أَعْجَبُ الْعَجَبِ فِي نَشْرِ الْكُتُبِ

محقق "مظهر الخافي" للخليلي.

[لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللهُ وَإِنِّي بِحَرِّهَا الْيَوْمَ صَالِ،

الحارث بن عباد]!

1

أعلنتُ في 26/3/2016 رغبتي في سَلْسَلَةِ طائفة من المقالات، في نقد طبعة 2016 الأولى من "مظهر الخافي في علمي العروض والقوافي" لسعيد بن خلفان الخليلي العلامة العماني، الذي حققتُه ودققتُه وفهرستُه ودَرَستُه لوزارة التراث والثقافة العمانية، ووكلتْ طباعتَه إلى مجموعة مسقط- قائلا:

"انتظرونا تنتظروا سلسلة ملتهبة، في مصيبة إضافة الناشر المتحكم، سبعة فهارس فاضحة، إلى ثلاثة فهارس المحقق الكافية"!

ثم حبّرتُ منها للفيسبوك المقال الأول على هاتفي هذا الغبي، تحبير الغاضب المستشيط، ثم فجأة اختفى منه وكأن لم يكن، فلم أجزع لذلك، وجعلته من ألاعيبه المعروفة المكشوفة التي عرفتها من قبل وكشفتها وتعوّدتها. ولكنني فتشتُ عنه فلم أعثر له على أثر! وإذا بي قد حَشَدْتُ على واجهته النوافذ المفتوحة، ثم بطَرَفِ إبهامي اليسرى مَسِسْتُ علامة الحذف؛ فانحذفَ بَتَّةً بلا رجعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

جعلت ذلك من حسن تقدير رب العالمين؛ فقد انتبهت إلى ضرورة إطلاع الوزارة على الأمر من قبل أن أخوض فيه، خشية أن يكون غاب عني ما يقدح في دعواي؛ فكتبت لأحد المسؤولين:

"أ.م.ط، السلام عليكم! لعلك بخير! ألم نتفق على الكتاب وكفاية ما هو عليه! ألم يراجعه معي أ.ع.إ! كيف إذن أضيفت الفهارس السبعة بعد فهارسي، دون أن أعرف، ودون أن تُعرض عليّ لأراجعها، وقد انتسبَتْ إليّ! يؤسفني أن أخبرك أنها فضائح لا فهارس! ماذا أفعل الآن! اسمح لي، ولا تغضب مني؛ سأكتب في الموضوع. وقد ذكرته للأستاذ ح.ر ولم يرد علي فيه بشيء، ولا أقبل أن أتحمل أوزار هذه الفضائح. ولا حول ولا قوة إلا بالله"!

فأجابني:

"وعليكم السلام د.محمد! يؤسفني ما تصرفت به المطبعة في حق هذا الكتاب دون الرجوع إليك. وحقيقة أن هذه المطبعة عليها مخالفات كثيرة في كتب أخرى. واليوم حضر إلى مكتبي أ.ع.إ، ولمته على فعلهم في الكتاب وكتب أخرى. وسوف نقطع تعاملنا معهم في المناقصات المقبلة. أكرر اعتذاري، ولك الود والتقدير".

فكتبت إليه:

"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته! أهلا بك أ.م.ط، وسهلا ومرحبا! بارك الله فيك، وشكر لك! كلمني أ.ع.إ، فطلبت مجيئه الخميس بين 11 و2. ولكن دعه عنا الآن! أطالب الوزارة الآن بجمع نسخ الكتاب وإتلافها، حرصا على مقام كتاب الشيخ العلامة المحقق الخليلي، ودفعا لما وقع عليّ من ضرر كبير لا يليق بتلميذ محمود محمد شاكر -رحمه الله!- المحقق الفذ. وسوف أكتب بمشيئة الرحمن سلسلة مقالات في هذا التصرف -ومعه غيره مما اكتشفتُه- أرفعها فيما بعد لسعادة وكيل الوزارة، حتى يأخذ لنا جميعا حقنا ممن جنى علينا، مؤلفا ومحققا وناشرا. وعلى الباغي تدور الدوائر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والسلام"!

واليوم الخميس 31/3/2016 جاءني بمكتبي أ.ع.إ مسؤول مجموعة مسقط وعندي أ.سالم البوسعيدي تلميذي الدكتورويّ العماني النجيب، يسمع، ويرى، ويشارك، ويشهد!

