بلطجية النظام

د. عبد اللطيف الرعود

ونظام البلطجة..

الولاء الأعمق والولاء الأحمق!!!

د. عبد اللطيف الرعود

[email protected]

تحدثت عدة نظريات عن سلوك الفرد وما يدفعه للعدوان وتحدثت نظرية الغرائز INSTINCTUAL THEORY عن استعداد الفرد الفطري للعراك والقتال ويعبر عن ذلك بالغضب والانفعال أما نظرية الإحباط FRUSTRATION THEORY  فقد بنت على أن الإحباط يحصل لدى الإنسان عندما تنشأ موانع وعقبات تمنعه من الوصول إلى هدفه وتستند هذه النظرية إلى فرضية أن العدوان يحصل نتيجة الإحباط ويحدث ذلك نتيجة الغضب والتهيج وتعود لأسباب منها الظلم والجوع ، الإهانة ، النقد ، الحرمان ....

البلطجية البدائية:

يخرج البلطجي من بيئة فقيرة مليئة بالحرمان والبطش والقمع مع اضطراب الشخصية وقد تولدت لديه مساحة هائلة وخصبة لولادة سلوك عدواني مدفوعا با لهرب  من هذه البيئة التعيسة ، ليستقر في بيئة لا تقل بشاعة عن سابقتها ليجد نفسه  شخصاً منبوذاً وبلا رفاهة، همجي ، جاهل متخلف يساق من قبل عرابي الموت ليبطش ويسلب ويرهب المواطنين ويتلقى الأجر لذا فهو مأجور ومرتزق ، حرامي مجرم، أزعر وقاطع، طريق مستفز  .... وغالبا ما يكون مطلوبا للعدالة بمخالفته للقانون ، ولكنه ضحية للمتنفذين الفاسدين عديمي الضمير ..

ومن صور البلطجة البدائية اللغة المتخلفة من العنف المادي ، أدواتها سكاكين، بلطات  وعصي وتكون على صور أخرى سلوكية يمتلك المسيء من خلالها قوة بدنية واجتماعية وأدواتها التحرش اللفظي والجسدي والعاطفي، وهي شكل من أشكال المضايقات يكون لها وقع نفسي كبير على الضحية مسببا له إزعاج وبيئة غير مريحة ترقى إلى العصف الذهني وذلك بسبب الخوف والتهديد ومن اصناف البلطجة تلك التي تظهر في الانتخابات النيابية فهي تهتف للمرشح  وتتبنى وتحمي دعايته الانتخابية ، وتطلق الشائعات ضد الخصم المنافس وبما أنهم فئة من أصحاب السوابق الإجرامية ومدمني المخدرات يعمدوا إلى أسلوب الترويع والتخويف عند صناديق الاقتراع لمنع وصول المواطنين إليها وخصوصا ً النساء ، وبذلك تكون هذه النماذج أفرزت نائباً بلطجياً بامتياز.

البلطجة المعاصرة :

 يستخدمها رموز الدولة  في تسيير أعمالها في مساحة من النفوذ والسلطة والمال ضمن لعبة سياسية قذرة تطوع بها القانون وتخترقه من أجل مصالحها ،

يكون الانتماء في أجواء غير طاهرة تغذيها مظاهر الحقد واللؤم منهم يستبيحون القوانين من أجل إشباع غرائزهم المنحرفة من الشهوات والمنكرات وهذا يجرهم للوقوع في عالم الجريمة المنظمة وغسل الأموال والسعي للهيمنة والتملك والاستحواذ على أسباب القوة والاندفاع  نحو الطغيان والتجبر ويمارسون أفعال بلطجية وأساليب من الولاء الأحمق بحيث ترفع شعارات تمجد الزعماء وتختفي وراء صورهم ويافطات الولاء لهم وهي كلمة السر التي توصل هذه الزمر لغاياتهم الخبيثة، لأن ذلك من شأنه أن لا يجرؤ أحد على انتقادهم لأنهم يصورون ذلك على انه جزءا من الولاء للقائد وحبا  للنظام مع أن هذه النماذج تشعر بالنقص وعدم الكفاءة  لذا تسعى لتحقيق ذاتها للوصول إلى الرئاسة وقيادة الناس على حساب المبادئ وحقوق الناس .

البلطجية الدينية:

 هي التي تعطي الحاكم حصانة مطلقة بفتوى غير قابلة للنقاش بأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال الخروج على الحاكم وأن النصح له لا يجوز علانية ، ولم تقف هذه الآراء المساندة والفتاوى عند هذا الحد ، بل ذهب بعض كبار العلماء إلى جواز الخروج على القذافي وفتوى أخرى أهدرت دم الزعيم الليبي :؛ وهنا يثور السؤال :   هل سيقوم هؤلاء العلماء بمتابعة فتاواهم  عندما يتعرض زعمائهم  الذين يواجهون احتجاجات من شعوبهم بنفس المستوى؟!!

