الثورة السورية واحتمالات التدويل

معاذ السراج

هل يصبح التدويل مدخلا للأطراف الاقليمية والدولية لوضع بصمة ما في مستقبل سوريا ما بعد الثورة ..؟؟ أم انه سيكون خيارا لامفر منه للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه بالنسبة للنظام القائم ...؟؟ أم هو خيارسيطلبه الشعب السوري ليحقن دمه ويكف عنه آلة القتل ...؟؟ أم هو خيار للمعارضة التي ربما تجد نفسها عاجزة عن حسم الموقف واقصاء النظام في ظل حالة الضعف والتشتت التي تسودها ...؟؟؟

إنّ التعقيد الذي يسود الحالة السورية ربما ترك انطباعا عند الكثيرين بأنّ حسم الموقف لصالح الشعب أو النظام سيأخذ وقتا طويلا وربما يتطلّب الكثير من الدماء... وساعد على هذا الانطباع أنّ السلطة سرعان ما استخدمت الجيش الذي تطمئنّ الى شدة ولائه ودفعت به الى الشارع السوري في حملات كادت تغطي نسبة الثلث تقريبا من الأراضي السورية... وعلى الرغم من أنّ المواقف الدولية اتّسمت بالبطء الشديد والبرود الذي لا يتناسب مع حدّة ما يجري على الأرض, لكنّ الحملة على جسر الشغور التي أدّت الى نزوح آلاف اللاجئين السوريين الى الأراضي التركية أخرجت الأزمة بالفعل الى البعد الدولي وزادت من حدّة الخطاب التركي تجاه النظام في سوريا وتركت الباب مفتوحا لخيارات متعدّدة لم يُستثنَ منها الخيار العسكري الى جانب المنطقة العازلة والضغوط السياسية المتصاعدة... فهل نحن فعليّا نقترب من تدويل الأزمة ... ؟

لا شكّ أنّ خطوة النظام السوري المتهوّرة في إنزال الجيش الى الشارع وخطوته الأخيرة الأشدّ تهوّرا في جسر الشغور دفع في اتجاه تدويل الأزمة.. لكنه على ما يبدو ألقى بورقة من ورقاته الأخيرة التي تبقّت في يديه وهو لا يعلم في أيّ دائرة ستقع...؟؟

إنّ اندفاع الجيش السوري وتحرّكه تجاه العديد من المحافظات لا يُعتبر بأيّ حال دليلا على قوّة النظام بل ربما كان دلبلا على ضعفه وفقدانه لحالة  ضبط النفس التي يُفترض أن تتمتّع بها السلطة في مثل هذه الظروف لتحافظ على الخيوط التي تربطها بالشعب وتُبقيَ على خطّ الرجعة الذي يعطيها فرصة الاستمرار في الحكم , وربما يُستدلُّ بتحرّكات الجيش على تخبّط النظام وعدم امتلاكه رؤية واضحة لما بعد هذه الحملات العسكرية , علما أنّ ماخلّفته هذه الحملات أحدث فجوة كبيرة بين السلطة والشعب, بات من شبه المستحيل ردمُها أو تجاوزها , بل إنّها /أي الحملات العسكرية/ بدّدت كلّ ما قدّمه النظام من تنازلات حتى هذه اللحظة إن صحّ تسميتها بالتنازلات وبات عليه أن يقوم بما يشبه المعجزة ليكسب شيئا من ثقة الشعب التي خسرها بالكلّية وربما لن يجد في هذه الحالة سوى أن يرحل ويترك الحكم, وهذه بحدّ ذاتها ستكون مشكلة كبيرة كما يُنظر إليها من خارج سوريا... إذ إنّ الجهات الإقليمية والدولية اذا كانت اقتنعت بحتميّة التغيير لكنها ليست مطمئنّة على كيفيّة انتقال السلطة ومن سيكون البديل.. وربما كانت هذه النقطة أهمّ سبب في تباطؤ المواقف وبرودها...