سألني أ.ع.إ عن خبر الفهارس، فقلت له:

ألم تأتني بالتجريبيّة متعجلا تطلب توقيعي عليها لتدركوا إخراج الكتاب للناس في معرض مسقط الدولي؛ فمررنا عليها معا سريعا، ونبهتك على مشكلة عدم تنسيق أطراف أبيات المنظومة على أطراف أبيات الشرح، ثم على مشكلة سقوط أرقام فهرس أبيات الشرح، وعلى غير ذلك؛ فطمأنتني؟

قال: بلى.

قلت: فمن أين جاءت هذه الفهارس السبعة المضافة إلى فهارسي الثلاثة الكافية المنسوبة إليّ ظُلما وعُدوانا؟

قال: صدقت؛ لم تكن هذه الفهارس بالتجريبيّة التي نظرنا فيها معا سريعا، ولم أعرف أنا عنها شيئا، بل فوجئتُ بها في الكتاب كما فوجئتَ أنت!

قلت: الله أكبر! وكيف نسبوا إليّ ما لم أعمل! هلّا طلبوا إليّ عملها، أو عرضوها علي بعدما عملوها، أو نبَّهوا عند طباعة الكتاب على أنها من عملهم لا عملي! قال: إنها من عمل شركائنا في لبنان، ولديهم دكتور متخصص للفهارس، سبق له أن فهرس بعض الكتب العمانية الصعبة، وقد جرت عادتنا على إضافة مثل هذه الفهارس إلى الكتب المحققة.

قلت: دون علم المحقق؟

قال: نعم.

قلت: فإن دكتورك هذا جاهل أو خائن، وإن إضافاته هذه فضائح لا فهارس!

ثم ذهبت أعرض عليه عشراتِ ما أخذتُه على هذه الفهارس من مآخذ بشعة. بل زدته مآخذ أخرى من الإخلال بأمانة الطباعة، يصح فيها قول العرب: "إِذَا جَاءَتِ السَّنَةُ جَاءَ مَعَهَا الْغَاوِي وَالْهَاوِي"، الدالّ هنا على أن الأخطاء البشعة حين تقع من المهملين، تصحبها أخطاء أخرى كثيرة، يأخذ بعضها برقاب بعض!

2

ثالث الفهارس "فهرس الأعلام"، بأربعة عشر ومئة شَيْءٍ لا عَلَمٍ، مرتبة أَلْفَبِيًّا على أوائلها، أكثرها أسماء واردة في شواهد المؤلف الشعرية وأمثلته النظمية، ومن داخل هذه الأسماء أعلام فاقدة العَلَميَّة، كما في البيت المنسوب إلى الأسود بن يعفر:

إِنَّا ذَمَمْنَا عَلَى مَا خَيَّلَتْ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ وَعَمْرًا مِنْ تَمِيمْ

فكلا "سَعْد" و"عَمْرو" عند الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ، عَلَمان مطمئنان في موضعيهما (س، ع) من فهرس أعلامه، وإن قَلِقَ "عمرو" قليلا، من رسمه له على "عمر"، لأنه رآه في البيت "عَمْرًا"، ولا علم له بالعروض إلا احتراف الفهرسة، فظنَّه مفتوح الميم وهو مُسكَّنُها!

وكما في هذا البيت المصنوع للتعليم:

وَقَدْ رَأَيْتُ الرِّجَالَ فَمَا أَرَى مِثْلَ زَيْدِ

فـ"زَيْد" عند الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ، علم مطمئن في موضعه (ز)، من فهرس أعلامه!

وإنما فقدت هذه الأعلام عَلَميّتها من حيث لا تعني لنا -أو لا نعني بها- شيئا معينا غير إنسان أي إنسان متصف بما اتصف به أو بما نُقدِّرُ أنه متصف به، ولاسيما في مقام الاستشهاد والتمثيل العروضيبن- مهما يكن ما تعنيه لقائلي هذه الأبيات الشعرية والمنظومة- فلا موضع لها في فهرس الأعلام!