البلطجة وقيم المجتمع :

تؤدي البلطجة إلى إخلال القيم المجتمعية وإلى اختلال التوازن العقلي والنفسي وتظهر على شكل إضغان وأحقاد تترافق مع حب الانتقام من المجتمع وتتطور الحالة إلى ما يشبه الفلتان بفقدان السيطرة على ضبط النفس والتهجم على الآخرين بشكل حاد مما يولد لدى الآخرين ردات فعل عنيفة ويصبح المجتمع متأزم و غير مستقر نتيجة للاحتقان و يتمنى الشخص زوال كل شيء لغياب الثقة واستئثار البلطجيين على اختلاف أصنافهم ومستوياتهم بالمزايا ونهب وسلب لحقوق الآخرين ،ونتيجة ذلك تشعر فئات المجتمع المختلفة بالتهميش والحرمان من سبل الحياة الكريمة والشعور بالضيق والنقص وهذا يدفع المرء إلى التصرف بوسائل انتقامية تبعاً للظروف لأنه يدرك مدى التمايز بين حياته وحياة الآخرين ويشعر بالحسرة والألم لغياب تحقيق أدنى مستوى من العدالة الاجتماعية بين الناس .

البلطجة الصاعدة :

 "الغاية تبرر الوسيلة" : تجتمع العادات والموروثات والتقاليد وآثار التربية الخاطئة والمؤثرات السلبية والتصرفات غير الطبيعية والمشاكل العاطفية تدفع جميعها الفرد إلى الانتقام من المجتمع على شكل  فردي أو جماعي وفي ظروف استثنائية تظهر طاقته المكبوتة مستغلا ً الفرص المتاحة ليصل إلى الكمال عن طريق الشعور بالعظمة وبكل الوسائل والطرق الشرعية وغير الشرعية وتظهر حالات  أل " أنا " و" نحن " وتتجلى أعلى صور الدكتاتورية التي تتحكم في مصائر الشعوب مكرسه بذلك الحكم الشمولي بأبشع صوره.

طبقات انتهازية:

من أجل الاستئثار بدفة الحكم يحاربون من يقف في طريقهم فيستحلوا قتل الأبرياء وهتك الأعراض ونهب المال وسلب الأرض ويجيرون القانون ليصبح " شريعة غاب " فلا دستور مع الأوامر العليا أو بناءاً على رغبة القائد أو إرادة سيد البلاد وهذه كلمة " فيتو" تنزع به الحقوق انتزاعا ً من أصحابها وهذه المفردات لا وجود لها في دستور البلاد، لاغين بذلك العدالة الاجتماعية بكل صورها بلا معارضة ولا احتجاج على أفعالهم منتهكين حرمة هذا الدستور الذي هو بالأساس وضع لتلبية رغباتهم وثباتهم في الحكم وتلغى اللوائح والقوانين لتحل الحرام وتحرم الحلال وتضعها بيد البلطجي الفاسد .

ويا حبذا لو كانت تلك الإرادة والرغبة في إحقاق الحق واحترام سيادة القانون لنصرة المظلومين لا نهب لثرواتهم وانتقاص حقوقهم وهضمها والاستخفاف بهم لرفع الظلم عنهم ورفع مستوى حياتهم الكريمة والفوز برضا المواطنين لأن من طبيعة الناس حب من يحسن إليهم.

 لذلك من يتبوء السلطة بالقوة والقهر ظالم ومستبد وبلطجي يقيد الحريات ويستخدم البطش، يخلق قوة غاشمة وعصابات مرتزقة تساند السلطة بميليشيات بلطجية تتمرس خلفها رموز السلطة لتحقيق غاياتها غير المشروعة ،لتعمل على توطيد المفسدين وطمس الفضيلة في المجتمعات وثم العدل والاستقامة ، وتتخذ من مناهجها القسرية طبيعة الحكم الدموي وإخضاع الناس إلى الأهواء .

