الملف النووي الإيراني 4
واشنطن تضع ضمن أولوياتها كيفية
حظر التعاون النووي الصيني الروسي مع إيران
(4)
حسين علي محمد حسنين
كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر
تابع الملف النووي الإيراني:
(1)
التعاون النووي الصيني والروسي مع إيران
وقلق أمريكى إسرائيلى بالمقابل
أشرنا فى المقالة الثالثة إلى أن على خامنئى فور تولية الولاية على إيران بعد وفاة الخمينى قرر المضى قدما فى تطوير البرنامج النووى معلنا بذلك تحديه لدول الغرب عامة وواشنطن خاصة.
وفى عام 1994 قامت الصين ببناء مفاعل بنية كرج الذى يقع غرب طهران فى مدينة البحوث الذرية الإيرانية ( وذلك فى إطار اتفاقية التعاون النووي بين طهران وبكين) ، وهو مزود بمتطلبات الأعمال البحثية ويعمل باليورانيوم المخصب . إضافة الى البدء فى بناء مفاعل معلم كلايه الذى يقع بالقرب من مدينة قزوين فى شمال غرب طهران ، وهو صيني المصدر ، ويعمل بقوة 40 ميجا وات ، وقد أحيطت منشآته بوحدات صناعية ، ويعد هذا المفاعل ضمن أحد أهم المشروعات النووية الإيرانية الأكثر تكاملا من حيث التجهيزات والإنشاءات فى ذلك الوقت . كما تم الاتفاق على وضع الترتيبات النهائية لبناء مفاعل جرجان الكبير الذى يقع شمال شرق مدينة جرجان ، والذى كان من المتوقع أن يكون حلقة مركزية فى البرنامج النووي الإيراني الكبير .
التعاون الروسي الإيراني:
وفى أبريل عام 1995 عقدت اتفاقية بين ايران وروسيا خاصة بتوسيع نطاق التعاون النووي فى كافة المجالات ، لكن الاتفاقية الجديدة تضمنت شرطا جوهريا يتمثل فى قيام الخبراء الروس بمراقبة فعاليات البرنامج النووي الإيراني . ويذكر أنه بمقتضى ذلك الاتفاق قام الخبراء الروس العاملين فى تكنولوجيا بناء المفاعلات النووية باستكمال مفاعل بوشهر الذى يقع على الخليج العربى ، وذكر فى ذلك الوقت أنه سيتم بناؤه وتجهيزه على يد شـركات ومؤسسات روسية ، ويعمل بالماء المضغوط . وكان المتوقع الانتهاء من بنائه ودخوله الخدمة فى عام 2004 إلا انه تأخر الى عام 2005 نتيجة للضغوط الامريكية على روسيا . قيل فى ذلك الوقت أنه مخصص لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه المالحة ، بينما أعلنت واشنطن انه مخصص لإنتاج القنبلة.
التهديدات الامريكية:
فى أوائل مايو عام 1995 كشفت بعض التقارير الامريكية أن روسيا باعت الماء الثقيل الى ايران وهو ما دفع الإدارة الامريكية الى اتخاذ إجراءات من شأنها فرض عقوبات جوهرية على الجهات التى تتعامل مع ايران. وبالفعل أعلنت واشنطن فى 6 مايو 1995 فرض حظر اقتصادي شامل على ايران وذلك لاكتمال حلقة العقوبات الاقتصادية الامريكية المفروضة عليها منذ منتصف الثمانينات . وقد تضمن الحظر الآتي: (1) منع الشركات الامريكية من تسويق النفط الإيراني ومن المشاركة فى أي عمليات لتطوير حقول النفط الإيرانية.
(2) حظر التعاون النووي مع ايران . (3) فى نفس الوقت هددت الإدارة الامريكية بفرض عقوبات على عدد من المعاهد الروسية التى تتهمها واشنطن ببيع تكنولوجيا الصواريخ لإيران أو مساعدتها فى تطوير قدراتها من خلال تأهيل خبراء إيرانيين فى هذا المجال.
(4) طالبت واشنطن من الدول الأوربية ضرورة فرض عقوبات على 8 مؤسسات علمية وفيزيائية ونووية روسية لتعاملها مع إيران .
