بين حصار مدينة الثورة وحصار مدينة الاعظمية

تباين المواقف يعري بشاعة العملاء.

عبد الله الفقير

بعد يوم واحد من "غزوة الاعظمية" التي اثبتت مدى قوة التنظيمات الجهادية في العراق ومدى خوار وضعف القوات الامنية التابعة لحكومة العملاء ومعها قوات الصحوة التي تقول الاخبار بانهم "تبخروا" بمجرد ان رأوا "الرايات السود" ترفع فوق جثث الحرس الوطني !,

بعد يوم واحد من تلك الغزوة التي قتل على اثرها تسعة عناصر امنية حسب التصريحات الحكومية, انفجرت يوم الجمعة عبوة ناسفة في مركبة عسكرية تابعة للجيش العراقي الحالي في ناحية "الرشيد" ادت الى جرح ومقتل ما يزيد عن العشرة عناصر.

رغم ذلك لم نسمع ان المالكي قد امر باغلاق منطقة "الرشيد" وشن حملة اعتقالات تشمل القانع والمعتر,كما لم نسمع بفرض حضر التجوال على تلك المنطقة ذات الاغلبية الشيعية رغم ان عدد الاصابات مقارب نسبيا لعدد من قتل في غزوة الاعظمية!!!.

عندما تعرض وزير التخطيط الحالي "علي بابان" الى محاولة اغتيال قبل اشهر في منطقة الكرادة الخاضعة لسيطرة المجلس الاعلى واتباعه ,لم نسمع من يقوم بفرض حصار مشدد على الكرادة ,كما لم نسمع بان هنالك حملة اعتقالات شنت على ساكنيه!!,بل سمعنا بعد تلك العملية ان علي بابان هو من سارع الى الاعتذار الى الشيعة واعلن موافقته على تاجيل اجراء التعداد السكاني نزولا عند رغبتهم!!.

وقبل سنة تعرض طارق الهاشمي"نائب" رئيس الجمهورية (شكبر اسمة!!) الى محاولة اغتيال في مدينة الثورة عند تفقده لبعض المرضى الراقدين في احدى مستشفيات المدينة,لم نسمع ان عملية دهم وتفتيش شنت على تلك المدينة,كما لم نسمع من يفرض عليها حصارا ولو لساعة واحدة,كما لم نسمع باعتقال ولا "عصفور" واحد من عصافير مقتدى المنتشرة في تلك المدينة!!!.

بل وفوق هذا وذاك,

  وبعد ان قامت عناصر ميليشياوية باختطاف اكثر من مائة استاذ جامعي من مبنى تابع لوزارة التعليم,وبعد ان اثبتت جميع الادلة وافادات الشهود بان الخاطفين دخلوا بهم الى مدينة الثورة,لم نسمع من يشن حملة للبحث عنهم,مثلما لم نسمع عن اعتقال أي من الخاطفين رغم مرور ما يزيد على الاربع سنوات على تلك الحادثة!!.

هل كان تسعة من كلاب الحرس الوطني أغلى في نظر المالكي من مائة من اساتذة الجامعات؟؟,

ام كان احتراق جثث بعض اولئك الجنود بسبب استخدام القنابل الحارقة في الهجوم اكثر ايلاما لقلب المالكي "الرقيق" من تثقيب اجساد اولئك الاساتذة بالمثاقب الكهربائية وتنقيعهم باحواض التيزاب؟؟.

هل سيأمر المالكي بالقاء القبض على الفٍ من سكان مدينة الثورة وتنقيعهم بالتيزاب كعقوبة لقيام عناصر من تلك المدينة باختطاف اولئك الاساتذة وتعذيبهم بالتيزاب,مثلما سمعنا بان المالكي امر باعتقال تسعين شخصا من اهالي الاعظمية وحرقهم عقوبة لمقتل كلاب الحرس الوطني واحتراق جثثهم ؟؟؟,

ام ان اهالي مدينة الثورة "مقدسين" وهم فوق الشبهات,

واهالي الاعظمية "مجرمين" يستحقون التثقيب حتى تثبت براءتهم ؟؟؟.

