تركيا(1)

د. عثمان قدري مكانسي

تركيا(1)

بقلم: د. عثمان قدري مكانسي  

رغبنا صيف ألف وتسع مئة وخمسة وثماانين أن نزور دولة الخلافة العثمانية ،لأكثر من سبب ،فكثير من العرب يمموا وجوههم شطرها ذلك الصيف ، ثم إن زوجتي تنتمي لمدينة" بيره جيك"  التركية القريبة من الحدود السورية ،والجو في عاصمة الخلافة التركية صيفا رائع – كما يقولون – بينما اللهيب يعتمل في الإمارات ، والحقيقة أن في الإمارات فصلين في السنة ،هما فصل الصيف ، ويتربع في الاشهر الحادي عشر الميلادي "نوفمبر"  إلى الشهر الرابع "إبريل ، والفصل الجهنمي  من الشهر الخامس " مايو"  إلى الشهر العاشر" أكتوبر" وكان الأخ وليد الحجار قد زارها في السنة الفائتة وأعجبته كثيرا، وذكر لنا الأماكن التي ارتادها ،فكوّنا فكرة عن رحلتنا المرتقبة.

ولأن عطلة الصيف تمتد شهرين ارتأينا أن نقصد الأردن أولاً ، فانطلقت بنا الطائرة إلى عمان، ونزلنا في ماركا ضيفين على الأخ الدكتور منير الغضبان حفظه الله تعالى قريب الأيام العشرة فكان وزوجته أم عتبة غاية في الكرم

وأفيدكم علماً –وما أقوله يعرفه العديد من إخوانه- أن الأخ منيرا يستهويه النوم على هدير محرك السيارة ، فقد انطلقنا مرة  بسيارتي ومعنا زوجتانا من الشارقة إلى مدينة العين لزيارة أخيه الدكتور ياسين،  ودعا الأخ دعاء السفر، وسبح سريعا في ملكوت النوم دون أن يخبرني!! وبدأت الحديث معه فإذا بي أسمع شخيره يتعالى ، تركته نائما ورحت أقارن بين صوت المحرك وشخيره المتنافسين في الصعود والهبوط ، ثم قلت لنفسي هما على علاّتهما أرحم من صوت "فهد بلاّن "،

 كان قد مضى حوالي خمس عشرة دقيقة حين التفت إليّ  فجأة واعتذر عن نومه السريع ، فقصصت عليه وبسرعة قبل أن يعود للنوم ثانية أن صديقنا العسلي من قرية "خان العسل" غرب حلب ركب ووالده السيارة إلى حلب ، فلم يكد يصل إلى السرعة الرابعة للسيارة – وهذا لا يستغرق سوى دقيقة واحدة – حتى كان والده يغط في سبات عميق، فضحك ابو عامر ،ـ أستاذنا منير ـ وقال : إذاً فاسمع يا صاحبي بعض قصصي عن النوم :

قدت سيارتي يوما بعد أن تلت شهادة السياقة ،  فأخذتني غفوة سرعان ما انقشعت على صدمة جعلتني أصحو متوفزاً لأرى صاحب السيارة المصدومة ينزل متوجهاً نحوي غاضباً، وبدأ يسمعني من الكلام اللطيف بعضه، فقلت له :الحق معك ، ياصاحبي،  فهلم بنا إلى مركز الشرطة، سكت الرجل على مضض وقاد سيارته أمامي ، وتبعته فغفوت ثانية على صدمة أشد طردت النوم عني، فإذا الصدمة للسيارة نفسها ، قلت أعوذ بالله، سكت عني في الأولى فما الذي سيفعله الآن بي؟  ،  لكنني رأيت السيارة تسرع وتسرع فلم أستطع اللحاق بها.  قل لي بالله عليك يا أبا حسان لم غيّر رأيه وغاب عن أنظاري بهذه السرعة المذهلة؟!1 ما السبب في رأيك –أخي القارىء؟

     وقال : كنت أعمل في المناهج المدرسية في مدينة الرياض السعودية ، وكان عليّ أن أزور المدارس في المناطق  التعليمية  التابعة لها فذهبت في سيارة أجرة صغيرة وجلست في الكرسي الخلفيّ ، وجاء الساتق ونظر في وجوه الركاب ،وطلب إليّ بإلحاح أن أجلس إلى جانبه فأنا "مطوع" وذو لحية، والسائق يودّ أن يأنس إلي ّ ،

