إثبات ذاتها وتحقيق أهدافها.

تمثّلت براعة الكاتب "عارف الحسيني " في الغوص إلى أعماق الشخصية نفسيّا وفكريّا فنقل "مونولوجها" مما قرّبها للقارئ فتعاطف معها وأحبّها لتقوده وهو مستمتع ليقرأ ما ترويه بضمير المتكلّم تارة، وبأسلوب اليوميات تارة أخرى.

وقد أجاد الكاتب الرّوي بضمير الأنا الأنثوية ليوصل رسالته التي تتناغم مع شخصيات "نوال السّعداوي" الأنثوية. كما بدا التّناص جليّا مع إبداعات آخرين بما أغنى الفكرة – الرّسالة.

هذه رواية تثقيفية تحتجّ على العادات البالية وتدعو للتّغيير بما يحمي النفس البشرية من الضّياع والذّوبان، فأسلوبها الجميل ومضمونها الصّادم بجرأة الطّرح وانتقاد المواقف يدعوان للتّفكير والتغيير .

وقالت هدى عثمان:

تبدأ  الرواية بلغة سردية على لسان بطلة الرواية الشابة حورية في عشرة فصول، إلا أنه  يحدث انعطاف إلى ضمير المنفصل هو في الفصل السابع ،ويبدأ الأسير بالحديث عن ظروف سجنه وأثره على علاقته مع حورية.

حورية هي بطلة الرواية من قرى القدس تروي قصة زواجها حين قدمت إلى القدس، وما عانته  بسبب عدم حملها إلى أن تطلقت من زوجها الأسير المحرر رغم حبه لها، وثم رجوعها إليه في نهاية الرواية استجابة لندائه الأخير، وهو يحتضر، وعدم اهتمامها لرأي الناس بسبب علاقتها وارتباطها بحبيبها نبيه .

حورية هي الأنثى التي تثور، تتألم، وتنتقد العادات  التي سمعتها من جدتها حورية  وأُخرى عانت منها هي نفسها، فتعتبرها نسبيا حرام.

  تقول  حورية  من خلال الرواية المجتمع تسوده النّسبية في كل شيء، هي الأنثى التي لا يفهمها العالم، فتنتقد الأُمور التي عانت منها كعادة انتظار العروسين خلف الباب، وانتظار الرؤية الشرعية  لفض البكارة، واللجوء إلى مساعدة من إحدى النساء الخبيرات لتدليك الرحم من أجل تسريع الحمل، إلا أنها تفشل في الانجاب ويتم طلاقها من الأسير المحرر  .

في الرواية يرن خلخال القدس بداية بالأماكن حيث أسوار البلدة القديمة، عقبة التكية، والسرايا، وثم خارج الأسوار، الأسواق والمحلات التجارية، المصرف، البريد  والمقابر .

يرن بأسماء الشوارع  وأحيائها الشيخ الجراح، بيت حنينا، شارع صلاح الدين، ابن بطوطة وغيرها .

يرن في صندوق المرضى، مكتبة البلدية، التأمين الوطني، وبيت العزاء، المحكمة الشرعية، السجن،  المرور عبر حاجز الزعيّم، صور لهموم المواطن المقدسي من ضرائب مفروضة، وبيت مهدّد بالهدم لعدم وجود رخصة، وحتى الأغاني العبرية ترن في القدس، ويكون الكاتب صريحا في نقله لصورة من صور القدس من خلال الإشارة إلى مغازلة الشباب للبنات في الشارع، ولبس بعض الفتيات المحجبات للبنطال، وفي الرواية  نشم رائحة مصطلحات عبرية، القبعة المنسوجة" الكيباة "و مصطلح" الحاريديم "اليهود المتشددين، وذكر عادات اليهود عندما يحتفلون بأبنائهم حين يصلون لسن البلوغ بحفلة يقيمونها ذات طقوص معينة

كما وذكر الكاتب على لسان حورية صورة استيلاء اليهودي على بيت رقية جارة حورية في البلدة القديمة من خلال إبراز شخصيتي تسفيكا ورونيت .

 الرواية تمنح القارئ هوية معرفة للتعرف على ماهية الهوية الزرقاء، التي يستعملها الإسرائيلي والفلسطيني من القدس وداخل ما  يسمى بالخط الأخضر.

كما  ويشير الكاتب إلى جغرافية المستوطنات والتعريف بهبة النفق أسفل المسجد الأقصى. وتشير إلى أن المقدسي يتقاضى مخصصات تأمين للأولاد من قبل السلطات الاسرائيلية ، ويمنحنا للتعرف على مضمون كتاب تحفة العروس الذي هو المرجع المهم للدخول للحياة الزوجية.

 أشار الكاتب إلى أثر السجن على علاقة حورية وزوجها بعد أن جمعتهم الشاعرية وتفاصيل النضال ففرقهم الواقع وقهر الإحتلال.

أشار الكاتب لقضية الأسير المقدسي المحرر بصورة خاصة، وتعرضه لصعوبة وجود عمل، كما وأشار إلى  قضية تهريب النطفة من السجن .

قسم الكاتب الرواية إلى عشرة فصول، وكانت الرواية طويلة بحيث يمل القارئ من كثرة المشاهد السردية التي تمتلئ بالأماكن والتعريفات مما يجعله  يقرأ موسوعة وليس رواية. 

