لا مطلوبين فلسطينيين على القائمة الإسرائيلية
لا مطلوبين فلسطينيين
على القائمة الإسرائيلية في الضفة الغربية
د.مصطفى يوسف اللداوي *
إنها الحقيقة التي جاءت على لسان الإسرائيليين، فحاول البعض حاول تزينها، وإخرجها بغير الشكل الذي عبرت عنه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والتي أذاعتها مصادر أمنية إسرائيلية عالية المستوى، وحتى لا نقع في حبائل الفهم المغلوط، ولا نقع ضحية المتلاعبين بالألفاظ والتعبيرات على حساب الحقائق، فلا نفرح في المكان والزمان الخاطئ، ولا نبرئ الإسرائيليين ونطهر صفحتهم، خاصة أن بعض المهتمين قد يرون فيما نما إليهم من علم، أن إسرائيل توقفت عن الملاحقة والمتابعة والقتل والاعتقال، فخلت القائمة من المطلوبين، ففرحوا لحبهم للفلسطينيين، كان لا بد من بيان حقيقة شغور قائمة الفلسطينيين المطلوبين لإسرائيل في شمال الضفة الغربية، خاصة أن جهاز المخابرات الإسرائيلي بدا مزهواً فحوراً بما حققه في الضفة الغربية، وبالانتصار الكبير الذي أضافه الشاباك إلى سجله في محاربته لرجال المقاومة الفلسطينية، في فترةٍ قياسية، بالمقارنة مع جهودٍ كبيرة بذلها في فتراتٍ سابقة، ولم يحقق فيها ذات النتائج التي ادعى تحقيقها.
فهذا الخبر صحيح وغير مغلوط، وقد عنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ما قالت، فقائمة المطلوبين الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية قد انتهت، ولم يعد هناك مطلوبين لإسرائيل، فالذين كانوا مطلوبين لها، هم اليوم شهداء قتلهم الجيش الإسرائيلي، أو نالت منهم الأجهزة الأمنية الفسطينية في رام الله، التزاماً منها بالتنسيق الأمني بينها وبين العدو الإسرائيلي، إذ في الحالات التي يعجز فيها الجيش الإسرائيلي عن تنفيذ مهامه، فإنه يكلف أو يطلب من الأجهزة الأمنية الفلسطينية أن تقوم بذلك نيابةً عنه، ومن لم يقتل من النشطاء والمطلوبين الفلسطينيين، فإنه رهين أحد المحبسين، سجون ومعتقلات العدو الإسرائيلي، التي فاق عدد المعتقلين فيها العشرة آلاف معتقلٍ وسجين، أو سجون السلطة الفلسطينية، التي ناهز عدد المعتقلين الأمنيين فيها الألف معتقل، ونتيجةً لجرائم القتل والاغتيال، ولعمليات الاعتقال والملاحقة، والتي امتدت لسنواتٍ طويلة، فإنه من المنطقي والطبيعي أن تصبح قائمة المطلوبين الفلسطينيين للأجهزة الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية شاغرة.
وحتى لا ينسب جهاز الشاباك الإسرائيلي النجاح لنفسه فقط، أشادت مصادر أمنية صهيونية بالمستوى العالي للتنسيق الأمني بينها وبين السلطة الفلسطينية في رام الله، والذي أدى إلى تصفير قائمة المطلوبين لقوات الاحتلال في شمال الضفة الغربية، وأنه ولأول مرة منذ اندلاع الانتفاضة الثانية، أصبحت قائمة المطلوبين الفلسطينيين الموجودة بحوزة الجيش الصهيوني والأجهزة الأمنية الصهيونية فارغة تماماً في شمال الضفة، باستثناء عدد قليل من المطلوبين في جنوب الضفة الغربية، وأشاد المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون بهذه النتيجة، وأكدوا أنهم تمكنوا من الوصول إليها، بفضل التنسيق الأمني بين الجيش الصهيوني وحكومة سلام فياض في الضفة الغربية، واعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي أن غالبية المطلوبين الذي تم القضاء عليهم بفعل التنسيق الأمني قبل تصفير القائمة، كانوا من حركة حماس، يليها حركة الجهاد الإسلامي، ثم بعض خلايا كتائب شهداء الأقصى.
