.فرويد وخرافة"شعب الله المختار"

م. الطيب بيتي العلوي

.فرويد وخرافة"شعب الله المختار"

(الفصل 2)

م. الطيب بيتي العلوي

مغربي مقيم بفرنسا

باحث في الانثروبولوجيا الدينية والثقافية بباريس

[email protected]

ان ارتباط اليهودي بأرضه الموعودة،هو تعبيرآخر عن تميزه على العالمين، وعن رغبة اليهود الكامنة في أن "تكتشف طبيعة الله للعالم"  كبير الحاخمات  ابراهام كوك

مدخل لا بد مه..

لامشاحة في أن تهويد الدولة العبرية بالكامل، هو الحلم الاسرائيلي ورؤيته المستقبليةالتي تنبع من الاحتفاظ بالتراث اليهودي الذي هو مصدرقوته، والدافع والمحفزلجميع اليهود من علمانيين ومتدينين ومارقين،

واذا كانت الصهيونية هي حركة علمانية- كما تصف نفسها-،واذا كان الغرض من انشاء الدولة اليهودية هو انقاد الملايين اليهود من اضطهاد"الجوييم" فلم فلسطين بالذات؟

فيأتي الرد الصهيوني ،بأن الصهيونية هي تجسيد لفكرة العودة الى فلسطين ،وهو تجسيد لا تتساءل الصهيونية عن طبيعته ، ولا من واجبها ذلك ، لأن الارتباط اليهودي بأرض الميعاد ،هو ارتباط "صوفي استسراري" لاعقلاني ،لم تنقطع أواصره عبر التاريخ، كما فسر ذلك المفكر الصهيوني الأمريكي "برانديز"  حين قال"ان الحنين الى فلسطين لم يبرح قط أفئدة اليهود والتملي من الهيكل لأكثر من ألفي عام " وقد لا يوافق الصهاينة "الليبيراليون " أمثال "بن غوريون" أو الماركسيون أمثال"بورشوف" علي صياغة الحاخامات لتصوراتهم للدولة العبرية ،ولكنهم مجمعون بكل انتماءاتهم على تلك "الرابطة الصوفية اللاعقلانية" التي تربطهم جميعا ب"أرض الميعاد" ولهذا تم الاصرار منذ البداية على ان التجمع في فلسطين  -ما عدا فئة قليلة منهم لم يعد لها أي وزن منذ حرب حيزران من الذين كان يطلق عليهم اسم "الصهاينة الاقليميون" الذين بحثوا في الاربعينات عن اية بقعة في العالم لانشاء "الدولة اليهودية" عندما عرضت عليهم جزيرة "جرينلاند"

واليوم ونحن على مشارف العام الجديد فماذا جد من جديد لدى الدولةالاسرائيلية؟

من المضحك المبكي أن مؤتمر" أنابوليس" اضحك العالم وابكاه بتناقضاته ومهاتراته وبلا جواه اللهم الا بتصريح حكام اسرائيل بالسيرقدما نحو التهويد ونحن في القرن الواحد والعشرين؟؟

بمعنى ،ان الصهيونية اثبتت للعالم "الحداثي" والديموقراطي بالمنظور الامريكي البراغماتي ان اسطورة العودة الرومانسية اللاعقلانية، قد تحولت الى واقع ملموس ،والى رؤية ،بل والى فلسفة الدولة الرسمي وكمنهج حياة ،ومعرفة ،ونظرية كونية، وبرنامج سياسي، ونهج اخلاقي وتربوي وثقافي...