ومن داخل هذه الأسماء أيضا صفات غير أعلام، كما في قول الحطيئة:

وَغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّكَ لَابِنٌ فِي الصَّيْفِ تَامِرْ

وقول امرئ القيس:

كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عَنْ حَالِ مَتْنِهِ كَمَا زَلَّتِ الصَّفْوَاءُ بِالْمُتَنَزِّلِ

فكلا "كُمَيْت"، و"تَامِر"، عند الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ- عَلَمان مطمئنان في موضعيهما (ت، ك) من فهرس أعلامه، وليست "تَامِر" غير صفة امتلاك التمر التي اتصف بها زاعِمُ الحطيئة، ولا "كُمَيْت" غير صفة كُمْتَة اللون التي اتصف بها حصان امرئ القيس؛ فلا موضع لهما في فهرس الأعلام!

ومن هذه الصفات مثال العروضيين:

وَمَا لَيْثُ عَرِينٍ ذُو أَظَافِيرَ وَأَسْنَانْ

أَبُو شِبْلَيْنِ وَثَّابٌ شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانْ

فـ"أَبُو شِبْلَيْنِ"، عند الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ، عَلَم من حيث الكُنيةُ عَلَمٌ، وفي صدر هذا الاسم "أبو"، فهو كُنْية! وغفل عن أنه مضاف إلى نكرة، مؤول هنا مثل تأويل "ذو أظافير"، الذي نجا من فهرسته، مُنْسَلِكٌ معه في سِلْك أوصاف الليث؛ فجعله بمنزلة "أَبِي الْأَشْبَالِ"، كُنية الأسد المعروفة!

ولقد أَقْدَمَ بالدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ اطمئنانُه إلى جهله البشع، على خيانة من ائتمنوه على فهرسة الكتاب؛ فاحْتَطَبَ لهم ما لا صبر لقارئ عليه، واعيًا كان هذا القارئ أو غافلا، مثلما فعل بقول المؤلف: "يُحْكَى أَنَّ ابْنَهُ رُؤْبَةَ كَانَ يَقُولُ: لُغَةُ أَبِي هَمْزُ الْعَالَمِ"، يدرأ عن أبيه عيب من عابوا بسِنَاد التأسيس قولَه:

"يَا دَارَ سَلْمَى يَا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمِي

فَخِنْدِفٌ هَامَةُ هَذَا الْعَالَمِ"؛

فلقد فَكَّرَ الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ "وَقَدَّرَ -فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ- ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ"، فإذا "أبو همز العالم" في فهرس أعلامه!

إي والله "أبو همز العالم"، أخو أبي عثمان الجاحظ!

قلت لأخي الدكتور طارق سليمان: ما أشبه هذا بما يتندَّر به المصريون من قول أحد القراء الحمقى: "اللهمَّ صَلِّ على سيدنا نَكْتَلْ"، استنباطًا اهتدى إليه -وفُرِقَ له عنه- من قول الحق –سبحانه، وتعالى!- على لسان إخوة يوسف لأبيهم في أخيهم "بنيامين" شقيقه: "أَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ"!

قال: ومتى يمكن أن يكون مولد "أبي همز العالم" هذا!

قلت: عام تحقيق الهمزة!

قال: فإذا خُفِّفَتْ؟

قلت: إذا خُفِّفَتْ ماتَ فيها!

3

رابع فهارس الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ، فهرس الكتب ذو الأربعة والثلاثين شيئا، الذي كان ينبغي أن يقتصر على ما وقع في كلام مؤلف الكتاب. ولم يطمئن منها فيه غير هذه الخمسة:

"الخزرجية" لعبد الله بن محمد الخزرجي الأندلسي، و"الخلاصة" لابن مالك، و"الكافي في علمي العروض والقوافي" للخواص، و"مقاليد التصريف" للخليلي المؤلف نفسه، و"الوافي بحل الكافي في علمي العروض والقوافي" للعمري.

ولقد أعاد الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ كتاب "الكافي" كاملا بعدما ذكره ناقصا؛ فصار الكتاب الواحد كتابين! وقبل أن يَذكر في الواويّات كتابَ العمري "الوافي بحل الكافي"، ذكره في الكافيّات معكوسا هكذا "الكافي بحل الوافي"، منسوبا إلى الخليلي؛ فصار الكتاب الواحد كتابين مختلفين لمؤلفين مختلفين، وإن وقع عكس العنوان خطأً بتذييل الناسخ التأريخيِّ نفسه، الذي أوردتُ في مقدمتي صورتَه وأعدت كتابته دون تنبيه عليه، ولكنني نبَّهت من بعده على سوء نسخته، وكان ينبغي ألا يفوت ذلك الدُّكْتُورَ الْمَطْبَعِيَّ الْمُفَهْرِسَ، ما دام جريئا على إضافة ما لم أعمله!