اللغة بسيطة مفهومة بصورة سردية، يستشهد الكاتب بالأمثال الشعبية وأحيانا لغة شعرية،  والحوار بالعامية باللهجة المقدسية. ينتقل من لسان الأنا المتكلم لضمير الغائب هو .

هنالك بعض الملاحظات الصغيرة التي لفتت انتباهي من خلال قراءتي للرواية تمنيت لو تجنبها الكاتب.

كذكره إسم البنك( بنك ديسكونت) كان بإستطاعته أن يبدله بكلمة المصرف الإسرائيلي مثلا، ذكره لبعض المحلات التجارية بأسمائها الحقيقة .

استخدام مفردات ليست فصحى "باص" بدل "حافلة."

وكتبت آمال القاسم:

رواية من 10 فصول، لوحة فيسفساء مقدسية نقشت بكل ألوان العذاب والمعاناة جسدت واقع كل الحوريات المقدسيات، رسمت حورية معالم وتضاريس القدس بوضوح وبساطة وسلاسة ولم تغفل شيئا، للوهلة أحسست أن هذه الحورية هي أنا بكل قسماتي وتفاصيل حياتي، لولا بعض التفاصيل الصغيرة، فحورية مثلت كل امرأة مقدسية كيف تكون مختلفة ومتميزة، كيف تواجه الضغوطات والتحديات، وكيف تحلم وتحب، وكيف تستغل الظروف للقاء حبيبها أمام مكتبة البلدية بشارع الزهراء،  في عمارة الجندول التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى مطعم الجندول الذي كان مكانا للعشاق والمثقفين؛ لتناول "الآيس كريم" وحورية المرأة التي تنقل حبيبها عبر الحواجز العسكرية بسيارتها ذات اللوحة الصفراء، واقع المرأة المقدسية التي اكتفت بعشق لون عيون حبيبها غير آبهة للون بطاقته

حورية المرأة التي لا تعرف الفشل الطموحة المقدامة، والتي لا يتقبلها المجتمع كانسانة قوية، لا أحد يريد أن يتعامل معها كعقل مستقل وحرّ، يريدها المجتمع جسدا تابعا، ليشبع شهوات الرجل، حتى أنها تعرضت للتحرش في العمل من قبل مدير الصحيفة التي عملت لديها، حورية التي عانت من استعباد الرجل لها ونزعة التملك لدى الرجل الفلسطيني، فحتى بعد طلاقهما يغار عليها ويراقبها ويحاسبها عن علاقاتها الجديدة، لم يتنازل عن حق الملكية.

لا تفاجئني ثقافة وقوة شخصية حورية التي تثقفت من كتب الدكتورة نوال السعداوي والتي اشتهرت كتاباتها بتحليل العلاقة بين الرجل والمرأة، لا زلت أذكر أول كتبها الأنثى هي الأصل والمراة والجنس.

أن تبني حورية ثقافتها على هذه الأدبيات فلا شك أنها ستكون محط الأنظار ومثيرة للجدل، وستتعقبها العيون أينما استدارت وستتحدث عنها كل الألسن، إنه ثمن التمرد على ثقافة تقليدية رجعية في سبيل الحرية.

لم يكن مصادفة أن يكون هناك حوريتان الكبيرة والصغيرة، فهكذا دأبت العائلات على تسمية البنت الأولى باسم والدة الزوج، وهي مثلت الجيل الجديد، وحورية الجدّة التي أتت مغمضة، وفتحت عينيها فيما بعد، ولكن فاتها الكثير من جمال الطريق إلى القدس في زمن الجيل الأول.

النهاية كانت البداية

من النهاية انطلق كاتبنا يتصفح مرارة الماضي ببؤسه وفقره وبساطته، وكأنه يضعنا على بركان يكبر ويكبر حتى يتم التحول الكامل، ويصل لحظة الانفجار، إنه بركان الانتفاضات والثورات العلمية والتقدم التكنولوجي من استخدام الهاتف الثابت ذي القرص المتحرك، إلى استخدام الأجهزة الذكية وصولا إلى الانترنت والفيس بوك .

انشغل كاتبنا بتوثيق تفاصيل مدينته بانسياب دون تلعثم شارحا التفاصيل الدقيقة للمدينة، حاراتها وشوارعها وأزقتها، وأهمّ حاراتها داخل أسوار المدينة وخارجها عقبة السرايا والشيخ جراح ،الشارع رقم واحد وحاجز قلنديا وجدار الفصل العنصري، مؤسسة التامين المكان الوحيد الذي يقف فيه المرأة والرجل بخطين متوازيين.

وتحدث بلغة كل مقدسي، الطالب والشباب والأسرى والجدات والمثقفين والماركسيين والمتدينيين الأصوليين، ورصد هموم المراة ومعاناتها مع المجتمع الذكوري، معاناتها تحت الاحتلال، الزواج المبكر والعنوسة، فالبنت التي وصلت سن السابعة عشر هي عانس، وحورية بطلتنا عرضت للزواج في الخامسة عشرة، والنظرة الدونية للمرأة المتعلمة المثقفة باعتبارها فاسقة وصاحبة رذيلة، والنظرة إلى المراة المطلقة المشتبه بكل تحركاتها وعلاقاتها، يضع حورية في قفص الاتهام.