خلافات روسية أمريكية حول التعاون النووي مع ايران :
وفى منتصف مايو 1995 صرح وزير الخارجية الروسي ايجور إيفانوف ان موسكو وحدها هي التى تحدد شركائها التجاريين . جاء ذلك كرد فعل على الاتهامات التى وجهتها واشنطن الى روسيا والتى تشير إلى أن موسكو لم تلتزم بالاتفاق الذى وقع بين البلدين والمتضمن خفض مبيعات الأسلحة التقليدية الى دول العالم الثالث الذى تم بين آل جور نائب الرئيس الأمريكى والإدارة الروسية .
قلق إسرائيلي من تطوير شبكة الصواريخ الإيرانية :
فى أوائل عام 1996 تجمع لدى المخابرات العسكرية الإسرائيلية(أمان)معلومات تشير الى قيام قوات الدفاع الجوى الإيراني بتطوير شبكة صواريخها العسكرية بالتعاون مع روسيا . وعلى الفور طار وفد مصغر من جهاز أمان الى واشنطن لاطلاع الإدارة الامريكية على تقرير خاص بالتعاون الروسي الإيرانى السري فى مجال تطوير الصواريخ الإيرانية. والملفت هنا أن رجال المخابرات العسكرية الامريكية قللوا من أهمية تقرير أمان فى محاولة لعدم تصعيد الموقف مع روسيا، وهو ما دفع الإدارة الامريكية إلى الإعلان عن أن هناك اعتبارات سياسية بين واشنطن وموسكو فى ذلك الوقت .
واشنطن تلوح بورقة حقوق الإنسان ضد ايران:
وفى محاولة لمزيد من الضغط الأمريكى على قادة النظام فى طهران قامت واشنطن فى نهاية عام 1996 بإلقاء الضوء على تجاوزات قادة الثورة الإسلامية لحقوق الإنسان داخل ايران من تعذيب وقتل وسحل الى آخره. وطبقا لإحصاء المنظمة الدولية لمراقبة حقوق الإنسان فقد تبين الآتي : (1) انتهاك حقوق 110 حالة إعدام سجين سياسي ( لمجرد الاختلاف فى وجهات النظر ) فى شهر سبتمبر 1996 وهى الحالات التى تم رصدها من بين مئات الحالات الأخرى الغير موثقة ، ووصل هذا العدد فى شهر نوفمبر 1996 الى 137 حالة إعدام لمعارضين سياسيين . (2) كشفت تقارير المنظمة الدولية أن حالات الإعدام تمثلت فى تهم سياسية دون ان تتوافر إجراءات قضائية عادلة أو إمكانية الاستئناف أمام دوائر قضائية أعلى لبحث انتهاكات حقوق الإنسان .
وأوضح تقرير آخر للمنظمة الدولية المعنية بحقوق الإنسان عن ملاحقات أمنية لعناصر المعارضة النشطة للنظام الإيراني التى تعيش فى الخارج ، وقد وصلت تلك الملاحقات الى حد اغتيال بعض تلك العناصر مثل حادثة اغتيال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق شهبور بختيار فى منزله بإحدى ضواحي باريس عام 1991.
وفيما يتعلق بالإقامة الجبرية ، فقد رصدت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان بعض حالات فرض الإقامة الجبرية وكان من أشهر تلك الحالات آية الله محمد صادق روحاني الموجود تحت الإقامة الجبرية لأكثر من 15 عاما ، أيضا آية الله حسن الطبطبانى القمى منذ أكثر من 16 عاما ، وآية الله ياسوب راستجارى الذى يعيش فى بيته تحت الإقامة الجبرية منذ عام 1996 ، وآية الله منتظري . وقد أكدت تقارير حقوق الإنسان إن الإيذاء طال إتباعهم ومؤيديهم ، وانه قد مورست عمليات اعتقالات وتعذيب كثيرة بحقهم .
تغييرات إصلاحية محدودة داخل ايران:
فى مارس عام 1996 خاضت ايران الانتخابات البرلمانية الخامسة (1996-2000) ، وفيها ظهر تيار إصلاحي قوى . وفى تلك الإنتخابات وصل التيار الإصلاحى إلى الحكم بقيادة محمد خاتمى الذى حصل على 69 % من مجموع أصوات الناخبين ، وكانت الخلفية الاقتصادية هي الأساس الذى اعتمد عليه الإصلاحيون ، إضافة الى الحصار الاقتصادي الأمريكى لإيران . ومع ذلك فقد شدد التيار الإصلاحي على قضايا التسليح والأمن القومي وإعطاء دفعة قوية للبرنامج النووي الإيراني والبحث عن مصادر جديدة للحصول منها على التكنولوجيا النووية والصواريخ الباليستية .
