موقف مخزي .. مشين في يوم المؤتمر التشاوري للمعارضة السورية في الدوحة

د. موفق مصطفى السباعي

موقف مخزي .. مشين

في يوم المؤتمر التشاوري للمعارضة السورية في الدوحة

د. موفق مصطفى السباعي

قبل أن أن أتعرض لذكر هذا الموقف ..

أريد أن أؤكد على حقيقة واقعية ..بئيسة ..محزنة ..لا تزال موجودة عند شعبنا السوري .. الذي أذهل العالم بتضحياته .. وصموده .. وصبره ..

هذا الشعب العظيم ..الذي أصبح اسمه يُكتب في السحاب ..وفي السماء .. وفي الثريا .. وأصبح يعرفه كل مخلوق على وجه الكرة الأرضية .. ويلهج بإسمه الحجر والشجر .. وحتى الحيتان في البحر تذكر إسمه .. وتشدو البلابل مترنمة طربة بإسمه.

بالرغم من هذه العظمة التي حازها ..وتناقلت أخباره القوافل والركبان ..وفاح عطره في كل مكان إلا أنه للأسف العميق .. والفاجعة العظمى التي تدمي القلب أكثر مما تدميه المجازر ..لا تزال مخلوقات موجودة في صفوفه على هيئة البشر ..وما هي من البشر .. إنها أفاعي وثعابين وعقارب ..تنفث سمومها في كل مكان بذرائع كاذبة ..خاطئة ..قاتلة – النصيحة .. الغيرة.. الحرص على المصلحة الوطنية - وتقذف بحممها السمية اللاهبة الحارقة من أفواهها النتنة .. العفنة .. تسب وتشتم هذا وذاك في المجلس الوطني وفي خارجه ..وتقطع ..وتمزق .. وتفتك بألسنتها الحادة .. كما قال تعالى عنهم ( فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد .. أشحة على الخير ..) وتكيل إتهامات الخيانة والعمالة له ولسواه .. متآزرة متعاونة مع شبيحة الأسد بقصد وبدون قصد ..

أنا أعلم علم اليقين بأنهم سيستغلون هذا الموقف وتنتفخ أوداجهم ..ويتطاير الشرر من مآقيهم .. ويتناثر الزبد واللعاب المؤوف من أفواههم ..صارخة مبتهجة ..ألم نقل لكم أن هذا المجلس خائن ؟؟؟

لايزال في شعبنا السوري المسكين ..الذي يذبح وتسفك دماؤه أنهارا ..وتدمر بيوته ..ويُشرد أهله مثل هذه المستحاثات البشرية التي هي سبب رئيسي في تأخير النصر ..

أنا لست هنا بصدد الدفاع عن المجلس الوطني – وأنا لست منه – ولا عن المعارضة ..إذ بالأمس القريب جدا كتبت أنتقده وبقسوة ، وقد لامني بعضهم حينما قابلتهم في الدوحة ، لكنهم عقبوا بأنفسهم قبل أن أجيبهم ، نحن نقدر قسوتك علينا ونعلم بأنها من منطلق محبتنا ..

وقد يقول قائل طالما أنك تعلم بأن هذه الأفاعي البشرية ستستغل هذا الموقف وتستثمره لصالحها في الهدم والتخريب ، فلماذا تذكره ؟؟؟

أقول لقد عودتكم على الصدق والصراحة معكم ، وأن أنقل لكم بمنتهى الأمانة والإخلاص والشفافية ، كل ما يحدث في مؤتمرات المعارضة التي أحضرها ، لأنقل لكم الصورة الصادقة ، غير عابىء ولا مبالٍ بفحيح الأفاعي ، بل إني بهذا أضع قدمي على رؤوسها ليخفت فحيحها أو يتلاشى ..

الموقف الذي حدث صباح الخميس 9-11-12

جئت إلى الفندق الذي يعقد فيه المؤتمر التشاوري بصحبة بعض السوريين ، ولما دخلنا قاعة التسجيل للحصول على البطاقة المؤهلة لدخول قاعة المؤتمر ، والتي كان يديرها الأمن القطري بشدة وانضباط متناهي ، مع عدم السماح لأي شخص بالدخول دون هذه البطاقة ، قابلت رياض سيف - الذي هو كان صاحب فكرة عقد هذا المؤتمر لتشكيل جسم جديد للمعارضة يجمع المجلس الوطني ومكونات أخرى من المعارضة – وطلبت منه إضافة اسمي إلى القائمة قبل تقديمها لموظف الأمن خاصة ، وأنه أضاف أمامي اسمين جديدين ، فرفض فأعدت عليه الطلب ، فرفض .. حينئذ صرخت في وجهه وقلت له : بأي حق ترفض دخولي للمشاركة وأنا جئت على حسابي الخاص وأقيم في الفندق على حسابي الخاص وعطلت عملي لأجل المساهمة والمشاركة في إنقاذ هذا الوطن بينما أنت قادم ومقيم على حساب وزارة الخارجية القطرية فالوطن يا رياض ليس لوحدك ولا يحق لك أن تمنع أي سوري قادم للتضحية والمشاركة والتفاعل مع الحراك الثوري العام ... تصرفك هذا مشين ومخزي وغير مقبول ويدل على ثقافة استبداد وتسلط وديكتاتورية لا تزال معشعشة في دماغك ، وشعبنا تجري دماؤه أنهارا لأجل التخلص من هذا التسلط الفردي والإستبداد والتحكم الشخصي بمصير عباد الله ..

