غازي عثمان منلا ..جعلك الله ذخرا وفرطا

شاركت في الأمس في تشييع جنازة فتى من فتياننا..

الوالد في عمر بعض أبنائي والفتى في عمري بعض أحفادي..

وحين رأيت الجثمان يلحد في القبر، غلبني معنى أردت إبلاغه للراحل الصغير..

أردت أن أؤكد له أن رحلته في هذه الحياة كانت قصيرة وأقصر، وأن ذلك وعد الله المكتوب له مند أن خط الملك ما له..

وأن مقامه كان أقصر..

أردت أن أقول له ليس في هذه الدنيا شيء تأسى عليه يا غازي، فشعرت أنني أكذب، فما معنى أننا متعلقون بها على ما عشناه فيها من رهق وظلم وضنك وذلة..

وما زلنا إذا دميَ لنا ظفر نهرع إلى الطبيب،

صَعُب الموقف أمام فوهة القبر عليّ، افتقدت بعض البدع التي كنا نمارسها في بلدنا لنواسي أنفسنا. دائما أقول ربما كانت روعة الموت في قلوب الأحياء وفي عيونهم أشد.

كنا حول الفوهة الفاغرة تتربص بنا جميعا، وتبدي لنا نواجزها، صمتٌ مثل صمتها، أو يهمس أحدهم لمن بحواره بكليمات، تذكرت تلك البدعة الأبعد عن الضلالة، يوم كان الناس في وطننا، يتشاغلون ساعة الدفن بقراءة سورة ياسين، حتى ينتهي العاملون من عملهم، أردت أن أبادر بالتلاوة وأحمل من حولي عليها، فخشيت أن يتطاول علي أحد بالتقريع، ففي هذا العصر غدا أسهل شيء على الناس تقريع العجائز..

أردت بعد انتهاء اللحد أن أنادي في الناس: غفر الله لعبد جلس، وأن أقول كلمات فيها ذكرى للراحل وللمقيمين: وأن أول العهد وآخر العهد بيننا: أننا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وأننا نشهد أن الله ربنا، والإسلام ديننا، والقرآن إمامنا، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبينا، وأن الكعبة قبلتنا، على ذلك عشنا وعلى ذلك نموت.. ثم التفت حولي فوجدت الناس في شغل آخر فتشاغلت..

ثم اقتربت من والد الفتى الراحل، أريد أن أعزيه بحديث سيدنا رسول الله صلى عليه وسلم:

"إذا مات ولدٌ لعبدٍ، قال اللهُ عزَّ وجلَّ لملائكتِه قبضتم ولدَ عبدي؟؟ فيقولون نعم. فيقولُ قبضتم ثمرةَ فؤادِه؟؟ فيقولون نعم فيقولُ ماذا قال عبدي؟؟ فيقولون حمَدك واسترجع. فيقولُ ابنُوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوه بيتَ الحمد"

فرأيتني أولى باستقبال العزاء.

غازي عثمان منلا

جعلك الله فرطا وذخرا لوالديك وعوضك الله الجنة.

ولوالدك ولوالدتك جميل الوعد في بيت الحمد.

وحسبنا الله ونعم الوكيل..

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1048