رسائل من أحمد الجدع ( 80 )

رسائل من أحمد الجدع ( 80 )

أحمد الجدع

أمير الشعراء أحمد شوقي .

في هذه الرسالة أتحدث عن قصة أمير الشعراء .

عام 1927م كان عامك أنت يا أمير الشعراء ، ففيه تم اختيارك عضواً في مجلس الشيوخ المصري ، وفيه أعدت طباعة الشوقيات مرة ثانية ، وفيه تداعى محبوك للاحتفال بهاتين المناسبتين ، فتحول هذا الحفل التكريمي إلى مهرجان عربي ، وفيه بايعك المشاركون في هذا المهرجان بإمارة الشعر .

كنت محباً للألقاب ، وتسعى إليها ، وكنت تنظر إلى المتنبي الذي كان شاعر سيف الدولة ، فتطلعت إلى أن تكون شاعر القصر ، وقلت في ذلك :

شاعر العزيز وما

 

 

بالقليل ذا اللقب

 

واستعملت كلمة العزيز بدلاً من الأمير ، وكان من الممكن أن تحل كلمة الأمير مكان كلمة العزيز من الناحية الموسيقية ، ولكنك سعيت إلى الكلمة القرآنية التي عبرت عن رتبة الإمارة في زمن يوسف عليه السلام : "يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر" .

وهكذا ارتقيت باللقب من شاعر الأمير إلى شاعر العزيز .

والكلام في هذا يطول .

وبعد شاعر العزيز تطلعت إلى "أمير الشعراء" .

كان حافظ إبراهيم يزاحمك على هذا اللقب ، ولكن أدباء مصر اختاروا له لقب شاعر النيل ، فحاصروه في مصر والسودان ، وهو ابن مصر ، وعمل ردحاً في السودان .

وإكراماً لك ، وللعلاقة الحميمة بينك وبينه تراجع حافظ عن المنافسة وآثرك بها ، وقال في حفل التكريم :

أمير القوافي قد أتيت مبايعاً

 

 

وهذي وفود الشرق قد بايعت معي

 

السؤال الذي يجول في النفس :

هل بايعك المحتفلون بإمارة الشعر المصري فقط ، أما بايعوك بإمارة الشعر العربي ، وهل بايعوك على إمارة الشعر العربي في عصرهم أم بايعوك على إمارة الشعر في كل العصور العربية ، بمعنى أنهم قدموك على المتنبي وامرئ القيس .

كان المنافسون لك على هذا اللقب ثلاثة ، فبالإضافة إلى حافظ إبراهيم ، كان هناك خليل مطران ، وكان هناك عباس العقاد ، أما خليل مطران ، فقد سلم لك بالإمارة ، وأما العقاد فلم يسلم لك بها ، وشنّ عليك وعلى شعرك هجوماً عنيفاً قاسياً ، والحق أن هؤلاء الثلاثة لم يكونوا برتبتك الشعرية ، وإن كان حافظ ومطران شاعرين ، أما العقاد فأين الثرى من الثريا !

حفل التكريم الذي أقيم لك ليس عفوياً ، وإلا لما حضر كل هؤلاء من الدول العربية ، ولكن الحفل كان منظماً ، وأعدّ له إعداداً جيداً ، ودعي إليه من الدول العربية رجال من المعروفين باهتماماتهم الأدبية ، ولعل الدعوة وجهت إلى الدول ولم توجه إلى الأفراد ، وكانت الدول هي التي اختارت المشاركين فيه .

وفي رأيي أن الحفل أقيم لتكريمك بمناسبة تعيينك في مجلس الشورى ، وأن الحفل تطور إلى مبايعتك بإمارة الشعر عندما ألقى حافظ إبراهيم (معلقته) الرائعة ودعا إلى مبايعتك بإمارة الشعر ، هذه وجهة نظر ، ولعلها أدركت الصواب .

كل الكتب التي قرأتها وأشارت إلى تنصيبك أميراً للشعراء ذكرت أن ذلك كان في عام 1927م ، ولم تذكر اليوم والشهر ، ولم تذكر المتحدثين ولم تذكر أيضاً عدد الأيام التي استمر فيها هذا التكريم .