فهذه سبعة أشياء، أما السبعة والعشرون فعلى ثلاثة أقسام:

-      أولها أسماء كتب وقعت فيما نقله المؤلف من شرح العمري لكتاب "الكافي" الذي نظمه المؤلف، وهي ثمانية مَنْ أَخْلَصَ فهرسَ الكتب للمؤلف أَهْمَلَها، ومَنْ شَابَهُ بما نَقَلَهُ لسكوته عليه اعْتَبَرَها!

-      ثانيها أسماء كتب وقعت في مقدمتي، وهي ثلاثة عشر: بعضها للمؤلف، وبعضها عنه، وبعضها لغيره استطردت في مقدمتي إلى ذكره.

-      ثالثها أسماء كتب مكذوبة، وهي ستة تستحق التنبيه عليها فيما يأتي، وحدا واحدا:

1      "أَلفيَّة ابن مالك"، في نقل المؤلف عن العمري: "قد وقع هذا الاشتباه لبعض شراح ألفية ابن مالك، منهم شيخنا المرحوم الملا عبد الله السندي"؛ فما هو غير أحد عناصر المركب الاسمي الإضافي. فإن تَحَكَّمَ الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ كان الأولى بالموضع "شرح ألفية ابن مالك للسندي"!

2      "الجِناس المُصحَّف"، في نقل المؤلف عن العمري: "ذكرت بهذين البيتين ما نظمه الشيخ جمال الدين بن نباتة في الجناس المصحَّف، وليس فيه شيء من عيوب القوافي كالبيتين المتقدمين، وهو قوله:

سَادَتِي مَا كَانَ أَجْمَلَ شَمْلِي فَأَصَابَتْ ذَلِكَ الشَّمْلَ عَيْنُ

يَا لَهَا عَيْنَ رَقِيبٍ أَصَابَتْ فَمَتَى أُبْصِرُهَا وَهْيَ غَيْنُ"؛

فما هو غير مصطلح على أحد فنون البديع المعروفة!

3      "الزَّبُور"، في مثال العَروضيِّين:

"مُقْفِرَاتٌ دَارِسَاتٌ مِثْلُ آيَاتِ الزَّبُورِ"؛

فما هو غير أحد عناصر تشبيهات الأطلال القديمة المعروفة!

4      "عَجائِب الحياة"،

5      و"عَرِّجْ على باب الكَريم"،

في تعريف المؤلف؛ فما هما غير قصيدتين استطردتُ في مقدمتي إلى تمثيل شعره بهما، ثم أحلت على ديوانه المذكور في مسرد كتب التحقيق!

6      "مَقْصُورة ابن دُرَيد"، في نقل المؤلف عن العمري: "يجوز أن تكون رَوِيًّا، ومنه مَقْصُورَةُ ابْنِ دُرَيْدٍ المشهورة"؛ فليست غير قصيدة مَثَّل بها ما بُنِي من القوافي على رَويِّ الألف!

خامس فهارس الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ، فهرسُ الأماكن والبلدان ذو الثلاثة والعشرين شيئا، الذي كان ينبغي أن يقتصر كذلك على ما وقع بكلام المؤلف. ولا يطمئن منها فيه غير هذين المترادفين:

"العروض"، و"مكة".

أما الواحد والعشرون شيئا فعلى قسمين:

-      أولهما عشرة وقعت في مقدمتي، أَعجبُها أسماء بعض المؤسسات العلمية (جامعة السلطان قابوس)، والإدارية (دار المحفوظات)، والطباعية (المطبعة العمومية، ومطبعة الألوان وإن سقطت من اسمها "أل").