حصار مدينة الثورة وموقف المالكي منه:

في سنة 2008 قامت عناصر من جيش المهدي والميليشيات المؤتلفة معه بتمثيل مسرحية اختطاف الجندي الامريكي من اصل عراقي "احمد الطائي" ابن شقيقة "انتفاض قنبر "احد عملاء الامريكان ورفيق العميل احمد الجلبي فيما يسمى بالمؤتمر الوطني,

على اثر ذلك الاختطاف فرضت القوات الامريكية  حصارا على مدينة الثورة لعلمها بان المختطف تم نقله الى هناك,لم يستمر الحصار سوى ايام معدودة,ورغم انه لم يكن خانقا وان حركة السيارات من والى المدينة كانت مستمرة,( الحصار لم يكن يعني منع الدخول والخروج من المدينة وانما شمل عملية تفتيش الداخلين والخارجين منها فقط,مما يعني تاخر الخروج والدخول ليس الا!),

الا اننا ورغم ذلك وجدنا جميع وسائل الاعلام الشيعية وغير الشيعية تستنفر كل طاقاتها للوقوف مع تلك المدينة في حصارها "اللطيف"!!,

بل وجدنا قنوات كالجزيرة والعربية والعالم الايرانية فضلا عن القنوات العراقية كالعراقية الرسمية فضلا عن قنوات الاحزاب السياسية تخصص ساعات كاملة لنقل معانات اهالي المدينة "الجائر"!!.

هذا من جانب وسائل الاعلام,

اما من جانب الاحزاب السياسية,

فقد وجدنا جميع عملاء العملية السياسية وبمختلف بدلاتهم  وعمائمهم تندد وتزمجر وتدعوا الى رفع ذلك الحصار "فورا" عن ابناء تلك المدينة "المقدسة" و"المظلومة"!!,

وبعد ان قام بعض "زعاطيط" مقتدى في البرلمانيين باقامة "سرادق" (خيمة) للاعتصام امام بوابة المدينة مطالبين برفع الحصار عنها,وجدنا بعض "قشامر" اهل السنة من اتباع الحزب الاسلامي وجبهة التوافق معهم "الاحمق" صالح المطلك يندد بذلك الحصار ويطالب برفعه فورا عن المدينة ورفض مداهمة وتفتيش بيوتها رغم علمه بان اغلب بيوت مدينة الثورة كانت عبارة عن اوكار للخطف ومقرات لتعذيب اهل السنة, و"السدة" ما زالت تشهد على الجثث التي كانت تلقى عليها وخلفها !!!.

لم يتوقف الامرعند هذا الحد ,

فقد قام  نوري المالكي شخصيا بالطلب من القوات الامريكية برفع الحصار عن مدينة الثورة فورا,خصوصا بعد اقترابها من اكتشاف ملاجيء التعذيب والتي كادت ان تفضح الكثير من خبايا تلك العصابات الاجرامية وارتباطاتها بالمالكي شخصيا ,حيث طلب المالكي بخطاب رسمي من القوات الامريكية رفع الحصار عن مدينة الثورة واعادة كل شيء كما كان ,ولتعود عمليات الخطف والقتل سيرتها الاولى, ولتعود ظاهرة جثث اهل السنة لتطفوا على شاشات وسائل الاعلام !!!!.

الغريب

ان القوات الامريكية استجابت الى طلب عميلها و"بسطالها" في العراق نوري المالكي ليس احتراما لـ"بسطالها" ذاك,وانما لانها اكتشفت بان عملية الاختطاف لم تكن حقيقية,وانها كانت مسرحية دبرها جيش المهدي مع ذلك الجندي لابتزاز القوات الامريكية والمطالبة باطلاق سراح بعض مجرمي تلك الميليشيا الذين اعتقلتهم القوات الامريكية, وزلهذا لم تعد تعير بالا لذلك المخطوف ولا لمصيره !!.

اهم ما يمكن ان نلتقطه من تداعيات ذلك الحصار هو:

اولا استنفار شيعي شعبي واعلامي وسياسي وحزبي واسع وكبير من اجل رفع ذلك الحصار.

ثانيا وقوف قشامر اهل السنة وعملاء العملية السياسية مع اهالي مدينة الصدر مطالبين برفع الحصار عنها!!.

ثالثا مطالبة المالكي رسميا برفع الحصار عن تلك المنطقة.

رابعا استجابة الامريكان السريعة لطلب المالكي رغم عدم عثورهم على ذلك الجندي!!.