أمّا العادات البالية التي تمس بكرامة المرأة دون الرجل، فهو اجراء فحص العذرية والتأكد من عملية فضّ غشاء البكارة ليلة الدخلة، على مرأى ومسمع أهل البلدة باشهار الدليل القاطع على فحولة العريس.

حورية ليست شخصا مراقبا أو راويا، حورية مرت بكل هذه التفاصيل ونالت منها، آلمتها ودفعت ثمن رفضها لكل هذا الواقع، الذي سرعان ما يتغير ولا يثبت على حال، فالتحول الفكري من ماركسي إلى أصولي إلى التغيرات الاجتماعية والجغرافية، إلى الازدحام المروري في شوارع القدس والتلوث البيئي بسبب الحفريات وعمليات هدم المنازل، التي تهدف إلى تغيير معالم المدينة، إلى الانتشار المكثف للاستيطان، والسيطرة على منازل الفلسطينيين من قبل المستوطنين الأغراب، غير معالم منزل الجارة رقية في الشيخ جراح بوابة حديدية مرتفعة تعلوها الكاميرات ونقاط الحراسة. 

استخدم الكاتب اللهجات واللكنات القديمة للمقدسيين (يوو- عدوات –العصملي-الوشتي بمعنى حبيبتي، وشيتي بمعنى خاصتي) وغيرها ممّا أضفى على الرواية مرحا وجمالا وروح المداعبة.

أعجبني أسلوب الكاتب عندما استخدم أسلوب رواية المشهد الواحد الذي كان يرويه تارة برؤية حورية، وتارة برؤية نبيه وآخرين، كأنه يريد أن يؤكد على دقة الأحاسيس والمشاعر داعما بذلك شهادة حورية.

الرواية توثيق دقيقة لكل تفاصيل حياة المقدسيين، تحركاتهم ومعاناتهم مع الضرائب وسياسة التمييز العنصري، وبحثهم عن سبيل للرزق.

عمّو احمد / صديق والد حورية، هذا الرجل جسد رمزا للوفاء الذي أصبح نادرا، يعود ليتصل بحورية من الأردن التي هاجر إليها يحمل في طيات هاتفه أمرين يهتم بهما الرجل الشرقي عن بعد وعن قرب، القضية الأولى الميراث الشرعي، والقضية الثانية العرض والشرف ،كلاهما يلتقيان عند نقطة واحدة، كلاهما يورث أو ينتقل بالوراثة، فسمعة حورية المثقفة والمتحررة ابنة الرجل الشيوعي "الكافر"، وقصة فسقها تلازمها أينما حلت حتى وصلت الى الأردن، فهناك من همس بأذن أخيها ( ضب اختك) 273

وهاجس الفسق والرزيلة تسيطر على حورية حتى اضطرت إلى الكذب حول الأجنبية التي استأجرت منزل حورية، وصديقها الأصغر منها سنّا فادعت أنها خالته حتى لا يقال عنها أنها تروج للرذيلة ص 278 ، تقول حورية لم أقرر العودة للقدس إلا من بعد أن أدمنت حبوبا مهدئة للأعصاب تجعلني سعيدة تارة وتعيسة تارة أخرى.

هل حبنا للقدس أصبح كالجنون الذي لا يهدأ إلا بأخذ نوع من الحبوب المهدئة لتساعدنا على الاستمرار في الصمود، وتحمل الاوضاع القاسية للمدينة

أجاد الكاتب فن التشبيك بين المواضيع، والانتقال بسلاسة إلى موضوع آخر يوثق فيه حالة أخرى، في مسيرة المقدسيين ص 277 الانتقال للحديث عن المقاومة الشعبية السلمية وعن المتضامنين الأجانب لمقاومة جدار الفصل العنصري

"حاصرني الناس حتى وجدت مستأجرين أجانب جاؤوا ليعلمونا النضال السلمي

كانو قد جندوا أموالا للمقاومة الشعبية"

لم يتجاهل الكاتب دور الحركة الأسيرة ومعاناة الأسرى في التحقيق داخل الزنازين وبعد التحرر، حيث يعيش الأسير حالة غربة وصعوبة التأقلم، فبعضهم يقبل على الزواج لاشباع رغبة جنسية، بينما هو لم يتأهل للاندماج بالمجتمع، وتقبل الآخر، الأمر الذي عكس نفسه على طلاق حورية نتيجة التحول الكبير الذي سيطر على زوجها بعد اطلاق سراحه، عانى من الاكتئاب والتخبط وعدم تقبل الواقع الذي فرض عليه أن يعمل عتالا في مطعم فلافل، والذي اضطر للعمل فيه ليتجنب الحصول على حسن السلوك، الذي لن يحصل عليه بسبب كونه أسيرا سابقا، هذا الأمر الذي ألقى بظلاله على حياة حورية وزوجها، الذي طرد من العمل لكونه أسيرا سابقا، وخانته ذكوريته وفحولته، فلم ينجب الأطفال، وألقى بهذا الأمر على كاهل حورية حتى بعد أن أثبتت الفحوصات الطبية أنها لا تعاني من شي، هو هذا الرجل الشرقي الذي يتقبل كل الأمور الا المساس بفحولته العظيمة، وبحجة عدم الانجاب أطلق زوج حورية عليها ثلاث رصاصات: أنت طالق... أنت طالق أنت طالق، ظنّا منه أنه أرداها قتيلة، ولكن حورية بسبعة أرواح متجددة قوية لا تعرف الخوف كما لا تعرف الفشل بحياتها