-      والثاني أحد عشر وقعت في شواهد الأبيات الشعرية والنظمية، مثل "العَقيق" في قول جَميل:

بَيْنَمَا نَحْنُ بِالْعَقِيقِ مَعًا إِذْ أَتَى رَاكِبٌ عَلَى جَمَلِهْ

ومثل "عُمان" في مثال العَروضّيين:

دَارُ سَلْمَى بِشِحْرِ عُمَانِ قَدْ كَسَاهَا الْبِلَى الْمَلَوَانِ

وهذه الأسماء في هذا المقام العَروضيّ الاستدلالي، مثل أسماء الناس الواقعة من قبلُ في شواهد الأبيات الشعرية والنظمية، أعلامٌ فاقدة العَلَميّة، ولكن الناس لا يرتاحون لإطلاق "الأعلام"، إلا على أنفسهم، و"لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"؛ صدق الله العظيم! [سورة غافر: من الآية 57].

4

سادس فهارس الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ، فهرس القبائل والجماعات ذو الاثنين والأربعين شيئا، الذي كان ينبغي إذا مَسَّتْ إليه حاجة المقام، أن يقتصر على ما وقع بكلام المؤلف من أسماء القبائل المعتبرة والجماعات المنزَّلة منزلة القبائل. وإنما تمس الحاجة بأن يكون المقام للترجمة والتأريخ والرواية، لا للتفصيلات العلمية الخالصة! إن مَثَل مورد فهرس القبائل والجماعات في مقام التفصيلات العلمية العروضية، كَمَثَل مورد فهرس المصطلحات العروضية في مقام الترجمة والتأريخ والرواية! ثم كان فهرس أعلامه السابق، جديرا بأن يغنيه عنه!

ولا يطمئن من الاثنين والأربعين شيئا في هذا الفهرس، غيرُ عشرين، إذا أَخْليناها من تكرار بعضها لبعض كالعروضيين وعلماء العروض بعد أهل العروض والنحاة بعد علماء النحو، ومن إغناء بعضها عن بعض كفصحاء العرب بعد العرب والعلماء بعد تفصيل طوائفهم- لم يبق منها غير هذه الأحد عشر فقط: "أهل البيان، أهل العروض، أهل اللغة، بنو عبد المطلب، بنو هاشم، العرب، علماء التصريف، علماء النحو، الكوفيون، المتكلمون، المحدَثون"!

أما الاثنان والعشرون شيئا فلا موضع لها في فهرسه:

إذ كيف تطمئن ["آل بغيض" و"آل ليلى"]، اللتان وقعتا في هذين البيتين مِن تَمْثيل العروضيين:

"جَزَى اللهُ عَبْسًا عَبْسَ آلِ بَغِيضٍ جَزَاءَ الْكِلَابِ الْعَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَلْ"،

"عَفَا مِنْ آلِ لَيْلَى السَّهْبُ فَالْأَمْلَاحُ فَالْغَمْرُ"؛

فأخذهما الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ، فجعلهما في فصل الألف من فهرسه، ولا كيان معروفا لآل ليلى هذه المُعمّاة، ولا لآل بغيض أولئك المُهملِين من الاعتبار الحقيقي!

أم كيف تطمئن "أصحابنا"، التي وقعت في نقل المؤلف عن العمري: "جَمَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْفُضَلَاءِ الْعُيُوبَ السَّبْعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ:

عُيُوبُ قَوَافِي الشِّعْرِ يَا صَاحِ سَبْعَةٌ عَلَى فَهْمِ مَعْنَاهَا تَوَكَّلْ عَلَى الْكَافِي

سِنَادٌ وَإِكْفَاءٌ وَإِقْوَا إِجَازَةٌ وَخَامِسُهَا الْإِيطَا وَتَضْمِينُ إِصْرَافِ"؛

فأخذها الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ، فجعلها في فصل الألف من فهرسه، وليست غير إشارة مُعمّاة إلى من كره العمريُّ تسميته، ولم يبال الخليلي بمعرفته، على وجه من التدليس لم يكفَّ عن استعماله أحدٌ مهما كان زمانه ومكانه ومجاله!

أم كيف تطمئن ["طلاب علم الشعر"، و"طلاب علم العروض"]، اللتان وقعتا في مقدمتي لا متن المؤلف، فأخذهما الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ، فجعلهما في فصل الطاء من فهرسه، ولا والله ما خطر لي ببالٍ أن تزداد الجماعةُ بهما تفرقا!

