تونس ثروة شاعر... وثورة شارع

د. بلال كمال رشيد

[email protected]

هل كان يعلم  أبو القاسم الشابي أن قصيدته الخالدة ( إذا الشعب يوما أراد الحياة ....) التي قالها استنهاضا للهمم لمقاومة المستعمر  والظالم و المستبد الفرنسي ستأتي أكلها لتستنهض الهمم دوما وأبدا لكل ظالم  مستبد حتى وإن كان تونسيا وعربي اللسان ؟؟!!!

هل كان يعلم أن الطبيعة التونسية  التي  تعلم منها الدروس والعبر ووظفها في شعره معلما وداعيا إلى التغيير  ستغير وتبدل وتذل من كان عزيزا من غير إراداة الشعب لتعز العزيز وتكرم الكريم من أبنائها بإرادة قوية وثائرة من الشعب ؟؟!!

هل كان يعلم أن أغانيه للحياة ستغنيها مهج وأرواح  تسطرها  دماء زكية حكمة خالدة : لا يأس مع الحياة !!

هل كان يعلم أن قصيدته  تلك ستكون بيت القصيد ،يتوارثها الحفيد والوليد ،ستكون أقوى النشيد ،ستحرك الساكن وتكون شعارا خالدا لطالبي الحرية ؟؟!!

وهل كان يعلم زين العابدين الذي  اضطهدالمسلمين العابدين و حارب الحجاب والنقاب أنه سيخرج يوما هاربا بحجاب ونقاب ؟؟

هل كان يعلم مضطهد العابدين هذا أن يوما سيأتي عليه مستعطفا وراجيا أن تتلقفه أرض هنا أو هناك ،وأن الأرض ستضيق عليه بما رحبت كما ضاقت به قلوب شعبه ،هل كان يعلم مضطهد العابدين أن الأرض الوحيدة التي ستستقبله هي أرض العابدين ؟؟!!!

من كان يعلم أن القوة قد تكون في الضعف ، وأن الضعف قد يكون في القوة ، وأن الأدوار تتبدل كما  تتبدل الفصول ، وأن الأيام دول ، فتظهر دول وتندحر دول ، وأن اليسر لايأتي إلا بعد عسر وعسر ،  وأن الفرج  لا يأتي إلا بعد شدة قد تصل   حد الانفجار  ، وأن الفجر لايأتي إلا بعد ليل طويل دامس  ،فالفرج والفجر  واليسر والنصررديفان متلازمان ، وسبحان الذي يغير ولا يتغير ، ويعز ويذل من يشاء ، الذي له حكمة في كل شيء ، فكيف لثورة الفقراء أن تأتي على ثروة الأغنياء ؟؟!!

وكيف لقوة الضعفاء أن تظهر ضعف الأقوياء ؟؟!!

وكيف لك أن ترى صورة وطن تمتد من مواطن يحرق نفسه إلى رئيس يخلع نفسه ؟؟!!

كيف يمكن  للسيد الأول والسيدة الأولى أن يصبحا الأخيرين ، كيف تحول أمنهما خوفا ، وقوتهما ضعفا ؟!!

أي مواجهة ومماحكة ومحاكمة ما بين الشارع والقصر ؟!

وكيف يمكن للأغلبية الصامتة أن تخرج عن صمتها وتعلي صوتها وتضرب بصوتها  الأكرمين وأبناء الأكرمين ؟؟!!!

إنهم أبناء تونس الخضراء يطالبون بناموس الطبيعة أن تكون كما يجب لها أن تكون ، حرية وفضاء وتعدد وتغيير وتبديل ، اختلاف وائتلاف ، أصوات متعددة ، أطياف وأعراف ، وقلب نابض بالحياة !!!

هنيئا لشعب تونس جهاده ونضاله ، هنيئا له عودة الشعر والبلابل إلى رياضه ، هنيئا لشاعرها وشارعها ، هنيئا لثورتها على ثروتها ،هنيئا لأشجارها الخضراء عودة طيورها على اختلاف ألوانها وأشكالها وأحجامها وأصواتها وهي تغني بصوت  أبي القاسم الشابي  أغانيه للحياة :  

فلا بد لليل أن ينجلي         ولا بد للقيد أن ينكسر