إلى أصحاب الضمائر الحية، و الحية فقط

بانتظار أن تحيا البقية قبل فوات الأوان!!

سليمان أبو الخير- ألمانيا

يصعب أن نجزم أن أحدا أي كان في هذه الأيام لا يعرف يقينا ما جرى و ما زال يجرى للبشر الأبرياء في سوريا، فلم يعد خافيا على احد التاريخ الدموي للنظام الحاكم في دمشق، منذ أن استلم الأسد الأب الحكم المطلق عام 1970 في انقلاب عسكري دون أي انتخابات، أو استشارة أي مواطن، واحكم قبضته الحديدية على البلاد والعباد، واصطلى القريب والبعيد بنار تصفيات طالت الجميع بلا أي استثناء، وصلت إلى حد القتل والتنكيل على مدار سنوات حكمه الدكتاتوري البغيض، بلغت ذروتها في الفترة الممتدة من عام 1979 حتى عام1982 بدءا بمجزرة تدمر على يد السفاح رفعت الأسد والتي راح ضحيتها ما يقرب من 1200 من خيرة شباب سوريا مرورا بمجزرة جسر الشغور ومجازر كثيرة أخرى يصعب حصرها كي تتوج في شباط من عام 1982 بمجزرة حماة الشهيرة  حيث دك النظام ألاثني الطائفي المدينة بكل ما طالت يده من دبابات و طائرات ومدرعات وأسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، ليحصد ويقتل بوحشية دون أي شكل من أشكال الإنسانية الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ، في مذبحة زاد عدد ضحاياها عن ال40000 قتيل من الأبرياء، لا لذنب لهم اقترفوه أو جرم اجتنحوه ألا قولهم لا للظلم لا للطغيان!! فجرت الدماء انهارا، في غفلة من ضمير العالم، وصمت ساوى صمت المقابر في أرجاء المعمورة الأربع!! لم يسمح للإعلام يومها كما هو الحال اليوم أن ينقل أو يصور، وسجلت الجريمة حينها ضد مجهول، وصارت شئ من الماضي ما عاد يسمح حتى اليوم لأحد أن ينبش فيه أو يسال عنه.

لقد أوقد هؤلاء نارا راحت منذ ذلك الحين تأكل الأخضر واليابس، ونصبوا في كل أسرة بيت عزاء، فقتلوا من وصلت إليه أيديهم، و ضاقت السجون والمعتقلات بنزلائها، واجبر من نجا إلى الفرار بنفسه والتشرد في الشتات والمنافي، ومع أن زمنا طويلا قد مضى، فلا تزال كثير من الأسر في انتظار أن يكشف النقاب عن مصير أبنائها الذين زادت مدة اختفائهم عن ربع قرن من الزمن دون معرفة مصيرهم!!

بهذه الطريقة تم -و لا زال- إدارة البلاد، حكم دكتاتوري فردي مطلق الصلاحيات، دون حسيب أو رقيب، تفشت فيه كل أسباب الفساد والمفاسد، وركب الناس خوف يدنو من الهلع أو يزيد، نهبت معه خيرات البلاد، و أتخمت فئة من أراذل المنتفعين الوصوليين على حساب الأمة التي بالكاد أن تلحق برغيف الخبز الحاف.

و كان للقدر قول الفصل الذي لا يرد، وليموت الطاغية غير مأسوف عليه عام 2000، كي تفاجأ الأمة دون أن تسال، و في اجتماع للبرلمان لم يتعدى خمس دقائق في اتخاذ قرار تم بموجبه تزوير الدستور كي تتم عملية توريث لم يرى لها التاريخ مثيلا في أنظمة الحكم الجمهورية. وبذلك انتقلت السلطات من الأسد الأب الفاني إلى الأسد الابن التالي!! ولم يكن الطحن ليتوقف، و لتفتح للظلم أبواب جديدة و للبطش مدارس وجامعات، دفعت بأحد المسؤلين في دولة عظمى ليثني على نظام الحكم في سوريا لما تحلى به من مهنية فائقة المثيل في عمليات البطش وامتهان كرامة الآدميين أثناء عمليات التحقيق في السجون السرية التي أخذت سوريا بشار نصيب الأسد منها.

ولعله من نافلة القول أن نذكر هنا انه لا مكانة لرأي آخر، فالاعتقالات لم تكن لتتوقف يوما من الايام، ومع اننا انتظرنا طويلا كي يتسنى لنا رؤية انحسار الحلول الأمنية التي كبلت البلاد والعباد ما يقرب من نصف قرن من الزمن أو تزيد، و مع أنهم أوهمونا حين زعموا إلغاء قانون الطوارئ، فقد جاء الواقع داحضا لكذبهم، وذلك عند أول تحرك جماهيري، لقد كان لبداية إرهاصات في سوريا، وتحركات أهلها من المظلومين المقهورين البسطاء، وأخذهم زمام المبادرة وقد كوتهم العبودية و الأغلال التي قيدهم -بها نظام الطاغية الأسد قد ورثه صاغرا عن صاغر- قيدهم بها من الأيدي حني تراقي الأعناق، لقد كان لتلك التظاهرات التي بدأت بأبطال حوران في درعا والصنمين، يواجهون بصدورهم العارية رصاص الغدر وبطش آلة من لا يحتمل أن يرى في دنيا الوجود أحدا سواه، لا يريد هذا النظام الطائفي المقيت أن يصدق بان الزمان قد دار دورته الاعتيادية، وانه تبدل وتغير وتحول وتحور، وانه على الباغي تدور الدوائر، وليسأل أن شاء التاريخ وليسأل طاغية تونس، وليسال طاغية مصر، وليسال مهرج ليبيا، و دجال اليمن فلعل بينهم من يخبره بأنه:

