هيثم المالح
شركاء في التّهَم.. شركاء في الجريمة
الأستاذ هيثم المالح
نوال السباعي
" إضعاف الروح الوطنية" .. "نشر أخبار كاذبة" .. "وهن نفسية الأمة" .. "إضعاف الشعور القومي" .. "دسّ الدسائس لدى دولة معادية".."ذم القضاء".. "إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية".."تشكيل حلقات نقاش شبابية".."تحقير الرئيس" !! ، هذه بعض التّهم التي وجهت إلى المحامي والقاضي والناشط الاجتماعي والحقوقي السوري الكبير "هيثم المالح" – الرجل الأمة- ، وآخرين من المناضلين بالكلمة والموقف من النساء والرجال ، شيبا وشباب ، من طلائع المجتمع السوري ، الذين اعتقلوا وقدم بعضهم إلى محاكمات في.. محاكم "أمن الدولة"! ، و"محاكم عسكرية"!! ، لتخرج علينا هذه المحاكم بأحكام "تاريخية"! ، تليق بهذه "التّهم التاريخية"! ، التي لايخرج عن التلبس بها أي سوري أعرفه ، من أي انتماء أو دين أو عرق أو ثقافة أو مستوى اقتصادي!!، داخل سورية أو في أي مكان على وجه الأرض حيث امتدت مهاجر السوريين – فضلاعن الأشقاء العرب من مختلف الدول العربية ، والأصدقاء من مختلف دول العالم - ، لايوجد سوري غير متلبس بهذه التّهم، ماعدا "دسّ الدسائس لدى دولة أجنبية" -إذ لم تصل معرفتي بالناس إلى درجة التواصل مع الجواسيس والخونة- !!!، وكذلك تهمة .. إنشاء "حلقات النقاش الشبابية" ، التي تعتبر اليوم واحدة من أرقى وسائل تطوير الفكر والثقافة في المحافل الأكاديمية العالمية.
كلنا نسبّ المسؤولين ونتندر بحكاياتهم ، كلنا نتناقل "النكت" والأخبار والآراء السياسية الخاصة بأداء حكوماتنا وأزلامها !، كلنا نسخر من الشعارات التي ترفعها ، وفراغها من المصداقية والمضمون والنزاهة ، كلنا .. نستخدم عبارات الممثل السوري الرائد "دريد لحام" في مسرحياته – سارية المفعول الثقافي بعد أربعين سنة- لتوصيف واقعنا المؤلم ، كلنا ..نسخر من التطبيل والتزمير بالانتماآت الوطنية والقومية في زمن سقطت فيه أوراق التوت عن عورات الأنظمة العربية -خاصة بعد غزو العراق -، والسوريون على وجه الخصوص .. ممزقون عاطفيا بين إعجابهم برئيسهم بشار الأسد ومواقفه القومية ، وخيبة أملهم المريرة داخليا ، حيث يُسحق المواطن بين عجلتي الاستبداد السياسي والعفن الاجتماعي.
كلنا ..متلبس بهذه التّهم "الجنائية العظمى" التي لم تستح المحاكم "العسكرية" ولامحاكم "أمن الدولة" من النظر فيها ، ولا من إصدار أحكام تعتبر وصمة عار في جبين سورية حكومة وشعبا ضدّ ممثلي الشعب الحقيقيين ، الذين امتلكوا من الشجاعة والصدق مامكنهم من الوقوف في وجه فساد الأجهزة العجوز المتسرطنة ، التي ماتزال تخبط خبط عشواء عمياء حاقدة في ملاحقة الأحرار الذين لم تأخذهم في "قول" كلمة الحق لومة لائم .. ولكنهم وعلى الرغم من ذلك لم يُخطئوا الطريق ، ولم يستدعوا صوت الدم ، ولم يحملوا أو يدعوا لحمل السلاح ، ولم يدعوا لتغيير نظام حكم! ، ولم يعملوا للوصول إلى السلطة! ، ولم يخوضوا معارك خطأ لافي الزمان ولافي المكان ، كما فعل غيرهم من قبل فهلكت البلاد وأُنهك العباد بين جنون الثورات وانتقام السلطات!.
ماذا تركت محاكم أمن الدولة والمحاكم العسكرية إذن لمُعلني الانقلابات؟! ، وأصحاب التكفير والتفجيرات الذين بُحت أصواتنا ونحن نطلب منهم – إن ألقوا السمع- مراجعة فكرهم وأساليبهم في التعامل مع الواقع العربي البئيس ؟ كيف يمكن بعد الآن لذلك الشباب أن يصدق أن الأساليب السلمية يمكنها أن تُحدث علامة فارقة في حياة هذه المنطقة الموبوءة بالظلم؟!.
