حضرات النوّاب المحترمين
حضرات النوّاب المحترمين
أ.د. حلمي محمد القاعود
أحييكم وأهنئكم بالعضوية وتحمّل المسئولية في مجلسي الشعب والشورى . وأسأل الله أن يوفقكم لمرضاته ورفعة الدين والوطن . أعلم أن مهمّتكم ثقيلة ، وأن الأعباء مرهقة ، وأن واجباتكم أكبر من حقوقكم في منظور الناس الذين اختاروكم وقدموكم لهذه المهمة التاريخية .. وأقول المهمة التاريخية لأنها كذلك بالفعل ، فقد تم اختياركم لأول مرة بإرادة شعبية غلابة ، لا تشوبها شائبة تزوير أو إكراه أو ضغط ، وكانت أبواق الزور والبهتان تحاصركم بالأكاذيب والافتراءات والتشهير والسخرية ؛ وهو ما لم يتوقف حتى هذه اللحظة ، فقد كان المنافقون يظنون أنهم باقون في صدارة المشهد ، وعلى ثغر النهب واللصوصية والقول الفصل ، ولكن الله خيب ظنهم ، واختار الشعب هويته ودينه وصوته الحقيقي . سقط باختياركم منهج الطغاة واللصوص والمنافقين والتعبير الزائف عن الشعب ، والحمد لله فقد كان سلوككم ملتزما وراقيا ومتواضعا .. قاعة المجلس ملأى عن آخرها . لا يوجد غائبون يوقع لهم الحاضرون ، ولا يوجد من يتسلى بقزقزة اللب والسوداني أو ينشغل بألعاب المحمول ، أومن يأخذ تعسيلة طويلة ، ولم يسمع الناس التصفيق الحاد على الفاضي والمليان ، وذهبتم إلى المجلس في حافلات متواضعة وليس في المرسيدس أو بي إم دبليو الحرام ، ورأينا أشواقكم للمناقشة والتعبير في كل موضوع ، بل رأينا الاختلاف والتعارض في الآراء ، وهذه علامة صحة وقوة ، ودليل على الحيوية والأمل ..
كان قدركم أن يختاركم الناس في ظل العواصف والأعاصير التي تحيط بالوطن من كل جانب . من الداخل يتحرك حزب الكاتدرائية الفاجر من خلال عناصره اليسارية والفوضوية والعلمانية والطائفية المتمردة ليوقف حركة التغيير ، ويعطل مسيرة الحرية والديمقراطية ، ومن الخارج يعمل الشيطان الأكبر وقاعدته العسكرية النازية اليهودية وأتباعه في العالم العربي من المستبدين والطغاة والخدم ؛ لاستمرار العملاء من أنصار النظام الساقط في الصدارة يدينون بالولاء والتبعية لقادة الشر والاستعمار في العالم .
القوم يلاحقونكم بالانتقادات التي لا تتوقف لزرع اليأس في نفوسكم ونزع الثقة من قلوبكم ، وبيان أن الأمل في الشيطان وجنوده ، وأظنكم أذكى أن تخضعوا لمثل هذه الحيل الشيطانية أو تتأثروا بها . فأنتم تعلمون أن الأمل في الله أولا وآخرا ، وفي الإصرار على الحرية والشورى ، ومتابعة القضايا الرئيسية ، وعدم الانزلاق وراء القضايا الثانوية والهامشية .
ومن ثم - يا حضرات النواب المحترمين – تأتي مهمتكم في التركيز على القضايا الكبرى في هذه اللحظات الحرجة ، وتأجيل القضايا الصغرى إلى حين .
لقد هالني أن أقرأ أن هناك عشرين استجوابا برلمانيا وعشرات من طلبات الإحاطة ، وكل هذا جيد ومقبول ، ولكنه يكون كذلك حين لا تكون هناك أولويات اقتصادية وأمنية وسياسية وإدارية واجتماعية تفرض التصرف فورا في صياغة قوانين عاجلة لاستقرار العمل في دولاب الدولة ، وتهيئة الوطن للعمل والإنتاج وصنع المستقبل ، إن تزجية الوقت في القضايا الهامشية التي تدور حولها الاستجوابات وطلبات الإحاطة ليس مفيدا في هذه المرحلة .
باختصار - يا حضرات النواب المحترمين - نريد قوانين تعالج ما يلي من أمور ممكنة ولا تكلف الحكومة ميزانية أو أموالا .. بل إنها ستوفر ميزانية وأموالا واستقرارا اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا ..
أولا : إصدار قانون الحد الأعلى للأجور بما يحقق العدل والتوازن بين المنتجين ، والذين يقبضون بلا عمل حقيقي أو مقابل ، ومن غير المعقول أن يكون هناك من يعمل بمائة وسبعين جنيها في الشهر ، ومن يقبض نصف مليون جنيه أو أكثر في الشهر . إن أصحاب الحد الأدنى يصبرون على البلاء ، ولكن المجتمع لا يصبر على من يهبرون ويهبشون ما يصدم العدل والسلم الاجتماعي والحق العام .
أيضا فإن السادة المستشارين في الوزارات والمحليات والمؤسسات والإدارات المختلفة ممن عينهم النظام السابق ليهبروا ما لا يستحقون ، مع أن لهم وظائفهم الأخرى أو معاشاتهم أو امتيازاتهم في المهن التي ينتمون إليها ، هؤلاء يمثلون ظلما فادحا للشعب الفقير ، يجب إنهاؤه بصياغة قانون أو بطريقة أخرى !
ثانيا : معالجة قضية الأمن العام قانونيا بتطهير وزارة الداخلية من الطغاة والمجرمين والقتلة ، وإنهاء خدمتهم على الفور وخاصة من رجال الصف الأول والثاني والثالث ، وإلغاء جهاز أمن الدولة الذي مازال قائما وإن كان اسمه قد تغير ؛ فهذا الجهاز الفاسد لم يقدم على مدى تاريخه خدمة واحدة تحسب له لصالح البلاد ، ولكن ما قدمه هو إجرام في إجرام ، ما يفرض معاقبة الجلادين ومحاكمتهم أمام المحاكم العسكرية المختصة ، مع القصاص من كل من عذب أو قتل أو اقتحم البيوت ليلا أو سرق أو نهب ، ومصادرة ممتلكاته لحساب الشعب .
إن تعيين وزير مدني لوزارة الداخلية وحبذا لو كان من السلك القضائي المشهود له بالحيادية والعدل والإنسانية ، سوف يوقف فرعنة كثير من العناصر التي فهمت أن الأمن إذلال للأحرار وقهر للشرفاء وعدوان على الأبرياء ، ولا يتأتي كل ذلك إلا بتدريب عناصر من خريجي كليات الحقوق بعقلية غير عقلية كونستبلات الإنجليز الحمر والإنجليز السمر !
ثالثا : إصدار قانون يمنع الاقتراض من الخارج ، مع رفض المعونات المشروطة أيا كانت نوعيتها أو قيمتها ، وفي المقابل يتم إصدار قانون الوقف الخيري الذي يسمح للأفراد والمؤسسات بالوقف لصالح تنمية المجتمع وخدمة أفراده في المجالات المختلفة ، وبما يحفظ مؤسسات الأوقاف ويمنع مصادرتها لحساب الدولة أو أية جهة أخرى غير الجهات الواقفة .
إن الوقف الخيري منهج إسلامي يحقق جانبا من التكافل الاجتماعي ، ويمكنه بالنسبة لمصر في الظروف الحالية أن يسهم في التعمير والتعليم ومواجهة قضايا عديدة يعاني منها المجتمع مثل أطفال الشوارع واليتامى والمرضى والعاطلين .
رابعا : إن ضبط الإدارة المحلية يمثل ضرورة قصوى ، وتطهير هذه الإدارة من الفاسدين والمرتشين والمنافقين أمر لا بد منه ،ولا يتأتي ذلك إلا بإصدار قانون جديد يحول المحليات إلى بلديات يقوم عليها رؤساء منتخبون ومجالس منتخبة أيضا ..
إن انتخاب رئيس القرية ورئيس المدينة والمحافظ بات أمرا ضروريا ، ويستثني من ذلك محافظات سيناء ومطروح وأسوان بوصفها محافظات حدودية يعين لها محافظ عسكري في الخدمة ، مع نائب محافظ مدني منتخب يختص بقضايا الحياة اليومية والمعيشية .
خامسا : إصدار قانون لتنمية سيناء يشمل إدارة مستقلة أو وزارة خاصة يكون مقرها في سيناء ، تشجع على جذب السكان والمستثمرين وصناع الخدمات ، وتقدم تصوراتها التي تساعد الجمهور والراغبين في العمل والإنتاج على التقدم وفق إمكاناتهم لتأسيس المشروعات والكيانات التي تقام على أرض سيناء في ظل تيسيرات إدارية ومادية تسمح بالحركة والنشاط الذي يفيد منه الناس والمجتمع .
إن ترك سيناء خلاء وفراغا دون الإفادة منها في حل المشكلة السكانية والاقتصادية مأساة كبيرة بكل المقاييس ، وأعتقد أنه آن الأوان أن نملك إرادتنا ونتيح للناس ، وخاصة أصحاب المشروعات الصغيرة ، أن ينتقلوا إليها ، وينقلوا الملايين من العمال والمنتجين في المجالات كافة ، لتتوقف الأطماع الخارجية والجرائم الداخلية !
سادسا : لابد من سيادة السلطة القضائية على السلطات المختلفة لتكون حكما وفيصلا ، ودون أن يؤثر على عملها أو نشاطها أو أحكامها أي مؤثر من أية سلطة ، وهو ما يعجل بضرورة إصدار قانون السلطة القضائية ، وإلغاء وزارة العدل ، لتكون السلطة القضائية الأعلى ممثلة في رئيس المحكمة الدستورية ، حيث يضع النظم والترتيبات الملائمة لاختيار القضاة وترقياتهم وتعيين رجال النيابة العامة والإدارية ومجلس الدولة وفقا للنظم القضائية المعمول بها في الدول الحرة ، دون تدخل من هنا أو هناك .
هذه نوعية من القوانين التي أتصور وفق اجتهادي الشخصي أنها ضرورية وعاجلة وتسبق الاستجوابات وطلبات الإحاطة حتى يتحقق الاستقرار الاقتصادي والأمني والاجتماعي والإداري ...
يا حضرات النواب المحترمين : لو أنجزتم هذه القوانين في المدى القصير المنظور سيحسب لكم هذا الإنجاز ، وتكسرون عين منتقديكم من الطابور الخامس الذين يوجهون إليكم السهام من قبل أن تنعقد الجلسة الأولى حتى الآن ، ليس بسبب تقصير منكم أو تباطؤ ، أو عدم دراية ، ولكن لأنكم مسلمون ، والمسلم لدى حزب الكاتدرائية ، لا يستحق أن يعيش مثل بقية الناس ، وليست له حقوق الآخرين ، لأنه درجة عاشرة كما قرر شياطين الإنس في واشنطن وتل أبيب وموسكو .. وأنتم الآن تقدمون المسلم درجة أولى مثله مثل بقية خلق الله !
يا حضرات النواب المحترمين : تحياتنا لكم ، والله معكم يرعاكم ويوفقكم !