هل سيكون اللقاء بين بوتين وبايدن بداية وقف الصراع في سورية؟

أعلن البيت الأبيض الثلاثاء (25 أيار/مايو 2021) أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 16 حزيران/يونيو في مدينة جنيف السويسرية.

ويأتي هذا الاجتماع الأول بين الرئيسين منذ تولي بايدن الرئاسة، وسط توتر حاد بين واشنطن وموسكو على خلفية تبادل عقوبات واتهامات، وسيتم عقده على هامش اجتماعات قادة مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي، الذين يسعون إلى تشكيل جبهة واحدة ضد موسكو.

وأفاد مصدر أمريكي أن ثمة حرصا كبيرا على ألا يكون اللقاء مع فلاديمير بوتين بمثابة مكافأة للأخير، بل أن يشكل الوسيلة الأكثر فاعلية لإدارة العلاقات بين البلدين، علماً بانها ستكون صعبة وستظل كذلك، وسيبحث الرئيسان ملفات عالقة بين البلدين والتي سيكون من أهمها القضية السورية.

وستبقى سورية هي بوصلة أمريكا والكيان الصهيوني في مسألة حسم التغيير الذي يخططون له في المنطقة العربية الشرق أوسطية، وأن كل الأحداث الكبيرة في دول عرب المنطقة لن تكون مكتملة في استراتيجيتها لأمريكا والصهيونية، ولن تتخذ شكلا نهائيا ما تتضح الصورة في سورية وتستقر الأوضاع فيها، ومفتاح التغيير لأمريكا في سورية مختلف عنه في الأقطار العربية، فهو لا يُلَخص بتغيير حاكمها، فأمريكا لا تستطيع ولا تفكر بتغيير النظام السوري إلا بعد توفير البديل في إطار معادلة سياسية لا يمكن فيها تجاوز روسيا. فتطور الأحداث بدخول الأخيرة على خط الربيع السوري جعل أمريكا تبدأ بالدوس على الكوابح، وأن تتبع في نهاية لعبة الحرب تكتيكاً مرتبطا باستراتيجيتها يقوم على استمرار معاداة النظام السوري وشيطنته، وصولاً لفرض العقوبات عليه بذريعة اتهام سياسته الداخلية القائمة على تدمير سورية وتهجير السوريين والتغيير الديموغرافي، بانتظار أن يحدث الاختراق السياسي مع روسيا، وهذا هو الحدث القائم والوثيق الصلة بمخططها.

لم تكن سورية منذ الحرب العالمية الثانية صديقة أو متحالفة مع أمريكا ولم يكن للأخيرة فيها موطئ قدم ولا يد، ولم تكن سورية ضمن المعسكر الغربي، بل كانت وما زالت ضمن المعسكر الشرقي الذي ورثته روسيا، فقد كان لسورية موقف معادي من الأحلاف العسكرية التي سعت إليها أمريكا وبريطانيا وفرنسا في خمسينات القرن الماضي، ولولا تعمد أمريكا لإدماج الإرهاب في ربيعها لما تمكنت من دخول سورية وتمركزها بأراضيها، وقد كان على روسيا في هذه الحالة أن تهبط بثقل عسكري غير مسبوق في سورية بتنسيق مع قيادتها، وحدثَ هذا بالفعل، وهو ما حال دون سقوط النظام الذي تهاوى سريعاً أمام ضربات الثوار، وكان على وشك السقوط والاستسلام كما صرحت بذلك وسائل إعلام روسية وإيرانية.

وعلى الرغم من انحسار الارهاب واندحار داعش، وبقاء النظام إلى جانب الغزاة والمحتلين، يعيشون معاً على حطام سورية وركام ما تبقى من أطلال مدنها ومؤسساتها الحكومية والمدنية، ومعاناة شعبها المشرد والمهجر في مختلف الأراضي السورية والدول المجاورة والعالم، فلا يجد المواطن السوري أي بريق أمل أو بصيص ضوء يمكن أن يكون بداية حل لقضيته الشبه منسية من العالم كله، حتى بات يصدق ما يقال إن هناك مؤامرة كونية عليه وعلى بلاده.

