ثورة في محراب رمضان - أغسطس 2011م

يوميات الثورة السورية الكبرى 32

د.محمد شادي كسكين

كاتب وناشط سوري

لطالما إرتبط شهر رمضان المبارك في ذاكرة المسلمين بمعان ثلاث: العبودية لله وحده والصبر والنصر معاً , شهر ينعتق فيه البشر من عبادة المادة وتكاليف الحياة القاسية ونفاق العصر ويعرج فيه الصائمون في معراج اليقين والثقة بالله وحده,, في رمضان جرت " بدر" أول معركة بين المسلمين وقريش في العام الثاني للهجرة, وفيه فتحت مكة في العام الثامن, وتوالت فيه ملاحم البطولة مروراً بمعركة القادسية ضد الفرس( 16 هـ) وفتح الأندلس ( 92 هـ ) وفتح عمورية (223هـ) وموقعة حطين (1187م) ومعركة عين جالوت ( 1260م) وحرب رمضان أوكتوبر ( 1973م...

بعد أيام وربما ساعات قلائل يهل أول رمضان في ربيع ثورات الأمة وفسطاط الصابرين الصامدين في الصراع المحتدم بين الحق والباطل  دمشق... ساعات معدودة وتستقبل سورية أول رمضان لها في ظل ثورة الحرية ..شهر تضاف إلى معانيه ونكهته الشامية نكهة التحرر والإنعتاق بعد عقود من العبودية والإستبداد,, في رمضان الثورة والخير لهذا العام لن تدوي مدافع الإفطار عند غروب الشمس فقط لأنها تدوي منذ مائة وسبعة وثلاثين يوماً صباح مساء ,  ولن يعني دويها هذا العام البدء بتناول ما لذ وطاب من الطعام لأنه لم يعد يطب لشعب سورية إلا سقوط هذا النظام ورحيله, شهر تضيف معانيه الروحية والإيمانية دفعة لا محدودة من العزيمة والإصرار والإستبسال لثوار الشام وأحرارها وإذ كان هذا هو الحال فلننتظر في رمضان صفحات من أحداث وتطورات غير مسبوقة يعمل النظام بلا هوادة على تفاديها قبل أن يحل زلزالها بساحته أو تنزل صاعقتها في دياره!

ربما كانت بعض تصرفات النظام أو ما يتسرب عنها شائعة أو بعضاً من دعابة , وإذا كان المجرم معمر القذافي فكرّ في إلغاء يوم الجمعة تفادياً للثورات فإن نظام سورية فكرّ ولو من باب التفكير فقط في إلغاء ثلاثين جمعة مسائية قادمة إلى دك حصونه من بوابة صلاة التراويح,, شخصياً لا أعتقد أن ما قيل عن جدية هذه الفكرة صحيح لكنني في ذات الوقت أشير هاهنا إلى القلق والخوف الذي يعتري النظام من شهر سيمر عليه ثقيلاً,,, التحركات الأمنية الأخيرة تشير إلى إستراتيجية يتبعها النظام تقوم على شل الحزام الجغرافي المحيط بدمشق من أي فعاليات خلال هذا الشهر الكريم في حين تستمر القوات العسكرية والأمنية والشبيحة في الضرب هنا تارة وهناك تارات أُخَر .

منذ بداية شهر يوليو 2011م تركزت عمليات القتل والإعتقال  في مناطق ريف دمشق وبعض مناطق دمشق ومنها برزة – القدم - الزبداني – القابون – كناكر – سقبا – حرستا – دوما – الكسوة – المعضمية ...الخ إضافة إلى الخط الثاني من المواجهةوهما محافظتي  :حمص والتي تشكل قاعدة الزحف الاساسية نحو دمشق فيما لو تداعت أجهزة النظام في المحافظات الأخرى إضافة إلى محافظة درعا التي ما تزال تحت سيطرة عسكرية وأمنية محكمة.

في الخامس عشر من يوليو 2011م إرتكبت قوات الأمن السورية مذبحة في منطقة القابون ذهب ضحيتها 13 شهيداً وما بين العشرين و التاسع والعشرين منه إستشهد العشرات في مناطق القدم وكناكر  والكسوة ودوما وحرستا فيما إستشهد العشرات في مدينة حمص وفرض حصار عسكري على المدينة فيما شملت عمليات الإعتقال المئات. في ذات الوقت لم تتوقف عمليات الإعتقال في بلدات وقرى محافظة درعا الأمر الذي يؤكد ما قلناه من خطة لتأمين حزام عزل أمن بين العاصمة دمشق وما حولها من المخافظات ويعكس على نحو أكيد توقعات النظام لمجريات الثورة في رمضان.

وما دام الحديث يدور عن الصلوات والمساجد نتوقع على نحو كبير قيام النظام بعدة خطوات نجملها في النقاط التالية:

1-          عمليات إعتقال ودهم لمنازل المئات وربما الألاف من الناشطين في المحافظات السورية.

2-          عمليات إعتقال نوعية تستهدف العلماء الشرفاء الصادقين وطلاب العلم والملتزمين دينياً وبشكل غير مسبوق

3-          عمليات ضبط حازمة لخطب الجمعة ودروس رمضان عبر خطب معممة من وزارة الأوقاف مع دراسة حول ألاف الأئمة الذين سيؤمون المصلين في شهر رمضان وإستبعاد اي إمام يشتبه بتعاطفه مع الثورة.

4-          إطلاق العنان لأئمة النفاق وعمائم الشيطان ليحتلوا الشاشات والفضائيات والمنابر وفق خطاب الدجل والكذب الذي إعتدنا سماعه.

5-          عمليات إغلاق للمساجد الكبرى ذات الوزن الفعال في مجريات الثورة والمسيرات والمظاهرات بحجة الصيانة أو بذريعة وجود" إرهابيين واسلحة وذخائر" وفق السيناريوهات المعروفة.

6-          عمليات تفجير إرهابية في بعض المساجد أو حولها ونسبتها لعصابات مسلحة لترهيب الناس وثنيهم عن حضور صلاة التراويح وصلاة الجماعة التي تتكثف في رمضان مع بدء ظهور " أعمال وإشتباكات عسكرية وبشكل واضح وغير مسبوق".!

ما نأمله هو:

1-          أن تتكثف مسيرات التظاهر بعد كل صلاة وبالطبع ستكون مسيرات هذا الشهر ليلية الأمر الذي سيعقدّ عملية القتل والإعتقال وسط توقعنا أن يكون شهر رمضان الشهر الأكثر إتقاداً وإشتعالاً منذ بدء الإنتفاضة السورية المباركة.

2-          تواصل عمليات التكبير عند الإفطار وعند السحور وليلاً وبشكل يومي وبعد كل صلاة من المساجد والمنازل والطرقات.

3-          إطلاق حملة من أهل الخير لمساعدة ذوي الشهداء والمعتقلين والفقراء وإيلاء قضية اللاجئين وإحتياجاتهم الإهتمام اللازم وسط هذه الظروف المعيشية القاسية التي تحيط بهم في مخيماتهم في كل من تركيا ولبنان.

في كل رمضان تغلق أبواب الشر وتفتح أبواب الجنان وتوصد الشياطين - في رمضاننا السوري لهذا العام ستفتح أبواب الحرية وتغلق أبواب الإستبداد.. كل عام وأنتم الأحرار والأعزة والأبطال!