أم كيف تطمئن "كُلَيْب"، التي وقعت في قول مُهَلْهِلٍ من استشهاد العروضيين:

"يَا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لِي كُلَيْبًا يَا لَبَكْرٍ أَيْنَ أَيْنَ الْفِرَارُ"؛

فأخذها الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ، فجعلها في فصل الكاف من فهرسه، من بعد أن جعل "بَكْرًا" في فصل الباء! إنه إذا كان خطأً اشتمالُ فهرسه من بيت الاستشهاد على "بَكْر"، فإن اشتماله منه على "كليب" لغفلة واضحة؛ فـ"بكر" فيه قبيلة، و"كُلَيْب" فرد، إلا أن يَدَّعِي أنه قَبيلةٌ في فَرْدٍ، فيكون بدعواه هذه أشعر من مهلهلٍ نفسه، ورحم الله الأصمعيَّ وأبا عمرو بن العلاء كليهما جميعا!

ذاك، ولا كـ"وزارة التراث والثقافة العمانية"، التي لا ينقضي منها في فهرس القبائل والجماعات عجب القارئ: أهي من القبائل أم الجماعات! أم يطمح الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ، إلى إحياء وجه معاصر من العصبية القبلية، يمكننا تسميته العصبية الوزارية، يتعصب فيه للوزارة موظفوها، ويا ما أفصحه من خطأ!

5

سابع فهارس الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ وآخرها، فهرس المصطلحات والكلمات المشروحة (المشروحات)، ذو الست والخمسين والخمسمئة الشيء، الذي اختلط فيه عملُ المؤلف بعمل المحقق، وكان ينبغي أن يختص لعمل المؤلف وحده، أو أن ينقسم لعمليهما على فهرسين مختلفين، أو أن يشتمل على ما يميز بعضهما من بعض؛ فلكل منهما مصطلحاته ومشروحاته التي لا يستقيم دونها عمله، ولا يكتمل.

ولا يماري عاقل في أهمية هذا الفهرس الشديدة أحيانا، ولاسيما إذا كان فهرس الموضوعات كليًّا إجماليًّا، لا جزئيًّا تفصيليًّا كفهرسي الذي اشتمل على ثمانية وثمانين ومئة عنوان، أغلبها مصطلحات، وإن لم تمتنع على من شاء زيادة التجزيء والتفصيل.

إن فهرس المصطلحات فهرس العلماء المتخصصين المتمكنين الذين يستطيعون وحدهم تمييز المصطلحات والتنويه بها والتنبيه عليها. وإن فهرس المشروحات فهرس القراء المتحققين بما يقرؤون الذين لا تندّ عنهم من المشروحات نادَّةٌ، ولا تشرُد شاردة، ولاسيما إذا تفرّدتْ في موضعها. وهل يطمح محقق المخطوط بعمله إلى أكثر من أن يُعَدَّ في العلماء والقراء جميعا معا، بحيث تَحفظ عليه قراءتُه خدمةَ القارئ غير المتخصص، كما يَحفظ عليه علمُه خدمةَ القارئ المتخصص!

ولقد خلط الفهرسين بعضَهما ببعض في فهرسٍ واحدٍ، الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ؛ فأفضى إلى مجموع كبير، لم يكن يضرُّه اقتسامه ولا اجتزاؤه -وهو الذي لم يَتحرَّج في فهرس الأحاديث النبوية الشريفة من اقتصاره على حديث واحد!- ولكنه تَهرَّبَ مما بَغَتَه، فَآدَه، وفَدَحَه، ولم يملك له حيلةً، ولم يهتدِ سبيلا، إلا سبيلَ التَّدليس!

نعم؛ فإخفاءُ المصطلحات في المشروحات مثلُ إخفاء المشروحات في المصطلحات، تدليسٌ مثل تدليس إخفاء أسماء الأعلام في الأسماء المبهمة! ولقد لفتتني عن تمثيل تدليس الدُّكْتُورِ الْمَطْبَعِيِّ الْمُفَهْرِسِ ذَيْنِ التدليسين (خلط عمل المؤلف بعمل المحقق، وخلط المصطلحات بالمشروحات)- خيانتُه من ائتمنه، بتضمين فهرسه هذا، عشرات الكلمات التي لا هي مصطلحاتٌ ولا مشروحاتٌ!