سارت السيارة أمتارا، ثم توقفت ، ليأخذ صاحبها سيجارة من سائق آخر ، ثم التفت نحوي يطلب إليّ أن أدعو دعاء السفر ،فوجدني نائماً ، فهزّني قائلاً : شيخي – عد إلى الكرسي الخلفي !!  ضحكنا جميعا ،، ثم عاد سيرته الأولى حتى وصلنا بيت أخيه

          حطت بنا الطائرة في مطار "استانبول" ورآنا موظف الجوازات لا نعرف التركية ، فملأ ورقة الدخول بنفسه وختم على الجوازين ، وابتسم .....

قلت للسائق كلمة واحدة "اكسراي" فقد أخبرنا وليد أنها لب المدينة.

   استانبول حاضرة العثمانيين عريقة فخمة تقع على القسم الشمالي من بحر مرمرة، يحدها شطرين مضيقُ البوسفور الذي يصل بين بحري مرمرة والأسود، فقسمها الآسيوي على الشرق ، وقسمها الأوربي على الغرب من المضيق، ويتراوح عرضه – المضيق- بين سبع مئة متر وضعف ذلك، تسير على طرفيه راجلا أوراكبا فتتذكر المجد الذي بناه الآباء ، وضيعه الأبناء، فمحمد الفاتح ـ رحمه الله تعالىـ بنى " حصار روملي " وهو قلعة عظيمة على الطرف الغربي من مضيق البوسفور، ذات  أبراج ثلاثة ضخمة ،مشرفة على المضيق ،فتمنع النجدات الروسية عن الروم، وتشرف على المدينة المحاصرة فتكشف تحركات الأعداء وتؤمن رصدهم ليل نهار، في ثلاثة أشهر ، تعجز المعدات الحديثة أن تفعل ذلك في القرن الواحد والعشرين ، ثم فتح المدينة فكان من الخالدين الذين مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أذ قال :" تفتح القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش" . وكانت حياته جهادا في سبيل الله . أما السلطان عبد المجيد بن محمود ـ والد السلطان عبد الحميد الثاني ثم أخوه عبد العزيز فقد بنيا قصر "دولما بخشة" على المضيق وجعلا فيه أربع مئة غرفة واسعة ثم قاما بأسوأ ما يفعله حاكم تافه!! لقد طليا غرف القصر بأربعة عشر طنا ً ونصف الطن من الذهب أي أربعة عشر ألفا وخمس مئة كيلو  في وقت كانت الدولة فيه أحوج ما تكون إلى القوة العسكرية والاقتصادية ، فضيعاها  ، ولم يستطع عبد الحميد أن يصلح الأخطاء المتراكمة  فسقطت سقوطاً ذريعا

أما القسم الغربي فيقسمه خليج "غلطة" الذي جرت فيه المعركة الفاصلة بين الفاتح والروم قسمين .

واستانبول : نزهة المشتاقين ، والحديث عنها يطول،  وما زرناه في أربعين يوما لا يسعه وريقات فقد زرنا قصورا ، ومساجد ، وآثارا ، ومتاحف ، وأسواقا  .

أما المساجد فحدث ولا حرج ، فمن جامع السلطان أحمد على بحر مرمرة ذي المآذن الست، وكان قد طلب إلى المهندس أن يبني مئذنة من ذهب ، والذهب بالتركية "ألطن" ورأى المهندس أن هذا أمر غير ممكن فبنى المآذن الست ، والرقم ستة بالتركية"ألطي" فاعتذر للسلطان حين راجعه أنه سمعه يقول ستة ،لا ذهباً ، فأعجب السلطان لذكائه وكافأه، ،، إلى جامع الفاتح رحمه الله حيث دفن فيه،وفيه مدرسة ضخمة لتحفيظ القرآن الكريم وعلومه،،إلى جامع بيازيد وهو جامعة عريقة، إلى جامع غلطة،  ثم جامع الصحابي الجليل أبي أيوب الانصاري رضي الله عنه،  ، وكلها كبيرة ذات طراز عثماني معروف بفخامته ، ونقوشه البديعة، وعلى الرغم أن االناس عند الظهر منشغلون في أعمالهم فقد أقيمت الصلاة في مسجد أبي أيوب مرتين مع العلم أن المسجد يتسع لثلاثة آلاف مصلٍّ، فالإسلام يعود ، وطوبى للعائدين معه. ولا شك فمساجد العاصمة عواصم المساجد ، خاصة مسجد أيا صوفيا الذي كان كنيسة ،  فلما فتح المسلمون المدينة جعلوها مسجدهم الكبير، وفيه صور العذراء والمسيح والصليب ، وما يدل على الديانة المسيحية ،فطمست ، وحين انقلبت الدولة علمانية أعيدت نلك الصور ،ومنعت الصلاة في المسجد.