تتصل بي دائما سيدات سوريات من داخل سورية و خارجها يشتكين الظلم المضاعف الواقع عليهن من الأزواج والمجتمع ، ظلم يبلغ حد انعدام النصير من أهل أو أصدقاء أو شخصيات إسلامية أومؤسسات المجتمع ، ويجعل النساء خاصة "المتدينات " منهن في مواجهة أسوار اليأس والانهيار ، وأحيانا التفكير بالانتحار ، ولم أجد أمامي في الآونة الأخيرة إلا أن أطلب إلى بعضهن أن يتوجهن برسالة إلى رئيس الجمهورية شخصيا ليُنصفهن من هذا الظلم الفادح الذي تعاني منه معظم نساء سورية بصمت وصبر منقطعي النظير ، لايضاهيهما إلا صبر الشعب على أذى أجهزة نزع الأمن ، وصمته على هذه الانتهاكات الخطيرة التي تجري بين جنبيه وهو خائف يتلفت ! لقد كانت قناعتي ومازالت بأن الرئيس السوري بما عُرف عنه سيقوم برفع الظلم عن هؤلاء النسوة فور اطلاعه على أوضاعهن! ، ولكن هل تصل مثل هذه الرسائل والحالات إلى الرئيس السوري ؟ أم أن أجهزة نزع الأمن السورية تسد الأبواب وترفع الأسوار ؟ ماهي حقيقة صلة الرئيس بقضايا الشعب ومسؤوليته عما يجري مع هذا الشعب سياسيا واجتماعيا ؟!.
هؤلاء السيدات السوريات ، لاتختلف شكواهن ومحنتهن مع مجتمعهن وأسرهن ،عن محن هؤلاء الرجال والنساء الشجعان مع أجهزة الأمن والمخابرات الأخطبوطية التي تعيش في القرن الواحد والعشرين عقلية القرون الوسطى ومحاكم التفتيش الأوربية ، تلاحق المواطن على الكلمة والفكرة والموقف ، وتنكل بالقيادات التي أقامت ولم ترحل أو تُرَحَل ، ثبتت في وجه العاصفة لأنها تؤمن بالوطن وتؤمن بالإنسان ، اختارت طريق المعارضة السلمية في موطنها وبين ناسها وأهلها للتغيير في محاولة حقيقية جديرة بالاحترام .
لقد اختلط السياسي بالاجتماعي في حياة الشعب السوري كما في حياة غيره من شعوب المنطقة إلى درجة جعلت الجميع شركاء في تهمة القول ، كما شركاء في جريمة الصمت عن الفعل.
لاأجد كثير اختلاف بين القضيتين والموضوعين !، كلاهما قضية ظلم وجور، هؤلاء السيدات يمثلن معاناة شريحة واسعة من النساء والأطفال في سورية ممن لاينالون دعما من مجتمع متفسخ مشوه القيم لايجد فيه الضعيف يداً حانية تمتد للنصرة ولاحتى أُذن عدل تستمع إلى الشكوى ، كذلك "هيثم المالح" يمثل بدوره وضع شريحة من الشعب السوري ، ممن يرفضون النفاق والمداهنة ، والسكوت عن الفساد في بلد التصدي والتحدي ، الذي يعتبر نفسه ويعتبره العرب خط المواجهة الأخير مع العدو الصهيوني ، ولعل جريمة "هيثم المالح" بلغت أقصى مدى في الضرب على وتر الدور بالغ السلبية الذي تلعبه أجهزة نزع الأمن في بلد يمتاز بمواقفه القومية، وهذا مايجعلني أستهجن وأرفض أن تتدخل الدول الغربية في هذه المسألة !!، "هيثم المالح" في غنى عن مثل هذه الأصوات تنادي بحريته ، في محاولة قذرة منها لانتهاز الفرصة للغمز من الموقف السوري في محافل السياسة الدولية وفي مواجهة "اسرائيل" ، وكنا نود لو أن هذه الدول الغربية وقبل أن توزع على الآخرين الدروس والمواعظ في مجال حقوق الإنسان ، أن تلتفت إلى مجتمعاتها لترى الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ، حيث لايرقى احترام المهاجرين فيها إلى مستوى احترامها لحقوق الحيوانات!!، وماتهبهم إياه الدساتير والديمقراطية ينتهكه مجتمع تسيره وسائل الإعلام بالتشويه والأباطيل.
إن محنة "هيثم المالح" ليست محنة نظام لايحسن قراءة التاريخ ، ولايعرف التعامل مع الأحرار والرجال والواقع والمستقبل فحسب ، ولكنها محنة شعب التبس في مفاهيمه الحق بالباطل ، بل هي محنة منطقة كاملة ، سوريا ليست فيها إلا جزءا من منظومة سياسية اجتماعية قائمة على الظلم السياسي و الاجتماعي ، يتم انتهاك حقوق الإنسان فيها باسم قضاياها الكبرى ، وقد نسي حكامها أن محاربة الأعداء لاتكون بجيش من الأعداء ، ولا بقوافل من السجناء الأبرياء ، ولا بتكميم الأفواه ، وكسر إرادة الحياة والحرية!.
مع أصوات أحرار هذا الوطن نطالب بإيقاف هذه المهزلة- الفضيحة ، بحق "هيثم المالح" وإخوانه وأخواته من رجال ونساء الشرف والشجاعة والمحنة، كما بحق هذه الأمة التي تستحق شيئا من الحرية وشيئا من الكرامة وشيئا من الاحترام من قبل حكامها قبل أن لاينفع قول ولارأي في مواجهة طوفان أعمى أصم قادم لامحالة!.
الجزيرة نت