دولة الرأسين
دولة الرأسين
وحتمية زوال أحدهما
ومروق حسن نصر الله في خطابه عن ولاية الفقيه
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
مما لاشكّ فيه أنّ العبث الذي حصل في بيروت ، ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي ، واقتحام مناطق السُنّة ومؤسساتهم الآمنة والمُسالمة ، ومُحاولة اقتحام مناطق الدروز التي باءت بالفشل ، لزرع الفتنة الطائفية من جديد بين هاتين المجموعتين والمارون ، ليستفيد منها متطرفي الشيعة وليست الطائفة التي تتضرر من مثل هكذا أعمال وتنبذها، والتي كان وراءها بحسب الدلائل النظام السوري وليس الإيراني ، تماماً كما كان لهذا النظام سابقة فيما مضى على زمن الدكتاتور حافظ أسد ، عندما أشعل الحرب الأهلية بين المسلمين والمسيحيين ، ليستفيد منها نظامه والمُتطرفين من بعض الطوائف الذين سحقهم فيما بعد وأبقى على حزب الله وحيداً مُسلّحاً يعمل إلى جانبه ، في تنفيذ جرائمه على أرض لبنان وإكمال احتلاله ، وتجنيد ما يمكن تجنيده من العصابات خدمة لمشروعه في السيطرة عليه والتحكم
ومثله فعل بشّار الابن بعده ، عبر الأداة حزب الله وبعض المنظمات الإرهابية ، مُستفيداً من التقارب الإيراني معه ، لكن الأحداث الأخيرة واجتياح بيروت جرت برأي المُطلعين بالأمور بعيداً عن موافقة طهران ، التي لا تسعى حالياً إلى تأجيج الأمور في هذا البلد ، لكي لا يحتد الخلاف الطائفي ويذهب الصراع المذهبي بعيداً عمّا يُريدون، ليس عن طيب خاطرٍ منها أو عن كرم أخلاق ،بل لأنها لو فعلت ذلك ، فإنها ستُذهب الكثير من المكاسب التي حققتها خلال الفترة الماضية ، وتوسعها في المنطقة العربية ، مما سيفتح العيون عليها وعلى أتباعها وأدواتها ، وهذا بالفعل ما أحدثه اجتياح حزب الله لبيروت ، الذي خسر الكثير أيضاً من مكاسبه وسمعته السياسية التي صارت بالحضيض ، بفضل تورطه للمرّة الثانية بتنفيذه لأوامر أسياده في دمشق بعد تورطه بمغامرة تمّوز ، دون استشارة أسياده في ولاية الفقيه ، مما أثّر على مُخططات آيات قم سلباً في المنطقة ، وبالتالي نفاذ صبرهم منه ومن دمشق ، اللذان تآمرا على قتل عماد مُغنية الذي كان بديلاً مُحتملاً لقيادة حزب الله بدلاً عن حسن نصر الله
وبالتالي فإن طهران كانت الأحرص على إنجاح الُهدنة التي عُقدت في قطر ، من خلال اتصالاتها المباشرة المتكررة وخاصةً في الساعات الأخيرة ، والضاغطة على حزب الله لإجباره قسراً القبول بها والتوقيع عليها، رغم تلقي هذا الحزب التوبيخ من نظام دمشق والتي أغضبت عون الذي لم يكن أمامه من خيار إلاّ الرضوخ في نهاية المطاف للأمر الواقع ، وهذا ما سبب له إحباطاً نفسياً ليُضاف الى الإحباط المعنوي المُصاب به في الأساس من خلال فُقدانه الدعم الشعبي المسيحي وسحب البساط من تحت أرجله ، ولكنه قرر المُضي في العملية التوافقية الهشّة التي نتمنى لها النجاح والثبات ، كي لا ينفضح أمره ، ويظهر أمام الرأي العام بأنه هو المُحبّط والمُعرقل للاتفاقات
وبناءاً على ما ذكرت فإننا نرى بأنّ حزب الله قد أُجبر وأُرغم على التوقيع ، بما أمره به سيده في إيران ، كي لا تفقد طهران قطر الحليف الوحيد في المنطقة من دون دمشق، والتي أمهلت المُجتمعين المُماطلين ساعات وهددتهم بكشف الأُمور كاملة ، ولكي لا يتفجّر الصراع الخاسر الذي يُريده حسن نصر الله ، فتكثّفت الاتصالات وخاصةً في الساعات الأخيرة حتّى كان التوقيع كمن يتجرّع السُم ، والذي حققت من وراءه الموالاة على جُلّ طلباتهم ، ومنها انتخاب الرئيس ، وقانون الانتخابات الذي طالبت به منذ زمن طويل ، وكذلك وضع سلاح حزب الله على الطاولة ، الذي أعلن نائب أمينه العام بشكل مُفاجئ اليوم الشيخ نعيم قاسم المُتشدد ، والأكثر ولاءاً لطهران بقوله : "نحن حاضرون للتفاوض على موضوع دور المقاومة وسلاح المقاومة " وهذا يعني السير في عكس اتجاه حسن نصر الله ، الذي أراد إفراغ الاتفاق من مضمونه ،في تحدّ خفي للأسياد في طهران ،عندما رفع وتيرة خطابه المُستفذ في ذكرى تحرير الأرض ، والذي ذهب ضحيته في هجوم وتعدٍ سافر 17 جريح على مسمع ومرأى الجيش ، و13 آخرين في عموم لبنان ،ثُمّ أعلن الولاء والجُندية في صفوف ولاية الفقيه في خطوةٍ خفيّة، عساه ينجح في اختراق القرار الإيراني بتخديرهم بهذه الكلمات ، التي اعتبروها وخطابه مُروقاً وخروجاً عن إرادتهم ، وتوريطاً علنياً أكبر في الشأن اللبناني وكشف تدخلاتهم ، وامتثالاً أكبر لأوامر النظام السوري ؛ مما حدا بنائبه قاسم لإعادة الأمور لاتجاهها الذي رُسم في طهران ، والتي أراد أعاقتها حسن نصر الله
وهي خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح ؛ الذي نتمنى فيه أن تتغلب الفئة العاقلة على الفئة الموتورة ، ليُحافظ هذا الحزب على تاريخه ومُنجزاته وينخرط في المجتمع اللبناني ، كمكونٍ من مُكوناته الأساسية ، وليس خارج عنه ، لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح ، ولا يمكن أن تستمر سلطة الرأسين ، ولا شك بأن الدولة هي الأقوى ، وهي الأبقى ،والدويلة وإن تغلبت لبعض من الوقت بعامل السلاح ؛ لكنها لن تستمر لأنها ستكون مرفوضة من مُحيطها ومن العالم أجمع ، وبالتالي ليس أمامها من خيار إلا أن تُذيب نفسها في المُجتمع وتلعب لعبة السياسة والحكمة والنظرة البعيدة المدى ، وهذا ما يرفضه حسن نصر الله ، الذي لربما نشهد انقلابا قريباً عليه من حزبه ، أو نشهد اغتيال منافس كمغنية.