الصفوية والصوفية 10

الصفوية والصوفية

خصائص وأهداف مشتركة/10

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

قال الصوفي التلمساني: "القرآن كله شرك ليس فيه توحيد، وإنما التوحيد في كلامنا نحن"مجموعة الرسائل والمسائل1/77).

الدين فرائض أوجبت على المسلمين كافة نبي كان أو عبدا،غني كان أم فقيرا، عالم كان أم جاهلا، وقد أتصفت الفرائض الإسلامية بالمرونة والسهولة بشكل مميز. فالإسلام دين اليسر وليس العسر. حتى المحرمات التي حرمها الله تبارك على عباده كلحم الخنزير والدم، فإنه تسامح في خرقها من قبل عباده في حالات محددة وإستثنائية وهذا دليل على العطف الإلهي وترجيح كفة التسامح والغفران. أما من يتخذ من هذه الفرائض العبادية محلا للسخرية والتهكم، أو يخترع بديلا عنها، أو يأتي بتخاريف وأساطير جاعلا منها أعلى منزلة من الفرائض، أو يدعي بأنه وصل إلى مرحلة إيمانية تتيح له أن يعفي نفسه منها. فهذا ما لايمكن التغاضي عنه والتهاون معه. الفرائض خط أحمر لا يمكن التساهل أمام إنتهاكه أوعدم  إحترامه. ولا نظن ان هناك من وصل الى مرحلة أكثر من النبي(ص) والصحابة رضوان الله عليهم ومع هذا لم  يعفوا أنفسهم من ادائها.

إعفاء وإستهانة وتهكم

الإعفاء من اداء الفرائض عند الصوفية يكون بعد الوصول الى مرحلة( اليقين) حيث ذكروا بأن اذا وصل أحدهم إلى هذا المقام تسقط عنه فروض العبادة، مستندين في ذلك على تأويلهم الآية الكريمة (( وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين)) سورة الحجر/99. فما بعد اليقين تتوقف العبادة! ألم يصل النبي والصحابة إلى مرحلة اليقين في حين وصلها الشيوخ؟ وكذلك عند الوصول إلى الغاية القصوى من(الولاية). ويذكر إبن حزم الظاهري بأنهم إذا وصولوا هذه المرحلة" سقطت عنهم الشرائع كلها من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك". وكذلك عند الوصول إلى مرحلة الفناء(الاتحاد مع الله). وقال أبو علي وفا شعرا فيه: وبعد الفنا بالله، كن كيفما تشا** فعلمك لا جهل، وفعلك لا وزر. والإتحاد كما جاء على لسان ابن عربي في كتابه التجليات يكون في حال" إن الله والعبد شيء واحد". وهو نفس ما عبر عنه  الشيخ الكيلاني " إن أمري هو أمر الله" ( الفيوضات الربانية في المآثر والاوراد القادرية/ 33).

الصفويون كالعادة هم الذين أسسوا هذه الفكرة ولكن دون الإشارة بشكل مباشر الى مصطلح الإتحاد فقد نسبوا لأبي جعفر القول" ان الله خلطنا بنفسه". ( الكافي1/ 113). ونُسب للامام علي(رض) القول" أنا عين الله و أنا يد الله و أنا جنب الله".( الكافي1/113). وهذا الاعتقاد عند الفريقين مستمد من أفكار براهمة الهند بقولهم" عندما أتحد مع برهم أعفى من العمل والفروض". لذلك تعفي العقيدتين أتباعهما من إداء العبادات بل تبيح لهم المحظورات وتزين لهم  الضلال بكل أناقة وجسامة. وقد إدعى(ابراهيم السنغالي)مؤسس الطريقة الفيضية التيجانية بأن اتباعه" يدخلون الجنة جميعا بلا جساب حتى لو لم يؤدوا فرائض الدين أو الذين إستحلوا المحرمات".( راجع تفنيد الصوفية/ عبد الرحمن عبد الخالق). وجاء عن الطريقة الشاذلية صلاة عجيبة في أمرها تُسمى(مشيش) تعتبر التوحيد بالله(أوحال) يُقال فيها" اللهم انتشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة". (المصدر السابق). كما إبتدعوا صلاة تدعى(صلاة الفاتح) يذكر عنها الشنقيطي نقلا عن الشيخ التيجاني بأن كل ما تذكره من صلاة وإذكار وأدعية على النبي(ص)" لو توجهت بها(100) ألف عام، وتذكرها كل يوم(100)ألف مرة ما بلغت مرة واحدة من صلاة الفاتح"(الفتوحات الربانية للشنقيطي/115)!. فهي أهم من سورة البقرة وآية الكرسي لأن قرائتها مرة واحدة تضمن سعادة الدارين، وتكفر جميع الذنوب!