فما الفرق ياترى ما بين تصريح المؤرخ والصحفي الاسرائيلي الملحد "توم سكيف" -بنصب الكاف- الذي أطلق كلمته النارية المتحدية بمناسبة ذكرى انشاء دولة اسرائيل امام المثقفين بباريس قائلا"...وحتى أولئك الثائرين ضد المتدينين اليهود، يعتبرون أن هولاء هم الممثلون الحقيقيون للهوية الاسرائيلية..."،أو بين تصريح زعيم الليكود المتطرف بفرنسا"جون كوب فيبر" عندما صرح لجريدة لوموند الفرنسية في 27 سبتمبرعام 2006"..ان الحقوق الاسرائلية تضمنها التوراة وليست تصريحات الأمم المتحدة"  فأي تحد للمجتمع الدولي وللانسانية أكثر من هذا ؟

يستخلص منهدا بكل وضوح لا لبس فيه،بأنه ستبقى القيم التاريخية والحضارية والدينية اليهودية التوراتية، هي أساس وجود اليهودي من مدينة تل أبيب الى "ساو بالو" كما توضحه كتاباتهم الحالية بكل اللغات الأوربية ،وبالامكان كتابة مجلدات عن "البروباجاندا' الصهيونية "لعلمانييهم " وملحديهم " في الصحف الغربية وخاصة الفرنسية، ليتأملها نخبنا جيدا،ولكي يحددوا رؤية واضحة لمشروع (قومي عربي –اسلامي موحد )والافلننتظر الطوفان نخبا وساسة وحكومات وشعوبا كما تخطط له مراكزالبحث في تل ابيب بمعية عواصم الغرب في حين ان  فلسطينيينا تقاتلون داخل فلسطين على سلطة لا يملكونها أصلا وعلى قطع ارض غير آمنين فيها ومههدين بان تتزلزل من تحت أقدامهم في أية لحظة بموجب"اجماع الكبار" وبمباركة "دول التسامح والاعتدال والخيانة"  في عالم يعيش فيه عالمنا العربي- حسب التعبير "الظريف والمأساوي " للمفكر المغربي الكبير "المهدي المنجرة"  بعالم "الذلقراطية"

ولاجرم أيضا، في أن الهوية الاسرائيلية مهددة من الداخل ،ل،ن جيل بن غوريون وموشي ديان وجولدا ميير ورابين وبيجين وشارون من" الصهاينةا لرومانسيين الحالمين" قد انتهى وولى، الا أن الدولة العبرية تدرك ان استراجيتها الوحيدة للبقاءلنشررسالتها الكونية –كما تزعم- هي للغرابة الشديدة ونحم مقبلون على العام الجديد- في  التتشبث بالقيم اليهودية المزيفية(الماورء-قبرية)التي هي وحدها - في زعم مفكريها من داخل اسرائيا وخارجها -الضامن لوجودها والسبيل الأوحد لاختراق الأنظمة العربية من سلطنة عمان الى نواكشوط بغية تسييرسياساتها الداخلية والخارجية على السواء، وبالمزيد من الاختراق(العمقي) للمؤسسات الغربية وتوجيه ثقافتها (بعيداعن قيم فولتير وروسو ولا روشوفكو،وديكارت و موننتسكيو،و كل منظري العقد الاجتماعي وعصرالتنوير الاوروبي لما بعد النهضة"

فرويد وموسى والتوحيد

وعودة بنا الى فرويدنا، لنرى كيف يفسرالدافع الذي دفع موسى –عليه السلام- للتبشير بعقيدة التوحيد بين اليهود؟

مناط اجابة فرويد ،أنه انبثقت في ذهن موسى ذي الطبيعة المقدامة، والذكاء الوقاد،والبصيرة النفاذة، فكرة الاستعاضدة عن الأمبراطورية الشاسعة الآفلة والمنهارة لمملكة"أخناتون"بسبب عقيدته الدينية التي سببت في الاطاحة بملكه ،فعزم موسى كأميرمصري طموح للسلطة- حسب زعم فرويد- باعادة الشعب الجاحد للتوحيد عبر امبراطورية جديدة، وبشعب جديد  يمنحهما موسى العقيدة الجديدة التي لفظتها مصر...