لكل شـئ إذا ما تـم نقصـان     فلا يغر بطيب العيش إنسان    

هي الدنيا كما شاهدتها دول     من سره زمن ساءته أزمان

لقد صارت تلك الجموع التي انطلقت في تونس الزيتونة والقيروان، آخذة في طريقها إلى الذروة مصر الكنانة مرورا بكل العواصم، كي تأخذ دمشق مرتبتها الاعتيادية بين أمم الأرض وشعوبها في طلب الحرية والكرامة وكسر كل قيود الأسر والتبعية....

خرجت درعا بريفها، كما خرجت حمص وحماة واللاذقية وبانياس ودير الزور وحلب والقامشلى و إدلب والنبك حتى تدمر صاحبة السجن ذائع الصيت السيّئ ، حتى هذه المدينة انتفضت، فايقضت فينا همة من أوشك القنوط أن يقتله، خرجت هذه المدن و القرى بأطيانها وأريافها لتسال عن الحق الذي أرادوا أن يغيبوه أجيالا، خرجت لتعرف كيف أن دستورا يتم تغييره في خمس دقائق ليكون على المقاس من التكييف والتوريث!! كيف أن تغييرا بهذه السرعة عجز عن تغيير قانون الطوارئ وتبييض السجون والمعتقلات من نزلاءها والذي كبل الناس وأحصى عليهم أنفاسهم لزمن امتدت ظلمة ليله الكالح حتى جاوزت الخمسين سنة، قانون كهذا لا يحتاج إلى الإسراع، ما دام يوفر للظالم متعة تكحيل عينيه بالضحية المنصوبة على السفود، لقد كانت البداية بأطفال صغار كانوا يلعبون، دونوا العبارة التي أصبحت الأكثر شهرة في دنيا المعذبين، دونوا على الجدران ببراءة:

الشعب يريد إسقاط النظام!!

تمت مطاردة الصبية، وتم اعتقال من وصلوا إليه، وسقط من بين الأطفال جرحى وقتلى، فألهب ذلك مشاعر الأهالي، مما دفعهم الى الشارع مطالبين بضرورة تغيير هذا الواقع الكالح المرير، ضرب الناس في الطرقات، وفي غياب تام لشهود الحقيقة، فقد منعت كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية من الوصول الى عين المكان كي تنقل الحقيقة، ومع هذا تسربت بعض الصور، كي تميط اللثام عن جانب فضيع من إجرام هذا النظام الشمولي الدكتاتوري المقيت، و ما خفي كان ولا زال أعظم واجل.

لقد ساءنا موقف سفيري كل من الصين وروسيا في مجلس الأمن الدولي، مما ترتب عليه عدم اتخاذ قرار حاسم، يدين المجزرة و يعمل على وقفها، لقد جاء موقفهما مبررا سيق على طبق من ذهب للنظام العنصري الغاشم في دمشق، كي يمارس مزيدا من القتل والتنكيل بين صفوف الأبرياء من أبناء الشعب السوري الصابر المحتسب.

أنني كمواطن من البشر مقهور، قد اكتويت من غير ذنب اقترفت بنيران هذه العصابة أطالب بالتالي:

العمل الفوري على وقف حمام الدم الجاري في سوري المكومة

تجميد وإلغاء الاعتراف بهذه العصابة الإجرامية الحاكمة، و اجبرها على التنحي، كي تترك الشعب يختار من يشاء

تجميد جميع الأرصدة المالية المنهوبة للعائلة الحاكمة ( بشار، اصف شوكت، ماهر الأسد، و رامي محلوف) في جميع البنوك والمؤسسات المالية، كي تفعل الإنسانية فعلها في ردها إلى مستحقيها من المسحوقين

العمل على إطلاق صراح كل المعتقلين من السياسيين وأصحاب الرأي المناوئ.

السماح بعودة كل المهجرين قسرا، و منحهم الأمان كي يزاولوا عيشا كريما في وطنهم دون ملاحقة أو تضييق.    

نثمن جهودكم و نشكر لكم اعترافكم بأننا بشر مثلكم من لحم و دم نستحق أن نعيش في أوطاننا تماما مثلكم دون استعباد من احد تماما كما ولدتنا أمهاتنا أحرارا و نشكر  وقوفكم إلى جورنا و ذلك بعض ما لنا من حق عليكم مع خالص تحياتنا.