الضربة التي ستوجه إلى إيران
لن تكون إلى درجة كسر العظم
محمد فاروق الإمام
جون بولتون سفير الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة السيئ السمعة وأحد كبار المسيحيين المتصهينين في الإدارة الأمريكية السابقة، والذي كان له باع طويل في توريط أمريكا في حربها على العراق وغزوه واحتلاله عام 2003، هذا الرجل لا يزال كالأفعى ينشر سمومه في المنطقة محرضاً الدولة العبرية على التعجيل بضرب إيران وإعادة إضرام النار فيها بعد أن تحقق ما كان يريد في العراق من جعله رقعة شطرنج ممزقة يأكل أهله بعضه بعضا.
جون بولتون أدلى بتصريحه هذا لقناة (فوكس بزنس نتوورك) كما نشرت جريدة القدس العربي يوم 18 آب الحالي والذي جاء فيه: إن أمام إسرائيل ثمانية أيام لتوجيه ضربة عسكرية لمحطة بوشهر النووية (جنوب إيران) وإلا يكون قد فات الأوان لضرب هذا المفاعل بدون التسبب في تلوث إشعاعي، محذراً الدولة العبرية إلى أنه سيكون حينها قد فات الأوان أمامها لشن أي هجوم عسكري على المنشأة، لأن ذلك سيتسبب في نشر إشعاعات تطال المدنيين. وأضاف بولتون و(بالتالي فإنه إذا أرادت إسرائيل المبادرة بأي خطوة ضد بوشهر فعليها القيام بها خلال الثمانية أيام المقبلة)، وسواء كان بلتون يقصد في تحريضه حقيقة إسرائيل أو الولايات المتحدة ضمناً فالأمر سيان.
ما يجري في المنطقة من تسارع للأحداث: الخروج الأمريكي السريع من العراق، وإلهاء العرب بالمحادثات المباشرة العقيمة بين الفلسطينيين والدولة العبرية، مؤشر إلى أن هناك ضربة ستوجه إلى إيران، سواء كانت تلك الضربة موجهة مباشرة من القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة، أو من الدولة العبرية منفردة تحت غطاء أمريكي لوجستي ومخابراتي، أو بالاشتراك والتنسيق بين القوتين الأمريكية والصهيونية.
أما عن حجم هذه الضربة فأعتقد أنها ستكون ضربة محدودة ولن تكون في حال من الأحوال لدرجة كسر العظم، فالولايات المتحدة والدولة العبرية بحاجة لإيران الخمينية (الفزاعة) لدول المنطقة العربية والإسلامية بما تبثه من عقائد باطلة ومنحرفة، هي أمضى مما تملكه كل من الدولة العبرية وأمريكا من أسلحة في تمزيق الصف العربي والإسلامي، وخاصة دول الخليج العربي حتى تبقى هذه الدول في الحضن الأمريكي الدافئ طالما أن هذه الدول لا تزال تعوم على بحيرة النفط إلى أن تجف النقطة الأخيرة من مخزونها الحيوي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية على المدى المنظور، وإبقاء حال العرب على ما هو عليه من تشرذم وصراعات وحروب داخلية، يمنعهم من الالتفات إلى الدولة العبرية وظهرهم مكشوف لإيران التي جعلت منها أمريكا الدولة العدوة الأولى للعرب بعد أن تخلت عن الشاه الذي أخفق في دوره كشرطي للمنطقة، وسهلت للخميني العودة إلى إيران بكل إرثه الكهنوتي الفارسي الحاقد على العرب والمسلمين، واختبرته عند دخولها إلى أفغانستان ثم العراق فنجح أي نجح في تسهيل دخولها بأقل الخسائر وبأسرع وقت، وهذا النجاح جعل البيت الأبيض والبنتاغون يعترف بأنه لولا إيران لما تمكنت الجيوش الغازية الأمريكية من دخول أفغانستان والعراق. عند ذلك فإن الدولة العبرية ستنفذ مخططاتها في فلسطين وتستكمل استيلاءها على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة وطرد الفلسطينيين من أرضهم كما فعلت عام 1948 دون ممانعة أو صعاب تذكر، وَتُدخل المنطقة في أجواء جديدة من واقع جديد لا يجد العرب أنفسهم معتدلون وممانعون إلا ومسلّمون بهذا الواقع، مهما تعالت من هنا وهناك من صيحات الغضب والاستنكار والتنديد، الذي قد تشارك به الولايات المتحدة والدول الأوروبية وبعض الدول الأخرى، كما جرت عليه العادة.