تقول حورية: أنا ابنة القدس العظيمة، أنا حورية الأنثى المرأة الفخورة بأنوثتي، ولست (أخت الرجال) كما ظن أنه يمدحني بأن يجمعني بمن هم أفضل مني حسب رأيه "الرجال". لا أجدهم أفضل مني بشيء، لهم من القوة ما لها وعليها من الضعف ما عليها، أنا استحق المديح يا معشر الرجال؛ لأني حورية وليس لأني أخت أحد.

وكتبت نزهة أبو غوش:

"حرام نسبي" رواية نسويّة بامتياز

من النّاحية الفنيّة اختار الكاتب عارف الحسيني في روايته" حرام نسبي" طريقة سرد الرّواية بضمير الأنا، مرّة على لسان الأُنثى، ومرة على لسان الذكّر؛ علما بأنّ نفس الحدث كان يتكرّر، لكن بوجهة نظر تختلف أحيانا حسب المتحدّث،

عندما اختار الكاتب الحسيني شخصيّة حوريّة بطلة الرّواية ساورني الشّك بأنّ اختيار شخصيّة امرأة يعبر عنها، هو اختيار غير موفّق؛ لأنّني أعتقدت دائمًا بأنّه لا يعبّر عن المرأة إِلّا المرأة نفسها؛ لكنّي فوجئت بعكس ما كنت أعتقد. فقد أبدع الرّوائي عارف الحسيني في التّعبير عن مشاعر وأحاسيس وتطلّعات البطلة حوريّة، تلك المرأة المقدسيّة المتمرّدة، الّتي لم تسكت أبدا عن الخطأ المجتمعي، وتمرّدت على عادات وتقاليد كثيرة لم ترق لها؛ لأنّها رأت بأنّها تقف عائقا أمام تقدّمها ومسيرتها الفكريّة والعمليّة. ذكّرتني شخصيّة حوريّة ببطلة بوصلة من أجل عبّاد الشّمس للرّوائيّة الفلسطينيّة ليانا بدر. إِذا ما فكّرنا أن نعقد مقارنة ما بين الشّخصيّتين، فلا نجد فرقا من ناحية التّعبير عن مشاعر القهر والظّلم المجتمعي الواقع على المرأة. المرأة الّتي لم تنجب، المرأة المطلّقة، المرأة مسلوبة الحقوق والارادة، المرأة الّتي تتحكّم بها عادات وتقاليد مجتمعيّة بائدة. المرأة الّتي يرى المجتمع فيها مرتكبة الحرام، بينما لا تراه هي حراما؛ لأن الحرام هو نسبي حسب القناعات الدّينيّة عند كل شخص.

في رواية " حرام نسبي"  دخل المؤلّف إِلى بيوت وشوارع القدس. رصد عاداتها  وتقاليدها وخنوعها، وخوفها. في الفقرة الّتي عبّر فيها عن الكشف عن عذريّة سميرة صديقة حوريّة وعرضها على طبيب نسائي؛ كانت الصّورة معبّرة عن إهانة المرأة بأقصى الدّرجات: سأل الطّبيب ببرود: مين بدو يعرف أنت ولا أُمّك؟ أجاب "كرّوم " باستنفار:

-أنا وأُمّي وكلّ لبلد ص 105"

بيّن عارف الحسيني في روايته قساوة وبشاعة الاحتلال، ومدى سيطرته وسلطته على مدينة القدس. الهويّة الزّرقاء الاسرائيليّة هي بمثابة تأشيرة للمقدسي؛ كي يخطو على أرضه المحتلّة، فهو بالنّسبة لباقي الأراضي المحتلّة "إِنسان مميّز"! هذه المفارقة بدت واضحة من خلال عدّة صور تبيّن مدى حاجة المقدسي لمحتلّه ؛ من أجل لقمة عيشه، فمن تقبله المحلّات التّجاريّة في القدس الغربيّة للعمل عندها، فهو ملك زمانه. مثل بائع الفلافل – زوج حوريّة – الّذي طرد من عمله حين تبيّن بأنّ له ملفا أمنيّا ضد الاحتلال. في القدس نرى أشياء لا نراها في باقي المناطق مثل مدينة رام الله أو نابلس أو... السّجين الأمني مثلا عندما يخرج من سجنه في مدينة القدس، يظلّ محاصرا ومراقبا لا يقبله أحد للعمل ويخافون التّقرّب منه تماما مثلما حصل لبطل الرّواية؛ بينما في باقي المناطق، فإِنّه يكرّم وينال أعلى المناصب والدرحات. هذه صورة من بين مئات الصّور الّتي أبرزها الكاتب والّتي يجهلها الكثيرون في العالم.

