قراءة في ديوان "الموتى لا يجيدون الحب" للشاعـرة فيّ السيّاب

clip_image002_cbd47.jpg

clip_image004_c4f49.jpg

clip_image005_9651a.jpg

لقد كانت أياما ً من العمر ...

ولا بد ّ أن يغدر القدر

لا بد ّ أن أرحل وأترك فيك قلبي

يأخذني الطريق الى المعروف المستكين

وأترك خلفي المغامرة ،

ملأى بما كنت أشتهي وأرغب ...

تذكـّر أن ّ رحيلي الصـّعب

كان أسهل علي ّ من بقائي الأصعب

صمت ٌ يقلب موازين العالم ، يمتص ُ دما ً من روح الزمن ، من المشاعر والتعابير المكبوتة وقد يكون أحيانا ً الصمت سيد الموقف ، كلمات تأخذنا بعيدا ً وتستوطن غرف القلب ، تبحر في زورق الحب بأمواج متلاطمة وتسبح في دوامات الغرق ، يهيج في حشى القلب نبضات الزمن العنيد ، ترهقها الهموم كقلب عاشق أضناه الحنين مع أوراق لم تعد تحمل الحروف ، تلملم حقائب المشاعر لعل يوما ً يهديها الكلام لفك قيد الصمت أو يمضي العمر راحلا ً مع الأيام ..

ما أجدت الحب ... وما أتقنت

على رغم سنواتي الثلاثين والخمس ... لم أجتز ابتدائية العشق

طيش َ مراهقة كنت

ضعت

بين من استحقني

وبين من استحققت !

وأنا أرفض التنفس مع أشباه الحياة ...

سيدي ... حبك علمني كيف أموت !

كيف أ ُحِضر أنفاسي في حضرتك ...

كيف أختنق وجعا ً ...

عن دار جيكور للطباعة والنشر / بيروت صدر للشاعرة في ّ السيـّاب مجموعتها الشعرية " الموتى لا يجيدون الحب " / 2017 تعبـّر فيها عن قدرها المحتوم وتفيض هوى وتتعرّى صدقا ً لتشهق من علو ّ نافضة ً غبار الوهم ودثار الزيف الملوّن .

حازت مشكلة الحياة والموت حيزا ً كبيرا ً من تأملاتهم في فنهم" فن الشعر " فن التعبير عن فهم الانسان للكون وما يتصل به من خلال النفس والوجدان للتعبير عن الألم والأمل بما يحويانه من عمق وترقب لكل دقائق الحياة .

تسبح في بحر الكلمات وفي وسط السطر تحيط بها نبضات القلب ، تهمس بحرارة الشوق وتتجرع لوعة الحنين ويملأ الوجد شجن وآهات حين يطول الأنتظار ، روح تهفو اليه على صفحات القلب لتضمد جراح العشق ..

اشتقت ُ اليه ... وهو قريب

اشتقت ُ اليه ...

فهو العشق والحب ّ والحبيب

اشتقت ُ يا رب ّ

فهو ّن علي ّ الشوق

فأنت من أدعو وأنت القريب !

أفلا تستجيب !

اذا كان الحب عاطفة أرتبطت بالسعادة والأقبال على الحياة فانها عند الشاعرة في ّ السيـّاب أنسكبت بمياه الحزن والأنين وخاصة عندما تهدي مجموعتها الشعرية ( الى مـُلهمي .. الحزن ُ واخواته ) .

تستنشق عبير سعادتها حين تكتب ، وترقى بحزنها بين أحضان القلم ، للأمل والألم والوجع ،فلا تجد سوى الورق تحيا فيها الروح ، تلك الصرخات الشجية من قلم محترف يحطم جدار الصمت ليخرج من الطوق الذي أ ُحكم حوله ، عندما يسكت القلب عن البوح بما يؤلمه تأتي الصرخات لتعلو وتتحدث عن نفسها وما بداخلها لتعبر عن مشاعر صادقة .

تعالت صرخات الألم ...

ونافست رسومـُها الجبال ...

ليتنصـّل َ الضباب من أعالي السفوح ...

وينحدر َ الندى من أوراق الصنوبر ،

ويبكي ليلا ً فائتا ً بكـل ّ صمت

انه الوفاء المخملي ّ ...

وفاء الشجن والمحن ... للزمن

يعتبر الألم والموت من الموضوعات التي صاحبت الشعر العربي بل والعالمي منذ نشأته الأولى ، فالشاعرة في ّ السيـّاب في بوحها تعكس ما يخالج نفسها المرهفة من مشاعر يحدوها الأمل ويكسوها الألم وهذا ما نلاحظه من العنوان الذي يطالعنا في صدر الغلاف ، فهذا يرتبط بتجليات تيمة الألم والعنوان الذي يعد ّ بوابة النص ّ ، أما المتن الشعري فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائدها من معاني الحزن ودلالاته وأبعاده النفسية والفنية.

كلمات تحكي ألم الجفاء والفراق ، ترحل مع الذكريات وترسم لوحات نهاية حب ، آهات تخرج من القلب ، ينتابها حزن ويبعثرها شوق لا نهاية له وتسكنها وحدة قاتلة وتصارع الأرق ، تشرب الموت ولا تملك للسـقم دواء ، جمر الشوق يكوي والوقت سراب .

كل ما كان لي أنت

والآن حتى الـ " أنت "

رحلت ... وتخلـّيت عني ّ

وأنا هنا

أعيش وأتنفس

أشرب الموت

أشلربه بهدوء

فالموتى اخترعوا الصمت

جهنم عقابي

الأرضي ّ والسماوي ّ

تبحر في أعماق الذات وتترك لروحها العنان ، تتخطى كل الحدود وتخترق المسافات باحثة عن بحر ٍ يحميها من رهبة الأيام ويبعدها عن المتاعب والهموم ، تبحث عن طريق النجاة وتكتشف بانه مجرد سراب .

أ ُريد بحرا ً أغرق فيه من عقلي

وأ ُدثــّرروحي بفرشاته

وأشرب ملحه سكـّرا

فكل ّ ُما حولي مثير للألم

الا البحر الذي احتضن َ

الأرواح في شجن

تكتب هناك

لأقرأ هنا

وتنام هنا " وأ ُشير الى قلبي "

وأسهر هناك " وأ ُشير الى آخر الأ ُفق "

هذه أوراقها رسمت فيها مشاعر لقلب عاشق أضناه الحنين عندما يتولد الحب بين الأحرف ، مع نبضات عشق وخوف مثير للأ لم ، تعصف بها رياح الشوق فتصرخ بصوت صامت يخترقه الوجع ، حروفها حزينة وكلماتها تحرق الأنفاس بين السطور ، عزفت أوتار القلب أنشودة الحزن وبدأت الكلمات تنطلق بلا توقف ، تحتقن الروح بالأنين وتغرق في بحار التيه ويطاردها وحوش الأرض عبر جسر الأحزان ..

وسوم: العدد 732