مقارنة مع حصار الاعظمية الحالي:

الان تعالوا لنقارن كل ذلك بما جرى ويجري في مدينة الاعظمية الابية,

فمع ان الجميع يعلم جيدا بان من قام بـ"غزوة الاعظمية" ليسوا من اهل الاعظمية,اوعلى الاقل ليسوا من سكنتها الحاليين,ليس لان الاعظمية خلت من مجاهديها,وحاشاها, وانما لانه ليس هنالك من يقوم بمثل هذه العملية ثم يبقى في المدينة وهو يعلم بان العملاء سوف يقومون باغلاق المنطقة وشن حملات اعتقالات بحثا عمن قام بها,كما ان ما نشرته الشرقية اليوم عن قيام القوات الامريكية بتسليم شريط مصور سجلته مناطيدها يظهر قدوم المسلحين من خارج المدينة,

يكفي للدلالة على ان المنفذين لم يكونوا من اهل المدينة.

ومع تيقن المالكي وجمع كلابه بان المسلحين لم يكونوا من الاعظمية خصوصا مع سيطرة عملاء الصحوات عليها ومع تسليم الامريكان لهم ذلك الشريط , لكن ورغم  ذلك فقد شن المالكي هجوم "المخانيث" عليها (ما يقوم به المالكي ضد الاعظمية ليس سوى"ولّية مخانيث" على مجموعة من الابرياء ليس الا !!),ليس بحثا عمن قام بتلك العملية الشجاعة والمزلزلة ,وانما لانزال العقوبة الجماعية بحق اهالي الاعظمية "السنة" في تقليد لما كانت قوات "موسليني" تقوم به في ليبيا عمر المختار في محاولة لردع المجاهدين عن تكرار تلك العملية!!,

وكانه نسي بان التنظيمات الجهادية والقاعدة تحديدا قد فقدت حواضنها الشعبية كما يصرحون هم انفسهم (او على الاقل هذا ما يصرح به المالكي واسياده صعودا واذنابه نزولا )

وبالتالي فان انزال العقوبة باهالي الاعظمية لن يؤثر بالقاعدة في أي وجه من الوجوه,بل سيصب مثل ذلك الاجراء في صالح تنظيم القاعدة بالكامل,فكل ظلم او اذى او سوء يتعرض له أي مسلم في العراق سوف يصب تلقائيا في مصلحة القاعدة ويكسبها قوة الى قوتها , فمثل هذه التنظيمات انما عمادها وعصبها هو الظلم الذي يحيق بالناس,فكلما زادت السلطات الحاكمة من ظلمها وبطشها بالناس زاد رصيد تلك التنظيمات عددا ومعونة وسندا, وتلك حال اغلب التنظيمات المعارضة !!!.

الان

وبعد ان فرض المالكي حصاره الخانق على الاعظمية,

وفي مقارنة بسيطة بين تداعيات هذا الحصار ومقارنته بتداعيات حصار مدينة الثورة,

فاننا نفاجأ باننا لم نجد الى اليوم قناة فضائية واحدة تتبنى نقل معاناة اهالي الاعظمية (سوى قناة الشرقية التي اخذت على عاتقها ولاهداف خاصة الترويج لمعاناة اهالي المدينة),

وكم نتفاجأ عندما نجد قنوات كالرافدين التابعة لهيئة علماء المسلمين او بغداد التابعة للحزب الاسلامي او البابلية التابعة لصالح المطلك وهي تبث برامجها العادية متجاهلة معاناة اهالي الاعظمية وكان شيء لم يكن!!,

فما زالت قناة الرافدين تبث برامجها عن الرياضة النسوية!!,

وما زالت قناة بغداد مشغولة بتعريف الناس بقبائلهم والعشائر التي ينتمون اليها !!,

وما زالت قناة البابلية مشغولة بعرض المسلسل الايراني "مريم المقدسة" رغم كل ما في ذلك المسلسل من طعن بالدين الاسلامي بل وطعن بانبياء الله من خلال عرض اجسادهم واصواتهم وتحريف اقوالهم !!!!

(يبدو ان صالح المطلك يتودد الى الايرانين من خلال عرضه هذا المسلسل المنافي للاسلام!!).

