الهوان!

صلاح حميدة

[email protected]

منذ أسقطت دولة الاسلام على يد الغرب الأوروبي، والمسلمون يعيشون الذل والهوان، يقتلون وتحتل أراضيهم وتسرق أرزاقهم وأموالهم، ينصّب عليهم أدناهم، ويهانون ويسب نبيهم ودينهم على منابر السياسة والكهان في مشارق الأرض ومغاربها، يهان علماؤهم، ويمنعون من دخول العديد من الدول الاسلامية، ويرفع من يهينهم، ويستقبل ويفرش له السجاد الأحمر!  وأصبح شعار هذه المرحلة، كلما أهنت الاسلام والمسلمين أكثر، كلما تبوأت مواقع ومناصب، وكلما أهنت وسببت الاسلام والمسلمين ونبيهم، حظيت بمكانة واحترام أكبر من حكام المسلمين؟!.

أثارت زيارة البابا للأردن وفلسطين جدلاً كبيراً، فقد عرف عن البابا أنه هاجم المسلمين والاسلام ونبي الاسلام، واتهمهم بنشر الاسلام بالسيف، فيما انحاز بشكل مطلق لليهود، واعتذر لهم عن ما صدر بحقهم من اضطهاد في أوروبا في العصور السابقة، في الأندلس وغيرها، إضافة إلى مواقف الفاتيكان من ما تم بحق اليهود من قبل النازيين في الحرب العالمية الثانية وقبلها.

طالب علماء المسلمين البابا بالاعتذار عن اتهاماته المضللة، عن الاسلام والمسلمين ولنبيهم، ولكنه رفض وترفع عن الرد عليهم، بل إنه اتهم المسلمين بأنهم( لم يفهموا) عندما ثارت ثائرتهم للرسومات المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام في الدنمارك، وبينما رفض البابا الاعتذار للمسلمين عن إساآته لهم ولدينهم ولنبيهم، واتهامه لهم بعدم الفهم، وتملقه اليهود، وصمته عن الجرائم التي ارتكبها اليهود في غزة بحق المسلمين، قام بالاعتذار عن ما تم من جرائم بحق اليهود في الأندلس، و لم يعتذر عن الجرائم التي اقترفت بحق المسلمين في نفس الفترة في الأندلس، وهي الجرائم التي كانت أبشع وأكثر إجراماً بحق المسلمين، والتي أشرف عليها الرهبان الكاثوليك بأنفسهم، ولم يبقوا للمسلمين باقية، فتم تنصيرهم بالقوة وتهجيرهم إلى أقاصي الأرض، وهنا بالذات يسقط البابا ما قام به المسيحيون الكاثوليك من جرائم تنصير بحد السيف على المسلمين أنفسهم، فالمسلمون وسّعوا دولتهم بالسيف، ولكنهم لم يجبروا أحداً على اعتناق دينهم، ولم يهدموا بيوت عبادة النصارى واليهود، ولم يرتكبوا المجازر بحق سكان تلك المناطق، وبقي اليهود والنصارى حتى اليوم موجودين في بلاد المسلمين، ولم يمنعهم أحد من الحياة الكريمة والمشاركة المتساوية مع المسلمين، على قاعدة(لهم ما لنا، وعليهم ما علينا).

بالرغم من كون البابا الكاثوليكي، جاء لبلاد المسلمين بلا اعتذار عما بدر منه من إساآت لهم في الحاضر، وبلا اعتذار عما بدر من كنيسته بحقهم في الماضي، إلا أنه زاد بتملق اليهود،  واعتبر أن العلاقة بينهم وبين الكنيسة الكاثوليكية علاقة عضوية وتحالفية، بل عقدية، وفي هذه لا اعتراض من المسلمين على علاقات دينية بين اليهودية والنصرانية، بل لا اعتراض أيضاً على تملقهم لبعضهم، ولكن أن يأتي ذلك كله على حساب المسلمين، ودعماً لليهود الصهاينة في اغتصابهم لحق الشعب الفلسطيني، بل وتجاهله لمعاناة المسلمين الذين أجرم بحقهم اليهود الصهاينة! فهذا زيادة، وأما الزيادة الأخرى التي زادها البابا في تحيزه ضد المسلمين وتملقه لليهود، فقد أخذ يعطي المسلمين وفي عقر مسجدهم في عمًان، أخذ يعطيهم محاضرات في دينهم؟! ويرفض توظيف الدين سياسياً؟! على حد قوله، بعد أن دخل المسجد بحذائه ولم يخلع نعليه! فكل كلامه في التوظيف السياسي لدوره في السياسة عن نشر الاسلام بالسيف، وتملقه لليهود لا يعتبر توظيفاً سياسياً؟.