ويصف (الشيخ فقيه البناني) حِكم ابن عطاء "كادت أن تكون وحيا، ولو كانت الصلاة تجوز بغير القرآن، لجازت بحكم ابن عطاء".(ايقاظ الهمم/4). ولديهم صلاة أخرى تسمى(العظيمية) وتبدأ بـ" اللهم إني أسألك بنور وجه الله العظيم، الذي ملأ أركان عرش الله العظيم". لاحظ الخلل في الصلام فهم يسألون الله وبدلا من استخدام كلمة(بنور وجهك العظيم) استعملوا(بنور وجه الله العظيم) كإنما يتحدثون عن رب ثاني! وتكرر نفس الخطأ في العبارة التي تلتها(الذي ملأ أركان عرش الله العظيم) وهكذا. وصلاة أخرى تسمى(جوهرة الكمال) إدعى الشيخ أحمد التجاني إنه أخذها عن النبي(ص) وأخبره إنها تعادل تسبيح العالم(3) مرات!(للمزيد راجع الهدية الهادية إلى الطريقة التجانية).

وفيما يتعلق بفريضة الحج يصف ابن سبعين حجاج بيت الله في طوافهم" كأنهم حمير حول المدار"!

وكان الحلاج ممن ينكرون الحج الى بيت الله ولا يعتبره من الفروض، مكتفيا بالنية دون تحمل مشقة السفر. ولعل هذه الفكرة شجعت صاحبه ابو سعيد القرمطي على غزو مكة ونهب الحجر الأسود بعد مرور تسع سنوات من موت صاحبه الحلاج، لكي يبطل فريضة الحج للكعبة الشريفة. وهذا يفسر حمل جثة الحلاج على جمل والطواف بها في بغداد وكان ينادى عليها" هذا أحد القرامطة فاعرفوه". وقد ذكر أحد شعرائهم" إذا الناس صلوا فلا تنهضي** وإن صاموا فكلي وأشربي".

علما ان الحلاج قد أقام في مدينة قم وكان من أقارب ابو الحسن النوبختي المؤلف الشيعي المعروف. وذكر ان الحج لم يفوته إذ بنى قبة في بيته وكان يطوف حولها كالكعبة. وعندما ناظره العلماء لم ينكر دعواه ولكنه كذب عندما إدعى بأنه قرأها في كتاب الصلاة للحسن البصري. وعندما رحل الحجاج الى بغداد  كانت له مكاتبات عديدة مع قومه الفرس. ومن عجائبهم أن سُئل ابو يزيد البسطامي عن سبب قطعه الحج والعودة إلى بسطام؟ فقال بأنه إلتقى برجل حبشي في طريقه للحج وقال له" لماذا تركت الله ببسطام؟ وفي حجه الآخر إلتقى فقيرا سأله عما يملك من المال؟ فأجابه(200) درهم. فقال الفقير إعطني أياها وطوف حولي(7) مرات! ففعل الشيخ ذلك.(تذكرة الأولياء للعطار/82). ومؤسس طريقة الخلوة والرهبنة الصوفية( الفارسي ابو سعيد بن أبي الخير) لم يحج مطلقا مدعيا بأن" الكعبة تزوره عدة مرات في اليوم". وذكر ابو يزيد البسطامي" لقد جمعت عبادات أهل السموات والأرضين السبعة وجعلتها في مخدة، ووضعتها تحت خدي".( تذكرة الأولياء1/139).