أدخل الكاتب بعض العبارات، والمصطلحات العبريّة الّتي اندمجت بلغة المواطن المقدسي نحو " الرامزور" بدل الاشارة الضوئيّة.

على لسان الشّخصيّات عالج الكاتب بعض المواقف بشكل فلسفيّ ينمّ عن تجربة وثقافة المؤلّف، حيث أدخل أسماء بعض الرّوايات الّتي اطّلع عليها. مثل: جلجامش، كتاب الملل... وغيره.

هناك أحداث حصلت في القدس كان لها الأثر الكبير على نفسيّة البطل، مثل المقهى الّذي انهار نتيجة للأمطار والعواصف في شارع  السّلطان سليمان، كذلك انهيار المقابر وسقوط الهياكل العظميّة  فوق الرّجال تحت المقهى. لقد كانت هذه الصّورة مؤثّرة جدّا؛ لأنّها فعلا حدثت.

في الرّواية حضرت أمكنة وقعت عليها بصمات التّاريخ.

قال عارف الحسيني هذه هي القدس أيّها العالم. القدس شيء آخر يختلف عن كلّ المدن. في القدس يسكن اليهوديّ ملاصقا للعربي. في القدس تسلب البيوت من أصحابها. في القدس يلبسون الحجاب والقناع. في القدس متديّنون وماجنون. في القدس كلّ شيء مباح للمحتلّ. في القدس عمليات تهجير وتهويد، وتطويع، ومحو ثقافات. في القدس الانسان محاصر ومكافح؛ من أجل بقائه وكيانه. في القدس يسيطرون على أماكنك المقدّسة وينسبونها لهم. في القدس حبّ ومحبّين، لكن فيها يضيع الحبّ ويختفي. في القدس متمرّدون، وثائرون، ومقهورون.

رواية " حرام نسبي" تعتبر توثيقيّا لمدينة عاشت وما زالت تحتلّ مساحة كبيرة في صدر التّاريخ .

وقالت رشا السرميطي:

عارف الحسيني: روائي يمتلك مفاتيح القدس والأنثى

رواية حرام نسبي كانت بدايتها النهاية والرجوع للخلف، ثم تضمنت الحب وجنون عشاقه، والغرق بسبب التخلي وصولا إلى حرام نسبي ونسبية كل شيء في حياتنا، الرجل في تباين أدواره: أب وحبيب، وأخيرا الحقيقة. وقد ضمها الغلاف اللافت الذي صممه الفنان مجد عسالي إذ يحمل أقصوصة فنية لفتاة بالأسود طمست ملامحها، وقد أشرقت من عتمة حداد آلامها زنبقة بيضاء، وعلى رأسها وخصلات شعرها امتدت القدس، هناك في تلك المدينة تمكن الروائي الحسيني من امتلاك مفاتيح أسرار القدس والأنثى معا، روى لنا ما جرى مما لم نقرأه من ذي قبل، مستثمرا تفاصيل الحياة الاجتماعية والذاكرة المكانية من خلال بطلة الرواية بنت البلد "حورية".

تنقلت أحداث روايته عبر خيوط مبللة بالدمع؛ ليجر لنا ما تبقى من حزن فتاة تعذبت وغلبت على أمرها منذ ميلادها حتى موتها الأخير، وولادتها من جديد على ضفاف قلب نبيه الذي بوجوده بدأت تلتئم بعض جراحها وتسكن عذاباتها، لتقع بالحيرة بعد اتصال صديقة الطفولة سميرة، وما بين ميت تحبه تخون ذاك الحي الذي أوقدها بعد انطفاءات شاسعة، تتشابك أحداث الرواية وتشتد عقدتها، ثم تنفرج على حبال المواقف التي تمكن منها الروائي بحنكة واتقان. لقد وفق الكاتب باختيار العنوان اللافت – حرام نسبي- لينقل لنا مضمونا غريبا ومثيرا، ومن يقرأ الرواية يعرف بأن الكاتب تعدّى الحرام النسبي الذي يتلاعب به الأقوياء؛ ليخبرنا عن النسبية في عدة أمور منها: الهدوء، الحب، الكره، الموت الوطن، التيه الضياع، الامتلاك، الخلود، وغيرها من نسبية المشاعر الضارمة تحت لواء الحرية لمن استطاع أن يمتلكها وليس من يستحقها فحسب.

