من لطائف المدرسة

كيف ينسى الأستاذ ذكريات عمر ممتد بالعطاء، كيف ينسى ذكريات عشناها مع أكباد صغار ، كيف ننسى أوقاتا مزهوة كنا نقضي ساعاتها و دقائقها مع أطفالنا ، يقضي فيها أطفالنا بين جنبات جدران فصلنا أضعاف ما يقضونه مع أسرهم و ذويهم .

و يحمل أستاذ التعليم الابتدائي ما لا يحمله غيره، يحمل في ذاكرته الشيء الكثير من جماليات الطفولة ، فالأستاذ في تلك المرحلة يبني تربية مكملة للدور الأسرة ؛ فهو يعيش بديات تشكيل شخصية الطفل ،التي فيها يتعلم الآداب و الأخلاق و العادات الحسنة، يتعلم مفاتيح المعرفة الأولى .

الجميل في الذكرى هذا اللقاء العابر مع تلميذي في المرحلة الابتدائية ، و قد أصبح الطفل شابا في مقتبل عمره ، و شيخه في عمر الكهولة، وقد حمل لي هذا اللقاء ذكريات لا تنسى.

قلت في خاطرتي:

كنت عائدا إلى بيتي بعد صلاة الجمعة في مسجد حيينا، فإذا بنسمة طيبة تجذبني بلطف و أدب ،

و إذا بالنسمة الطيبة، صغيري الذي كان تلميذا في قسمي،

يرافق ابنه الصغير ،كان يسرع في خطوه، مقبلا نحوي . ،

يحضني ، يضمّني ، يقابلني بمسحاتٍ روحيّةٍ ، تنسجمُ مع روحِ الجمعةِ و مقام الجمعةِ ،

بين هذه و تلك، تحملُني تلكَ النسمة الطيبة ،

لتعودَ بي للوراءِ ، تعودُ بي لجدران القسمِ بعد طول غياب .

تعود بي حيثُ حياةُ التعليمِ و التّعلمِ .

في أجواء تلك المسحة، استحضرت حياتَنا الصفيةِ و جمالياتِها،

استحضرت أيام الصفاء و الطهر، حملني اللقاء لأعيد سجلا حافلا باللطائف ، تعيد رسم ذكريات مازالت لاصقة ، محفورة في ذاكرتي لماض مشرق، زينته بجماليات براءة الطفولة .

حملتنا متعة اللقاء لنستحضر فيها أياما كانت مثل عبق الياسمين و ريح البنفسج،

كانت تلك الأيام ممزوجة بالعواطف الدافئة ، ممزوجة بالعواطف الصادقة، عواطف عشناها مملوءة بالوشائج و المودات، بين أستاذ و تلميذه.

نظرتُ إلى تلميذي و تأملته، فإذا ملامحُه الأولَى لمْ تتغيرْ، هو، هو، غيرَ طولٍ و وزنٍ .

تجاذبْنا أطرفَ القصص ، نسرد أجمل ذكريات الطفولةِ الممتعةِ ، و نحكي حكايات الزمن الجميل،

طل تلميذي يقلب دفاتر الأيام ، يستخرج نفائسها و أخبارها الماضية

يستخرج منها كل لحظة جميلة عشناها سويا في قسمنا الجميل ،

ظل تلميذي يروي أحلامه في غبطة حتَّى أوقفَنِي قربَ بابِ بيتِي،

فتمنيت ألا تقطع حبال ذلك اللقاء الطيب ،

و لكن....لكل بداية نهاية ، ودعتُه و دموع فرحة اللقاء لم تفارقنا ، قابلها دعاءٍ مرسلٍ إلى السماء ، رجوته ألا ينسانِي بدعائِه بظهرِ الغيبِ.