رسالة إليه من أعماق القلب

رسالة إليه من أعماق القلب

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

أخي الحبيب بمداد من دماء قلبي أكتب إليك هذه الرسالة ، وكل حرف فيها يتدفق بالحب ، والشوق ، والحنان .... دائمًا أبدًا بلا انقطاع ، نحن نحبك ، ومن الذي يستطيع أن يحمل لك ذرة كراهية إذا كان منتسبًا لجنس البشر؟؟.

لقد كتب الله في وجهك " القبول " ، وصدق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - إذ قال : " إذا أحب الله عبدًا حبَّـبـََهُ .... " .

وكأنما - أيها الحبيب - قد جعل الله منك شعاعًا يغذي كل قلب ، فيعيش عليه ، ويعانقه إن لم يكن في الواقع ، فبالتصور . لقد مرت بي قوافل الناس فكان أغلبهم خواءً في خُواء : فكر سقيم ومشاعر فقيرة ، فعشت على طيفك الغالي أغنيه ، وأبثه النجوى ، ففي ذلك غذاء نفسيٌّ شعوري ، وأي غذاء .

**********

لقد غبت عنا.... أيامًا ، أو أشهرًا ، كانت أمدًا عليّ كأنه دهر داهِر . وسألت نفسي لماذا غاب صاحب الوجه المقبول ، والابتسامة العريضة ، والشعور المتدفق بالصدق والحب ؟؟ .

ثم علمت من أخ من أحبابك - وما أكثرهم - أن ضعفًا أصاب إحدى قدميك ، فأصبحت سجينة الجبس والضمادات . وأنا أعلم أنك تحب الحرية في أبهى صورها ، وتحرص على أن تكون حر الحركة .... حر الشعور .... بعد محنة الزنزانة التي قضيت فيها أمدًا طويلاً في عهد مبارك المخلوع . قلت سبحان الله زنزانة القدم بعد زنزانة السجن ؟ !!! هل أخاطبك قائلاً : صبرًا صبرًا يا " رهين الزنزانتين " ، كما كان أبو العلاء المعري يلقب بـ " رهين المحبسين " .

نعم أقول صبرًا ؛ فعلى قدر الإيمان يكون البلاء ، ويكون الابتلاء . ولكني - وأقسم - أن كل وخزة ألم تعانيها بسبب " زنزانة قدمك الحبيسة " ، كأنما هي طعنة في سويداء قلبي . حتى بِتُّ أدعو الله أن أتحمل عنك ما تحمل من ألم .

وأنت أيها الأخ الحبيب ملء السمع والبصر والقلب والوجدان ، ولم يكن يخفف عني ما يأخذ بخناقي إلا أن أسمع نبرات صوتك الهاديء الحنون .

**********

وكم سعدت ، وتدفق قلبي بالسعادة حينما أخبرتني أنك تغلبت على زنزانة القدم ، وهزمت الألم . سعدت بذلك كل السعادة لأن مثلك – يا أخي الحبيب – ممن لا يهزمهم ألم ، ولا يقعدهم بلاء ؛ فأنت " صاحب الوجه المقبول " ، ورضاؤك بقضاء الله لا ينقضي ، ولا يعرف الأفول .

**********

وأختم كلماتي أيها الحبيب بأن أذكرك بموقف من مواقفك الشامخة ، وهي أنك سُئلت ذات مرة : هل يتسع الأدب الإسلامي للغزل ؟ فكان جوابك الحاسم : نعم ما دام قد خلا من المجانة والفحش والسقوط . وأذكر أنك مثلت بشعر الغزل الذي يسمح به الأدب الإسلامي في الأبيات الثلاثة الآتية :

وماذا عليهم لو أقاموا وسلموا      وقد علِموا أني المَشوقُ المتيَّمُ

سرَوْا ونجومُ الليل زُهْرٌ طوالعٌ     على أنهم بالليل للناس أنجمُ

وأخفوْا على تلك المطايا مَسِيرهم      فنمَّ عليهم في الظلام التبسمُ