ومع دخول الروسي كلاعب رقم (1) بثقله الى سورية، وبصفته الضامن للنظام السوري والمختلف بالمصالح مع أمريكا، أصبح تنفيذ المخطَّطُ الصهيو أمريكي الأساسي الذي قدمت من أجله أمريكا لسورية مستحيلاً، وأصبح تنصيب نظام سوري وكيل تابع لها أمراً في ظاهر الأمر مستبعداً، ومن الناحية الأخرى أصبح الحسم العسكري للأزمة بوجود الدولتين مستحيلا، وأصبحت من ناحية مقابلة قدرة روسيا على استعادة الوضع السابق لسورية مستحيلة، مع استمرار تورط أمريكا بالشأن السوري وصنعها لحلفاء تدعمهم كامتداد لها، وأهمهم الحليف الكردي السوري، مما يعطي أمريكا سند التدخل في بلد تُخاض به ما يُسمى شكلاً من أشكال الحرب الأهلية، هذا إلى جانب قيام تركيا مستندة على المادة 50 من ميثاق الأمم المتحدة بالاحتفاظ بمنطقة عازلة لحماية نفسها من عدوها الكردي التقليدي ومنعه من إقامة دولة، وذلك بموافقة ضمنية من أمريكا وروسيا أو بصمت لعدم الرغبة بالدخول بمواجهة مع تركيا، اللاعب المؤثر والأقوى في القضية السورية.

أمام هذه المعادلة كان وما زال هناك عجزٌ وطريقٌ مسدود أمام رغبة روسيا باستعادة الوضع السوري، وأمام رغبة أمريكا بتنفيذ مخططها، وعجز بالتالي ما زال قائماً أمام حل سياسي أو بلورة تسوية ما للوضع في سورية، وما العملية السلمية وماراثونها لسنين والإصرار عليها، إلا ملهاة وخديعة تتقبلها كل الأطراف كتعبير عن الرغبة ببقاء الازمة قائمة، وبأن أطرافها باقون بانتظار اختراق ما، وتبع فشلها المديد ملهاة اللجنة الدستورية من وحي القرار الأممي 2254، والتي تحرث بالماء منذ عامين، ويَعرف الجميع مصيرها الفاشل كون أطراف هذه اللجنة هم أعداء لبعضهم ولا ثقة بينهم، إضافة الى أنها لجنة تعمل على مسألة هي من خارج القانون الدستوري السوري المعمول به.

إذاً، مع هذا الوضع السوري الذي لا يحتمل الحسم العسكري، فإنه لا حل او تسوية سياسية ممكنة من دون إرادة الدولتين الكبيرتين معاً، والتي تعتمد على توفر ظروفها لصنعها، إلا أن روسيا أطول نفسا كونها ليست صاحبة مشروع جديد في سورية والمنطقة، وما تريده هو المحافظة على وضعها ومصالحها التاريخية في سورية وضمان حمايتها، إضافة لتحقيق مكاسب من مقايضة ما كثمن إضافي للموافقة على الحل النهائي، بينما أمريكا أقصر نفساً وصاحبة مشروع في الشرق الأوسط مرتبط بالمشروع الصهيوني، ولا يتحقق بدون أن تكون سورية في صلبه، فالأمر بين الدولتين الكبرتين يحتاج الى اختراق سياسي كبير تحركه أمريكا.