بعد أن وصل التيار الإصلاحي الى الحكم بقيادة محمد خاتمى طالب بضرورة التركيز على الأمن القومي الإيراني على ضوء المتغيرات الجديدة بالمنطقة، خاصة بعد تنامي التعاون العسكري الاسرائيلى التركى المدعوم من قبل الولايات المتحدة الامريكية ( يذكر ان محمد خاتمى ينتمي الى حركة حوزى الإسلامية المتشددة قبل قيام الثورة الإسلامية فى فبراير 1979، وهو خريج جامعة اصفهان قسم الفلسفة ، ويتقن ثلاث لغات هم العربية والإنجليزية والألمانية بالإضافة الى لغة الأم وهى الفارسية ، وبعد الثورة أصبح خاتمى نائبا فى البرلمان عام 1980 ، ثم وزيرا للثقافة والتوجه الإسلامي فى عام 1982 ، وأثناء الحرب الإيرانية العراقية تولى منصب رئيس القيادة المشتركة للقوات المسلحة ورئيس قيادة الحرب الدعائية ، وفى عام 1992 عين مستشارا لرئيس الجمهورية ، وفى عام 1997 عين رئيسا للمجلس الأعلى للجمهورية الإسلامية ، وهو متزوج من إبنة الأمام الخمينى وله ولد وبنتان، وهو ما يعنى الحذر الشديد عند إستخدام مصطلح التيار الإصلاحى ) .
**************
(2)
تكتم أمريكى حول تصدع مفاعل ديمونة
وواشنطن تدعم إسرائيل
فى أبريل عام 1996 أشار تقرير بأحدى المجلات العلمية الإسرائيلية المتخصصة فى الفيزياء النووية الى حدوث شروخ فى قلب مفاعل ديمونة والذي نتج عنه تسرب إشعاعي راح ضحيته ثلاثة أفراد من الفنيين وإصابة عدد كبير منهم بالإشعاع . وعندما حاول عدد من الصحفيين زيارة موقع المفاعل قامت السلطات الإسرائيلية بمنعهم على الفور. ولما تزايدت الضغوط الإعلامية المحلية والدولية على الحكومة الإسرائيلية اضطرت فى النهاية الى السماح للصحفيين لزيارة الموقع برفقة وزير البيئة الاسرائيلى ولكن منع أولئك الصحفيين من استخدام أجهزة قياس الإشعاعات النووية التى أحضروها معهم ، وسمح فقط لوزير البيئة باستخدام جهاز قياس الإشعاعات ( قيل بعد ذلك ان وزير البيئة الاسرائيلى استخدم جهاز قياس إشعاعات غير فعال أظهر عدم وجود اى إشعاعات بمنطقة المفاعل ) .
أما الأثر غير المباشر على البرنامج النووي الإيراني من جراء التسرب الإشعاعي لمفاعل ديمونة فقد تمثل فى التحذيرات الامريكية التى أصدرتها واشنطن ليس الى اسرائيل وإنما الى الدول التى تتعاون مع ايران وتحديدا روسيا والصين ، كما طالت تلك التحذيرات الامريكية عددا من الشركات الأوربية والأمريكية التى تتعاون مع ايران فى السابق ، وهو ما أزعج القادة فى إيران .
إقامة محطات تنصت إسرائيلية قرب الحدود الإيرانية:
فى أول مايو عام 1997 اشتركت واشنطن مع كل من اسرائيل وتركيا فى الحوار الإستراتيجي الذى عقد بتل أبيب وبمشاركة ضباط أمريكيين فى المباحثات التى تمت بين وزير الدفاع الاسرائيلى ونائب رئيس هيئة الأركان التركي . وقد تم الاتفاق خلال هذه الزيارة على إنتاج مشترك لصواريخ جو/أرض من طراز(بوباى 2) .