وحجة موسى في هذا المنحى هو-حسب زعم فرويد - أنه كما قال"  لعل موسى كان أحد حكام الأقاليم المصرية المجاورة للحدود(التي لم يحدد فرويد مكان تواجدها) فكان بحكم طبيعته ،عليما بأحوال القبائل السامية ،التي كانت تستوطن تلك الأقاليم أو تجوب ربوعها،. وقد اختار من بينها شعبه الجديد، موطدا بينه وينهم أواصر الألفة حين قادها للخروج من مصرسلمية-حسب زعم فرويد- ،و يحدد خروج اليهود من مصر بين عامي 1358و1350ق.م

."وبناء على 'لعل" هذه أفرغ فرويد"بوضعانيته اليهودية"كل هالات النبوة عن موسى، اذ  وصفه بأنه مجرد أمير جشع خطيرطموح للسيطرة والسلطة من "البيت الحاكم المصري"-حسب زعمه-

ويعترف فرويد بأن أحبار اليهود، قد أحاطوا موسى بأساطيرلا حصر لها ، وحاكوا حوله على مرالدهور من الروايات الخيالية، الأمر الذي أسبغ على موسى، الكثير من الغموض، كما تروى التوراة نفسها ،

وحقيقة الأمر هنا -والتي لم يتعرض لها فرويد بالرغم من كونه أحد اعمدة مؤسسي علم النفس الديني– أضيف بأن الغموض، هو الدعامة الرئيسية للتوراة، لكي تكون على مدى التاريخ حمالة أوجه بطريقة مقصودة، لكي يتم التلاعب بالنصوص لتأويلها حسب مقتضى الحال والظروف،وقد تم عرض شخصية موسى"الملغوزة" عبر التاريخ اليهودي "لتحيينها" و"تلوينها" وتطوريهاعبر التقلبات الفكرية الأوربية ، وللاستمرار بالامساك بتلابيب عقلية وجدان اليهود باللأغاز والأسرار،وبالتحديد منذ ظهور ما يسمىبعلوم "الخفائيات " و" الاستسرارات" في القرن الخامس الميلادي التى احتد فيها، الصراع الخفي حينا ،والسافر أحيانا اخرى، بين اليهودية والفلسفة الاغريقية، ثم المسيحية الفتية التي فضحت سجع كهان اليهود،فعجلت التجمعات اليهودية بظهورو"الهيرمونوتيكية"Hérmetisme كقراءة جديدة "للتوراتية-التلمودية" ،التى أخذت على عاتقها تبنى ابتداع منهج "التأويلات الرمزية الاستسرارية" للانجيل، تمهيدا لبروز مذهب القبالة "الخفائي"، مهادنة للفلسفة الاغريقية من جهة،و لتطويعها مرات أخرى حسب الأزمنة والظرفية السياسية ،استجابة لأغراض وأهداف اليهود الخفية ،بل ولاحتواء كلا من الفلسفة الاغريقية والمسيحية الغربيةعندما استعصت عليها الكنيسة الشرقية الأرثوذوكسية لاحقا،وهذا ما ميز "مدرسة الأسكندرية" الفلسفية التى وضعت اللمسات الأخيرة فى تلاقيها، ثم تعميق تقاطعها، بل وصراعها مع الكاثوليكية الغربية حينا من الدهر الا ان تم التصالح بينهما في القرن التاسع عشر، (وهو ما يفسر العداء  اليهودي السافر لمسيحي فلسطين بنفس العداء لأخوانهم المسلمين) وكما تبين تاريخيا فى ظهورالبروتستانتية ،والتجمعات الدينية السرية المغلقة ،مثل المحافل الماسونية المتنوعة(فى الغرب والشرق)والقراءات التحريفية للمسيحية ،وتغلغلها فى الاتجاهات الفلسفية الغربية (وأصول الاتجاهات الفلسفية اللاعقلانية معظمها من صنع فلاسفة يهود أوربيين، أمثال لايبنتز(الموفق بين الايمان اليهودي والفلسفة) وسبينوزا (في نظريته وحدة الوجود  اليهودية والفلسفة وبرجسون(في نظريته حول الطاقة الروحية في الايمان اليهودي والحدس السيكولوجي(  وليفي برول( في علم الظواهر) ودوركايم في الطوطيميات وغيرهم من المئات) ،-

 ثم تجلي التاثير التلمودي –القبالي" في كل مجالات الفنون وخاصة في مجالات 'الهندمة" والألبسة والسينما "والديكور"المعاصر لما تقدمه "القبالة من أسرار وافكارفي مجالات الاستلهامات  والابداعات الفنية ،وخاصة في فرنسا والولايات المتحدة حيث يعتبر اليهود القارة الأمريكية حقل تجاربهم الخصبة، والأمريكيين بمثابة"القطيع المدجن" السهل التطويع والتمييع..