إدارة بايدن الجديدة تدرك بأن الكرة ليست في ملعب روسيا، بل في ملعبها كصاحبة لمخطط مشروع متوقف في أهم محطاته سورية على صخرة روسيا، ويعلم بايدن بالعجز الذي ورثه من إدارتي أوباما وترمب، وقد كان الملف السوري من الملفات التي مر عليها في سياق مناظراته او مقابلاته خلال حملته الانتخابية، ولم يتحدث عن خطة أو استراتيجية سياسية جديدة، بل بكلام غامض في تطوير استراتيجية لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة ومعالجة فشل إدارة ترمب، ومع أنه أبدى تصميمه على الإبقاء على قوات محدودة في سورية لدعم حلفاء أمريكا هناك كالأكراد، وأنه لن يتخلى عنهم، إلا أنه ذكر في مقال له قبل بضعة أيام يبرر فيه اختياره الى لويد اوستن ليكون وزيرا للدفاع، وأكد فيه على تعهد إدارته بعدم استخدام القوة العسكرية إلا كملجأ أخير.

وإذا ما أضفنا على هذا زيادة العقوبات والضغوطات على النظام السوري، نستشعر رسالة إعلامية أمريكية لروسيا بالعودة على الأرض، وبعهد سياسي تستعيد فيه أمريكا قيادة الدبلوماسية الغربية، ولكنا نستنج عجزاً أمريكياً فوق عجز، وبأن الاختراق للحالة السورية لم ينضج بعد، لما لها من ذيول ليس متفق بعضها مع المفاهيم والرغبات للكيان الصهيوني.

وبالمحصلة والأوضح، فإننا نبتعد عن الواقع إذا اعتقدنا بأنه يمكن لأمريكا أو لروسيا أن تتحدثا عن اختراق سياسي للحالة في سورية، ما دام الملف السوري مرتبطاً بعمق بملفي إيران وحزب اللات اللبناني المترابطين أيضاً. فالمفتاح لهذين الملفين بالنسبة لأمريكا هو معالجة الوجود الايراني في سورية، سيما وأن بايدن ذكر أكثر من مرة بأن ادارة ترمب جعلت إيران تسيطر على الطريق من طهران لبيروت، ولا أعتقد في هذه المرحلة المستقرة على الأرض السورية بأن روسيا بحاجة الى إيران في سورية، بل ترى فيها عقبة أمام مكاسبها وقرارها السياسي، فتحالف روسيا مع النظام السوري يقوم على طبيعة تختلف عن طبيعة تحالف إيران معه، وقد يكون بايدن يفهم كل ذلك، وبأن الروس ينتظرونه ليلعب “صح“، ولكنه يفهم أيضاً بأنه لن يجد الطريق لهذا ولتحقيق استراتيجية سياسية مواتية لأمريكا في سورية بمعزل عن شمول طاولة مفاوضاته المتوقعة مع ايران للمسائل الخلافية الكبيرة الأخرى، بل ستكون هذه المسائل داخل عباءة الملف النووي وعلى رأسها التخلص من الحضور والتأثير الإيراني في سورية.

وإذا ما افترضنا قيام هذه المفاوضات الأمريكية الإيرانية ونجاحها والاتفاق على خروج إيران من سورية، وقيام علاقات طبيعية بين أمريكا وإيران، دون افتراضنا لتعثر هذه المفاوضات أو وصولها لطريق مسدود، ومواجهة خيارات صعبه للطرفين احتمالاتها قائمة، فإنه سيترتب على هذا الاتفاق أسئلة كبيرة وكثيرة. فماذا عن حزب اللات اللبناني وماذا عن الجولان، ماذا عن الوجود التركي في الشمال السوري، وماذا عن طموحات المكون الكردي في إقامة دولة له على الأراضي السورية، وماذا عن مصير نظام الأسد وحضوره، هذا كله مرتبط بطبيعة التسوية السياسية للأزمة السورية التي تكون روسيا شريكة فيها، وفيما ستكون فيها سورية موحدة أو مجزأة تحت عنوان الفدرالية. وفي كل الحالات سيعقبها صراع تركي مع تحالف أمريكي أوروبي في سيرورة طويلة وسيكون هناك تحالف روسي تركي محدود وانتقائي.

المصدر

*التلفزيون الألماني-25/5/2021

*رأي اليوم-15/12/2020

*بي بي سي-26/2/2021

*الاندبندنت-21/8/2020

وسوم: العدد 932