 استقطاب القوى الغاشمة :

من المفترض على الحاكم أن يكلف أو يختار الحكومة وطاقمها الوزاري على مبدأ الكفاءة و على نهج الحكم الرشيد ، ولكن في حالات تجاهل الكفاءة ووضع مبدأ المصالح والمنافع والثروة ورأس المال بأيديهم يتم زج عناصر فئوية وحزبية وعصابات البلطجة لتسطو على المال العام

بأساليب طاغوتية متسلقة تعمل على إشاعة الفوضى والخراب والتأزم وتشيع الخوف والرهبة في صفوف المواطنين وتخوفهم على مستقبل أولادهم "ويصبح الوطن كالسفينة المختطفة من قبل بلطجية ولصوص ،وتصبح صورة الوطن كالسفينة أو الطائرة المختطفة من قبل بلطجيه ولصوص"

البلطجة وقمة الهرم :

ينكر البلطجي المتربع على قمة الهرم أنه " ابتدأ من نطفة وسينتهي إلى جيفة " " يهال عليها التراب ينظر إلى الأسفل فيرى الناس عبيد لا وزن لهم ليس لهم إلا إطاعة الأوامر " استخف قومه فأطاعوه "

يتصور أنه يسمع وينطق ويرى ما لا يتصوره الآخرون قال فرعون "  ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " ( غافر 29) 

ويصدق ذلك بتصفيق وتطبيل ومباركة الحاشية  والمتنفذين "هامان وقارون "فيرى أنه لا بديل عنه في قيادة البلاد لأنه  الوحيد المتحكم في مصير العباد ، استخدم القوة لسلب السلطة ، وطوع القانون للنفوذ وتراكم المال السري منه والمعلمن و تمترست الزمر المتنفذة خلف القائد بحصانة تنقذهم من المسائلة عن جرائمهم الأخلاقية والسياسية والاقتصادية ليصبح كل فرد منهم خطر داهم على المجتمع والإنسانية.

فالفساد الهابط من أعلى الهرم إلى أسفل قاعدته يحمل نفس مظاهر وأنماط هذا الفساد، ينتقل كعدوى الفيروس من الرأس إلى أخمص القدم... أي أنه ينتقل عبر سلم القيادة ليصل إلى أدنى مكون في النظام وكل حسب مجاله الوظيفي ..

وقد تعززت ظاهرة البلطجة لدى الأنظمة العربية المستبدة مؤخرا عند تعرض شرعيتها للنقد والاحتجاج ، فعمدت إلى تجنيد البلطجيون والمرتزقة من قبل القوى الأمنية ، فأصبحت هذه الفصائل الذراع السري لها تسيرها كيفما تشاء وتضرب بها متى تشاء ، وتحتمي القوى الأمنية خلفها لتفلت من الغضب المباشر من الجماهير ونقد الرأي العام ، ويفلت النظام من المسألة الدولية من تهمة القمع و العنف والبطش .

كما يستخدم البلطجيون في التصدي للمتظاهرين والمحتجين وإعاقة مسيراتهم كما أنهم يمارسون دور المعارضة ويمثلون الرأي الآخر مقدمين دعما معنويا للنظام والعمل على إعاقة المتظاهرين وجعل مهمتهم أكثر صعوبة!!

حجم الكرسي بحجم مساحة الوطن:

 الحاكم البلطجي يرى كرسي الحكم أعلى وأكبر من حجم الوطن كله ومن أجل أن لا يتهز أو يتحرك  يضحي بكل شيء ، ولأجل دراسة نفسياتهم ووضع سيرة ذاتية لهم يوضح هذا السلوك ولائهم الحقيقي الذي يتجلى بحجم الثروة الهائلة التي لا يعرف عنها شيء إلا عندما يبدأ الغرب بمعاقبة هذا النظام او ذاك بتجميد أرصدته والإعلان عن ثروته ويصدم المواطن من هول هذه الثروة التي اقتطعت من لحمه ودمه وقوت عياله ..

وعندما تعصف الثورة ويمر النظام في أزمة يلجأ الحاكم إلى بلطجة مخيفة واضعا مخاوف ومحاذير رابطا مصيره بمصير البلاد وتروج حاشيته بأنه  هو "صمام الأمان" ومن هذه المحاذير: التدخل الأجنبي ورجوع الاستعمار من جديد ، والحرب الأهلية وانقسام البلاد ، وزوال الثروات الوطنية ، عودة العبودية ، وإذا ما تأزم الأمر ، فنعم للبند السابع (أي التدخل الأجنبي المباشر ) نعم للحظر الجوي والحصار البحري ، والحرب ستكون من بيت لبيت ومن شارع لشارع وحارة لحارة كل ذلك من اجل عدم اهتزاز كرسي الحكم

ولان العدل أساس الملك ، لذا فإن الظلم يعد سببا في زوال الحكم  كما جاء في قوله تعالى(لا ينال عهدي الظالمين ) البقرة124 . أي أن الظالم لا ولاية له ، وعلى الباغي تدور الدوائر بقوله تعالى ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) الشعراء 227.