ونَسب الصفويون للإمام الصادق القول" من زار قبر الحسين يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم. وألف ألف عمرة ع الرسول(ص) وعتف ألف ألف نسمة، وحمل ألف ألف فرس في سبيل الله". ( الوافي للفيض الكاشاني مج 14/2476). وذكر الكاشاني بأن" ثواب صلاة ركعة واحدة في حرم الحسين كثواب من حج ألف حجة، واعتنر ألف عمرة، واعتق ألف رقبة، ووقف في سبيل الله ألف ألف مرة مع نبي مرسل". (كتاب الوافي للفيض الكاشاني 14/ 1478). ويلاحظ انه لا الخميني ولا السيستاني حجوا إلى بيت الله!

كذلك الأمر مع الصلاة فقد جاء في طبقات الشعراني حول ترجمة الشيخ إبراهيم بن عصيفير"صوم المسلمين باطل وليس به ثواب. أما المسلمون الذين يأكلون اللحم الضانيء والدجاج أيام الصوم، فصومهم عندي باطل". الشيخ يحرم ويحل كما يحلوا له ظانا نفسه الذات المقدسة! ونُسب للشبلي القول" إن صليت جحدت، وإن لم أصل كفرت". وقد إعترض محمد غوثي الشطاري على عدم صلاة شيخه( شرف الباني)! فأجابه: إن الله أعفاني عن الفرض وقال ليٌ: عينك عيني، أي ذاتك ذاتي".( دراسات في التصوف لإحسان إلهي ظهير/104). أما الطريف فهي حجة الشيخ( أحمد المعشوق) الذي برر تركه الصلاة بقوله" إني إمرأة حائض، لا توجب الصلاة علي"!(تذكرة الأولياء للميرزا لدهلوي3/165). ولم يقتصر تهكهم على الصلاة فحسب بل وصل إلى عقوبة من يؤديها! يُذكر عن الشيخ شهاب الدين النشيلي بأنه كان ينادى خادمه فإذا لم يجبه أو تأخر عنه لأنه يصلي، يقطع الشيخ عليه صلاته زاجرا ويدفعه أمامه قائلا: كم أقول لك لا تصلي هذه الصلاة المشؤومة! (كتاب الطبقات الكبري للشعراني2/141).

في حين يرى الصفويون إن حب الإمام علي يكفي لدخول الجنة حتى لو كان المسلم مشبع بالذنوب وليس مؤديا الفرائض ومنها الصلاة! فيذكر الطوسي" من أحب علي لن يدخل النار حتى لو كان كافرا أو يهوديا أو نصرانيا".( أمالي الطوسي لمحمد بن الحسن الطوسي/312). كما نُسب للامام علي القول" لو أن عبدا جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا ما قبلها الله منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي" .(بحار الانوار/ المجلسي27/ 172). وذكر المجلسي" لو سجد الساجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه ذلك إلا بولاية أهل البيت". (الخصال1/41). كما أورد القمي" التقية بمنـزلة الصلاة". (الاعتقادات/114).

ويحذو كل منهما حذو الآخر بشأن الشهادة. في الوقت الذي تشير فيه المصادر التأريخية إلى محافظة المسلمين على شعائر الإسلام المنصوص عليها بالقرآن أو التي أخذوها عن النبي(ص). مثلا عندما عطس أحد المسلمين حمد الله وأضاف" الصلاة والسلام على رسول الله"! وقد اعترض ابن عمر على كلام الرجل قائلا: ما علمنا رسول الله هكذا! وانما نقول" الحمد لله" لاغيرها( سنن الترمذي). فكيف إذن بتغيير الاذان والشهادة؟ الصفويون بدلوا فريضة  الشهادة بالولاية ونُسب لأبي جعفر القول" بني الاسلام على خمس اشياء: الصلاة والصوم والزكاة والحج والولاية". كتاب الكافي 2/18). ولما سئل عن افضل الخمسة قال: الولاية أفضل. وحول الصلاة والزكاة ذكر الشيخ الصدوق إن" من أنكر الولاية لا تقبل منه صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صوم". (أمالي الصدوق/154). وصنف المجلسي بابا بعنوان" أن الأئمة هم الصلاة والزكاة والحج والصيام وسائر الطاعات". وهو نفس إدعاء الجنيد" ليس التصوف بكثرة الصوم والصلاة، بل بطمأنينة القلب وتسليم الروح" عجبا هل هناك طريقة أفضل من الصلاة ليطمئن القلب؟ وهل هناك أفضل من الصوم لتسليم الروح؟ وقد ثلثت الشهادة عند الصفويين بإضافة العبارة "أشهد ان عليا وليٌ الله" مقتدين بالثلوث المقدس عند النصارى. ومن الغرائب ان الطوسي يذكر في كتابه الغيبة" عندما سقط المهدي من بطن أمه كان يقرأ القرآن بصوت مسموع... ثم استفتح فقال أشهد ان لا الله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله" اي عظم الشهادة كأول ركن من اركان الاسلام، ولم يثلث الشهادة بإضافة جده الامام علي!