واما من الجانب السياسي والحزبي,

فبعد الخطاب المخجل الذي اصدره اياد علاوي والذي لم يتضمن أي دعوة حقيقية او أي لهجة "شديدة" للمطالبة بفك الحصار الفوري ومعاقبة من اساء استخدام السلطة لمعاقبة الناس, جاء تصريح لطارق الهاشمي يكاد ان يكون مؤيدا للحصار اكثر من ان يكون رافضا له,خصوصا عندما نقلت قناة العراقية منه تأييده لمعاقبة الجناة!!,

واما خطاب صالح المطلك الذي بدأت اشك بعد ان شاهدته  ان كان هذا الرجل يحمل فعلا شهادة  الدكتوراه ام انه لا يكاد يحمل شهادة الثالث متوسط !!, وكل ذلك لبذاءة الاسلوب وضعف الصياغة وسوء الالقاء!,

ومع الصمت المدقع من جانب الحزب الاسلامي بمختلف قياداته,ومع غياب تام لاحمد عبد الغفور السامرائي ووقفه السني (يكاد ان يكون الوقف السني اليوم وقفا عائليا للسامرائي واقاربه ),

فقد ظهر للمتابع للحدث

بان هؤلاء الذين يدعون انهم يمثلون اهل السنة,او هكذا يصورون انفسهم,او على الاقل الذين يدعون بانهم حريصون على العراقيين(اهالي الاعظمية هم بالتاكيد عراقيون اصلاء وليسوا "اجانب" كما يوصف عناصر القاعدة!!)

ظهر للمتابع بان هؤلاء غير مكترثين لما يصيب الاعظمية واهلها,

بل ربما كان الانطباع بانهم من المؤيدين للحصار المفروض عليها اكثر من كونهم رافضين له!!

(قارنوا موقف هؤلاء بموقف الشيعة بمختلف مشاربهم من حصار مدينة الثورة!).

      وعندما ننتقل الى الطرف الاخر,

      ونقصد الشيعة واحزابهم السياسية,

      فاننا سوف نجد ترحيبا يفوق التصور بما يقوم به المالكي وميليشياته!!,

     وليس ادل على ذلك الترحيب من تصريح "جعفر الموسوي" النائب عن الائتلاف الوطني الشيعي حين صرح اليوم ((ان مطالبة بعض السياسيين بإطلاق سراح المعتقلين "تجعل منهم طرفاً في العمليات الإرهابية لذلك لا يمكن أن يستقر البلد مقابل هذه المطالبات، مع التأكيد مرة ثانية على مبدأ حقوق الإنسان في الاعتقالات".)),

     بمعنى انه وبدلا من ان يطالب بالوقوف مع اهالي الاعظمية ضد الحصار الذي تفرضه عليهم السلطات العملية,

على الاقل كرد لجميل وقوف اهالي الاعظمية مع حصار مدينة الثورة,الا انا وجدناه هنا يطالب بتشديد الحصار,بل وباعتبار كل من يطالب بتخفيفه بانه "طرفا في العملية الارهابية"!!!

(قارنوا موقف هؤلاء من موقف قشامر اهل السنة مع حصار مدينة الثورة!!).

      فانظروا ا الى "صلافة" هؤلاء ومقدار القبح والحقد الذي يحملونه على الاعظمية واهلها!,

      ولا الومهم ,فان كان من يدعي انه من اهل السنة قد تغافل عنها,فهل ننتظر ان يتعاطف مع اهلها من تمنى ان يشرب من دماء ابنائها؟؟!.

     فهل لاحظتم الفرق بين حصار مدينة الثورة وحصار الاعظمية الحالي؟؟,

    وهل لاحظتم الفرق بين استنفار اولئك دفاعا عن الباطل, ونوم هؤلاء عن حقهم وحقوقهم؟؟؟.

    الغريب ان القوات الامريكية كانت قد شاركت قوات المالكي في حصار الاعظمية, وهي شاهدة على ما يجري هناك,ورغم ذلك لم يصدر أي بيان او توضيح من الجانب الامريكي يظهر حقيقة ما جرى ويجري فيها , رغم ان جميع الدماء والاهات والمظالم التي ترتكب اليوم في الاعظمية وسواها,سوف تجد بعد فترة من الزمن من يفتح ملفاتها ليحمل الامريكان وزرها ,واوزارا مع اوزارها,لكنهم عن هذا غافلون,وقد ظنوا ان الكرة ستدوم في حجرهم!!.

فيا اهل الاعظمية صبرا صبرا, "فما زال اسمكم يؤرقهم"!!!*.

والسلام عليكم

الهامش:

    هذه الجملة كتبتها نفسها كتبتها قبل غزوة الاعظمية بايام في مقال "ما زالت "فوبيا" الاعظمية تؤرق جلال الصغير!!"