ارتداد اليهود عن الوحدانية عند فرويد

ان ارتداد اليهود عن التوحيد بمنظور فرويد، يعرضه بكونه ،أن اخلاطا (ويقصد بالأخلاط عرب الجزيرة العربية الذين تهودوا من بدو يثرب وبني قينقاع وبني النضيرولم يتخلص فرويد من ثقافته  اليهودية لتكراره مصطلح الاخلاط الذي استعملها كثيرا في كتابه بالمفهوم التوراتي وليس بالمعنى الاثنولوجي الاصطلاحي)من القبائل المستوطنة للأراضي الواقعة بين مصر وكنعان، قد انضمت الى اليهود بعد خروجهم من مصر،.وكانت قبائل شمال شبه الجزيرة العربية تعبد كائنا تطلق عليه اسم "ياهوى"وبذلك- حسب فرويد –بان ما يطلق عليه اصطلاحا اسم "الشعب اليهودي" ينتمون الى عنصرين أساسيين=عنصر مصري التربية والعقيدة، وعنصر بدوي من شمال شبه جزيرة العرب.،وهذا ما ظهر حسب زعم فرويد فيما بعد من انقسام مملكة داوود وسليمان الى مملكتين= اسرائيل واليهودية،.وكان عدد اليهود المصريين أقل عدد من الذين انضموا اليهم من أبناء القبائل الأخرى ،ولكنهم بحكم توطنهم الطويل بمصركانواأسمى ثقافة وتحضرا. كما قال فرويد

خرافة شعب الله المختار

 وبعد أن افاض فرويد ،واستطرد في تفاصيل الوحدانية عند المصريين القدامى، وعند اليهود "المتمصرين"،يصل الى قضية ادعاء اليهود بأنهم شعب الله المختار، ليقرر بأنها"خرافة مطبقة"، ويقرربأن تلك الحالة لا نظير لها على الاطلاق في تاريخ العقائد الدينية البشرية،

ففي الحالات الأخرى –يقرر فرويد- يندمج الشعب ومعبوده اندماجا تاما منذ البداية ،وفي حالات أخرى يتحول شعب الى عبادة معبوده-حسب زعمه- أي يختار الناس معبودهم.،ولم يحدث قط –والحالة هذه- أن اختار اله عابديه.،فالمنطق –يقول فرويد- يفرض علينا أن نقرر أن موسى، قد جعل من اليهود شعبه، أي شعبه المختار، بعد أن تبين له عزوف المصريين عن الوحدانية

ولكي يرد فرويد على التساؤل الذي كان يطرحه في زمنه الكثير من الباحثين المتخصصين في دراسة الكتب المقدسة وتاريخ الديانات حول ماالذي فعله موسى لليهود؟(تلك الدراسات التي كانت كارثية على المسيحية والاسلام بالمنظور التاريخاني المركزي الغربي وبمنظور علم النفس الديني وعلوم الاناسة الغربية ممذ بداية القرن الثامن عشر)

 

كان مدار نظرية فرويد، أن موسى لاقي مصير الملك الفرعوني أخناتون -الداعي الى التوحيد- فقد عجزالتجمع اليهودي –لعوامل تتعلق بنفسيتهم وعقليتهم - احتمال فكرة دينية ذات طابع ديني روحاني رفيع، فثار اليهود –وفقا لتعبير فرويد- على موسى وقتلوه ،ويبني حكمه هذا على قصة التيه في سيناء، و تمرد اليهود على حكم موسى، وبلغ التمرد ذروته بعبادتهم العجل الذهبي ،وبغضب موسى وتحطيمه ألواح شريعته

ثم أتى على اليهود حين من الدهر ندموا على فعلتهم الوحشية ،وحاولوانسيانها في اللقاء اليهودي التاريخي المشهور"بقادس" الذي هو حسب فرويد بتاريخ يقع قبل عام 1215ق.من بعد تخلصهم من موسى