فيما أعتبر المتصوفه إن شهادة لا اله الا الله هي توحيد العامة والدهماء ممن يفتقرون إلى العلم، فالأهم برأيهم هو توحيد الخاصة ويعنون بذلك أنفسهم مدعين معرفتهم بالعلوم العلوية. وجاء في ترجمة الشيخ إبراهيم بن عصيفير بأنه كان يتشوش من سماع صوت المؤذن ويصيح بالمؤذن بعد قوله الله أكبر: عليك يا كلب. هل نحن كفرنا يا مسلمين حتى تكبروا علينا"( للمزيد راجع كتاب الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية/ الشيخ المناوي2/14 وكتاب السناء الباهر/ محمد الشلبي/315). وذكر الكمشخانوي عن الشبلي بأنه أذن مرة فلا وصل إلى "أشهد أن محمدا رسول الله" ناجى الله: إللهي! لولا أنك أمرتني لما ذكرت معك غيرك- يقصد النبي(ص)- كتاب جامع الأصول في الأولياء لأحمد الكمشخانوي. ويسخرون من الأذان فبعضم يسمع نباح كلب أو شاة ويقول"لبيك وسعديك أو لبيك سيدي". (اللمع/492).

وفي الوقت الذي صور فيه الصوفية حجيج بيت الله بالحمير، فإن الصفويين صوروهم قردة وخنازير. ففي كتاب السجاد، يقف الإمام الحسين على عرفة ومعه الزهري، فقال له بكم تقدر هنا من الناس؟ فأجاب: كثير! كلهم حجاج قصدوا الله يدعونه بضجيج أصواتهم. فقال الحسين: ما أكثر الضجيج وما أقل الحجيج! وقال للزهري أدن مني ثم مسح بيده على وجه الزهري وقال ماذا تنظر الآن. قال الزهري أراهم قرود. ثم مسح على وججه ثانية وقال له أنظر الآن. فرآهم خنازير. ثم مسح على وجهه مرة ثالثة فرآهم دواب!

 كما أنكر الصفويون الزكاة  واستبدلوها بالخمس الذي يأخذوه من الجهله والحمقى وهو أهم ركن في عبادتهم. حتى السرقة تُحل إذا دفعت عنها الخمس! اما المتصوفة فإنهم لا يرون فيها منفعة، ويذكر عن شيخهم الشبلي بأنه ألقى(4000) دينار في نهر دجلة! فإستغرب الناس فعله وقالوا له: لِم لا تعطيها للناس؟ فأجابهم: الحجر أولى بالماء؟ كذلك فعل الحسين النوري حيث رمى(300) دينار ثمن عقار باعه في النهر؟ هل النهر أم الفقراء بحاجة إلى المال؟ وها إنعدم الفقراء في زمنهم؟ أهكذا تنص العقيدة الإسلامية؟

الطاعة العمياء للأئمة والاقطاب

تتضمن العقيدة الصفوية وجوب طاعة الأئمة على كل الكائنات الحية والجماد والملائكة، ولم يستثنٌ من هذه القاعدة الشاذة سوى الذات الإلهية! لأن"الأئمة كالرسل، قولهم قول الله، وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، ولا ينطقون إلا عن الله وعن وحيه". (الاعتقادات لابن بابويه).فهم (كلمات الله)! كما في قوله تعالى في سورة يونس/46 ((لا تبديل لكلمات الله)). (راجع تفسير القمي وبحار الأنوار وتحف العقول والاحتجاج).