ووجهت كلامي أيضا للموجودين .. ولكن للأسف كانوا كلهم مشغولين بالحصول على البطاقة وكأنهم سيحصلون على قطعة من الجنة ..

إني بهذا الموقف أعتبر نفسي أني على صواب وحق ومن المحتمل أن أكون مخطئاً ..ولكنه هو بالتأكيد كان مخطئاً إذ ما ينبغي له أن يمنعني أو يمنع غيري من الذين يريدون المشاركة في اتخاذ قرارات مهمة لبلدنا ..وفي الوقت نفسه من المحتمل أن يكون مصيبا ..

أمضيت بقية اليوم متنقلا في أرجاء بهو الفندق الكبير تارة ألتقي ببعض السوريين الذين أيضا جاؤوا بدون دعوة أتعرف عليهم أو أجدد التعارف معهم .. وتارة أخرى ألتقي بالمجتمعين في المؤتمر الذين كانوا يخرجون بين الفينة والأخرى من قاعة الإجتماع فنستطلع منهم عن طبيعة المحادثات والنقاشات الجارية ، وكان الإجماع على أن الذي كان يدير الجلسة هو وزير الشؤون الخارجية القطري خالد العطية ، وكان مصراً على نجاح المؤتمر والوصول إلى اتفاق بين أطياف المعارضة.

لم تخلو الساعات القليلة التي أمضيتها في بهو الفندق من فوائد كان أعظمها التقائي لأول مرة منذ 52 سنة برفيق الطفولة في المدرسة الإبتدائية حسان بالي ..وكان لقاءً حاراً ..وعناقاً دافئاً ..لم يسبق أن حصل مثله مع أي شخص آخر قابلته في حياتي ،  لأني لم أكن أتوقع ، ولا حتى أحلم ، بأن يحصل مثل هذا اللقاء بعد 52 سنة من الفراق ، ولذلك أعقبه إجهاش بالبكاء بشكل لا إرادي ..لاعناً بشاراً وأبيه لمنعنا من لقاء أحبابنا وأصحابنا ..وتشتتنا في أقاصي المعمورة..

ثم لقاء آخر وكان لايزال إلى جانبي حسان مع بعض السيدات الفاضلات اللواتي عرَفن بأنفسهن أنهن بنت رياض سيف وزوجة هيثم المالح وزوجة مؤيد العظم وجرى حديث عن ضعف مشاركة المرأة السورية في المعارضة بشكل عام فقلت الحق عليكن أنتن المقصرات فالأبواب مفتوحة لكن ، ويجب عليكن المشاركة بفاعلية وجدية فالوطن ليس للرجال فقط ، فلولا أنتن ما كان الرجال ، فقلن ولكنا سمعنا أن البيانوني يشترط على المرأة أن تكون ملتزمة ، فقلت إذا كان يقصد الإلتزام بالأخلاق والحشمة والوطنية .. فذلك جيد وأما الحجاب فبالرغم من أنه فرض على كل مسلمة ، ولكنه ليس شرطاً للمشاركة فبدأ بعضهن يجادلن في فرضيته.. فقلت : لهن لنغلق هذا الموضوع الآن ونركز على ضرورة مشاركة المرأة ، التي لا جدال ولا خلاف حولها ..واعلمن أن الله كرمكن غاية الإكرام ..لم يأت حتى هذه اللحظة قانون أو دستور بشري يعادل ما كرمكن به القانون الإلهي ..سمى سورة كاملة طويلة من سور القرآن بالنساء ولم يسمها بالرجال ..وجعل ثلاثة نساء هن سيدات أهل الجنة ..ولم يجعل ذلك للرجال ..وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ( لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينن إلا لئيم )..

ألا يستحق هذا الإكرام المتميز لكن أن تخضعن له وتنفذن أوامره؟؟؟

وفي آخر المطاف وقبل خروجي من الفندق بدقائق معدودة التقيت مرة ثانية بالسفير الأمريكي روبرت حيث كان واقفا مع المالح .. فبادرته بالقول بشدة وقوة .. إلى متى ستبقى حكومتك واقفة تتفرج على هذه الدماء التي تجري في سورية ؟؟؟ فقال لقد قمنا بالضغط على الأسد ، وفرضنا عليه عقوبات إقتصادية عديدة قلت له : أتريد أن تخدعنا وتضحك علينا ..هذه تمثيليات هزلية لم تنفع .. ولن تنفع ..ولا قيمة لها ..قال ماذا تريدون ؟؟ أتريدون حظرا جويا فهذا لا ينفع أيضاً أمام قوة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري الهائلة قلت له : بالتأكيد ينفع كثيرا بإيقاف القتل وتدمير البيوت على ساكنيها من طائرات الميغ .. فالثوار قادرون على تدمير جيش الأسد كله إذا تم إيقاف الطيران ..

ثم إذا كنتم لا تريدون الحظر الجوي إذن اسمحوا بالحصول على السلاح المضاد للطيران على الأقل ..

نحن نعلم أنكم تخافون من أن يهيمن المسلمون على الحكم الجديد أو حتى أن تأتي حكومة وطنية تزعج ربيبتكم وحبيبتكم اسرائيل ..قال : لا..لا .. وكان مستعجلا يريد الذهاب مع اثنين من أصحابه كانا ينتظرانه فتوقفنا عن الحديث .. غير أني حصلت على عنوانه البريدي لمتابعة الحديث معه ..