الصَّحابيّ عاصم بن عمرو التّميمي رضي الله عنه، قائد كتيبة الأهوال

إنمـا يصنـع التـاريخ أفـذاذ الرجـال، الذيـن تفوقـوا فـي ميـادين الإيمـان والتقـوى والجهـاد والحديث والفقه والدعوة...

جاء الإسلام فصهر النفوس، ونقى عنهـا الخَبَث، وبنى العقيدة الحق، ونمّى الطاقات، وطهر القلوب، وحسّـن الأخـلاق... ووجّـه القوى المبعثرة لتعمل بانضباط ونظام باتجـاه إعلاء كلمة الله.

والرجـل الـذي نتحـدث عنـه الآن هـو أحـد ثمرات هذا الدين العظيم.

لم يكن لهذا الرجـل شـأنٌ في صِغَرِه، لكنـه عندما كبر وآمن بالإسلام أصبح من العظماء، لذلك لا تذكـر كتـب التـاريخ شـيئاً عـن تـاريخ ولادته، إنما تذكر عنه جهاده وبلاءه. قال خير الدين الزركلي في كتابه "الأعلام": "عـاصم بـن عمـرو التميمـي أحـد الشـعراء الفرسان، من الصحابة. له أخبار وأشـعار في فتـوح الـعـراق، وأبلـى فـي القادسية البـلاء الحسن".

كان عاصم رضي الله عنه مقداماً، لا يهمّه أوَقَعَ على المـوت، أم وقع الموت عليه. وكان موضع ثقة رؤسـائه وجنوده، محبوبـاً منهـم جميعـاً، يتحمّـل المسؤولية بروح عالية، ذا شخصية نافذة قوية، شريفاً فـي قومـه فـي الجاهليـة وفـي الإسـلام. وكان سريع الحركة، لكنه لا يُقْدم على عمـل عسـكري إلا وفـق خطـة واضحـة، ويرفـع معنویات رجاله بمثاله الشخصي... فلا غرابة أن يكون النصر حليفه، يسير معه أينما سار. وكـان وفياً نزيهاً، يتحمل الغُـرم، ويؤثـر أصحابـه بـالغُنم، شهماً غيـوراً صادقاً، محبـاً للخير.

قدِم مع وفد قومه بني تميم بعد غزوة تبـوك، وهـي آخـر غـزوة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فلـم ينـل شـرف الجهاد مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكنه جاهد تحت راية خـالد بن الوليد في حروب الردة وفي العراق، وقَتـل أحد قادة الفرس في معركة المذار، وشارك في معركـة دُومة الجندل [تقع حاليـاً فـي شـمال شـرق الأراضـي السـعودية قريبـاً مـن الحـدود الأردنيـة والعراقية]، وأسر أُكَيدر بن عبد الملك أمير دومة الجندل الذي كان قد غدر بالمسلمين.

وقاد عاصم بن عمرو قومه بني تميـم، وهو يقاتل تحت راية أبي عبيد بن مسعود الثقفي في معركتي كشكر ونهـر جـور، وانتصـر فيهمـا على الفرس.

وحين انهزم المسلمون في معركة الجسر التي استُشهد فيها أبو عبيـد وجماعـة كبيرة مـن المسـلمين، قـام عـاصم والمثنـى بـن حارثـة الشيباني مـع جماعـة مـن أبطـال المسلمين بحماية الانسحاب، وأنقذوا أرواح المسلمين.

ثم قاتل عاصم رضي الله عنه تحـت رايـة المثنى، بعد استشـهاد أبـي عبيـد، وقـاد المَجـردة [وهـي القطعات الراكبـة أمـام مقدمـة الجيـش] وذلـك فـي معركة البويب، وهذه المهمة لا توكل عـادة إلا لفارس مقدام. ثم كـان أحـد قـادة المطـاردة بعـد المعركة، وهو أول من دخل حصن الفرس في ساباط، مما حطّم معنويـاتهم، ورفع معنويات المسلمين.

وقبل معركة القادسـيـة جـرت مفاوضـات بيـن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وبين كسرى يزدجرد، حيث أرسل سعد رجالاً من العرب لهـم منظر ومهابة ورأي واجتهاد، وكـان مـن بيـن هـؤلاء عاصم رضي الله عنه، وغضب کسری على هذا الوفد فنـادی رجالـه: "ائتونـي بوقـر مـن تـراب، واحملوه على أشرف هؤلاء، ثـم سـوقوه حتى يخرج من باب المدائن". ثم سألهم قائلاً: "من أشرفكم؟". فسكت القوم إلا صاحبنا عاصم بن عمـرو التميمـي قـال: "أنـا أشرفهم. أنـا سـيّد هؤلاء فحمّلنيـه". فحملـه علـى عنقه، وأسـرع حتى وصل إلى سعد بن أبي وقاص وأخـبره الخبر، فقال سعد: "أبشروا فقـد واللـه أعطانـا الله أقاليد ملكهم".

وفي يوم القادسية الثالث تكفل عـاصم وأخـوه (القعقاع بن عمرو) رضي الله عنهمـا، بقتـل الفيل الأبيـض (حيـث كـان هـذا الفيـل قـائداً للفيلـة)، فوضعا رمحيهما معاً في عيني الفيل الأبيض.

وفي ليلة الهَرير – آخر ليالي معركة القادسية - هَزَمَ عاصمٌ قائدَ الفرس الـذي كـان بمواجهته وسحق قواته، وانتصر المسلمون على الفرس في هذه المعركة وكان لعاصم رضي الله عنه جهود مشرفة.

وحين قرر سـعـد بـن أبـي وقاص رضي الله عنه عبـور نهر دجلـة ليفتـح المدائـن اختـار عاصمـاً أمـيراً علـى ستمئة متطـوع ممـن يتقنـون السـباحة، وعندما وصلوا الشاطئ طلب عاصم ممن معه العبور فـانتدب 60 فارساً معه – أطلـق عليهـم كتيبة الأهوال – وكانوا أول من دخل المدائن، بعد قتال مع الفـرس، وهُـم فـي المـاء. وشهد عاصم المعارك التي طهّرت جنوبـي العـراق وقسماً من أرض فارس من القوات الفارسية.

وسوم: العدد 932