الاهداء الذي قدمه عارف الحسيني إلى "لور" الابنة التي زف لها والدها تعب الحياة وقسوتها، على وردها من النساء قد وشى بأنّ هذه الرواية كتبت لأجل المرأة، وهدفت إلى رفع لظى الظلم عن فخذيها وقلبها وعقلها وفكرها. وكم بدا غريبا لدى القارئ هذا التراجع! أن يبدأ الرواية من النهاية. نجح عارف الحسيني ببراعة باستدراج قارئه للخلف ممسكا به بأذرع سرد متينة ومشوقة، مقلبا صفحات هذا الماضي المسكون بالتيه والتعب المثقل على كاهل الأنثى في المجتمع المقدسي خصوصا، التي جلدتها عصيّ الحبيب الأم والأب والجدة والأخ والعادات والتقاليد وتناقضاتها الفردية أيضا. بدا الكاتب مراوغا ومشوقا لقارئه، بارعا في اشعال شرارة الفكرة في سرد موارب لتفاصيل اجتماعية يومية لا لون لها سوى الجري الخافت؛ لتعقب خطوات الأسطر، في محاولة لتوريطنا بشخصية مزدوجة حملت اسم الحورية: الأولى تسرد على سجيتها، والثانية تندب بصلابة، ومابين اتصال غامض يباغت حورية من صديقتها سميرة إلى مشهد غباش يحمل صورة الموت لمن كانت تهوى، ينتهي فصل نقل به عن النساء وابل بؤس العادات المجتمعية، وتحت سياط من الشتائم والهمس واللمز تدخل حورية قاعة فسيحة لترى ما لم نعرفه سوى في فصول لاحقة، بغموض يثير الفضول، يسرد الكاتب الأحداث وينتقد الاعتقادات التي لا تنتمي لاستناد علمي حقيقي، ويفيض بالبوح الداخلي لشخصيته الرئيسة حورية عندما تعرف ذاتها صفحة (35): أنا بنت البلد التائهة في زحمة الأحداث، أكظم غيظ الطفولة، وتتلألأ أمامي أحلامي كالبلور المبلول في شعاع الشمس..جئت بمكالمة هاتف وسأذهب بلا شك، فلا تتسرعوا بشتيمتي.

وربما كانت دلالته الخروج عن المألوف المنطقي والمتقبل الحقيقي الواقعي، هنا برز الحلم بحب يحطم الظروف والمواقف، يسترسل الكاتب بتحليل مفهوم الأنثى بقلم رجل وبجرأة لم أعهدها، يختار زمان السبعينات كبداية، يروي قصة رقية والأحداث إبان اندلاع الانتفاضة الأولى، ثم الثانية، يدخلنا بفلسفته في تفكيك المصطلحات العبرية مثل مصطح (رمزور)، الذي يعني الرمز والنور، ويمرر مأساة حقيقية يشهدها المارين من الشارع عند مفرق كركشيان، وعنصرية إشارة المرور، تتداخل العبرية في حياة من عاشوا بالقدس بعد الاحتلال آنذاك، يصف المفاتيح المدورة التي ترمز الآن للعودة عند كل فلسطيني، فقد كانت مفاتيح الأبواب قديما هكذا، وفي تداخل تاريخي بين الجارة رقية والجيران الجدد تسفيكا ورونيت يبدأ السرد عن اليهود، وتتضح ثقافة الكاتب ومعرفته واطلاعه عنهم، يكتب عارف الحسيني بلغة الناس العاديين، يومض لأهمية الكلمة، في مشهد يقدم به الزوج الذي تخلى عن زوجته كلمات متناسقة ومنمقة لاسترجاعها واستمالتها، يجرحها النسر لتخبره حورية لم يعد بالواد غير الحجارة، ولم يعد له بالقلب مكان، في ايقاع شذي يعزف به الرجل على جسد المرأة ينتهي الفصل، لنبدأ تاليه برغبة أشد من البداية الأولى.

الوصف المكاني الدقيق لمدينة القدس، والتسميات الصحيحة ما قبل الاحتلال التي اتخذ لها مرجعيات تاريخية ميزت رواية عارف الحسيني بهوية مقدسية، القارئ لروايته يشعر بأنه يعيش داخل القدس، يتلمس حجارتها، يشتم عبق شوارعها، يسمع أصوات ولهجة المارين، بدأ الكاتب بالفصل الثالث – حرام نسبي- يتغلغل لعمق أكثر في شخصياته، تحدث عن الآنسة ودرس الجدة حورية، وتلصص حورية الصغيرة لاستقراء مجاهل لا تعرفها عن الأنثى التي تعيش فيها، يبدأ الكاتب من غشاء البكارة ونظرة المجتمع للأنثى من فخذيها؛ ليصل قلبها وفكرها متمكنا من عقل أنثوي ببراعة، فكيف يكتب عنه رجل؟ وهذا ما أثار استغرابي إذ تقمص الكاتب جسد امرأة ليرفع صوت النساء، وكأنه العارف بنساء المدينة التي حاكى معظم تناقضاتها ومنغصات العيش فيها. انتقد التداخل الثقافي التركي لحياتها، تطرق لأثر الكتب التي نقرأها، ويشرح " بعض الكتب تغير حياتنا"، تموت الأم ويبدأ الحديث عن حفظ فرج الرجل وتجنبه للمعاصي بتزويجه، لكنه يأبى ذاك السكير اليساري، يصف باب الساهرة العامر بالورود وحياة جميلة اجتماعية كانت بذلك الوقت متداخلا بتداعيات اجتماعية حدثت بعد الاحتلال، وغيرت ملامح المجتمع والمدينة، يومئ للموت من خلال مشهد مقبرة باب الساهرة، وفي الموت دلالة النهايات، يصف المكان ويحكي تبدل الأسماء، يلعب على حبال مشاعر القراء ليستدعي الواحد والعشرين من آذار في سياق جميل تتذكر به حورية أمها التي توفيت في لغة أدبية رشيقة ورصينة في آن، يعود للتداخل الثقافي الجديد الذي طرأ على المجتمع إثر اندماج الشعب اليهودي والعمالة الفلسطينية عندهم يحكي عن البارمتسفا والبات متسفا، والصديقة الفاجرة لسبب وحيد هو عدم التزامها بالحجاب مقابل المنقبة سميرة زوجة كروم الذي أحكم سيطرته عليها بعد الزواج برسم المسموح والممنوع في تفاصيل حياتها، ليدلل عن الصراع الديني والاجتماعي والجنسي، يتحدث عن الأغاني الدينية حسب اعتقاد المتديين رغم أنها على موسيقى عادية، يصطاد الأحداث، يبرز تناقضات المجتمع، ليسلط الضوء على تحرش المسؤولين بالفتيات في العمل كتجربة حورية الصحفية ومديرها، وفشل كروم في فض بكارة سميرة وعيشها الذليل في كنفه واستبداد الرجل الشرقي بالفطرة، واستبداد المرأة حينما يسمح لها المجتمع بذلك في تدهور ثقافي وحضاري.

