تحية إلى الخالة نعماء

السيدة نعماء المجذوب ، ابنة الكاتب والشاعر السوري المعروف الرائع (على رأي الأستاذ عبد الله الطنطاوي وتأييدي) الأستاذ محمد المجذوب .

هي إنسانة خلقت بشاعرية مفرطة ، ولدت وتربت وعاشت أجمل فترات حياتها في منطقة ساحلية على البحر، وهذا ما جعل نفسها شفافة رقيقة ، فضلاً عن ملكة الشاعرية والكتابة التي ورثتها بالفطرة عن والدها المجذوب رحمه المولى .

عانت في حياتها من موضوع الغربة ، موضوع عانى منه الكثير من الناس في أيامنا المؤلمة هذه ، ولكن هناك فئة من الناس لا يؤثر أمر الغربة فيهم كما يؤثر في غيرهم ؛ خاصة فئة الشعراء والأدباء فإن الغربة تقطع قلوبهم وتتركهم في حزن مستمر وألم لا متناهي ومشاعر مقهورة مكبوته لا تجد لها سبيلاً للتنفيس عنها سوى بالكتابات التي لا تزيدها غربة الأحباب وغربة الأوطان إلا شفافية ورقي حتى إنها لتلامس شغاف القلب وتؤثر في النفس الحساسة أيما تأثير.

وهذا ما حصل مع الكاتبة نعماء من كتابات كلها شاعرية ورقة وألم يجعل العين تدمع والسن يضحك في آن واحد .

في الكثير من كتاباتها تشعر وتلامس فيها قلب المواطن المغترب الفقير إلى الوطن ... وفي كتابات أخرى تجد الأم الملتاعة التي هجرها أحب الناس في الدنيا وهم الأولاد وقد تشتتوا في أنحاء الأرض فراراً من ظلم !! أو طلباً للرزق .. أو أو ... وفي كتابات أخرى ذكريات حنونة عن الأب الحنون والأسرة التي غابت في الماضي .. في البعيد .. وقد تسرد لنا في بعض الروايات معاناة من عانى في هذه الحياة بألم شفاف مرهف .

سألتها مرة سؤالاً فأجابت بابتسامتها الرقيقة المحببة إلى النفس :

ـ كل شيء في الدنيا له موسيقى ..حفيف الشجر حين تلامسها الريح ، خرير النهر وفوقه تغريد الطيور، البحر وأصوات أمواجه ......

نظرت في عينيها الحزينتين وقلت في نفسي :

ـ لله درك يا خالة كم تعانين من قلبك المرهف .

رأيت في أحد الأيام ركنها التي تجلس فيه وتكتب كتاباتها ، فما رأيت سوى قرآناً كريماً وتفاسير لهذا القرآن العظيم ومجموعة أوراق وأقلام ، نظرت نظرة خاطفة سريعة فعرفت كم أنا أمام امرأة عظيمة غزيرة العلم ، غزيرة العاطفة ، وكم استصغرت نفسي أمامها وأنا الشابة وليس لي ركن كركنها ؛ حين عدت إلى منزلي اتخذت لي ركناً مثلها علني أثابر على العلم وأمشي على نهجها .

ولا أنسى محبة الكاتبة للزرع وبيتها الجميل المليء بشتى أنواع الأزهار وحديقتها الجميلة المزروعة بشتى أنواع الشجيرات المثمرة التي تعتني بها بيدها الناعمة .

أما عن نشاطاتها فهي من أنشط السيدات التي عرفتهن ؛ فمن محاضرة إلى ندوة إلى حفل تكريم إلى إلى ... كلها لله وفي سبيل الله .

منك سيدتي أحببت الزرع ، وأحاول أن أحب الحيوانات لأني لا أنسى لطفك في معاملة القطط وجميع أنواع الحيوانات ، أحببت منك الكثير من الأمور وأحبك أن يكون قلبك أشد قسوة قليلاً لأن الرحمة الشديدة أتعبته وأتعبتك .

الكاتبة نعماء المجذوب شاعرة ولم أستطع إلا أن أكتب عنها بلمسة حنان أهديها من تلميذة محبة تعشق محراب نعماء الناعم .

وسوم: العدد 795