وفى 13 أكتوبر 1997 قام رئيس أركان الجيش الاسرائيلى الجنرال أمنون شاحاك بزيارة الى تركيا لمدة أربعة أيام بدعوة من نظيره رئيس الأركان التركى إسماعيل قارداى لبحث المسائل المتعلقة بالحلف العسكري الإستراتيجي بين البلدين ، ثم أعقب ذلك السماح لإسرائيل بإقامة محطات تنصت داخل الأراضي التركية بالقرب من الحدود الإيرانية مقابل الآتى : (1) تعهد قادة الجيش الإسرائيلى لنظرائهم الأتراك بالتعاون مع تركيا فى مجال تكنولوجيا الصناعة النووية العسكرية بما فى ذلك إنشاء مفاعل نووي تجريبي. (2) بحث إقامة قاعدة للاستخبارات الإسرائيلية فى اسطنبول .
كان الهدف من إقامة محطات التصنت الاسرائيلى فى الأراضي التركية القريبة من الحدود الإيرانية هو دعم عملاء الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية داخل ايران .
نشاط أمريكي إسرائيلي مكثف داخل ايران:
لم تكن المخابرات العسكرية الامريكية بعيدة عن متابعة النشاط الروسي داخل ايران ، فمع بدايات عام 1997 فتحت تلك المخابرات ملف شبكة الصواريخ ومدى ارتباطه بالبرنامج النووي الإيراني وقامت بتكليف أحد عملائها برتبة سفير ويدعى( فرانك ويزنر ، عمل من قبل سفيرا لواشنطن بالقاهرة ) بالعمل سفيرا بالهند وكلفته أجهزة الاستخبارات الامريكية بتشكيل فريق عمل استخباراتى رفيع المستوى من المتخصصين فى تكنولوجيا الصواريخ الباليستية ، وبالفعل تم عقد عدة لقاءات مع وفد آخر من المخابرات العسكرية الإسرائيلية(أمان) . وهكذا بدأ الفريقان بتجميع المعلومات الفنية الدقيقة حول مشروع شبكة الصواريخ الإيرانية . وقبل نهاية عام 1997 وضع فرانك ويزنر تقريرا مفصلا أمام الرئيس الأمريكى بيل كلينتون حول مدى التعاون الروسي الإيراني فى مشروع الصواريخ الإيراني. وقد تمثلت التوصية التى وضعها كبار المسئولين بالبيت الأبيض بعد الاطلاع على تقرير فرانك ويزنر فى الآتي :( ضرورة اتخاذ موقف محدد ضد روسيا مثل فرض عقوبات اقتصادية من أجل وقف تعاونها مع ايران فى مجال تكنولوجيا الصواريخ الباليستية) . لكن الرئيس كلينتون كان أكثر حكمه حيث قرر تجميد تلك التوصية حتى لا يؤدى ذلك الى نتائج عكسية وغير محسوبة مع روسيا ، وقرر بالمقابل دعم أمريكى غير محدود لإسرائيل .
مزيد من التعاون الإستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب:
فى عام 1998 وافقت واشنطن على طلب تل أبيب الخاص بتوسيع نطاق التعاون الإستراتيجي بين البلدين وذلك بالدعم العسكري الأمريكى المطلق لإسرائيل بعد ان حصلت واشنطن على تقرير إسرائيلي يشير الى قيام ايران باتخاذ خطوات متقدمة فى بناء شبكة الصواريخ الباليستية . ويلاحظ انه بمقتضى ذلك التعاون الإستراتيجي بين البلدين فانه يمكن لواشنطن عمل الآتى: (1) أن تحدد واشنطن حالات التدخل العسكري الأمريكى المباشر لصالح اسرائيل ، فقد تعهدت واشنطن طبقا للاتفاقية بتدخلها المباشر فى حال تورط اسرائيل فى حرب مع الدول المجاورة أو فى حال تورطها مع دولة واحدة مجاورة.
(2) أن هذا التدخل الأمريكى يعمل على منع تحقيق أى إنتصار من أى دولة معادية على اسرائيل . (3) كما تعهدت واشنطن عن إستعدادها لشن ضربات مؤثرة بأسلحة تقليدية وفوق تقليدية (يقصد بذلك أسلحة نووية) ضد اى دولة تهاجم اسرائيل . (3) علاوة على ما سبق فقد نصت تلك الاتفاقية على ان الولايات المتحدة ستقدم لإسرائيل كل ما تحتاجه من إمدادات عسكرية إذا ما قررت اسرائيل شن هجوم بمبادرة منها ضد اى دولة أخرى فى منطقة الشرق الأوسط بشرط الموافقة المسبقة لواشنطن على ذلك الهجوم .