- تُرى أَمِنَ المصطلحات أم المشروحات "آتَيْنَاهُ"، في نقل المؤلف عن العمري: "وَعَلَى الْفَصِيحِ فَالْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ كَلِمَةِ "آخَرَ"، مُبْدَلَةٌ أَلِفًا مَحْضَةً مِثْلَ "آتَيْنَاهُ" وَأَخَوَاتِهَا"، التي استفتح بها فهرسَه الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ!

وليست غير مشبه به!

- أَثُمَّ من المصطلحات أم المشروحات "أَوْ لَا"، في بيت منظومة المؤلف: " أَوْ لَا فَلِلطَّرَفَيْنِ اسْتُجْمِعَا وَلِصَدْرٍ أَوَّلٌ وَلِثَانٍ عَجْزًا اخْتَزِلِ"، الذي قال بعقبه: "قَوْلُهُ "أَوْ لَا"، أَيْ لَا يَنْجُو مِنَ الزِّحَافِ"!

وليست غير تعبير مَنْظوميّ موجَز!

- أَثُمَّتَ من المصطلحات أم المشروحات "الْبَالِي"، و"مَشِيبُ"، و"سُرْحُوبُ"، في نقل المؤلف عن العمري: "وَهِيَ كَحَرَكَةِ بَاءِ "الْبَالِي" وَهِيَ الْفَتْحَةُ، وَحَرَكَةِ شِينِ "مَشِيبُ" وَهِيَ الْكَسْرَةُ، وَحَرَكَةِ حَاءِ "سُرْحُوبُ" وَهِيَ الضَّمَّةُ فِي الْأَبْيَاتِ السَّالِفِ إِنْشَادُهَا فِي مَبْحَثِ الرِّدْفِ"، أراد أبيات امرئ القيس فعلقمة الفحل فامرئ القيس، الآتية:

"أَلَا عِمْ صَبَاحًا أَيُّها الطَّلَلُ الْبَالِي وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي الْعُصُرِ الْخَالِي"،

"طَحَا بِكَ قَلْبٌ فِي الْحِسَانِ طَرُوبُ بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصْرَ حَانَ مَشِيبُ"،

"قَدْ أَشْهَدُ الْغَارَةَ الشَّعْوَاءَ تَحْمِلُنِي جَرْدَاءُ مَعْرُوقَةُ اللَّحْيَيْنِ سُرْحُوبُ"،

التي مَثَّلَ بكلمات قوافيها تلك، حركاتِ الحذو الممكنةَ، وتَجوَّزَ في تمثيل فتحتها بفتحة باء "الْبَالِي" من آخر صدر بيتها، وحقها أن تُمثل بفتحة خاء "الْخَالِي"، من آخر عَجُزه؛ ولكن لمَّا كان البيت مصرَّعًا (متشابهَ أواخرِ الشطرين وزنًا وقافية)، وكان العروضيّون ربما اكتفوا بنصف البيت إذا أغنى عن سائره، أناب عن عَجُزه صَدْره، وعن "الْخَالِي" "الْبَالِي"!

وليست غير أمثلة!

- أَثُمَّتَ من المصطلحات أم المشروحات "صِلْ بِجَزْئِهِمُ"، في بيت منظومة المؤلف:

"وَذَاتُ جَزْءٍ وَصُحٍّ صِلْ بِجَزْئِهِمُ تَرْفِيلَ خَبْنٍ مُذَالًا صِحَّةً تَصِلِ"!

الذي شرحه بقوله: ""صِلْ بِجَزْئِهِمُ"، أَيْ صِلْ هَذِهِ الْعَرُوضَ بِمَجْزُوءِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَضْرُبِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي سَتُذْكَرُ -إِنْ شَاءَ اللهُ!- وَهِيَ الْمَخْبُونُ الْمُرفَّل، ثُمَّ الْمُذَالُ، ثُمَّ الصَّحِيحُ"!

وليست غير تعبير مَنْظوميّ موجَز!

ألأن المؤلف أعاد ذكر بعض تعبيرات منظومته الموجزة عند شرحها، فميزتُ نصوصها من شروحها بعلامات التنصيص المعروفة (" ")، يضمِّنها فهرسَه الدُّكْتُورُ الْمَطْبَعِيُّ الْمُفَهْرِسُ!

