“بين دولتين”: جباية وتضييق على حركة المدنيين في مناطق المعارضة بشمال غرب سوريا

اسطنبول- على معبر أطمة-دير بلوط في مناطق المعارضة السورية بشمال غرب سوريا، ينتظر حسام الملقي (اسم مستعار) لساعات قبل أن يسمح له العبور من مكان إقامته في مدينة الباب بريف حلب الشمالي إلى مدينة إدلب، وربما “تغلق بوابة المعبر فأعود من حيث أتيت”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

إذ يربط ريف حلب الشمالي، المعروف باسم مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، التابع للجيش الوطني (المعارض) المدعوم من تركيا بمحافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام معبران: أطمة- دير بلوط، مخصص لحركة المدنيين، والغزاوية- دارة غزة كان مخصصاً للحركة التجارية بين الجانبين إلى أن سمح للمدنيين بالعبور من خلاله بعد احتجاجات شهدتها منطقة دارة عزة في نيسان/أبريل 2020.

ويخضع المواطنون الراغبون بالتنقل من طرف إلى آخر “لإجراءات أمنية وتفتيش”، بحسب الملقي، فيما يفترض أن لا تُقيّد حركتهم في عموم مناطق شمال غرب سوريا، كونها امتداد لمناطق سيطرة المعارضة السورية.

ورغم “المعاناة الكبيرة التي يتحملها الناس أثناء العبور”، إلا أن موفق الشامي (اسم مستعار)، المقيم في منطقة أطمة بريف إدلب الشمالي، يعبرها للوصول إلى مدينة عفرين شمال غرب حلب “حيث تتوفر المواد الغذائية بأسعار أقل”، قال لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن هيئة تحرير الشام تحدد الكميات المسموح بدخولها إلى مناطق سيطرتها على أن لا تتجاوز حدود الاستهلاك الشخصي، وما يزيد عن ذلك “يتم تحويله إلى المعبر التجاري، وتُفرض ضريبة عليه”. فعلى سبيل المثال، يشتري الشامي السكر والرز بكميات تتراوح بين 20 و50 كيلوغرام كحد أقصى.

في المقابل، تمنع هيئة تحرير الشام دخول المحروقات من عفرين إلى مناطق سيطرتها في إدلب، بهدف احتكار بيع الوقود في مناطقها عبر شركة وتد التابعة لها.

وشهدت المعابر بين الجانبين تضييقاً على حركة المدنيين في أكثر من مناسبة، حتى صار السكان يشعرون أنهم يتنقلون “بين دولتين”، كما عبّر الملقي. إذ منع المجلس المحلي لمدينة اعزاز، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 دخول السيارات التي لا تحمل لوحات من مديريات النقل والمواصلات في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، والذي أوقف العمل به في آذار/مارس الماضي.

وسبق لهيئة التحرير الشام أن أغلقت المعابر بعد صدور قرار  عن حكومة الإنقاذ التابعة لها للحد من انتشار فيروس كورونا. 

ضرائب وأتاوات

“في الطريق من إدلب إلى عفرين أدفع الضرائب لثلاث جهات مختلفة”، هذا ما قاله أبو رضا، تاجر ألبسة مستعملة (بالة) في منطقة أطمة، لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أنه دفع بموجب وصل رسمي “لهيئة تحرير الشام 5 دولارات كضريبة جمرك عن شحنة ألبسة نقلتها إلى عفرين عبر معبر الغزاوية-دارة عزة”.

وعند مدخل مدينة عفرين، حيث يتمركز الحاجز التركي، كما يعرف محلياً، دفع أبو رضا أيضاً بموجب وصل رسمي صادر عن المجلس المحلي لمدينة عفرين “دولارين عن حمولة الألبسة ذاتها”، مشيراً إلى أن “قيمة الضريبة تختلف وفقاً لنوع البضاعة وكميتها”. 

وفي هذا السياق، قال عضو في المجلس المحلي لمدينة عفرين إن “الرسوم تفرض على البضائع التي ينقلها التجار، ويتم تحديدها وفق قائمة وضعها المجلس”، مؤكداً لـ”سوريا على طول” أن “الرسوم تدفع بوصل مالي”، فيما الغاية منها، كما أوضح “سد احتياجات المجلس وتغطية نفقات المجلس على الخدمات في المدينة”.