ويحدثنا الطبري(الصفوي وليس صاحب التأريخ الشهور)بأن" أن طاعة الأئمة مفروضة أيضاً على كل مخلوقات الله من الجن والأنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة" (كتاب دلائل النبوة)". ويزيد المجلسي في البحار" لم يخلق الله آدم وينفخ فيه من روحه إلا بولاية علي، ولا كلم الله موسى تكليما إلا بولاية علي. ولا أقام الله عيسى آية للعالمين إلا بالخضوع لعلي". ولم يوضح لنا لماذا الإمام علي دون غيره شُمل بهذا التخصيص الإلهي؟ ونُسب للإمام علي القول" أنا الواجب له من الله الطاعة.أنا سر الله المخزون أنا العالم بما كان وما يكون". (إحقاق الحق للمرعشي22/351) ويذكر القمي بأنه" من خالف الإمامية في شيء من أمور الدين كمن خالفهم في كل أمور الدين" (الاعتقادات لابن بابوية/116). وإن" طاعة الأئمة واجبة حتى الكائنات الجامدة من سموات وأراضي وكواكب". (بحار الأنوار25/341). ونسب الكليني للإمام الرضا القول" الناس عبيد لنا في الطاعة". كما ورد في( غيبة الطوسي/16 ومختصر البصائر/14) بأنه خلال المنازعة بين الإمامين زين العابدين وعمه محمد بن الحنفية على الإمامة اتفقا على أن يكون الحجر الأسود الحكم بينهما" فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله بلسان عربي فصيح قائل: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي(ع) إلى علي بن الحسين بن علي، إبن فاطمة بنت رسول الله"! سبحان الله القاضي حجارة! ولا نعرف لماذا اشار الحجر الى أن أمه فاطمة التي لاحاجة لذكرها؟ والأدهى منها في النزاع على الإمامة بين زيد بن الحسن والباقر حيث كان الحكم بينهما هذه المرة(سكين ناطقة) " فقد وثبت من يد زيد على الأرض، ثم قالت: يا زيد أنت ظالم! محمد أحق بك وأولى". وحذرته بقوة" ولئن لن تكف لألين قتلك". (الاختصاص للشيخ المفيد/210). حجر يقاضي وسكينة إرهابية وقحة تهدد بالقتل! كأننا نرى الرسوم المتحركة وليس سيرة أئمة.

مشى المتصوفة في نفس الطريق الأعوج، حيث يذكر ذون النون المصري بأن" طاعة مريد شيخه فوق طاعته ربٌه" ( تذكرة الأولياء 1/171) فالشيخ أصبح أعلى منزلة من الله. ويذكر الشعراني" في أدب المريد مع شيخه فيلازمه ويصبر عليه ويحبه ويسلم له حاله ولا يعترض عليه، ولا يتزوج إلا بإذنه، ولا يكتمه شيئا ولا يقول له: لا" (كتاب الأنوار القدسية/ عبد الوهاب الشعراني). ويضيف الكمشخانوي"من شرط المريد أن لا يكون بقلبه إعتراض على شيخه"( كتاب جامع الاصول/ الكمشخانوي/2). ويذكر الشعراني عن آداب المريدين بأن الشيخ" إذا مد يده لكم لتقبلوها، فقبلوا رجله".(الطبقات الكبرى/141). ويذكر الشيخ يوسف العجمي(الأنوار القدسية2/36) بأن" من أدب المريد أن يقف عند كلام شيخه ولا يأوله، وليفعل ما أمره به شيخه وإن ظهر أن شيخه أخطأ"! هل هذا أدب أم قلة أدب؟ اليس من الأجدى أن ينبه شيخه على خطئه بدلا من أن يتركه على عماه؟ وينقل شيخ الأزهر عبد الحليم محمود عن الشيخ الدردير قوله في أدب المريد" أن لا يعترض على أي شيء فعله شيخه ولو كان في ظاهره كفر... وإذا قال له وهو صائم أفطر! وجب عليه الفطر"! كتاب( سيدي أحمد الدردير لشيخ الازهر عبد الحليم محمود/119).عجبا لشيخ الأزهر فهو يتجاهل قاعدة إيمانية صارمة تتمثل بحديث النبي(ص)" السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ". (صحيح البخاري/2735). فإذا كان شيخ الأزهر يذكر القول بلا تعليق فلا عتب على الآخرين.