ولكن المقاومة في فلسطين قد علمتنا أموراً كثيرة، أصبحت لدى الفلسطينيين أموراً بديهية، لا يمكن لأحدٍ إنكارها أو تجاوزها وإهمالها، فإسرائيل قائمتها دائماً عامرة، وأجندتها تجاه الفلسطينيين لا تخلو يوماً، إذ أن كل الفلسطينيين لديها مطلوبين، والفلسطيني الذي تتوقف إسرائيل عن ملاحقته هو الفلسطيني الميت، لأن الفلسطيني الجيد بمنظورهم هو الفلسطيني الميت، ولهذا تعمد دوماً إلى إعادة جدولة قوائمها، وتتعمق في التفاصيل، فتصنف بعضهم بأنهم خطرين جداً، ويجب أن يقتلوا، وآخرين خطرين يجب أن يعتقلوا، وغيرهم يجب أن يشغلوا عن أعمالهم ومهامهم، ولهذا فإن القائمة الإسرائيلية لا تنتهي، والنهم الأمني الإسرائيلي لا يتوقف، وشغفهم بالقتل والغدر لا ينتهي، فهو عريقٌ يمتد في عمر الزمن، والتاريخ القريب والبعيد شاهدٌ على قوائمهم الطويلة، وهي بالمناسبة ليست قوائم فلسطينية، إنما هي قوائم عربية وإسلامية، فالذين نالت منهم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كثرٌ، وهم خليطٌ ومزيج من الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والعراقيين والأردنيين وغيرهم، ولهذا يخطئ من يظن أن إسرائيل ستتوقف عند هذه النتيجة، وأنها لن تلجأ إلى استحداث مطلوبين جدد، لتضيفهم عندها على قوائم التصفية والاعتقال.
والأمر الآخر الذي تعلمه الفلسطينيون في مقاومتهم، هو الصمود والثبات، وعدم الخنوع والاستسلام والقبول بالهزيمة، لهذا فهم لا يتوبون عن المطالبة بحقوقهم، ولا يتوقفون عن النضال والمقاومة من أجل تحقيق غايتهم، فالأجيال الفلسطينية تتابع، وكل جيلٍ يسلم الراية لخلفه، وهم بين جدٍ يورث حفيد، وأخٍ يورث شقيق، فالمقاومة الفلسطينية لا تنتهي، والبندقية الفلسطينية لا تزال مشرعة، ولن تتمكن الإجراءات الإسرائيلية مهما بلغت في قسوتها، من اخماد جذوة المقاومة والصمود لدى الشعب الفلسطيني، ولذا فلا تفرح الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أنها تمكنت من النيل غدراً أو تنسيقاً من بعض النشطاء الفلسطينيين، إذ أن الشعب الفلسطيني سينجب غير الذين ارتقوا، وسيحل مجاهدون كبار مكان الذين اعتقلوا، وقد اعترف قادةٌ إسرائيليون أكثر من مرة، أنهم يعانون من الأجيال الفلسطينية الطالعة، أكثر من الأجيال التي سبقت، وأنهم ما إن يتخلصوا من مقاومٍ فلسطيني، حتى يخرج لهم من بطن الأرض الفلسطينية، مقاومٌ أشد قوة، وأقوى عزماً، وأبلغ فعلاً، وأعند عقلاً، ولهذا فإن القائمة الفلسطينية لن تخلو يوماً، ولن تشغر بحال، لأنها قائمة الشرف والبطولة، ولائحة الخلود والشهادة، وكل الفلسطينيين يتطلعون إليها، ويتمنون أن يكونوا من بين أسماءها اللامعة، ولن تتوقف نجوم الفلسطينيين الأبطال عن السطوع، إلا إذا توقفت أمواج البحار عن مدها وجزرها، أو أن تكون لهم دولة ووطن وعلم، وتتحقق لهم فيها عودةٌ وعزةٌ وكرامة.
أما الذين أشرفوا على تصفير القائمة الأمنية الإسرائيلية، فسهلوا قتل بعضهم، أو اعتقالهم، أو قاموا هم بأنفسهم بالدور الإسرائيلي، فقتلوا واعتقلوا، فإن خزي الخيانة سيلاحقهم، وسيبقى خالداً في صحائف أعمالهم، ولن يتمكنوا يوماً من تبيض صحائفهم إلا بالتوبة والعودة والإنابة، والتخلي عن أدوار الخيانة، والابتعاد عن العمالة الرخيصة الدنيئة المسماة "تنسيقاً أمنياً"، وإلا فإن مطلوبين فلسطينيين آخرين، بمعنى رجالاً أشداء مقاتلين قادمين، سيتشرفون بأن تكون أسماؤهم ضمن قوائم الشرف المطلوبين لإسرائيل، ومنها ومن المتعاونين معها سينتقمون، فلا يفرح الإسرائيليون بلحظةٍ لن تدوم، وليندم الذين ساعدوها على لحظة الانتقام التي ستدوم.
* كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني