عصيد ومع انسداد الآفاق أمام مشروعه العلماني الذي يواجه البوار في المغرب حاول بخس الحضارة الإسلامية

عصيد ومع انسداد الآفاق أمام مشروعه العلماني الذي يواجه البوار في المغرب حاول بخس الحضارة الإسلامية من خلال التنكر لدورها في تطوير العلوم العقلية

استنفد المدعو أحمد عصيد كل أشكال النيل من الإسلام مستغلا  جائحة كورونا ليشفي غلته من حقده عليه وعلى أهله ، ساخرا منهم لأنهم توجهوا  إلى  خالقهم سبحانه وتعالى بالدعاء  ليرفع عنهم بلاء الجائحة  ، ومنوها بغير المسلمين الذين يبحثون عن علاج له ، ومع أنه كما وصفه أحدهم  ليس في نفير الباحثين  عن علاج الوباء ،ولا هو في عير المتضرعين  إلى الله عز وجل  . ومن يسمعه وهو يتحدث عن الباحثين عن العلاج يخاله واحدا منهم ، بينما هو في الحقيقة  مجرد مصاب بالهوس العلماني وراكب غروره  يتعاطى السفسطة  متنكبا الحقيقة والمنطق والعقل والموضوعية ،وهو تحت تأثير تعصب عرقي  مزمن شأنه شأن من يمتطي حمارا ووجهه إلى الخلف ، وهو يظن أن ركوبه صحيح .

ولقد أصبح  الرأي العام  المغربي  يعرف جيدا  خرجاته الإعلامية ،هو من على شاكلته  من العلمانيين الذين لا شغل لهم سوى نهش لحوم المسلمين ، والاستنقاص من شأن دينهم وحضاراتهم بأسلوب في غاية الانحطاط ، وهم لا  يستطيع الجرأة  عل التصريح  بإلحادهم، فيلجئون إلى اللف والدوران ظنا بأنفسهم الشطارة في التمويه على حقيقتهم  يدعون العلم والمعرفة والبحث والتحليل  والموضوعية وقد سقطت أقنعتهم الإلحادية منذ زمن بعيد من خلال ما يكتبون وما ينشرون وما يصرحون به في  فيديوهات .

والذي استدرج عصيد وأمثاله  من العلمانيين  للتمادي في استهداف الإسلام  وأهله زورا وبهتانا ، وهم أبعد ما يكونون عن معرفته  كما تكشف عن ذلك بجلاء  مقالاتهم وأحاديثهم المتهافتة ثناء تعليقات بعض المنبهرين من الأغرار  بسفسطتهم الشيء الذي يجعلهم ينتشون بذلك الثناء المكذوب  ، وينتفشون لذلك انتفاش السنورات .

ولمّا لم يبق في جعبة عصيد  ما يقوله بمناسبة  نزول بلاء كورونا ،عاد إلى البالي والمتلاشي من الأفكار التي عفا عنها الزمن وأكل عليها وشرب  شأنه شأن من يحرك  يائسا الرماد بعد خمود النار، بحثا عن جذوة أو قبس ، فنشر على موقع هسبريس مقالا تحت عنوان:

" حول مكانة العلوم العقلية في الحضارة الإسلامية "  ، وخلاصة ما جاء في هذا المقال  يختصرها  كلامه في خاتمته وهو كالآتي :

  " وإذا كان المسلمون في الماضي قد ضيّقوا على العلوم العقلية واعتبروها أجنبية عنهم رغم طابعها الكوني، فإنهم في عصرنا عوض القيام بالخلاصات النقدية الضرورية عادوا ليبحثوا عن النظريات العلمية التي يكتشفها الغرب في النصوص الدينية معتبرين ذلك "إعجازا علميا في القرآن"، وهكذا أخلفوا موعدهم مع التاريخ مرتين، في الماضي والحاضر"