أما "توب قابي سراي" قصر السلاطين العظام فعلى راسٍ بين بحر مرمرة ومضيق البوسفور ، يستقبل شروق الشمس ، ويودع غروبها، يحتاج زائره يوما كاملا ليحيط ببعض جوانبه، فترى فيه قاعة الاستقبال وتتصور السلطان جالسا يستقبل وزراءه وعماله وزائريه ، ويحكم العالم من مكانه، ثم تتجه إلى مقصوراته ، ثم إلى مخادع الحريم ثم إلى الحدائق ، ثم تنعطف إلى المطبخ السلطاني ، ثم تتعرف إلى مقتنياته، وقد تجد مزهرية ذهبية وزنها أكثر من ثلاثين كيلو جراما ، وعمودا مزخرفا ذهبيا يتجاوز وزنه السبعين كيلوجراما، وحدث ولا حرج عن الحمامات بصنابيرها الذهبية، وجرانها المرمر ، لتعلم أن كثيرا منهم كانوا ظلمة مترفين على حساب الرعية المسكينة المسحوقة، والعجيب أن الزائرين حين يرون هذا لا يفهمون إلا الجانب الحسي مما يرون ،فلا يتعظون ولا يعتبرون، وهذه مصيبة الإنسان ،لا يرى إلا ما يقع عليه بصره أما البصيرة فعليها السلام.

وقريبا من " أكسراي" قلب المدينة تجد سوقا مغطى يدعى "قبلي شارجي " كبير ، يذكرني بسوق المدينة في حلب ، وهو أفخم وأضخم وأطول ، إلا أن سوق حلب المغطى أعرض وأكثر تنظيما ، ومما شدني معارض الخط المتعددة ،تعرض ما كتبه مشاهير الخطاطين الأتراك، وكنت أذهل لما أرى من فن وجمال وقد اقتنيت كثيرا من بطاقات الخط لأتمتع بالنظر إليها كلما عنت على بالي واشتقت إليها ، نزلنا أكسراي  اليوم الأول في فندق مطل على البحر ،وكان في الوقت متسع للوقوف على البحر ، عند الأصيل ، ولكننا لم نجد أحدا ممن نعرفهم وسبقونا إلى تركيا هذا الصيف، وشاء الله تعالى أن يشرح صدرينا ، فلا نندم على هذه الزيارة ،بل نتمتع بها فقاد إلينا الشاب الحلبي محمد القصاب وكان يدرس في إستانبول فسلم علينا بوجهه الحلو البشوش ، فكان هدية السماء إلينا في مكان أحببناه ،  ولكننا بحاجة إلى هاد يدلنا إلى الأصدقاء والأحباب، وواعدنا أن نلتقي صباح اليوم التالي في صالة الفندق النازلين فيه، وكانت ليلة حلوة هانئة هادئة، وفي الموعد المقرر جاءنا الشاب ليذهب بنا إلى "كوك جدرة" ركبنا سفينة كبيرة تتسع المئات فمخرت بنا عباب البحر الصغير مرمرة إلى الجنوب باتجاه مدينة "يلوا" فمرت على جزر جميلة،  زرناها كثيرا حين أقمنا في كوك جدرا ، منها " بويوك أدا " ومعنى بيوك : كبيرة ، و"كوجوك أدا " ومعنى كوجك : صغيرة ، وكانا رائعتين ساحرتين ، وجل أهلهما من يهود الدونمة، وفيهما متنزهات ، ووسائل الترفيه وركبنا عربات الخيول التي كانت وسيلة المواصلات المهمة في مدينتنا حلب ،ثم انقرضت ، فاسترجعنا شريطا من ذكريات الطفولة

