مع الله في عرفات

عبد الباقي عبد الباقي

عبد الباقي عبد الباقي
[email protected]

من وحي الحج لعام 1993 م

قُمْ لَبِّ رَبَّكَ واسْتَجِبْ لندَاهُ

فَهُوَ الإِلهُ وإِسْمُهُ (أللهُ)

شَمَلَ العِبَادَ بِلُطفِهِ وَسَخَائِهِ

عَمَّ الوَجُودَ بِجُودِهِ وَغِنَاهُ

***

هَذَا نِدَاءُ اللهِ في مَلَكُوتِهِ

أللهُ أَكْبَرُ.. آهِ مَا أَسْمَاهُ

قُمْ وَلِّ وَجْهَكَ وابْتَغِ أُمَّ القُرَى

طَوبَى لِعَبْدٍ رَبُّهُ نَادَاهُ

فَأَجَبْتُ دَعْوَتَهُ وَقُمْتُ مُهَلِّلاً

لَبَّيْكَ يَا أللهُ.. يَا أَللهُ

وَقَصَدْتُ مَكَّةَ كَيْ أَحِجَّ وَارْتَجِي

عَفْوَ الإِلهِ وَحُبَّهُ وَرِضَاهُ

***

لَمَّا دَخَلْتُ البَيْتَ فَاضَتْ مُقْلَتِي

وَسَما فُؤَادِي في عُلا عَلْيَاهُ

وَشَعْرتُ أَنَّ اللهَ جَلَّ جَلالُهُ

حَفَّتْ بِقَلْبِي كَفُّهُ وَيَدَاهُ

وَسَرَتْ بِجِسْمِي نَفْحَةٌ قُدْسيَّةٌ

فَشَدَا اللِّسَانُ وَصَاحَ يَا غَوْثَاهُ

إِنيّ أَتَيْتُكَ تَائِباً وَمُلَبِّياً

فَأَقِلْ عِثَارِي أَنْتَ يَا رَبَّاهُ

هَذَا فْؤَادِي في يَدَيْكَ رَهِينَةٌ

فَاغْفِرْ بِلُطْفِكَ ذَنْبَهُ وَخَطَاهُ

فَأَنَا خَجُولٌ مِنْ ذُنُوبيَ كَثْرَةً

مَنْ لِلْمُسِيءِ سِوَى الإِلهِ إِلهُ

رُحْمَاكَ رَبِّي إِنَّ جِسْمِيَ وَاهن

وَالإثْمُ أَنْهَكَ كَاهِلي.. أَضْنَاهُ

إِنِّي بِعَفْوِكَ طَاِمعٌ  يَا رَبّنَا

فَأَجِبْ لِعَبْدِكَ سُؤْلهُ وَرَجَاهُ

وَالكَعْبَةُ الغَرَّاءُ طُفْنَا حَوْلَهَا

سَبْعاً فَكَانَ البَدْءَ مَا طُفْنَاهُ

طُفْنَا وَكَانَ الدَّمْعُ مِنِّي هَاطِلا

وَالقَلْبُ يَبْكِي وَالرَّجَاءُ دُعَاهُ

***

رُحْنَا نُعَظِّمُ للإِلهِ شَعَائِراً

نَسْعَى وَنَحْفِدُ.. نَهْتَدي بِهُدَاهُ

مَا بَيْنَ مَرْوَةَ وَالصَّفَا وهِضَابِهَا

حَيْثُ الخَلِيلُ أَفَاضَ في نجْواهُ

أَسْكَنْتُ فِيهِ عَلَى الطَّوَى ذرِّيَتِي

وَترَكْتُ ابْنِي وَاللَّظى تَصْلاَهُ

مِنْ دُونِ زَرْعٍ أَوْ مِيَاهٍ عِنْدَهُمْ

لاَ يَسْأَلُونَ سِوَاكَ يَا رَبَّاهُ

فَأَجَابَهُ رَبُّ العُلاَ وَأَغَاثَهُمْ

وَانْسَابَ زَمْزَمُ لِلرَّضِيعِ سَقَاهُ

هِيَ قِصَّةُ الإِيمَانِ في جَنَبَاتِهَا

تَصِفُ الذَّبيحَ وَأُمَّهُ وَأَبَاهُ

إِنِّي رَأَيْتُكَ يَا بُنَيَّ مُضَرَّجاً

بِيَدِي فَمَاذَا تَبْتَغي لِرِضَاهُ

فَأَجَابَ إسْمَاعِيلُ إِنِّي صَابِرٌ

إِنْ شَاءَ رَبِّي أَنْ أَكُونَ فِدَاه

ُ

هَذِي حَيَاتِي في يَدَيْكَ.. فَيَا أَبِي

إِفْعَلْ بِذَبْحِي مَا تَشَا وَتَرَاهُ

رَحِمَ الإِلهُ نَبِيَّهُ بِعَطَائِهِ

ذِبْحاً عَظِيماً يَفْتَدِي بِفَدَاهُ

***

وَوَجَدْتُ في عَرَفَاتِ حِينَ أتَيْتُهُ

صَبغَ البَيَاضُ صُخُورَهُ وَثَراهُ

فَلَقَدْ تَبّدَّلَ لَوْنُهُ فَكَانَّمَا

كُتَلٌ مِنَ الثَّلْجِ اعْتَلَتْ أَعْلاَهُ

مَلأَ الحَجِيجُ هِضَابَهُ وَشِعَابَهُ

مِنْ كُلِّ فَجَّ جَاءَهُ وَأَتَاهُ

فَرَأَيْتُ مُعْجِزَةَ الإِلهِ بِخَلْقِهِ

وَقَفُوا سَوِيّاً يَطْلُبُونَ رِضَاهُ