فمثل هذا  الكلام  كان رائجا  في النصف الأول من القرن الماضي بين المنبهرين بالمد المادي الإلحادي في أوج سطوة المعسكر الشيوعي في الاتحاد السوفياتي ، وقد تبخرت دعايته الإيديولوجية بعد انهياره ، وضاعت بذلك أحلام المراهنين عليها والحالمين بما كانت تعد به من هيمنتها على العالم وقد استسلمت أمام الرأسمالية المتوحشة  . ولقد كان جل المنبهرين بالمد الإلحادي في البلاد العربية والإسلامية من الشباب الجامعي المتذمر من الأنظمة التي كانت تحكم بلاده ، والمتطلع إلى نهضة مادية كان يتوهم أن الإلحاد هو السبيل الوحيد لتحقيقها ، فلما أفل النجم الأحمر للشيوعية، ولوا وجوههم شطر الرأسمالية كأنهم لم يناصروا الشيوعية من قبل . ولا شك أن عصيد كان أحد هؤلاء  قد صرف شبابه في التعصب للشيوعية  فلما أفلت ، صار  يناصر الرأسمالية المتوحشة بسبب علمانيتها التي استهوته وهو يراهن عليها كما راهن من قبل على علمانية الشيوعية. في انتظار أن تتهاوى أركان العلمانية الرأسمالية كما تقوضت أركان العلمانية الشيوعية سيبحث  لا محالة عن بديل علماني آخر ، أو ينتهي إلى ما انتهى إليه معظم العلمانيين الملحدين إن كان حسن الحظ وهو التوبة إلى خالقه من إلحاده قبل أن يسلم الروح لباريها ،فيجد عنده ما قدمت يداه .

وكرد على بخس عصيد دور الحضارة الإسلامية في حمل مشعل العلم والمعرفة الإنسانية ،أذكر محاضرة للمفكر التركي الكبير الأستاذ فؤاد سزكين  الذي زار كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة فاس سنة 1981 ،وقد استغرقت ما يزيد عن ساعتين زمنيتن  في سرد عناوين المخطوطات العلمية  العربية الإسلامية التي سطا عليها الغربيون في حملاتهم الاستعمارية  ،ونسبوها إلى أنفسهم بعدما غيروا عناوينها العربية ، والرجل خبير بالمخطوطات ، وكان يقابل الأصول منها بالمسروق والمنحول الغربي  .وقد  وذكر أن ما يزيد عن 90 في المائة من التراث العربي الإسلامي لا زال أسيرا في خزانات ومتاحف بلاد الغرب ، وأنهى محاضرته بالسؤال التالي : ألم يحن الوقت  بعد ليتفقد المسلمون تراثهم المسروق ويسترجعونه ليواصلوا مشوار أسلافهم في حمل مشعل الحضارة الإنسانية  ؟ وفي نفس السنة ومن حسن الطالع ،وفي نفس المكان ألقى الباحث الفرنسي موريس بوكاي محاضرته الشهيرة عن كتابه له تحت عنوان " الكتاب المقدس والقرآن الكريم والعلم" معلنا أنه قد عجز عن إثبات للقرآن الكريم  ما وجد من تناقض بين المعطيات العلمية الحديثة وبين نصوص الكتاب المقدس ، وهو يسرد الأدلة من كتاب الله عز وجل على انسجامه التام مع تلك المعطيات . فأين عصيد من هذين العالمين:  فؤاد سزكين وموريس بوكاي ؟ الأول صرف جزءا كبير من حياته متنقلا بين خزانات العالم في الغرب بنفض الغبار عن التراث العلمي والفكري الإسلامي ، والثاني بدأ تعلم اللغة العربية وهو في التاسعة والأربعين من عمره كما صرح بذلك في محاضرته لمعرفة النص القرآني عسى أن يكتشف ما  اكتشف من تناقض بين نص الكتاب المقدس وبين المعطيات العلمية الحديثة، فانتهى إلى الاعتراف بالإعجاز العلمي لكتاب الله عز وجل لأنه عالم لا يتعاطى ما يتعاطاه عصيد من سفسطة فارغة  .