وصلت السفينة إلى يلوا بعد ساعتين من إبحارها ، وهي مدينة صغيرة نظيفة ،عادات أهلها قريبة الشبه بعاداتنا ، وأساليب الحياة فيها تذكرنا بما نحن عليه، ... ركبنا باصا صغيرا باتجاه الغرب والحقول تسابقنا ، والأشجار على الجانبين تحيينا ، والقرى هادئة لاضجة فيها ،فلم يمض عشرون دقيقة حتى قيل لنا وصلنا إلى كوك جدرة ، كانت بيوتها مرتبة ، ومساحتها متوسطة ، والناس فيها غادون رائحون، تعج فيها الحياة،  نزلنا أمام مسجدها الوحيد ،فقلت لعلنا نجد نزلا قريبا منه ، ولم يخب ظني  ، فأمامه تماما نزل "ألفت خانم " وكانت امرأة في الخمسين ، توفي عنها زوجها ، وترك لها خمس بنات أكبرهن في الخامسة والعشرين وولدا  هو أصغر الجميع في الثامنة من عمره، وبناء من ثلاثة طوابق ، كان محمد مستأجرا عندها قبل يومين من قدومنا ، فسلم عليها ، وقدمنا إليها، فاستقبلتنا بترحيب ، وعرضت غرفة في بيتها ـ وكانت تشغل الطابق السفلي ، أما الطابقان العلويان فممتلئان، وأسرعت بالقبول لمكان الجامع من النزل ، وكذلك زوجتي لأنها سوف تتحرك براحة في بيت ليس فيه رجل سواي ، ، الغرفة تشرف على حديقة صغيرة،  ثم على الطريق ،ثم على المسجد، كانت الغرفة شديدة النظافة ، بل البيت كله يتلالأ ويلمع ، ورائحته الطيبة أنستني تعب الساعات الماضية ،,, وأذن للظهر فأسرعت للصلاة في المسجد  ، والتقيت هناك بكثير من الأحباب والأصدقاء ممن يعملون معي في الأمارات أو في السعودية أو في الأردن مما جعل كوك جدرة مشهورة وجود الحمامات المعدنية قربها في " الترمال " وهي في واد خلفها، يوصل إليها طريق ترابي عبر الجبل ، وطريق معبد جيد  ينفصل عن طريق القرية نفسها

أما الحمامات فالاعتناء بها واضح ، وهي قسمان ، اما القسم الأول فغرف مبنية تتسع لأسرة متوسطة تتألف من : مقدمة  لتبديل الملابس ، وأخرى في الوسط للاغتسال بالماء الحار والبارد، والأخيرة فيها حوض طوله متر ونصف وعرضه متر واحد، وعمقه متر ونصف ، يصب فيه المستحم الماء المعدنية بالحرارة التي يتحمل،

والقسم الثاني من شقين ، الاول بركة كبيرة للسباحة ، والثاني حمام للجميع، وتمتاز حمامات تركيا عن حمامات بسكرة في الجزائر أنها أفضل تنظيما وأنظف ، وهذا فرق ما بين الحضارتين، وعلى الجبل المقابل لكوك جدرة قرية أكثر هدوءاً  تدعى " وسبنر " هواؤها عليل وإطلالتها متعة للناظرين ، قلت فيها :

في    وسبنر    يحلو    iiالسمر
والجـو     صـافٍ    رائـقٌ
وتميس      أطياف      iiالنسي
فتداعب     الأغصان     والاو



 
ويلـذ   في   اللـيل  iiالسـهرْ
والبدر    في    الرابع    عشرْ
ــم كأنها ومض الفِكَــــرْ
راق    في    أعلى   iiالشـجرْ

وهي قصيدة طويلة في ديواني الأول " نبضات قلب " أصف فيها ما اعتراني في إحدى الليالي من ألم، سبّبه بعض  من يدعون الريادة في طريق الدعوة وهي بريئة منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فليس "كل من صفَّ الصواني قال : أنا حلواني "