استخدم عارف الحسيني شخصية الأب ليلقي الضوء على الانسان الماركسي المنفتح الذي يسكر ولا يأبه بالحياة والدين، تحدث عن الحاجز بعد اقامة الجدار، ومعاناة المقدسي من خلال كنبة تخرج من الحاجز ويصعب دخولها، يعود للموت الذي يبني ويهدم في الذات ويغلق ويفتح آفاق فيغيرنا ضمن حيز – كفر نسبي- يفصل هنا بين الإنسان وبين توجهاته الدينية وعاداته السلوكية الأخلاقية، مؤكدا على حرية الإنسان باختيار دينه وعقائده عن قناعة لا عن موروث فطري، يجري تغييرات على حياة شخصية اليساري بعد انقضاء مرحلة الشباب وعن فكرة الحج لبيت الله بعد الخمسين في سن الضعف والوهن، يعود بالمشتاقين للمدينة، فيتحدث عن القدس: زقاقها، قهوتها، طاولة الزهر، الشاي، مقر الإذاعة الذي يوجد مكانه اليوم مبنى التأمين الوطني، أسماء الشوارع، المباني، ملامح المدينة، ومشاهد الإذلال للإنسان الفلسطيني والعنصرية التي تمارس من شعب محتل لآخر ، يتحدث عن تطور المجتمع التقسيمات الجديدة الاجتماعية للناس، والأحزاب، رام الله العاصمة المؤقتة والقدس العاصمة المؤكدة، الرجل الذي لا يملك هوية زرقاء وحالة الزواج بامراة مقدسية تحمل الهوية (الخرقاء) والعرس الذي كان في قاعة متواضعه ببلدة العيزرية شرقي القدس، وانتهى بقبلة على الشاطئ، بعد انطفاء وهج الحب، رغم محاولات حورية بإنقاذ زواجها، حتى يغرق الحب ويفترقان، رجل يتخلى عن امراة تتقدم بحياتها وهو عاطل عن العمل، فمن رومانسية المسلسل التركي وركوع الحبيب أمام الموظفين، لخطبة حبيبته يبدأ الجد في واقع جلد الرجل للمرأة، وتحمليها وزر عدم الإنجاب، واللجوء للعادات القديمة لتمريج الرحم والزيت والقراءات الروحانية، حتى يصل الطلاق في النهاية؛ ليتحررا من طوق هذا الزواج الفاشل.

بالفصل السابع - يحكي (بصوت الرجل) عن تجربته، آلامه، والتحديات، تجربة الأسر، وعادة تهريب النطف من الأسرى لزوجاتهم الصابرات في الخارج، يتوسع في المفارقة الكبرى بين الأسير المحرر العائد إلى مناطق السلطة الفلسطينية حيث يحظى بالاحترام والتقدير والأحقية، وتفتح له الحياة ذراعيها بشرف اجتماعي، وبين الأسير العائد للقدس وقد سيطر الاحتلال على كافة جوانب الحياة، فتلوكه قيود المدينة؛ ليغدو المناضل من وطني إلى عالة اجتماعية أو عامل لدى اسرائيل، في هزة للقارئ يوقظ حواسه يقول عارف الحسيني " لا أدري إن كان كل شيء اختلف بالقدس بسرعة"، ينهي فصل الزوج الحبيب على عجل ليدخل القارئ بدور شخصية نبيه الرحل المحب الذي يبنبش حياة حورية وذكرياتها مابين نسيان الماضي والسماح لقلبها بأن يبدأ من جديد، وما بين اليأس من حياة لن يكون نبيه فيها مختلفا عن غيره من رجال هذا المجتمع.