إنّ حالة التخبّط والارتباك التي تبدو آثارها واضحة من خلال سلوك النظام السوري لا تخفى بأيّ حال على المراقبين والمهتمّين بالشأن السوري , وفي حالة الأتراك وهم الجانب الأقرب الى النظام السوري وحلفاء الأمس بالنسبة له, باتوا يدركون جيّدا أنّ النظام لا يمتلك القدرة الفعليّة على الإصلاح, وهم الذين قاموا بمحاولات متتالية لتقديم وصفات ناجعة ونصائح مخلصة تحوّلت مؤخّرا الى طلبات فيما يؤشّر الى فقدان الأمل بقدرة السلطة السورية على الاصلاح ومن ثم تعمّد زيادة الضغط عليها أي السلطة السورية ربمالإقناعها بضرورة الترتيب لمرحلة مابعد النظام حتى لا تترك فراغا ربما سبّبُ اضطرابا أو فوضى يتضرّر منها الجانب التركي بالدرجة الأولى...

ويبدو أنّ انفراد الأتراك في هذه المرحلة بمعالجة الأزمة السورية جاء على خلفيّة خشية الغرب من مستقبل الوضع في سوريا وعدم رغبته في أية أوضاع جديدة غير مستقرة ربما تمتد الى العديد من الدول المحاذية لسوريا وتتسبب باضطراب شديد للسياسات الاقليمية في المنطقة لن يكون الغرب بمنأى عنها..والأتراك الذين تلكؤوا في قضية ليبيا سيكونون الأكثر تضررا من الوضع السوري لأنه بات من المعروف أنهم يبلورون مشروعا اقليميا لهم فيه دور القيادة وهم الذين بنوا علاقات وطيدة مع دول المنطقة وبالذات سوريا ولديهم طموحات كبيرة لتثبيت مشروعم الاقتصادي ودعمه بأوضاع سياسية مستقرة سيكونون الأكثر استفادة منها بحكم كونهم اليوم القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة وسيمتد هذا الوضع بدوره ليصل تأثيره الايجابي الى أوربا فيما يعتقده العديد من المحللين الغربيين ...ومن هنا فمن المعتقد أن تدويل الأزمة السورية لن يتحول بأي حال الى الخيار الليبي وربما كان لدى القيادة التركية أسلوبها الخاص في حمل المسؤولين السوريين على وقف العنف الدموي والقيام بخطوات تؤدي الى نقل سلمي للسلطة ,وسيتضح في الأيام القادمة ما اذا كان لزيارة المبعوث السوري حسن تركماني الى تركيا والزيارة المتوقع أن يقوم بها المعلم وزير الخارجية السوري هو الآخر أبعادا أخرى غير ما طفى على السطح والتي يرجح أنها ربما ستتطرق الى ترتيبات ما بعد الأسد ..

على أية حال ربما يتطلع الغرب الى مكتسبات أكبر في الحالة السورية لكنها ستكون من الباب التركي الذي يعول عليه الغرب كثيرا خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة وبالذات في اليونان الجار الأقرب الى تركيا ..سياسة امر واقع لا مفر منهاربما لم تكن لتتحقق لولا الظروف المستجدة في السنوات الأخيرة والتي نقلت مشروع بيريز في الشرق الأوسط الجديد الى مشروع ساركوزي في الاتحاد المتوسطي الذي آل الى أحضان الحصان التركي الصاعد في مشروعه الطموح الآخذ بالتبلور مستفيدا من حالة التحول الثوري في المنطقة العربية ...

في ظل هذه الرؤية لابد من التساؤل عن دور أصحاب الشأن السوريين في مستقبل بلدهم أولا ومن ثم فيما يتبلور من مشروع جديد للمنطقة ..واذا كان الشارع السوري المنشغل بالأحداث اليومية ربما لم يأخذ فرصته الكافية في التعاطي مع الرؤية الاقليمية الأوسع وهو الذي يتطلع أولا الى تأمين تغيير ديمقراطي وبأقل كلفة ممكنة ,فان من واجب النخب السورية و المعارضة الداخلية والخارجية أن تتقارب في مواقفها ورؤاها وتعمل على بلورة صيغة سياسية وحراك فعال يبقي القضية السورية في ايدي أبنائها ويعمل على تجنب أية آثار سلبية للأبعاد الإقليمية والدولية للتغيير القادم ...