بِمَلاَبِسِ الإحْرَامِ جَاؤُوا كُلُّهُمْ

وَدُعَاؤُهُمْ.. لَبَّيْكَ يَا أَللهُ

فَفَقِيرُهُمْ، وَغَنِيُّهُمْ، وَذَلِيلُهُمْ

وَعَزِيزُهُم، لاَ يَسْألونَ سِوَاهُ

وَقَدْ اسْتَوى بِأمِيرِهِمْ مَحْكُومُهُمْ

فَجَمِيعُهُمْ لاَ يَرْتَجِي إِلاَّ هُو

رَفَعُوا الأَكُفَّ إِلَى السَّمَاءِ كَأَنَّمَا

يَوُمُ الحِسَابِ أَتَى وَكَانَ لِقَاهُ

وَرُؤُوسُهُمْ نَحْوَ العُلاَ مَشْدُودَة

وَعُيونُهُمْ تَرْنُو إِلَى عَلْيَاهُ

أَجْسَامُهُمْ مُخْضَلَّةٌ بِدُمُوعِهِمْ

وَالْكُلُّ يَبْكِي يَبْتَغِي رُحْمَاهُ

***

فِي نَفْرَةٍ نَزَلَ الحَجِيجُ إِلى مِنَى

كَيْمَا يَجُبَّ ذُنُوبَهُ وَخَطَاهُ

بِبُكَائِهِمْ وَدُعَائِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ

سَيْلٌ جَرَى وَاشْتَدَّ في مَجْرَاهُ

جَاؤُوا بِقْلبٍ خَاشِعٍ مُتَبِتّلٍ

حَتَّى يُؤَدُوا مَنْسَكاً.. مَعْنَاهُ

طَرْحُ الذُّنُوبِ جميها في رجمِةِ

إِبْليسُ عَبْدٌ رَبُّه أَشْقَاهُ

إِبْلِيسُ رَمْزٌ لِلشُّرُورِ بِأَسْرِهَا

وَلَقَدْ عَصَى.. فَالرَّجْمُ كَانَ جَزَاهُ

***

عُدْنَا لِمَكَّةَ كَيْ نُتِمَّ طَوَافَنَا

قَصْدَ الوَدَاعِ.. وَآهِ مَا أقْسَاهُ

عَادَ الفُؤَادُ إلى البُكَاءِ كَمَا جَرَى

حِينَ القُدُومِ، وَزَادَ في نَجْواهُ

وَدَعَوْتُ رَبِّي أَنْ يَمُنَّ بِعَوْدَةٍ

وَيُدِيمَ لِلْبَيْتِ العَتِيقِ بَهَاهُ

أن ينصر الإسلام في كل الدُّنى

وَيُعِزَّهُ وَيَصُونَهُ بِحِمَاهُ

***

يَمَّمْتُ وَجْهِي.. لِلرَّسُولِ أَزُورُهُ

شَطْرَ المَدِينَةِ.. أَرْتجِي لُقْيَاهُ

أَنَا مُسْلِمٌ حُبُّ الرَّسُولِ سَعَادَتي

رُوحُي وَمَالِي دُونَهُ وَفِدَاهُ

مَا إِنْ دَخَلْتُ مَقَامَهُ حَتَّى انْتَشَى

قَلْبِي وَهَلّلَ فِي لِقَا مَثْواهُ

أَطْرَقْتُ رَأْسِي رَهْبَةً وَمَحَبَّةً

فَاضَتْ دُمُوعُ الحُبِّ مِنْ رُؤْيَاهُ

وَجَثُوْتُ أُبْلِغُ صَاحِبَيْهِ تَحِيَّتِي

أَبْكِي الوَدَاعَ وَأَشْتَكي شَكْوَاهُ

صَلَّى عَلِيْهِ اللهُ مَا قَرَأَ الوَرَى

آيَ الكِتَابِ وَرَدَّدُوا فَحْوَاهُ

***

وَمَضَيْتُ لِلتَّارِيخِ أَقْرَأُ سِفْرَهُ

سِفْرَ البُطُولَةِ.. أَهْتَدِي بهُدَاهُ

زُرْتُ البَقِيعَ فَفِيهِ مَجْدٌ خَالِدٌ

فِيهِ الأشَاوِسُ لُحِّدَتْ بِثَرَاهُ

فِيهِ البُطَولَةُ خَلَّدَتْ فُرْسَانَهَا

فِيهِ الرُّجُولَةُ جَسَّدَتْ ذِكْرَاهُ

مَرَّغْتُ رَأْسِي فِي تُرَابِ قُبُورِهِمْ

وَجَثَوْتُ إِجْلاَلاً.. أَشُمُّ شَذَاهُ

وَقَرَأْتُ فَاتِحَةَ الكِتَابِ لِرُوَحهِمْ

وَدَعَوْتُ ربِّي أَنْ أَنَالَ رِضَاهُ

***

حَمْداً إِلهي قَدْ أَجَبْتَ رَجَاءَنَا

وَشَفَيْتَ قَلْبِي في نَوَالِ مُنَاهُ

أَكْرَمْتَنِي.. شَرَّفْتَنِي فَدَعَوْتَنِي

لأَدَاءِ فَرْضٍ.. آهِ مَا أَحْلاَهُ

أَدَّيْتُ حَجّاً.. وَاعْتَمَرْتُ بِعمْرَةٍ

زُرْتُ النَّبِيَّ، عَلَيهِ صَلَّى الله

فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَوْدَةٍ يَا رَبَّنَا

أَنْتَ المُجِيبُ.. وَلاَ سِوَاكَ إِلهُ