الأمم المتحدة وحقوق الإنسان فى ايران:
مرة ثانية قامت واشنطن بالضغط على النظام الإيراني مستخدمة ورقة حقوق الإنسان التى صدرت عن الأمم المتحدة ( منظمة مراقبة حقوق الإنسان ) التى أكدت أن عام 1998 شهد العديد من التجاوزات من قبل الحكومة الإيرانية ضد الشعب الإيراني . وكان ابرز تلك التجاوزات اغتيال درويش فروهر وزوجته بروانه فروهر زعيمي حزب الأمة المعارض للنظام الإسلامي فى منزلهما بطهران يوم 22 نوفمبر عام 1998 ، وهى الحادثة التى أدت الى استقالة وزير الاستخبارات الإيراني قربان درى نجف آبادى ومعه عدد من مساعديه وذلك بعد ان حملهم مجلس الأمن القومي (الذى يرأسه محمد خاتمى) مسئوليتهم عن تلك الاغتيالات بعد ان كشفت التحقيقات عن وجود كاميرات خفية ومعقدة فى منزل الضحيتين وضعها رجال الاستخبارات . وقد اعتبرت منظمة المراقبة الدولية لحقوق الإنسان الدور الذى قام به جهاز الاستخبارات بمثابة فضيحة للحكومة والنظام ككل . أما الشيء المثير للغاية فهو ما حدث بعد أيام قليلة من مقتل درويش وزوجته حيث تم اغتيال كاتبان هما محمد مختارى ومحمد بوينده المعروفان بالدفاع عن حرية الرأي .
وعليه فقد أوجدت تلك الحوادث حالة من الذعر والخوف والهلع لدى جميع المثقفين الإيرانيين خاصة بعد ظهور شائعات قوية تفيد بوجود نحو 180 شخصية ثقافية وصحفية وسياسية على قائمة الاغتيالات. كما شهدت الحياة السياسية خلال عام 1988 العديد من حالات الحبس والاحتجاز لفترات طويلة دون سند قانوني أو تهمة محددة سواء من المعارضة أو المحسوبون على التيار الإسلامي الإصلاحي الجديد.
كانت أصابع الاتهام فى تلك الحوادث السابق الإشارة إليها تشير الى سيطرة التيار المتشدد على جميع المحاكم القضائية فى ايران حيث كان قضاة المحاكم فى ايران أكثر تشددا من قادة الثورة الإسلامية أنفسهم . والمثير انه لم توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد المعتقلين السياسيين فى ايران منذ بداية الثورة الإسلامية فى عام 1979 وحتى كتابة هذه السطور، ويرجع السبب فى ذلك الى أن الكثير من السجون الإيرانية لا تخضع لمراقبة منظمات حقوق الإنسان المحلية أو الدولية . ويذكر انه فى المرة الوحيدة التى سمح فيها لإحدى منظمات حقوق الإنسان (منظمة مراقبة حقوق الإنسان) بزيارة تلك السجون أشار تقرير تلك المنظمة الى انه لا توجد رعاية صحية أو طعام كاف للسجناء ، كما أشار التقرير عن الحبس الانفرادي وعمليات الإغتصاب فى سجون النساء وأيضا الرجال ، لكن لم يتم توثيق تلك الحالات " تقرير عام 2000 " .
ضغوط أمريكية على روسيا:
شهد شهر نوفمبر 1998 تصعيد مشوب بالحذر فى بيانات واشنطن ضد روسيا وذلك بهدف تعديل أو إلغاء الاتفاقات المبرمة مع ايران ، وهو ما اثر بالسلب على بناء مفاعل بوشهر الإيراني. لكن استطاعت ايران أن تغرى الروس بمزيد من الدعم المادي وهو ما دفع موسكو للمضى قدما فى تنفيذ بناء المفاعل فى إطار بروتوكول تعاون جديد وضعت له معايير أكثر جرأة عن غيرها .
