رسائل من أحمد الجدع ( 48 )

رسائل من أحمد الجدع ( 48 )

أحمد الجدع

إلى الصحابي الشاعر حميد بن ثور الهلالي

سلام عليك في مضجعك .

ولدتَ في الجاهلية ، وعشت بعضاً من سني عمرك قبل الإسلام ، ثم إنك عشت دهراً طويلاً بعد أن وفدت على رسول الله r وأسلمت ، وقيل إن العمر امتد بك حتى عصر عبد الملك بن مروان .

وعندما أسلمت قلت قصيدة مطلعها :

أصبح قلبي من سليمى مقصدا
.

 

إن خطأ منها وإن تعمدا

 

ثم تقول :

حتى أرانا ربنا محمدا
فلم نكذب وخررنا سجدا
.

 

يتلو من الله كتاباً مرشدا
نعطي الزكاة ونقيم المسجدا

 

فأنت معدود في الصحابة الشعراء .

كان عمر بن الخطاب يبني مجتمعاً إسلامياً مثالياً ، فكان مما سنه في خلافته أن حرم على الشعراء أن يشببوا بنساء المسلمين ، وكنت يا شاعرنا الهلالي تود أن تقول أبياتاً في الغزل ، سلكت طريقاً تحتال فيه على أمر أمير المؤمنين ، فرمزت إلى محبوبتك بالشجرة الطويلة ، وما سميته " السرحة " فقلت :

سقى السرحة المحلال والأبطح الذي
فما ذهبت عرضاً ولا فوق طولها
علا النبتُ حتى طال أفنانها العلا
فيا طيب رياها ويا برد ظلها
وهل أنا إن عللت نفسي بسرحة
فلا الظل منها بالضحى نستطيعه
أبى الله إلا أن سرحة مالك
.

 

به الشَّريُ غيثٌ مدجن وبُروق
من السرح إلا عشة وسحوق
وفي الماء أصلٌ ثابت وعروق
إذا حان من حامي النهار ودوق
من السرح مسدود عليّ طريق
ولا الفيءَ منها بالعشيّ نذوق
على كل أفنان العضاه تروق

 

وقد أكثر الشعراء العرب القول في الحمام ، ولك في ذلك مقطوعتان جميلتان ، أجملهما :

وما هاج هذا الشوق إلا حمامة
عجبت لها أن لا يكون غناؤها
فلم أر محزوناً له مثل صوتها

 

 

دعت ساق حرٍ ترحةً وترنُّما
فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فما
ولا عربياً شاقه صوت أعجما

 

أما الثانية فقولك :

إذا نادى قرينته حمام
يرجع بالدعاء على غصون
هفا لهديله مني إذا ما
فقلت : حمامة تدعو حماماً

 

 

جرى لصبابتي دمع سفوح
هتوف بالضحى غرد فصيح
تغرد ساجعاً قلب قريح
وكل الحِبِّ نزَّاع طموح

 

وعندما سمعت حديث رسول الله r : " لو لم يكن لابن آدم إلا الصحة والسلامة لكفاه بهما داء قاتلاً " .

فقلت تترجم هذا الحديث شعراً :

أرى بصري قد رابني بعد صحة
ولا يلبث العصران يومٌ وليلة

 

 

وحسبك داءً أن تصح وتسلما
إذا طلبا أن يدركا ما تيمما

 

وأنشد لك الزبير بن بكار :

فلا يبعد الله الشباب وقولنا

 

 

إذا ما صبونا مرة سنتوب

 

يا شاعرنا المبدع : حميد بن ثور الهلالي ، إنك من فحول شعراء الإسلام ، ومن فحول الشعراء الصحابة ، وكفا بهذا منزلة في سلم الشعراء .

الصحابي الشاعر حميد بن ثور الهلالي : سلام عليك ، وجمعنا الله بك في جنته ، وقد رضي عنا وأرضانا .