وفي الطريق من " يلوا" إلى  " بورصة " في الجنوب تقع مدينة صغيرة كانت مرة عاصمة للفاتحين العثمانيين تدعى " إزنك " فيها بحير رائعة طولها كيلو متر واحد ،وعرضها خمس مئة متر ،ومياهها صافية،  والحياة في تلك البلدة هادئة ، تحيط بالبحيرة البيوت البسيطة ،فتزيد المنظر جمالا ورومانسية، أما بورصة فقد كانت العاصمة قبل "أدرنة " وهي مدينة كبيرة تجمع بين القديم والحديث ، شدنا إليها أمور ثلاثة: أولها المسجد القديم أو الكبير " أولو جامع / وأولو تعني القديم ، لم أر في حياتي مثل جامع بورصة، فحين تدخل مصلاه الكبير وأمام بابه بعشرة أمتار تقريبا تجد الموضأ ، وهو بركة ارتفاعها عن الأرض متر ونصف المتر،وأرضها مكسوُّ بالبورسلان الازرق الفاتح ،فهي تعطيك لون السماء الصافي ، وعلى جوانب جدرانها صنابير المياه للمتوضئين ، وأمام كل صنبور كرسي حجري ، وأمام البحرة مصطبة بارتفاع نصف متر ،يجلس فيها المؤذنون ـ ويوم الجمعة يشترك أكثر من خمسة في الاذان ـ ومثل هذا تجده في الجامع الاموي في دمشق، لكنهم ينفردون بالأذان لصلاة الجمعة على نغم " السيكاه " ولكل وقت أذانه على لحن  مختلف،فالأتراك أهل نغم وذوو أصوات مطربة ، لا يضاهيهم فيها أو يفوقهم ـ  بزعمي ـ سوى أهل حلب ، فما من حلبي إلا مستمع أو صوّيت < ذو صوت جميل> 

أما الأمر الثاني الأهم فسقف المسجد قائم على اثني عشر سارية مربعة الشكل،ـأي لها أربع جهات ـ ، وسمها إن شئت وجوهاً ، فهناك إذاً ثمانية واربعون وجهاً ، على كل وجه اسمٌ لله تعالى ،كتب على ثلثي الوجه ، وعلى الثلث الآخر متداخلاً مع الثلث الأوسط كتب الاسم نفسه معكوساً . وتجد على الجدران آيات بخطوط متعددة تبهر العيون والنفوس والأفئدة، ولا أزال أذكر كيف كتبت سورة الناس على شكل دائرة ثمانيّة الانحناء بعدد تكرار حرف السين في السورة المباركة ، وكذلك سورة والشمس وضحاها، إلا أن الدائرة رسمت بحرف الواو، وكتبت " من كل فج عميق" متداخلة فكانت بطون النون واللام والجيم والقاف في بطن واحدة .. صلينا الظهر في هذا المسجد وذهبت النساء كعادتهنّ إلى السوق المجاور القريب وهو نسخة مصغرة عن سوق" قبلي جارجي"  في إستانبول ، وبقيت حتى العصر أرتع في رياض الخط الجميل

أنا أحب الخط الجميل وما أزال  ـ وبعد ثلاثين سنة ـ أتمتع بما رأيته في بيت المرحوم محمد زرزور والد الدكتور عدنان الزرزور، فقد كان ابنه الآخر مروان أحد أصدقائي ، إذا زرته ، وجلست في ركن من أركان غرفة الضيافة فيه تمتعت بما كتب على الجدار المقابل ، ثم أجتهد في الزيارة التالية أن أجلس في ركن آخر لأستمتع بما يقابله من خطوط رائعة له ، ولأصحابه من مشاهير الخطاطين، 

               أما الأمر الثالث فتمتع راكب " التلفريك " الصاعد إلى الجبل العالي من قبالة المسجد إلى أعلى قمة في الجبل بما يراه تحته من اشجار عالية تكاد تمس المراكب ، وجداول 

رقراقة أو غزيرة تكسب الغابات حياة ، وحيوانات أليفة وغير ذلك ،تسرح وتمرح ، او تهاجم وتدافع،