الغريب في الأمر، أن هذا كله ترافق مع كلمات(الاحترام العميق للمسلمين) ولم يقل الاسلام؟! وهل التعبير للمسلمين عن احترامه لهم، يكون بسبه نبيهم؟ واتهام دينهم؟ واتهام علمائهم بالتوظيف السياسي للدين؟

كما عبّر عن احترامه لسماحة الأردنيين تجاه المسيحيين في الأردن، ولكنه لم يذكر أن هذا التسامح  نابع من دينهم الذي هو الاسلام، الذي منحه إمكانيات بناء كنائس وجامعة كنسية في الأردن، والغريب أن التنقيب الأثري في نفس المنطقة، كشف عن أربع كنائس بنيت في العهد الاسلامي!، وهذا يدلل على حجم التسامح الذي كان يبديه المسلمون- ولا زالوا- تجاه غير المسلمين، فيما يتهمون بنشر دينهم بحد السيف؟! فكيف بالمسيحيين لا يزالون وكنائسهم موجودين بين ظهراني المسلمين- وهم قلة بينهم- منذ أكثر من ألف وأربعماية سنة؟ بينما أبيد الاسلام والمسلمون في الأندلس على يد الكنيسة الكاثوليكية وبمباركتها؟!.

والغريب أنه بينما يضع البابا حجر الأساس لبناء الجامعة الكنيسة في بلاد المسلمين باحتفالية وطنية من المسلمين قبل المسيحيين، نجد أن المظاهرات والمؤتمرات تعقد في أوروبا التي جاء منها البابا، لمحاربة الاسلام وبناء المساجد، والغريب أيضاً أن هذه المظاهرات تتم بالتنسيق بين اليهود وغلاة المسيحيين في أوروبا، ولم نسمع أي تصريح من البابا يدين التوظيف السياسي للديانتين اليهودية والمسيحية ضد المسلمين في أوروبا، ولم نسمعه يحاجج غلاة اليهود والنصارى في بلاده، عن تسامح المسلمين الذين يسمحون ببناء الكنائس أمام مساجدهم، فيما تقوم قائمة هؤلاء اليهود والمسيحيين لمجرد وجود مسلم أو حجاب أو مسجد في أوروبا؟!.

 والغريب أيضاً، أن هذه الازدواجية التي يتعامل بها البابا مع المسلمين، وهذه الاستهانة التي يخاطبهم بها، تقابل باحتفاء شديد من قبل الرسميين العرب تجاهه، ولم يجرؤ أي منهم على انتقاده، بل هناك من انتقد من طالبه بالاعتذار عن إساآته للمسلمين ونبيهم ودينهم، وتحيزه لعدوهم اليهودي على حساب حقوقهم، والأكثر غرابة أيضاً أنه بينما انفرد القرضاوي وجماعة الاخوان المسلمين وحزب التحرير بانتقاد تفوهات وتصرفات البابا ورفضهم استقباله بهذه الحفاوة لمواقفه المسيئة، نجد أيضاً أن مسيحيي الشرق الأرثوذكس، وقفوا موقفاً مشرفاً من هذه الزيارة، واستهجنوا مواقفه تجاه إخوانهم المسلمين، واستنكروا تجاهله للمحرقة والمجزرة التي ارتكبت بحق أهلهم المسلمين في غزة هاشم، ودعوه لزيارتها ورؤية( المحرقة) الهولوكوست الحقيقي هناك(في إشارة واضحة للنفا السياسي تجاه اليهود).

موقفي هذا لا يعد هجوما على غير المسلمين، ولكنه موقف نابع من حرص على المسلمين أولاً، وحرص على استمرار صيغة التعايش بين المسلمين وغير المسلمين التي وضعها الاسلام، فالتعاطي مع هذه الاساآت وكأنها لم تكن، بل الاحتفاء بمن يتهمنا ويهيننا على هذه الصورة، سيفجر العلاقات الداخلية والتوازنات الموجودة، والتي هي من صلب ديننا وليست طارئة علينا كمسلمين، وفي هذا المقام، لا بد من ذكر كلمة قالها راعي كنيسة اللاتين في قطاع غزة، الأب منويل مسلم:-

( مشكلتنا كمسيحيين في الشرق، ليست مع المسلمين، ولكن مشكلتنا هي مع المسيحيين القادمين من الغرب، فهم الذين يجلبون لنا المتاعب).