بائع الجولان الملتزم
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
ذكرت صحيفة
الحياة اللندنية الصادرة الأربعاء 23
تموز/ يوليو 2008أن وكيل الأمين العام للشؤون السياسية في الأمم المتحدة لين باسكو
أبلغ مجلس الأمن أن " الوضع في الجولان السوري المحتل بقي هادئاً على رغم استمرار
نشاطات الاستيطان الاسرائيلي هناك خلال الفترة الأخيرة "
مرحى للنظام
السوري الممانع الذي حافظ على العهود والمواثيق التي قدمها لسيده الإسرائيلي حين
سلمه الجولان هدية رخيصة عام سبعة وستين وتسع مئة وألف ، فأخلى الجيش السوري من
مرتفعات الجولان قبل دخول الإسرائيليين بثمان وأربعين ساعة .
ومرحى
للنظام السوري حين قدم للإسرائيليين باقي المرتفعات في الجولان " ثماني وعشرين قرية
" عام ثلاثة وسبعين وتسع مئة وألف ، وقد أمر بالانسحاب من مرتفعات الجولان في اليوم
السادس من المعركة ، وبدأ أصحاب التيجان والنجوم الكثيفة الانسحاب عشوائياً دون أن
يخبروا سراياهم وكتائبهم المسكينة بالانسحاب المنظم كي يرى الجنود أنفسهم وجهاً
لوجه أمام الجيش الإسرائيلي ، وليس معهم ضباطهم ، فيتركون كل شيء وينسحبون بدورهم
هائمين عل وجوههم إلى مشارف دمشق . ولولا الجيش العراقي الذي تصدى بقوة وعنفوان
فرد الجيش الإسرائيلي لسبقنا اليهود إلى دمشق .
يقول لي
العقيد في ذلك الوقت قائد مدفعية اللواء ثمانية وستين بعد حرب تشرين التي خسرنا
فيها تلك القرى بخيانة القادة العظام ! : إن قائد اللواء اطلع على ملفك في الحفاظ
على السرية ويطلب إليك أن تتطوع في الجيش ، فأجيبه : آسف كل الأسف يا سيادة العقيد
. قال ولماذا قلت له إن أجبت عن سؤالين أطرحهما عليك فقد أتطوّع . قال : ماهما ؟
قلت : يحرص الضباط المتطوعون على التزام أوامر القائد ولوكانت خاطئة كي يستمر
ترفيعهم إلى الرتب العليا دون إبطاء ، أليس الأمر كذلك قال : بلى ، ولكنك لم تسألني
السؤال الأول . قلت له : هاكه يا سيادة العقيد ، فإن رفضت بعض أوامرك لاعتقادي
أنها خاطئة فهل تناقشني وتعترف بالخطأ وتكتب بحقي ما يؤهلني للارتقاء ؟ قال : لا ،
فالضابط ينبغي أن يقول : حاضر يا سيدي . قلت إذاً فسأبقى برتبتي التي أعيـّن بها ،
ولا أتعدّاها ، وهذا لا يناسبني . أفهمت سيدي العقيد؟ ، ثم أردفت قائلاً : لقد
علمنا بانسحابك من أرض المعركة في العاشرة صباح ذلك اليوم المشؤوم ، وفي الثانية
بعد الظهر لم أر بداً من الانسحاب لأني رأيت جنود بعض القطعات تنسحب فلما سألتهم ،
أشار أحدهم إلى دبابة إسرائيلية تتجه نحوي وأنا في المرصد ، وكدت وسريتي نقع أسرى –
ونحن حوالي سبعين رجلاً - بيد الإسرائيليين لولا أنني تفاديت ذلك ، وتراجعت بهم
للشرق . فلماذا انسحبت دون أن تخبرنا ؟ قال : بوقاحة : إن أمرتكم بالانسحاب ، ثم
سُئلتم بعد فترة : من أمركم بذلك؟ فستشير إليّ بإصبعك متهماً . حين ذاك انتفضت
وصرخت بوجهه : أنْ يؤسر سبعون من عساكرك أو يُقتلوا خير لك من أن تأمرهم بالإنسحاب
، كي لا تُسأل . سكت ولم يحر جواباً . قلت له بصوت هادئ : أنا أحتقرك أيها العقيد ،
ولا أرضى العمل تحت إمرة أمثالك . أفهمت أيها البطل لماذا أرفض التطوع في الجيش؟
قال : أمنعك ن تخاطبني بهذا الأسلوب . قلت له : أنا أحتقرك أيها العقيد . هل فهمت
؟ . قل هذا الكلام لقائد اللواء إن كنت رجلاً ، وخرجت من غرفته مسرعاً .
لاأدري لمَ
أسوق هذه القصة التي مضى عليها خمسة وثلاثون عاماً سوى أنني تألمت حين قرأت الخبر
في صحيفة الحياة اللندنية ، فانظام السوري الثوري باع الجولان منذ أكثر من أربعين
سنة . فلماذا يحرك الجولان ، ولماذا يطالب بها وقد باعها مفروشة ؟ .
لقد استوطن
فيها اليهود بعد أن اشتروها من والد قائد نظام الممانعة ، واستراحوا فيها ، وصدرت
الأوامر من بائعها أن يعتقل كل فدائي يطلق رصاصة من الجولان على اليهود . فاعترف
الإسرائيليون مرات كثيرة بالهدوء المطلق والحياة الراغدة في الجولان المحتل .
وبناء على
ذلك وقفت إسرائيل بقوة أمام الإدارة الأمريكية تطالبها بالحفاظ على النظام السوري
الملتزم بأمنها . بل أمرت ساركوزي الرئيس الفرنسي الذي نجح بدعم أصوات اليهود في
فرنسا حين تعهد لهم أن يمد لهم يد العون والصداقة ، ووفى بوعده حين زار إسرائيل
أوائل شهر حزيران من هذا العام ، ووعد بأن يغير سياسته المتشددة للنظام السوري ،
وعاد إلى فرنسا ودعا بشاراً إلى فتح صفحة جديدة ، ( ويا دار ما دخلك شر )
هذا ما
تريده إسرائيل لعميلها الممانع ، بطل الصمود والتصدي في أعين بعض الأغبياء العميان
الذين لا يفقهون ، ولا يدرون أنهم صاروا أدوات بيد بشار ونظام بشار . فمتى تنقشع
الغشاوة عن قلوبهم قبل عيونهم ؟! اللهم اهد قومي ، فإنهم لا يعلمون .