أما الفصل التاسع -البنت أنا- يسلط الكاتب الضوء على المرأة المطلقة في مجتمعنا ونظرة الآخرين لها واعطاء الحق لأنفسهم باتهامها، وكأنها شاذة عن السلوك الأخلاقي القويم لمجرد حالة اجتماعية، وهي الانفصال الذي قد لا تكون سببا فيه، تبدأ القوة تتفجر من هذه الأنثى، تحاول بنت البلد العودة للتمركز حول نفسها بعيدا عن الرجال جميعهم: المتدين والملحد، اليساري المتحرر واليميني المحافظ، المتعلم وغير المتعلم، وفي حاجتها لرجل تلقي بأوجاعها على كتفيه يصبح نبيه الملاذ المتبقى بأمل خافت في ظل موت أبيها، وتخلي أخيها المهاجر ومطالبته للعم أحمد بأن يضبها (أخته المطلقة المنحلة حسب تعبيرات الجيران) وبحصته من بيت الأب أيضا، لتكون الخلاصة: فتاة طحنها المجتمع رغم تمردها وهي المحاصرة من الناس لحالة اجتماعية ألمت بها، يقرر الروائي عارف الحسيني النجاة لشخصيته البطلة (حورية) بعبارة:" من قال أن الحب الحقيقي يأتي مرة واحدة في الحياة؟ الحب الحقيقي يأتي مع الإنسان الحقيقي مهما كثر أو قل وجودهم بحياتنا.

تنتهي رحلة تيه – حورية- بطلة هذه الرواية بـــ "الحقيقة" التي لا شك فيها، حورية تحب رجلا ميتا وتواعد حبيبا على قيد الحياة، فهل حضور مراسم تشييع حبيب ميت خيانة لحبيب حي؟ وكأن الحياة لم تتسع لكليهما.. وكأن الموت هو الحاضر والغائب لا نسحبه عن الرف ونفكر فيه إلا حين يحل علينا.

ملاحظات عامة حول الرواية:

- وفق الكاتب باختيار المكان في روايته، فهو ابن القدس العارف فيها، ومنتمي لأدق التفاصيل الصغيرة التي ورد ذكرها بالرواية، نجح بالوصف ضمن مرجعية وسياق تاريخي واجتماعي، كما أعتقد بأن ذلك كلفه جهدا كبيرا على المستوى البحثي والاطلاع؛ ليصل الحاضر بالماضي من حيث الأسماء للشوارع والمباني التي استبدلت اليوم وانقلب حالها، وما هدم وشيد مكانه الآن.

- برع الكاتب في التغلغل لشخصياته بالوصف والسخاء بتكوين التفاصيل؛ ليعطي قارئه ويشاركه شخصية حقيقية تنطق وتتحرك رغم أنها مصنوعة من الورق والكلمات؛ في سياق سردي سلس لوضع الشخصية في موضعها الدقيق من الرواية، كان دخول الشخصية للحدث منمقا، نموها منطقي، نهايتها والتضاؤل بوعي ودقة وحكمة.

- الحورارات الداخلية لدى شخصيات الرواية كانت غنية، وتأخذ القارئ لمواطن التأمل بطريقة عميقة، إذ يبدأ بطرح أسئلته ويتحرك حوار ذاتي لديه، أعجبني حوار حورية بلغة الأنا ص35، وحديثها عن فلسفة التخلي عن رجل ص44 وصوت الميت لحظة وداعه في نهاية الرواية ص311 وغيرها من المواطن القوية في منولوج ضميرها.

- المدد الاجتماعي بتفاصيل الحياة، ميّز رواية حرام نسبي، سعة اطلاع الكاتب على تفاصيل الحياة الاجتماعية النسائية، التي لا أعرف كم كلفه ذلك من الجهد والوقت للاطلاع والتحليل والفهم؛ ليطرح ذلك ضمن سياق قويم كتب بقلم رجل! فكان منه الانتماء للمرأة والكتابة بلغة الأنثى المظلومة القوية والمتمردة وهو المنحاز إليها.

- تكسر الأحداث بأبعاد فلسفية برزت فيها الحوارات الداخلية التي تشارك القارئ في الصدمات العاطفية، التي تجعله يضحك ويبكي مع تسلسل أحداث الرواية المنظم، الأفكار مرتبة، النقلات بالأحداث واعية، مساحة التأمل وحيز التفكير للقارئ محفوظة، لم تزدحم الأحداث لترهقه فلا يرى نفسه منها، ويسمع صوته داخلها.

- اللغة محكمة رشيقة وسلسلة مملوءة بالحب والجمال والبساطة، لغة الناس في القدس، في وسطية واعتدال المنتصف، وربما تصنف هذه الرواية إن جاز لي التصنيف بأنها: أدب اجتماعي بحت، مقدسي الهوية، فلسطيني القضية، حيث أضاءت الرواية على صراعات دينية مجتمعية واجتماعية دونما تحكم من الروائي، ليفرض رأيه وفكره على قارئه، إذ وثق تفاصيل حياة اجتماعية ويومية بسلاسلة وتدرج، مثل: حالة السائق الثرثار الذي يعمل بالقدس الشرقية، والعلاج بالسحر وبول الحيوانات، المحلات في شارع صلاح الدين، المقبرة والنساء، جلسات الآنسة، النظرة الاجتماعية للمطلقة، الحب، الموت وغيرها.

في الختام – حرام نسبي- رواية تبدأ بالمرأة من فخذيها تمتلك قلبها وتحدث عقلها، نجح الروائي عارف الحسيني في تعرية المجتمع أمام قضية المرأة التي تشكل نصفه، وأثار الضجيج حول واقعها المؤلم بتداعيات متباينة، لينفض غبار الصمت والسكون عن كثير من الأحداث الاجتماعية هناك، وما هذه الرواية سوى كنز أدبي يضاف لمكتباتنا الفلسطينية.

وسوم: العدد 716