الدعاء والاستغفار لغير المسلمين جائز... ولكن؟

يكثر الكلام عن الدعاء لغير المسلمين – كفار، مشركين، ملحدين- الأصل فيه الجواز، وبيان ذلك على هذا النحو:

???? أولا: الدعاء لهم بما كان من أمر الدنيا، كشفاء وتكثير مال ونحو ذلك فهو جائز، روى ابن أبي شيبة عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ادْعُ لِي، فَقَالَ: «أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ، وَوَلَدَكَ، وَأَصَحَّ جِسْمَكَ، وَأَطَالَ عُمُرَكَ[1]»، وروى أيضا عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ يَهُودِيًّا حَلَبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةً، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ»، فَاسْوَدَّ شَعْرُهُ[2]. قال المناوي في فتح القدير: ويجوز الدعاء للكافر أيضا بنحو هداية وصحة وعافية[3]، وقال النووي: يجوزُ أن يُدعى بالهداية وصحةِ البدن والعافية وشبهِ ذلك[4].

???? ثانيا: الدعاء بالهداية: وهذا مطلوب، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع كثير من أهل الشرك قبل إسلامهم ومن ذلك:

1. ما جاء في قصة إسلام عمر رضي الله عنه وأبي جهل، روى أحمد في مسنده عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَى اللهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ[5]".

2. ودعا لدوس روى البخاري وسلم عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ، عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ[6]».

3. وكما في دعائه صلى الله لعيه وسلم لأم أبي هريرة، روى مسلم عن أَبُي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ[7]».

???? ثالثا: الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة: فهذا له حالتان:

???? الأولى: أن يكون غير المسلم حيا: وهذا يجوز الدعاء له بالرحمة والمغفرة، ويكون من الرحمة هدايته للإسلام، ويقصد بالمغفرة مغفرة الكفر بالإسلام، ويكون هذا من باب حبّ الخير للغير، ويدخل هذا في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ[8]»، ونقل ابن علان كلاما لابن العماد  في هذا المعنى فقال: وقال ابن العماد: الأولى أن يحمل على عموم الأخوة حتى يشمل الكافر فيحبّ لأخيه الكافر ما يحبُّ لنفسه من دخوله في الإسلام كما يحبّ للمسلم دوامه، ومن ثم كان الدعاء بالهداية مستحبا[9]. ويحمل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ[10]»، قال ابن حجر: المراد بالمغفرة: العفو عما جنوه عليه في نفسه لا محو ذنوبهم كلها، لأن ذنب الكفر لا يمحى، أو اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة، أو المعنى اغفر لهم إن أسلموا[11]. وقال القرطبي: الاستغفار للأحياء جائز لأنه مرجو إيمانهم، ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين[12].

وقد جاء الدعاء للكفار على لسان إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، قال ابن القيم: ولم يقل: فإنك عزيز حكيم، لأن المقام مقام استعطاف وتعريض بالدعاء، أي إن تغفر لهم وترحمهم، بأن توفقهم للرجوع من الشرك إلى التوحيد، ومن المعصية إلى الطاعة[13].

الدعاء للوالدين غير المسلمين: ويتأكد الدعاء للغير المسلم إن كان أبا أو أما ما لم يفارقا الحياة، يقول القرطبي في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24]: وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين[14].

???? الحالة الثانية: إذا مات المرء على غير الإسلام، -سواء كان ذلك شكرا أم إلحادا- وهذه الحالة جاء النهي عن الاستغفار لهم، وقد كان النهي للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]. قال القرطبي: قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا[15].

والإجماع على ذلك، قال ابن تيمية: الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع[16]. وقال النووي: وأما الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع[17].

???? سبب النهي عن الاستغفار:

وأما سبب النهي عن الاستغفار لهم أو طلب الجنةفلأمرين:

???? الأول: كون من مات كافرا بالإسلام لا يؤمن بالله الذي تدعوه ليغفر له وأن يرحمه، وهو لو كان حيا ما قبل ذلك منك.

???? الثاني: فلكون ذلك مناقض لأحكام الشرع والدين، إذ كيف لكافر بالله مشرك بالله أن يدخله الله جنته أو يغفر له، كيف يساويه الله تعالى بمن دان له وخضع له، كيف يتساوى مع من أحبه ورجى رحمته؟! يقول السعدي: الاستغفار لهم في هذه الحال غلط غير مفيد، فلا يليق بالنبي والمؤمنين، لأنهم إذا ماتوا على الشرك، أو علم أنهم يموتون عليه، فقد حقت عليهم كلمة العذاب.... وأيضا فإن النبي والذين آمنوا معه، عليهم أن يوافقوا ربهم في رضاه وغضبه، ويوالوا من والاه الله، ويعادوا من عاداه الله، والاستغفار منهم لمن تبين أنه من أصحاب النار مناف لذلك، مناقض له[18].

???? لماذا استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعمه؟

أما استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لعمه فقد ربطه النبي صلى الله عليه وسلم بعدم النهي فقال: «أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] [19]. واستغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه فكان عن موعد بينه وبين أبيه قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114].

الدعاء لغير المسلمين مشروط بعدم أذيتهم لنا:

والدعاء هنا ما لم يكن منهم أذى، وقد أشار إلى هذا ابن حجر فقال: قول النبي صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ[20]» وهو ظاهر فيما ترجم له وقوله ليتألفهم من تفقه المصنف، إشارة منه إلى الفرق بين المقامين وأنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يدعو عليهم وتارة يدعو لهم فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم كما تقدم في الأحاديث التي قبل هذا بباب والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تألفهم كما في قصة دوس[21].

د: أكرم كساب

________________________________________

[1] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 105).

[2] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 105).

[3] فيض القدير (1/ 345).

[4] الأذكار/ النووي/ ص 317.

[5] رواه أحمد (5695) وقال محققو المسند: صحيح لغيره.

[6] رواه البخاري في الجهاد والسير (2937) ومسلم في فضائل الصحابة (2524).

[7] روا مسلم في الفضائل (2491).

[8] رواه البخاري في الإيمان (13) ومسلم في الإيمان (45) عن أنس.

[9] دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 26).

[10] رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3477) ومسلم في الجهاد والسير (1792) عن ابن مسعود.

[11] فتح الباري لابن حجر (11/ 196).

[12] تفسير القرطبي (8/ 274).

[13] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 60).

[14] تفسير القرطبي (8/ 274).

[15] تفسير القرطبي (8/ 274).

[16] مجموع الفتاوى (12/ 489).

[17] المجموع شرح المهذب (5/ 144).

[18] تيسير الكريم الرحمن/ السعدي/ ص 353.

[19] رواه البخاري في الجنائز (1360) ومسلم في الإيمان (24) عن المسيب بن حزن.

[20] رواه البخاري في الجهاد والسير (2937) ومسلم في فضائل الصحابة (2524).

[21] فتح الباري لابن حجر (6/ 108).

وسوم: العدد 882