 يذكر إبن عجيبة" نحن مطالبون بالتصديق للشيوخ في كل ما نطقوا به، فهم ورثة الأنبياء".( إيقاظ الهمم في شرح الحكم/27). ويذكر القشيري بأن الشيوخ قالوا" عقوق الأستاذين لا توبة عنها".( الرسالة القشيرية2/633). إذن الله تعالى يغفر للعبد ويقبل توبته والشيخ الصوفي لايقبلها! ولشهاب الدين السهروردي رأي أدهى" اذا دخل المريد الصادق تحت حكم الشيخ وصحبته وتأدب بأدبه، يسري من باطن الشيخ حال الى باطن المريد كسراج يقتبس من سراج، وكلام الشيخ يلقح باطن المريد". المسألة تحولت الى تلقيح! ومحذرا المريدين من مخالفة شيوخهم ومعارضتهم لأنه" السم القاتل للمريدين". (عواف المعارف/93). وينقل القشيري عن الشيخ عبد القادر الكيلاني القول" الواجب علي المريد ترك مخالفة شيخه في الظاهر، وترك الإعتراض عليه في الباطن، فصاحب العصيان بظاهره تارك لأدبه. وصاحب الإعتراض بسره متعرض لعطبه، بل يكون خصما على نفسه لشيخه".( الرسالة القشيرية2/732). أما تاج الدين السبكي فيحدثنا بسوء نتيجة عدم الطاعة" ما رأينا أحدا مبتلى بالإنكار إلا وكانت خاتمته خاتمة سوء".( الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية1/126). ويوجه الشعراني المريدين" إلزم الأدب مع الذاكرين وغيرهم، فهو في الحقيقة أدب مع الله تعالى".( الطبقات الكبري1/188). ويذكر إبن عربي:  ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله فـقــم بـــها أدبــــــا لله بالله.

          هــم الأدلاء والقربى تؤيدهم      على الدلالــة تأييدا على الله

          كالأنبياء تراهم في محاربهم      لا يسألون مـن الله سوى الله

          فإن بدا منهم حــال تولٌهــهم       عن الشريعة فأتركهم مع الله

فالكبريت الأحمر لا يرى حرجا من إتباعهم حتى لو ضلوا، لأن شأنهم مع الله. ولكن اليس الشرع يقول لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؟ أليس العقل هو حجة الله على عباده ويحاسبهم عليه؟ وقد تضن الذكر الحكيم إشارات واضحة حول ألا يعقلون؟ ألا يعلمون؟ لدينا عقل هو هبة من الله نميز به الخير عن الشر، والإيمان عن الضلال. فلا طاعة للشيوخ والأقطاب وآيات الله وحججه إن حادوا عن الطريق القويم هكذا علمنا الإسلام.

ومن الجدير بالذكر إن الطاعة العمياء لأتباع المراجع والمشايخ تعتبر أمضى سلاح بيد الطامعين لذا كان الإستعمار القديم يتحرك بشكل فعال على المراجع والمشايخ لكسب ودهم وإستمالتهم لصفهم، لأنهم يدركون جيدا مدى تأثيرهم المغناطيسي على أتباعهم سيما العوام، فكسب شيخ أو مرجع ديني لصف المحتل يضمن تجميد قوى وطنية تبلغ الآلاف واحيانا الملايين من المواطنين. وهذا ما حصل في العراق عندما جند الامريكان والانكليز السيد السيستاني لخدمة مشاريعهم الاستعمارية فتعطلت لغة الجهاد وأرتفع صوت التخاذل والاستسلام. وسنناقش هذا الموضع في مبحث مستقل بعنوان الجهاد في المنظور الصفوي والصوفي.

ويوضح الشعراني بأن محبة وطاعة الشيخ من قبل أتباعه تعني محبة الأشياء من أجله، او كرهها من أجله. وينطبق نفس الشيء على طاعة المراجع من قبل أتباعهم. فقد روجوا بأن منفعتهم منهم حتى لو أخطأوا أكبر من منفعة الفرد في صواب نفسه! كذلك يدعي بعض الشيوخ والمراجع بأنهم معصومون أو هم أعرف من غيرهم بشرع الله وسواء السبيل، وهذا يعني لا يجوز الخروج عن طاعتهم لأنها تعني الخروج عن طاعة الله! واصبحوا بذلك لا يقلون نفوذا عن القادة العسكرين أمام جنودهم!

للحديث تابع بعون الله.