نحن والشيعة

بلال محمود القصاص

بلال محمود القصاص

باحث تاريخي

[email protected]

نعيش حاليا حالة من الكره الشديد للشيعة، بل وبعضنا على الرغم من كونه لا يعرف ما معنى شيعة وسنة إلا أنه يكره الشيعة أكثر مما يكره اليهود، بل إن الفترة الماضية شهدت صراعات فكرية وجدلية واسعة حول الشيعة ومن هم؟، وما صلتنا بهم؟.

ونحن والشيعة تربطنا علاقات ود وتواصل عبر قرون طويلة، نعم مختلفون معهم في المذهب، وفي التفكير إلا أن الخطر الذي يداهمنا وإياهم واحد، وعلينا جميعا أن ننتبه له، فمرة تثار الفتنة بين السنة والشيعة، ومرة بين المسلمين والأقباط في مصر، ومرة بين الدول العربية بعضها البعض من خلال مباراة كرة قدم لا أكثر، ومرة ومرة....إلخ، ومن المستفيد في النهائية؟ الإجابة معلومة وواضحة.

المدهش في الأمر أن موضوع سنة وشيعة لم يثر في عصرنا الحالي إلا بعد عام 2006م وخصوصا بعد حرب لبنان تموز "يوليو" 2006، حيث بدأت الحملات الإعلامية من وقتها ـ أي من بعد انتهاء الحرب ـ  تشن هجوما عنيفا من جانب الشيعة على السنة، وذلك بالرغم من الانتصار الذي حققه حزب الله الشيعي على دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين، ووقوف السنة بجانب حزب الله في تلك الحرب.

إننا إذا نظرنا إلى الموضوع بعين ثاقبة وجدنا أن مسألة الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة لم تثر كثيرا خلال عصور الإسلام المتعاقبة ـ بالرغم من وجود الخلاف المذهبي من وقت مبكر جدا من ظهور الإسلام ـ، فما أثيرت هذه المسألة وإلا وكان الاستعمار هو الفائز الحقيقي من ورائها.

فمثلا كان الصراع على أشده بين المذهبين حتى وصلا إلى الاقتتال في القرن الخامس الهجري مما أضعف من شوكة الإسلام في ذلك الوقت وأدى في النهاية إلى سقوط القدس وبلاد الشام في قبضة الصليبيين، وظل وجودهم في بلاد الشام ما يقرب من مائتي عام، وما أعيدت القدس إلا بعد سقوط الدولة الفاطمية الشيعية في مصر وعودة مصر إلى أحضان المذهب السني والخلافة العباسية في بغداد على يد صلاح الدين الأيوبي.

وقام الصراع مرة أخرى على يد الدولة الصفوية الشيعية في القرنين التاسع والعاشر الهجري، وكان صراعا عنيفا بينها وبين الدولة العثمانية السنية، والذي أدى في النهاية إلى سقوط دولة المماليك في مصر في يد العثمانيين، وقيام العثمانيين بواجب الجهاد ضد البرتغاليين في البحر الأحمر لجعله بحرا إسلاميا خالصا كما كان، وذلك بعد أن سيطرت البرتغال على طرق التجارة الدولية في ذلك الوقت، وذلك بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح.

وساد هدوء نسبي بين الطرفين طويلا إلى أن قامت الدعوة الوهابية والتي حاربت الشيعة بكل ما أوتيت من قوة، بل وحاربت البدع التي ظهرت في المجتمعات الإسلامية في ذلك الوقت، إلا أن المستفيد الأخير من هذه المسألة كان هو الاستعمار، والذي استولى بعد سقوط الدعوة الوهابية على إمارات الساحل وكان له شبه سيطرة على شبه الجزيرة العربية وإيران والمنطقة العربية بأكملها.

وها نحن الآن نعود إلى إثارة المذهبية، فالكثير منا لا يعرف ما الفرق بين السنة والشيعة، حتى أن بعضنا نسي أنه سني المذهب ولا يذكر سوى أنه مسلم، لا أقول من العامة فقط بل ومن المثقفين، مما يثير التساؤل وهو لمصلحة من يثار الآن موضوع السنة والشيعة؟، ولمصلحة من يتم سب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟، ولمصلحة من يتم إثارة الخلافات؟، لا أقول على الفروع ولكن على الأصول، فالاختلاف بيننا وبين الشيعة على أصول لا على فروع، إلا أننا يجب أن نفكر تفكيرا عقلانيا لا عاطفيا، وهو من أشد خطرا علينا، اليهود والدول الأوربية وأمريكا والذين لا يريدون إلا أن يقتل بعضنا بعضا حتى يفوزوا في النهاية، أم الشيعة الذين يسبون الصحابة وأم المؤمنين عائشة، ونشكك في إسلامهم من الأصل؟، مع العلم أن فئة قليلة منهم من تفعل ذلك الآن ـ وقد رأينا استنكار مرشد إيران آية الله خامنئي يستنكر مثل هذه الأمور بل ويحرم قولها ـ  ويقومون بإثارة الفتنة في الأمة، الإجابة واضحة ألا وهم اليهود وأعوانهم من دول الاستعمار الجديد والقديم، لقد نسي الناس موضوع فلسطين وما تعانيه من احتلال غاشم على أرضها ومن ظلم بين من المجتمع الدولي ومن جيرانها.

يجب علينا أن نسارع من أجل تفهيم الناس حقيقة الفتنة التي أثيرت مؤخرا حول الشيعة ومن هم وما علاقتنا بهم؟.

لا أقول نترك من يسبون سلفنا الصالح ونصمت، ولكن لنرد بحكمة وحنكة ولنحاسب مثيري الفتنة، ولا يكون هذا هو شغلنا الشاغل فهذه ليست مهمتنا بل مهمة القائمين بالأمر من العلماء ورجال الدولة، ولننتبه للخطر الأعظم وهو خطر الصهيونية العالمية والتي تهدد المنطقة كلها ونحن والشيعة جزء من هذه المنطقة فالخطر واحد، فلننتهي من الخطر الأكبر، وبعدها ننظر في أمور الخلاف بيننا وبينهم، وعلى علماء الأمة وقادتها ومثقفيها أن يتدخلوا لحسم هذا الخلاف ولتوعية الأمة بالوعي السليم، وبالخطر الحقيقي.

إن كثير منا يتكلم الآن عن الشيعة دون أن يعرف حتى ما مذهبه وهل هو على الصواب أم هم، وقد رأينا بعض الناس يسبون الشيعة، وعندما تسألهم من هي السيدة عائشة يصمتون، أو يقولون إن السيدة عائشة بنت سيدنا عثمان أي جهل هذا؟، فعلام يا أخي تسب وتشتم، وعلام تجادل وأنت لا تعلم شيئا سوى أنك وجدت الناس يسبون فسببت، فوالله إن مثل هؤلاء يكونون فريسة سهلة للإيمان بأفكار الشيعة الضالة، أو فريسة سهلة للتجسس على بلادهم، بل ومن الممكن يصلوا إلى الخروج من الدين والكفر به نهائيا؛ واعتناق دين آخر، فلنراعي أنفسنا، ولننتبه للخطر الأكبر، ولنفكر فيما يجري بيننا من أمور وخلافات، ونعالج الأمور بحكمة أكثر وهذا هو دور المثقفين الواعيين والعلماء المحنكين والقادة المخلصين، وذلك حتى لا نعطي الفرصة للعدو الأكبر أن يستفيد من مثل هذه النزاعات.