ويفسر فرويد طبيعة الصراع ما بين اليهود وموسى المتجلي في أن اليهود تخلوعن"آتون" اله المصريين واله أخناتون اله موسى ،ذي الصفات الوديعة والخلق الكريم ،الذي ينفر من العنف وينشد السلام ،فأحلوا محله الها يصفه فرويد بأنه  ="عنيف غضوب ضيق الأفق العقلي،محب لسفك الدماء،الذي وعد أتباعه بان يمنحهم ارضا تفيض لبنا وعسلا ،باغتصابها من سكانها الأصليين بحد السيف"

ولم تكن ديانة"ياهوى" اليهودية في بداية أمرها ديانة توحيد كاملة، فلقد اعترف "ياهو"-حسب فرويد- بالآلهةالأخرى ،ولكن على أساس أنه اقواهم.، وأجلهم قدرا ،وهذه فكرة تجافي فكرة موسى وعقيدته ذات الطابع السامي عن الاله،الذي هو اله واحد، يشمل الكون بأسره ،قوي رحيم، يطالب عابديه أن ينشدوا الحق والصدق ،وينبذوا السحر، والأساطيروالكهانة –كما يقول فرويد-

ويوضح فرويد مدى التاثير المصري في الديانة اليهودية عندما جاهد "اللاويون" من أتباع موسى ومواطنيه من المتصرين،في العمل على انتصار رب موسى، واحلاله محل الاله "البركاني" الأصل، حيث عملوا بعد موت موسى على استعادة شريعته وتطويرها ،والحفاظ على المتون المقدسة ،وقد تأثرت بتعاليمهم واخلاقهم فئة قليلة جدا من مثقفي"غير اللاويين"، سعوا الى التبشير بالمذهب الموسوي، ولكن في اطار ضيق

فرويد وطبيعة العنف الاسرائيلي

يعزو فرويد ،طبيعة العنف الاسرائيلي(وياليته شهد مذابح عكا ودير يس وغزة والخليل ورام الله وصبرا وشاتيلا والجرافات والمستطونات وانتهاك حرمة المسجد الاقصى وتحويل الاماكن المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين الى مراقص وحانات ومواخير للدعارة والشذوذ) اقول يرجع ارتداد اليهود عن الوحدانية وايثارهم عقيدة "ياهوى" الى طابع تلك العقيدة العسكرية( نموذج بن غوريون موشي ديان و بيجين و شارون".).اذ أن ياهو كما يفسر فرويد كان الها "بركانيا" غضوبا ميالا الى التدمير،وكانو حينها مقدمين على غزو غلسطين والفتك بسكانها الأصليين، للحلول محلهم، فكان أن صدفوا عن عباد اله موسى"آتون" الوديع(وقد كتبت الصحافة الاسرائلية وكل مفكري الصهيونية في الغرب  بعد حرب حزيران عن  انتصار "ياهو" العسكري الاسرائلي العنيد المقدام" على آمون" الوديع المسالم والخنوع"الذي وصفه فرويد بان "سلبية " آتون  تكمن في أنه يتصف كما يتصف صاحبها أخناتون بالوداعة والرقة وايثار السلام والتبشير بالمحبة بين الشعوب ،ولا سيما أن ظهور آمون جاء في عصر اتسم باستقرارأوضاع الأمبراطورية المصرية، وعدم الحاجة الى الروح العسكرية والروح القتالية التي هي من طبيعة اله اليهود "ياهو"

 ولكن نزعة ياهو التدميرية وطابعه العنيف المتأصلان فيه،أخذا يتلاشيان تدريجيا نحو صفات رب موسى القديم، الا ان انتقال الوحدانية من المصريين الى اليهود قد سلك –كمايقر فرويد- سبيلا تجلى في فكرة جديده مؤداها ،ان اليهود وقد أصبحوا "المؤمنين بامتياز" دون بقية الخلق والشعوب،فهم بالتالي "الشعب المختار" وهم الأوحدون الذين يتلقون بركاته وثوابه –كما يقرر فرويد-

