نصيحة للسيد عبد الباري عطوان

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

لقد تعودت أن أطالع صباح كل يوم جريدة (القدس العربي) وأقرأ أهم الأحداث وأخبار الوطن العربي والعالم، ثم أعرج على ما تنشره الصحيفة من مقالات، وأهم ما أبدأ قراءته هو رأي السيد عبد الباري عطوان الذي يعبر عنه بقلمه الجريء الذي يحاكي بصدق ما يختلج في نفوس الجماهير العربية المقهورة بفعل أنظمة هبطت عليهم من السماء دون اختيارهم أو إرادتهم.

ولفت انتباهي مقاله الذي كتبه يوم الأول من تشرين الثاني الحالي تحت عنوان (نصيحة إلى الرئيس الأسد) فرحت وأنا أمني النفس بأن يكون عطوان صريحاً مع بشار كصراحته مع باقي الزعماء العرب ويقدم له قائمة نصائح واضحة تدفعه لإعادة رسم السياسة السورية الداخلية والخارجية في مواجهة التحديات التي تتعرض لها سورية لدرئ المخاطر وإفشال المخططات التي تريد الوطن وأهله حكاماً ومحكومين.. فلم أجد في المقال إلا كلاماً باهتاً وضبابياً لم نعتده من السيد عطوان (مع شديد الاعتذار لهذا الوصف)، وكل ما قدمه عطوان من نصيحة للسيد بشار الأسد قوله: (إننا ننصح الرئيس السوري بعدم الذهاب إلى منتجع شرم الشيخ، إذا كان ثمن هذه الزيارة التخلي عن الأجندات العربية، وعلى رأسها دعم المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة).

كنت أتمنى على السيد عبد الباري عطوان أن يضع السيد الرئيس بشار الأسد أمام صورة الحقائق المخزية وما يتعرض له الإنسان السوري من إفقار وإفساد وانتهاك وقمع وملاحقة واعتقال وتغييب في الزنازين والأقبية والسجون والمعتقلات وإبعاد ونفي وتهميش وتهجير، وما يسنه النظام والحزب الشمولي الحاكم من قوانين استئصالية وأحكام جائرة بحق المعارضين وأصحاب الرأي والصحافيين والمدونين والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في حقول المجتمع المدني، وكأن السيد عطوان لم يسمع بالجولان المحتل منذ العام 1967، ولم يسمع بالقانون رقم (49/80) الذي يحكم على كل منتم لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام بأثر رجعي، ولم يسمع بمنع المنقبات من دخول المعاهد والجامعات السورية والتسجيل فيها، ولم يسمع عن إبعاد 1200 منقبة من المدرسات الشرعيات إلى مؤسسات الدولة الأخرى، ولم يسمع عن فصل ستة من أساتذة كلية الشريعة في جامعة دمشق، ولم يسمع عن ملاحقة المتدينين والحرائر وأصحاب الأكف البيضاء المنتسبين إلى دوائر الدولة والجامعات، ولم يسمع بمنع الاعتكاف في المساجد أو الصلاة فيها إلا بأوقات معينة ومحددة، ولم يسمع بمنع الاحتفالات الدينية ومظاهرها سواء في اللباس أو الشعارات أو اللوحات أو ما يدون في المجالس والمحلات العامة من آيات وأحاديث، ولم يسمع باعتقال شيخ الحقوقيين القاضي هيثم المالح وقد تجاوز الثمانين من العمر، ولم يسمع بالمئات الذين مضى على اعتقال بعضهم ما يزيد على ثلاثين سنة دون محاكمة، ولم يسمع بان هناك أكثر من 17 ألف مفقود في السجون السورية منذ العام 1980 ولا يريد النظام أن يعترف بمصيرهم: هل هم في عالم الأحياء أم الأموات!!

أعذرني أخي وصديقي عبد الباري عطوان فإني أكن لك كل احترام، وأعتقد أن ألمي هو ألمك وجرحي هو جرحك، ولأني صديقك أقول: (صديقك من صَدقكْ وليس من صدّقك).

إن الشعارات التي يتبناها النظام في سورية (الصمود والتصدي والممانعة والتحدي) وأن النظام السوري – كما تقول - يقدم الدعم والمساعدة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.. لا تتسق هذه الشعارات وهذه المواقف والحال الذي يعيشه الشعب السوري، وهو من يتجرع مرارة هذا النظام ويعيش سنينه العجاف منذ ما يقرب من نصف قرن، و(كما يقال): (أهل مكة أدرى بشعابها).. فكيف يستطيع نظام أن يتحدى ويمانع ويصمد ويتصدى دون وحدة وطنية حقيقية وقاعدة شعبية متينة تسنده وتدعمه وتؤيده، أفرادها أحرار، بطونهم ملأى، وأجسامهم مكسية، وقاماتهم منتصبة، وهاماتهم مرفوعة.. وكل هذا ليس موجوداً في بلدي سورية، فالرجال فيها عبيد.. قاماتهم مقوسة وكرامتهم مداسة وأمنهم منتهك وحقوقهم مستباحة وبطونهم خاوية وأجسادهم عارية وجيوبهم فارغة، وقديماً قال عنترة: (العبيد لا يجيدون القتال).

أخيراً أستميحك يا صديقي عبد الباري العذر وأتمنى عليك أن لا تفتتن بمثل هذه الشعارات التي ألحقت بنا الكثير من النكبات والنكسات والانكسارات - وقد عشت أنا وأنت بعض حالاتها ووقائعها - على مدى قرن من الزمان ونحن نعيش الذكرى الأليمة لوعد بلفور وندفع فاتورة ما جاء في هذا الوعد صاغرين أذلاء!!