تركيا لن تخرج من العباءة الأمريكية
أحمد عمر العبد الله
ظهرت تركيا في السنوات الأخيرة كمخلص للعرب والمسلمين ، وناصر للضعفاء والمظلومين ، ولا سيما بعد موقفها من أحداث غزة ( الحصار الصهيوني ، العدوان الهمجي ) وإرسالها لأسطول الحرية و... . مسكين الشعب العربي الفلسطيني ؛ فالكل يتاجر به وبقضيته بدءاً من زعمائه الفلسطينيين – ليس كلهم – الذين شيدوا من دمائه أفخم القصور مروراً بالزعماء العرب الذين نهبوا البلاد والعباد باسم فلسطين ومارسوا أقسى أنواع الظلم والاضطهاد بحق شعوبهم باسم فلسطين ، وفلسطين منهم ومن أفعالهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف وصولاً للأتراك التاجر الكبير الذي لم يجد أفضل من هذه السلعة ( فلسطين ) يتاجر بها .
خُدع الكثير منا بالأتراك ، ونسوا أن الأتراك ينفذون أجندتهم الخاصة بهم ، وأنهم يبحثون لهم عن موطئ قدم في المنطقة – بلادهم الضائعة زمن الجد عثمان – ويسعون لتحقيق مصالحهم ومد نفوذهم ، فلم يروا أفضل من القضية الفلسطينية لإدراكهم أن فلسطين في القلب لكل عربي ومسلم ، فبدؤوا بالعزف على هذا الوتر الحساس .
استمر مسلسل الخديعة التركي للعرب ، واشتعلت الثورة في ليبيا لتقف تركيا مع القذافي التاجر الآخر في البداية لتتخلى عنه شيئاً فشيئاً إلى أن تصبح حليفاً استراتيجياً للثوار الليبيين . سبحان من يقلب القلوب.
المتتبع للسياسة التركية لا يرى غرابة في هذا التبدل والتلون ، فتركيا ولا سيما في سياستها الخارجية غالباً لاتخرج عن العباءة الأمريكية ، ولا سيما إذا حدث التقاء بالمصالح . فأمريكا من تحت الطاولة حريصة على بقاء القذافي وهذا ما كشفت عنه الوثائق الاستخباراتية فالقذافي قد سلم ليبيا ومقدراتها وشعبها للغرب ، ولن يجدوا أكثر إخلاصاً منه ،ولكن عندما كبا هذا الجواد أرادوا الرهان على غيره والوقوف مع الرابح .
ننتقل إلى سورية الجريحة حيث يتضح التعاون والترابط الوثيق بين الأمريكان و الأتراك ، فتركيا حرصت منذ البداية على استمرار وبقاء النظام السوري ورغم أنهار الدماء بقيت تركيا على ثقة بقدرة النظام على الإصلاح في حين يخيل لنا أن أمريكا غير مكترثة ومبالية بالأوضاع في سورية وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد علماً أن طفلها المدلل ( إسرائيل ) مجاور لهذه الدولة وما يحدث في سورية سينعكس على هذا الطفل .
لم تقم أمريكا حتى الآن بأي ضغط حقيقي يمكن أن يؤثر على النظام السوري بل العكس قامت بإجراءات تخدم النظام ، حيث فرضت عقوبات لا أثر لها على أرض الواقع و أعطت النظام دعاية الممانعة والمقاومة للهيمنة والغطرسة الإمبريالية ، والأتراك في الجانب الآخر يبيعون السوريين الشعارات .
المتبصر في الأحداث يرى التناغم بين الأمريكان و الأتراك ، فأمريكا تريد بقاء النظام السوري الذي يحمي حدود إسرائيل وكما سبق وذكرنا فإن ما قامت به من عقوبات تضعف سورية ولا تسقط النظام القائم فهي أي أمريكا تريد نظاماً ضعيفاً هزيلاً يضمن أمن طفلها المدلل ولا تريد نظاماً شعبياً ديمقراطياً ؛ لأنها تعلم أن النظام الشعبي الديمقراطي سوف يستجيب لإرادة الشعوب التي تريد تحرير البلاد إلى جانب تحرير الإنسان.
وتركيا الحريصة على مصالحها الاقتصادية حاولت مراراً مع النظام السوري من أجل بقائه ولكن الأحمق – النظام السوري – رفض المساعدة ، وعندما يئست تركيا من إصلاح النظام لم تقم بأي إجراء يسقط النظام السوري وينقذ الشعب من موت يزوره كل يوم ليقطف خيرة أبناء الوطن .
أريد أن أصل معكم لنتيجة مفادها أن تركيا لا تخرج من العباءة الأمريكية . فأمريكا تحرص على بقاء سورية – وكل العرب- ضعيفة ولا تريد لأبنائها أدنى خير ، وبالتالي لم تقم بالتالي بأي إجراء يسقط النظام ولم تسمح لتركيا القيام بهذا الإجراء ؛ وهذا يفسر لنا بركان التصريحات والتهديدات التركية ثم خمود هذا البركان .
ولكن تغيراً جذرياً قد يطرأ في الموقف التركي ويسعى الأتراك من خلاله لإسقاط النظام ولن يكون ذلك إلا إذا أعطت أمريكا الضوء الأخضر لتركيا . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه متى يكون ذلك ؟
أقول وبكل بساطة عندما ترجح كفة الثوار على أرض الواقع وتتأكد أمريكا أن النظام ساقط ساقط لا محالة عندها ستضطر مكرهة للإسراع على المراهنة على الحصان الرابح ( الثوار ) لتظهر بمظهر الداعم للديمقراطية ولحريات الشعوب .
إلى متى يبقى العرب لعبة في أيدي الآخرين ، إلى متى تبقى دماؤنا أرخص من الماء ، إلى متى يحدد الآخر مصيرنا ، إلى متى نعيش وفق ما يرسمه ويخططه لنا أعداؤنا ، إلى متى ... ، إلى متى ... .
سيبقى هذا السؤال يتردد ولا نعرف له جواباً حتى نصحو من غفلتنا التي طالت ونحرر إرادتنا ونحكم أنفسنا بأنفسنا ، ونولي علينا من هو منا حقيقة يحمل همومنا ويشعر بآلامنا ويسعى لتحقيق آمالنا وطموحاتنا ، وسيتحقق ذلك بإذن الله بعد هذه الثورات المباركة التي ستطيح بتلك الأنظمة العفنة .