أما الكتاب الذي أشار بدقة إلى التواريخ والأيام فهو كتاب "اثنا عشر عاماً في صحبة أمير الشعراء" الذي ألفه السكرتير الخاص لك السيد أحمد سامي أبو العز ، كما ذكر أسماء المشاركين والمتحدثين ، ولكنه لم يكن دقيقاً في ذكر هذه الأسماء ، وقد أصدرت هذا الكتاب مكتبة الأسرة تحت عنوان "مهرجان القراءة للجميع" ، وهو أمامي الآن ، وعلى الرغم من أن الكتاب خضع لتحقيق : الدكتور محمد مصطفى سلام والأستاذ إبراهيم الجمل إلا أنه مليء بالأخطاء التي تنبي أن المحققين لم يحققا ، وهذا يدعو للأسف الشديد !

يقول أحمد سامي أبو العز في كتابه المشار إليه ، ص73 :

كانت القاهرة في أواخر إبريل سنة 1927م تموج بوفود الأقطار العربية لحضور حفلات تكريم أمير الشعراء .

أقول : هل كنت قد حصلت على هذا اللقب قبل انعقاد المؤتمر ؟

ثم يقول : وقد ابتدأت الحفلة الرسمية بدار الأوبرا الملكية تحت رعاية حضرة صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر ، في يوم الجمعة 29 إبريل سنة 1927م .

أقول : يا أمير الشعراء إن هذا الحفل كان حفلاً رسمياً على أعلى مستوى في مصر !

وذكر هذا الكتاب أسماء المتحدثين في هذه الجلسة :

1- سعد زغلول ، الزعيم المصري المعروف ، وكان صديقاً لك يا أمير الشعراء .

2- أحمد شفيق باشا ، ولم يعرف به ، والواضح أنه مصري .

3- الأستاذ أحمد حافظ عوض ، ولم يعرف به ، ولعله مصري .

4- الشاعر شلبي ملاط ، وهو لبناني ، وشارك بقصيدة .

5- سامي الشوا ، وهو فلسطيني ، وشارك بقطعة موسيقية .

6- خليل مطران ، الشاعر المعروف ، وهو لبناني ، شارك بقصيدة .

7- إحسان احمد القوصي ، سيدة مصرية ، شاركت بكلمة باسم لجنة السيدات .

8- حافظ إبراهيم ، ألقى قصيدته الشهيرة ، وفيها المبايعة بإمارة الشعر .

9- قصيدة أحمد شوقي ، وهي إحدى روائعه ، مطلعها :

مرحباً بالربيع في ريعانه

 

 

وبأنواره وطيب زمانه

 

وفيها يقول :

كان شعري الغناء في فرح الشر
قد قضى الله أن يؤلفنا الجر
كلما أنَّ بالعراق جريح
نحن في الفكر بالديار سواء

 

 

قِ ، وكان العزاء في أحزانه
حُ ، وأن نلتقي على أشجانه
لمس الشرق جنبه في عُمانه
كلنا مشفق على أوطانه

 

وفي مساء اليوم نفسه (29 إبريل 1927م) أقيمت حفلة بحديقة الأزبكية ألقى فيها الأستاذ محمد الشربيني مدير مطبوعات الأردن قصيدة ولم يذكر أن غيره قد تحدث أو أنشد في هذا الحفل المسائي .

وفي اليوم الثاني للاحتفال (30 إبريل 1927م) عقد الاجتماع بدار الجمعية الجغرافية ، وفيه تحدث السادة :

1- الأمير شكيب أرسلان (لبنان) شارك بقصيدة .

2- إسعاف النشاشيبي (فلسطين) شارك بمقالة .

3- عبد الحميد الرافعي (طرابلس لبنان) شارك بقصيدة .

4- محمد بن احمد داود (تطوان المغرب) شارك بمقالة .

5- الأمير صالح سعد سالم (سلطنة لحج – جنوب اليمن) شارك بقصيدة .

6- بدر الدين النعساني (حلب – سورية) شارك بقصيدة .

