تحيّة لثوّار الجبل الغربي
صلاح حميدة
المعروف تاريخيّاً أنّ محاربي الجبل كانوا ينتصرون دائماً على مقاتلي الحضر، فهم الأقوى بنيةً، والأشدّ مراساً، والأكثر قدرةً على المناورة، ولذلك كان جنود الجبل هم الأكثر حظّاً في كسب المعارك.
تشتعل الثّورة في ليبيا، ويشتدّ ساعدها يوميّاً، تسيل دماء غزيرة، وتزهق أرواح كثيرة، ويندفع الشّباب نحو محاربة مجرمين يعجز اللسان عن وصف جرائمهم، بل يستغرب المتابع من كمّ الحقد والإجرام والسّاديّة وعمى البصيرة التي يتميّز بها هؤلاء.
ومن قلب تلك المعاناة، ومن قلب ذلك الإقدام الشّعبي على التّغيير، يتميّز ثوّار الجبل الغربي بأدائهم الرّائع، ثوّار لا تلين لهم قناة، ولا تغفل لهم عين، أخذوا على عاتقهم من أوّل يوم المبادرة بمحاربة جلاوزة الظّالم المجرم، ثوّار لا يتراجعون أبداً، إذا تقدّموا خطوة لا يتراجعون عنها مهما كان الثّمن، ثوّار ينتزعون سلاحهم من أعناق أعدائهم، يخوضون معاركهم بطلقات وسيوف، ويعودون بدبّابات وصواريخ وقاذفات وعربات عسكرية.
يقدّم الليبيون تضحيات هائلة في سبيل تحرير أعناقهم من عصابة من المافيا، وهم لا يختلفون عن عدد آخر من الشّعوب العربيّة، فكل ما يجري هذه الأيّام يؤكّد أنّ من يحكمون في العديد من الدّول العربية، ليسوا إلا عصابات مافيا، بل المافيا أقلّ إجراماً وسفكاً للدّماء منهم. وفي اللحظة التي لا يمكن إنكار تضحيات الشّعوب - وعلى رأسها الشّعب الليبي- بعد صبر طويل على القمع والفقر والإذلال، فمن حق ثوار الجبل الغربي الليبي أن يأخذوا حقّهم التاريخي في إبراز بطولاتهم وتضحياتهم، بل لن نبالغ إن قلنا أنّ هؤلاء الأبطال يسطّرون أسطورة تاريخيّة ستدرّس في المستقبل للطّلبة.
فهم يقاتلون في ظروف مستحيلة تماماً، وصمدوا وقاتلوا، بل لا نبالغ إنّ قلنا أنّ الجبل الغربي يقاتل معهم، كما قاتل مع أجدادهم ضد الطّليان، وأكثر ما يميز أداء هؤلاء الأبطال، أنّهم يقاتلون وفق قاعدة أفضل طريقة للدّفاع هي الهجوم بلا تراجع، ولا مكان للكر والفر عندهم، بل كرٌ وكرّ، ومهما ارتقى منهم من شهداء لا توهن عزيمتهم، بل تنظر لمقاتلهم وهو يطلق النّار، فينسخ في ذاكرتك صورة تحاكي صور الأبطال الخالدين في التاريخ العربي، ولا نبالغ إن قلنا إن كان صلاح الدّين الأيّوبي حيّاً وأراد تجهيز جيش لتحرير القدس، لاختار مقدّمته من مقاتلي الجبل الغربي في ليبيا، مقاتلون صناديد، ذووا أخلاق ودين وانضباطيّة منقطعة النّظير، ويضعون لحربهم هدفاً لا يتراجعون حتّى تحقيقه.
بطولات مقاتلي الجبل الغربي، وصمود مقاتلي مصراتة، وجمود جبهة البريقة - أجدابيا، وحرص النّاتو على إبطاء الحرب لأهداف خبيثة، كل هذا يؤكّد لثوّار ليبيا والمجلس الانتقالي، أنّ المطلوب هو وضع كل ثقلهم في سبيل دعم ثوار الجبل الغربي ومصراتة بكافّة الإمكانيات التسليحية والإمدادات اللوجستية والبشرية، فببطولات هؤلاء كسرت مؤامرة تقسيم ليبيا إلى دولتين متناحرتين على النّفط، وكسرت محاولات عصابة القذّافي لإثارة التّناحر القبلي والمناطقي بين الليبيين، وبسواعد هؤلاء، وبالإمداد التّسليحي واللوجستي والبشري من الشّرق الليبي، سينجز هؤلاء الأبطال مهمّة تحقيق الرّغبة الأخيرة للقذّافي- بعد أن قتل الشّعب ودمّر البلد- ألا وهي أن يقضي مقتولاً أو منتحراً، وبهذا يغلق ملف أسوأ فترة عاشتها ليبيا وعاشها شعبها عبر التاريخ.