**********************
(3)
مزيد من صفقات الأسلحة الشرقية الى ايران
نحج محمد خاتمى فى التوجه شرقا بسرعة مذهلة وذلك عندما توصل الى صفقة الأسلحة الصينية فى منتصف عام 1998 التى تمثلت فى حصول ايران على 14 طائرة نقل عسكرية من طراز (y-7 )، وعشرة زوارق دورية سريعة من طراز (هودنج 19 ) ، إضافة الى نقل الخبرة الصينية المتعلقة بتصنيع الصواريخ قصيرة المدى وتطوير صواريخ (عقاب) ، ومساهمة الخبراء الصينيون فى إنتاج صواريخ سيلك وورم من طراز(سى 180) ،علاوة على مساهمتهم فى توفير المنظومات التقنية والحواسب الإلكترونية الخاصة بتلك الأنظمة الصاروخية الإيرانية مثل (صاروخ زلزال ، وصاروخ شهاب) . أيضا ساهم الخبراء الصينيون فى تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية مثل (سكود-93 ، وصواريخ SSS8 ) . وقد أدى ذلك التعاون الواسع النطاق بين بكين وطهران الى حدوث قلق عميق داخل أروقة البيت الأبيض والبنتاجون .
محمد خاتمي يعلن نجاح إطلاق صواريخ ارض-جو جديدة:
دفعت الضغوط الامريكية المتزايدة على النظام الإيراني الى الإعلان عن نفسه فى شهر إبريل عام 1999 ليؤكد نجاحه فى إطلاق صاروخ ارض-جو تم إنتاجه كاملا فى ايران أطلق عليه(صياد-1) تيمنا باسم نائب رئيس الأركان الإيراني(صياد شيرازي) الذى كرس كل جهده لإنتاج ذلك الصاروخ . لكن شيرازي اغتيل بعد نجاح تجربة إطلاق الصاروخ بعدة أيام أمام منزله وسط ذهول جميع المراقبين. ويذكر أنه أثناء التحقيقات فى حادث إغتياله خرجت بعض التقارير التى أشارت الى تورط المخابرات الإسرائيلية فى عملية الاغتيال وركزت تلك التقارير على محطات التنصت الاسرائيلى القريبة من الحدود الإيرانية وقاعدة الاستخبارات الإسرائيلية فى اسطنبول بتركيا والتى تضع ايران ضمن أولوياتها من حيث عمليات التجسس . وعليه إعتبر إغتيال شيرازي بمثابة لطمة شديدة للحكومة الإيرانية مما دفعها الى التعجيل بالإعلان فى وسائل إعلامها فى شهر يوليو 1999 عن نجاح إطلاق صاروخ ارض-ارض الذي أطلقت عليه شهاب-3 (وذلك على الرغم من عدم اكتمال أجهزته الإلكترونية التى تستخدم فى التوجيه عن بعد) .
قلق أمريكي وخطة إسرائيلية لقصف البرنامج النووي وشبكة الصواريخ الإيرانية:
حصلت الإدارة الامريكية فى عهد الرئيس بيل كلينتون على تقارير من أجهزتها الإستخباراتية تؤكد مدى جدية ايران فى تطوير برنامجها الصاروخي بعد نجاح التجربة الأولى للصاروخ شهاب-3 فى يوليو عام 1999، لذلك قررت واشنطن ضرورة وضع حد لذلك البرنامج الإيراني الذى بات يهدد أمن المصالح الامريكية والإسرائيلية فى منطقة الشرق الأوسط . وفى نهاية يوليو 1999كشف تقرير آخر يفيد بان وفد استخباراتى عسكري إسرائيلي تابع لجهاز أمان سافر سرا الى الولايات المتحدة وتم الاتفاق على وضع خطة متكاملة بهذا الصدد . وبالفعل قام الجنرال هارون زئيفى (الذى خلف عاموس ملكا) بوضع خطة متكاملة لقصف المفاعلات النووية الإيرانية ومصانع الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى . وإمعانا فى التحدي تم تسريب أخبار متفرقة مفادها أن المخابرات العسكرية الإسرائيلية أعدت بالفعل الخرائط اللازمة لذلك ، وأن رئيس الأركان الاسرائيلى طلب من قسم الطوارئ بالاستخبارات العسكرية(أمان) بضرورة متابعة البرنامج الإيراني وطالبه بأن يوافيه بتقارير فورية أولا بأول حتى إشعار آخر حول كل صغيرة تدور داخل ورش تصنيع صاروخ شهاب-3 . لكن ما حدث بعد ذلك كان شيئا آخر حيث تدخل الرئيس بيل كلينتون وإدارته بعد أن اكتشفت المخابرات الروسية مدى تورط جهاز أمان الاسرائيلى داخل ايران . وخوفا من ان تتعقد الأمور فى المنطقة بعد علم الروس بالمخطط الاسرائيلى طلبت الإدارة الامريكية من اسرائيل تجميد عملية قصف البرنامج النووي وشبكات الصواريخ الإيرانية حتى إشعار آخر( تشير بعض التقارير الى ان روسيا تدخلت رسميا لدى الإدارة الامريكية بعد ان كشفت الاستخبارات الروسية دور جهاز أمان داخل ايران وهو ما دفع الروس الى التحرك بجدية لحفظ توازن القوى بالمنطقة خاصة وان ايران تشكل بعدا استراتيجيا للعمق الروسي) .