7- وديع البستاني (لبنان) شارك بقصيدة .

8- قيصر إبراهيم المعلوف (لبنان ، ولعله شارك باسم شعراء المهجر) شارك بقصيدة .

9- أنيس المقدسي (لبنان) شارك بقصيدة .

وأورد صاحب الكتاب من المشاركين : الأستاذ الكبير المقدسي وتركه مبهماً ، ثم قال وقصيدة البحرين ولم يسم صاحبها !!

ثم قال : وفي مساء اليوم نفسه (30 إبريل 1927م) كانت حفلة سمر وعشاء بكازينو الجزيرة تكلم فيها الأساتذة فكري أباظة ، وحافظ عوض ، وخليل مطران .

وفي اليوم الثالث : الأحد أول مايو 1927م كانت نزهة نيلية إلى القناطر الخيرية ألقيت فيها قصيدة محمد بن هاشم (لم يذكر بلده) في الذهاب ، وقصيدة حليم دموس في الإياب .

وفي اليوم الرابع (2 مايو 1927م) أقيمت حفلة بقاعة الاقتصاد السياسي ، شارك فيها :

1- محمد أمين واصف ، شارك بمقالة .

2- إبراهيم جلال القاضي ، شارك بمقالة .

3- محمود غنيم (الشاعر المصري المعروف) شارك بقصيدة .

4- وهيب دوس ، شارك بمقالة .

5- مراد فرج ، شارك بقصيدة .

6- خليل أسعد داغي ، شارك بمقالة .

7- مصطفى حسن البهنساوي ، شارك بقصيدة .

8- عبد الله عبد الرحمن ، شارك بقصيدة .

9- عبد اللطيف المغربي ، شارك بقصيدة .

10- نجيب هوانيني ، شارك بقصيدة .

وفي مساء اليوم نفسه أقيمت حفلة سمر بدار الموسيقى الشرقية ألقيت فيها قصيدة محمود أبو الوفا ، وهو شاعر مصري معروف ، وديوانه عندي ، وهو بعنوان "محمود أبو الوفا ، دواوين شعره ودراسات بأقلام معاصريه" .

ومطلع قصيدته :

هل يهز الملائك الإطراء

 

 

ليت شعري ، وأين منه الثناء

 

ويختمها بقوله :

خالد الشعر سوف يبقى مرايا
يا أمير البيان إن بياني
استعنت القريض فيك فلما

 

 

تتجلى في صفائها الأشياء
فيك أعشت عيونه الأضواء
لم يجبني أعان فيك الوفاء

 

وقد قدم الشاعر لقصيدته بمقدمة فيها فائدة ، قال فيها :

"أقيمت حفلة تكريمية كبرى للمرحوم شوقي بك سنة 1927م ، ظلت أسبوعاً اشترك فيها كبار شعراء وأدباء الأقطار العربية ، وكانت هذه القصيدة إحدى القصائد التي اختارتها اللجنة المؤلفة لاختيار القصائد التي تتلى في ذلك المهرجان العظيم" .

إذن أحب أن يشارك في مهرجان الشعر عدد كبير من الشعراء ، ولكن اللجنة المشرفة اختارت منها .

ثم إن سكرتيرك يقول : واستمرت الحفلات بعد ذلك إلى 6 مايو 1927م ولم يذكر أسماء المشاركين بعد 2 مايو ، وهي أربعة أيام ، كما لم يذكر كلمات المشاركين ولا قصائدهم ، واقتصر على كلمة سعد زغلول التي لم تزد على عشرة أسطر .

وفي كتاب "أحمد شوقي أمير الشعراء" للأستاذ فوزي عطوي أن ممن حضر الاحتفال وتحدث فيه : محمد كرد علي باسم المجمع العلمي العربي في دمشق وأمين الحسيني باسم فلسطين .

وهذان لم يذكرهما سكرتيرك أحمد سامي أبو العز في كتابه .

وبعد يا أمير الشعراء : هذا توثيق للحفل الذي استمر أسبوعاً لتكريمك ولتنصيبك أميراً للشعراء .

رحمك الله ، لقد كنت شاعراً حقاً ، ورحمني معك .