ولقد توالت المؤلفات في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم من علماء غربيين  متخصصين في ما سماه عصيد العلوم العقلية ، وليس من متخصصين فيما سماه النقل أو الوحي  نافيا عنه صفة العلم ، ومحاولا بخس جهود العلماء المسلمين في الحركة العلمية العالمية قديما وحديثا  ، وحتى من استشهد بهم من القدماء  أمثال ابن رشد وغيرهم، جعلهم مجرد مجترين للفكر اليوناني ليس غير ، واتهم الفقهاء والسلاطين بالتضييق على هؤلاء من خلال اتهامهم بالكفر مع أن معظم  بلاطات السلاطين يومئذ كانت محج أولئك العلماء و كانت لهم حظوة عند ذوي السلطان ، وكانوا يجمعون بين النقل والعقل لأنهم لم يكونوا كعصيد يرون فرقا بينهما لأنهم كانوا يستوحون سبيلهم إلى العقل من النقل الذي يدعو إلى البحث في ملكوت الله عز وجل كما تشير إلى ذلك مئات الآيات من الذكر الحكيم التي يتعامى عنها عصيد وأمثاله من العلمانيين قاصرين النقل في قضايا الغيب التي غيبها الله عز وجل لحكمة عنده، مع أنه يقيم عليها الحجج والبراهين والأدلة من عالم الشهادة المادي المحسوس والملموس ، ومن أقنعه هذا العالم المشهود بأدلته لا مندوحة له عن الاقتناع  مرغما بالعالم المغيب  المتحكم فيه .   

والتحدي الذي يحاصر عصيد وأمثاله من العلمانيين الملحدين عنادا  في نفق مسدود هو الكم الهائل من  نصوص النقل المتعلق بعالم الشهادة، وهو ما يشتغل عليه الباحثون والعلماء في موضوع الإعجاز العلمي للقرآن الكريم ، وهو ما يجعلهم مضطرين عن قناعة تامة إلى الإقرار بوجود عالم الغيب المتحكم في عالم الشهادة .

ومما يغيب عن ذهن عصيد أو بالأحرى  يحاول القفز عليه أن كثيرا من العلماء المعاصرين في مختلف التخصصات العلمية الدقيقة مسلمون  منهم العرب و منهم غير العرب  ، وهم أدرى بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم  لأنهم لم يهدموا الجسر الواصل بين العقل والنقل كما يفعل عصيد وأمثاله  من العلمانيين بل يستعينون بالعقل الذي يدعو النقل  إلى استعماله وهو أرقى أنواع العقل لأنه مؤيد بالنقل . وكثيرا ما يتأسف هؤلاء العلماء المسلمين على عدم عبور زملائهم  من العرب ومن غير العرب ذلك الجسر لتكتمل معرفتهم ، ويكتمل علمهم، فلا يقتصر على عالم الشهادة دون عالم الغيب . وكم من عالم غير مسلم  انتهى به مشواره العلمي إلى الإيمان بعالم الغيب، ولم يكن يؤمن به من قبل ، وفيهم من أعلن إسلامه لا معاندا ولا مكابرا بعدما أوصله بحثه العلمي الرصين إلى الحقيقة التي هي غابة كل علم وبحث رصين . ولا يمكن أن توصل سفسطة عصيد وأمثاله من العلمانيين إلى تلك الحقيقة أبدا مع وجود قيود العناد والمكابرة المقيدة لعقولهم إن صح أن نقول بأن لهم عقولا .

وأخيرا نقول إنه لا ينكر دور الرسالة الخاتمة المنزلة على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في توجيه البشرية إلى العلوم والمعارف إلا من كان سفسطائيا متعصبا كعصيد وأمثاله من العلمانيين  والذين يصدق عليهم قول القائل " لا يستنجى من ريح " .

وسوم: العدد 876