وبعد دخول مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات دفع أبو رضا لأحد الحواجز التابعة لفصيل عسكري في الجيش الوطني 5 ليرات تركية (0.60 دولار أميركي)، لكن من دون وصل رسمي، ما يعني على حدّ تعبيره أنها “أتاوة فرضها الفصيل”. هذه الأتاوة “لا تحدد بحسب نوع البضاعة وإنما تدفع عن كل سيارة تمر على الحاجز وبحسب حجمها”.

وتفرض عدد من الحواجز في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون “أتاوات” على المدنيين، اشتهر منها “حاجز الـ200″، كما يطلق عليه سكان عفرين، نسبة للمبلغ الذي كان يفرضه فصيل عسكري في الجيش الوطني، في العام 2018، عن كل سيارة تمر على طريق الباسوطة في ريف عفرين، والذي “ارتفع إلى 2000 ليرة سورية أو 5 ليرات تركية” بعد هبوط سعر صرف الليرة السورية، بحسب أبو رضا.

وبدوره، قال القيادي في فرقة المعتصم التابعة للجيش الوطني، الفاروق أبو بكر، لـ”سوريا على طول”، إن أي أتاوات تفرض على الحواجز في مناطق الجيش الوطني “هي حالات فردية يتم التعامل معها عن طريق قيادة الفصيل المسؤول عن الحاجز أو عن طريق الشرطة العسكرية”، مشدداً على ضرورة “إبلاغ الشرطة العسكرية أو المحكمة العسكرية حال حدوث أي تجاوز أو فرض لمثل تلك الأتاوات”.

وحاول “سوريا على طول” الحصول على رد من الناطق باسم الرئاسة في حكومة الإنقاذ سهيل حمود، ومدير العلاقات الإعلامية في حكومة الإنقاذ، ملهم الأحمد، لكن لم يتلق رداً حتى لحظة نشر هذا التقرير.

أزمة عبور

تنسّق المنظمات العاملة في إدلب مع وزارة التنمية في حكومة الإنقاذ والمكاتب المخصصة لإدارة المنظمات، وتحصل منها على ورقة تسهل مرور الشحنات والمواد عبر المعبر التجاري”، كما قال مدير إحدى المنظمات الإنسانية العاملة في إدلب، طلب عدم الكشف عن هويته وهوية منظمته لدواع أمنية.

وفي هذه الحالة “لا تدفع المنظمات ضريبة على المعابر، كونها دفعت الرسوم لحكومة الإنقاذ أثناء استصدار ورقة تسهيل المرور”، بحسب المصدر.

في المقابل، تنسّق المنظمات العاملة في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون مع مكاتب إدارة شؤون المنظمات في المجالس المحلية للعمل في هذه المناطق وتسهيل حركتها في المنطقة، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” أحد العاملين في منظمة بعفرين.

وفي حال كانت الشاحنة تجارية ومحملة بمواد كالزيت أو الزيتون أو الخضار أو غيرها من المواد، كما قال المصدر، يجب أن تحمل وصل عبور من المجلس المحلي لتسهيل حركتها على المعابر، أما إذا كانت حمولتها للمنظمات فيتم “تسليمها وصل إعفاء”.

لكن هذا لا ينفي وجود مشكلة معابر بالنسبة للمنظمات والتجار، فبحسب مدير المنظمة من إدلب، تبعد أطمة عن مخيم دير بلوط 5 كيلومترات عبر الحاجز بينهما، لكن في حال أردنا إدخال مساعدات من منطقة أطمة إلى مخيم دير بلوط، علينا نقلها عبر المعبر التجاري الغزاوية-دارة عزة، ما يعني قطع مسافة 50 كيلومتراً.

وإذا كانت أزمة المعابر ترخي بظلالها على المنظمات والتجار فإنها أشدّ على المدنيين، ففي شمال غرب سوريا حيث يعيش نحو 4 مليون نسمة، نصفهم نازحون، يعانون من ظروف معيشية صعبة، فرض الضرائب والأتاوات “لا تؤثر على التجار”، كما قال حسام الملقي، معتبراً أن “التاجر يضيف الضرائب على التكلفة ويرفع أسعار المواد، لكن بالمحصلة المدني من يدفع فرق الأسعار ويتحمل ارتفاعها”.

وسوم: العدد 929