لقد كان الكتاب كله -وليس غير شرح تعبيرات منظومة موجزة- جديرا إذن بفهرسه هذا القَمَّاش القَشَّاش!

6

تلك كانت سبعة الفهارس الفاسدة التي لم أُسْتفتَ فيها ولم أُدعَ إليها ولم تُعرضْ عليَّ، حتى صادفتها في الكتاب مطبوعة منشورة موزعة، إلى ثلاثة الفهارس الكافية التي صنعتها -وهي مع فهرس الموضوعات أربعة- فلم يكن أشبهَ بها من "السَّنَة (الجَدْب)" في مَثَل العرب: "إذا جاءتِ السَّنَةُ جاء معها الغاوي والهاوي"!

نعم؛ فقد مسّتْ فهارسي فهارسُ الدكتورِ المطبعيِّ المفهرِسِ بذَفَرٍ من فسادها حتى أَعطنتْها:

- فإذا مراتبُ عناوين فهرس الموضوعات على موضعين فقط من أسطرها، لا ثالث لهما، تلتبس فيهما الفروعُ بالأصول، وفروعُ الفروع بالفروع- من بعد أن جريتُ في تفريع بعضها من بعض، على أربعة مواضع: أولها للمقدمة وقسمَيِ العروض والقافية والخاتمة وإجمال الفهارس، والثاني لأبواب القسمين، والثالث لفصول البابين، والرابع لمباحث فصول البابين.

- وإذا تكرارات موارد الأبيات التي حشدتُها في فهرس أبيات الشرح، فكان منها الثنائيّ كبيت امرئ القيس:

أَجَارَتَنَا إِنَّ الْخُطُوبَ تَنُوبُ وَإِنِّي مُقِيمٌ مَا أَقَامَ عَسِيبُ،

والثلاثي كبيته هو نفسه:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ، والرباعي كمثال العروضيين:

أُولَئِكَ خَيْرُ قَوْمٍ إِذَا ذُكِرَ الْخِيَارُ،

فيسرتُ للقارئ العثور على البيت -مهما كانت مواضع وروده- قد انحذفت إلا واحدا غير محدد الموضع من الموارد، وكأنما نَفَسَ علينا جدولَنا الخصيبَ المُحكمَ، ولم يستطع أن يحذفه؛ فأفسد طَرفًا من خِصْبه وإحكامه، وأراح نفسه الأمّارة من عناء التفتيش!

- وإذا أحد عناوين مسرد كتب التحقيق التي جريتُ على تثقيلها وجرى الدكتورُ المطبعيُّ المفهرِسُ على تَحميرها مع تَثقيلها، غيرُ مُحمَّر ولا مُثقَّل، وإذا به خطأٌ صُراحٌ أخطأتُه أنا إذْ أسقطتُ كلمة "ابن" فصار -وهو شرح أبيات سيبويه- للسيرافي، وهو لابنه، كما ذكرتُ في موضعه من حواشي ص305. وإذْ قد انتبه الدكتورُ المطبعيُّ المفهرِسُ إلى خطئي هذا، وجب عليه أن يُصوّبه، فينقله مما بعد زهير في مسرده الأَلْفَبيّ، إلى ما بعد ابن سلام، ويُحَمِّره.

أبلس أ.ع.إ ولم يدر ما يفعل؛ فبادَرَنا أ.سالم البوسعيدي تلميذي العمانيُّ الدكتوريُّ النجيب: لا علاج لذلك إلا أن يُنزع عن الكتاب ما أُلصِق به مما ليس من عمل محققه!

فتلبّث أ.ع.إ يُجرِّب نزعه!

فقلت له: سامحني؛ لقد عزمت على سَلسَلة طائفة من المقالات، أنقد بها على هذا الدكتورِ المطبعيِّ المفهرِسِ ما صنعه، لأجمعها وأرسلها إلى سعادة وكيل وزارة التراث والثقافة، أطلب جمع نسخ الكتاب وإتلافها!

وذكرتُ اقتدائي بعمل محمود محمد شاكر -رحمه الله، وطيب ثراه!- أستاذنا أستاذ الدنيا، الذي لم يكن يأبه بجمع نسخ أيٍّ من كتبه وإحراقها، إذا أصابه ما يكره، مهما كان ما أنفقه في نشره!

وسوم: العدد 748