وما كان ايمان اليهود المزيف بأنهم شعب الله المختار ليتواءم مع ما حفل به تاريخهم من اخفاقات ومكابدات ،فكان أن خلق أحبارهم من أعماق شعور اليهود عقدة الذنب ،ففسروا ما مروا به من أرزاء ،بأنه تكفيرعن ذلك الذنب، و سيأتي الوقت الذي يحطى به اليهود برضاء الله  كشعبه المختار"وما هم في الواقع الا شعب موسى المختار –كما يقول فرويد-.حيث تطور ايمانهم بعقيدة الشعب المختار، بفكرة ظهور شخصية الاهية اطلقوا عليها "المسيح المخلص" تتولي تحقيق الخلاص في اخضاع العالم لسلطانهم(لا كما يراه المسيحيون أو المسلمون) فالخلاص"مادي" الطبع وعنيف، وينصرف الى اليهود وحدهم دون بقية شعوب العالم.، وهنا يبدو جهل "الانجيليين الجدد" بالتعاليم التوراتية التي لا تبشر بالخلاص للمؤمنين من كافة الأديان جميعا، ومن جميع الأجناس والعناصر البشرية..

وأخيرا وليس آخراأ وحسب التجربة الصهيونية على الأرض منذ  قرابة قرن الآن ،فسيظل العنف للصهاينة ليس وسيلة فحسب ،بل غاية في حد ذاته،فاليهودي كانسان –حسب التصور اليصهيوني- في أمس الحاجة لممارسة العنف لتحرير نفسه من نفسه، و ذاته الطفيلية التي عمرها آلاف السنين لا يمكن أن تموت، وذاته الجديدة لا يمكن أن تولد، الا اذا قام اليهودي بهذا الفعل الذي كان يخشاه أجداده ،ذبح الجويم.،فالعنف هنا يصبح مثل الطقوس الدينية التي تمارسها بعض القبائل الطوطيمية البدائية، حينما يصل الفرد عندهم الى مرحلة الرجولة ،ويتجلى هذا جليا في كتاب "الثورة"الذي كتبه مناحيم بيغين في القرن الماضي، والذي أطلق عليه بعد النكسة "بفيلسوف العنف" حين كتب" أنا أحارب فأنا موجود"   ...فانظر !!!!

فمن  الدم ولنار والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال، نمودج غير معروف البتة في الألف وثمانمانمئة الماضية...، اليهودي المحارب اولا وقبل كل شيء، يجب أن نقوم بالهجوم  .،.نهاجم القتلة !!!!، وبالدم والعرق سينشأ جيل متكبر كريم قوي.." انتهى كلام بيغين

ان هدا الكلام المتتالي والرومانسي واللاعقلاني ما زال يشكل الأساس لمعظم الحكام والقادة الاسرائليين  حتى من الليبراليين و واللادينيين الذين يؤمنون مثلهم مثل الارثوذوكسيين، بأن الحرب والعنف مع العرب ليست وسيلة  فقط للحفاظ على الارض ،وللتخلص من المقاومة والتطرف –كما يزعمون- بل هي أيضا الطريقة الوحيدة "الاستطبابية النفسية" لتحرير اليهودي من عقد الخوف والذنب،ولاعادة صياغة نفسه،ليصبح ذلك "السوبرمان بالمفهوم النتشي" أي، أن يصبح المواطن الاسرائيلي ،الحاخام والمثقف ،والعامل ،والفلاح ،محاربا "كانتاج لا عقلاني لنقطة بذء لا عقلانية" كما فسر ذلك بوضوح الدكتور عبد الوهاب المسيري

 ولذا فمن اللامعقول أيضا تصور تعايش سليم ومنطقي  بين اليهود مع عرب 48 ،وفلسطينيي الشتات، وعودة المهجرين ،وايقاف بناء المستوطنات ،وفك الحصار، فيى مجتمع يحمل في جيناته هذا النزوع الى الكراهية والعنف حسب التصور اللاعقلاني الصهيوني، الذي يسكن القائمين على الحكم في اسرائيل'فمعظمهم من مريدي الصقور الاوائل"  الذين لن يحكموا الاعبر نزعة العدوانية الضارية الي هي صدى ايمان من الشعوبية الجائرة..