مزيد من التعاون الصيني الإيراني:
فى أغسطس عام 1999 أشارت بعض التقارير الى أن المخابرات العسكرية الامريكية علمت بعقد صفقة سرية بين ايران والصين ، إشترت طهران بموجبها غازا خاصا يمكن بواسطته تخصيب اليورانيوم اللازم لإنتاج أسلحة نووية. وقد أقرت الصين بذلك بعد ضغوط أمريكية عليها واعترفت بأنها باعت لإيران طنا من غاز ( uf6 ) الذى يتم خلطه باليورانيوم فى آلات الطرد المركزية فيساعد على تخصيب اليورانيوم الخام (يلاحظ ان تركيز اليورانيوم فى خامه لا يتجاوز 1 % وان عملية خلطه بالغاز ترفع تركيزه الى 5 % مما يجعله جاهزا للاستخدام فى المفاعلات النووية ، وعندما يصل تركيز اليورانيوم ما بين80 % الى90 % يكون صالحا لصناعة الأسلحة النووية) ، وكان من نتائج تلك الصفقة ردود أفعال سلبية داخل الدول الغربية .
توتر إسرائيلي:
فى نهاية عام 1999 كشف تقرير استخباراتى إسرائيلي تم تسريبه للإعلام ان اسرائيل وضعت ما يسمى بخطة(الاستراتيجية الكبرى) . وهى إستراتيجية عسكرية تضع على رأس أولوياتها التصدى لأى مقذوفات أسلحة الدمار الشامل على الأراضي الإسرائيلية فى حال نشوب حرب قادمة، وقد خصصت لهذا الغرض نحو 100 طائرة من طراز (أف-15) و100 طائرة من طراز (أف-16 ) " وتعمل تل أبيب على استكمال ذلك العدد " ، وسوف تكون مهمة تلك الطائرات التعامل مع الخطر النووي الإيراني فى الحرب القادمة. وفى هذا الصدد أكد موشى ارينز وزير الدفاع الاسرائيلى السابق (ووزير الخارجية فى نهاية الثمانينات) ان ايران تعلمت الدرس من قصف اسرائيل لمفاعل" اوزيراك" العراقي فى 7 يونيو عام 1981 وقامت بتوزيع منشآتها النووية على أنحاء متفرقة من ايران . وشدد موشى ارينز على ان لدى اسرائيل القدرة على ضرب تلك الأماكن ، ولكن مرة واحدة لا تكفى لتدميرها لكنها سوف تعطل برنامجها النووي كثيرا ( وهو ما يعنى ضرورة ضربها عدة مرات لتحقيق الهدف المرجو من القصف) . وأضاف ارينز: إذا كانت اسرائيل جادة فى ضرب البرنامج النووي الإيراني فإنها بحاجة الى قصف عدة أهداف منتشرة فى أرجاء ايران بحيث تشمل تلك الأهداف مفاعل بوشهر المكشوف على الخليج والذي يسهل قصفه ، إضافة الى قصف مصنع إنتاج الماء الثقيل بالقرب من مدينة أرك على ان يكون الهدف الثالث هو إحدى المنشآت النووية الواقعة على بعد مائة كيلو متر شمال اصفهان الواقعة على الطريق السريع بين ناتانز وكاشان ، إضافة الى الشركة القومية الإيرانية للصلب فى اصفهان نظرا لقدرتها على توفير المنتجات المعدنية ذات الصلة بالأسلحة النووية ، وكذا مركز الأبحاث النووي الواقع بالقرب من شيراز الذى يقوم بتحويل اليورانيوم الى ثاني أكسيد اليورانيوم وسادس فلوريد اليورانيوم .
***************
وإلى اللقاء فى الجزء الخامس