أندلس الشرق

محمد علي الحوماني

للشاعر محمد علي الحوماني

"شاعر لبناني لقي في سبيل جهاده الوطني الأمرين من غربة الدار والروح؛ فقد هاجر إلى مصر، وساح في الأقطار العربية الأخرى، ينفخ في أودية الشعوب العربية الغافية، عن ضياع المكارم والأمجاد والمقدسات. وهذا النص، من روائع الشعر الحديث الذي قيل في نكبة فلسطين.. أندلس الشرق".

ويـكِ يـا جامعة الـعُربْ ذوى       غُصُـنُ المجد ، ولمّا يكتسِ

أين من يومك في وادي  (طُوى)       يومُ (فردناند) في (الأندلسِ)؟

*     *     *

طـبّقت دنـياك أرجـاء الدُّنى        شـرراً يـرفضُّ  من كلِّ دمِ

وانـجلى أفْـقُك  وضّاءَ السّنى        يـطبع الآفاق من  كـلِّ فـمِ

فَـغرَسْنا  العـهدَ  من كلّ جنى       عـبقريَّ الـلون، غضّ الأدمِ

فـإذا جـيشك  خـفّاق  الـلوا

من تخوم الصين حتى الأطلسي

وإذا قـلب السُّـها فيه  انطوى

والـثـرّيا ثـرّة المـنبجـس

حـفـل اليرموك بالصِّيْد الأُلى        حـرّرت آبـاؤهم شـطآنهُ

عانـق الأردنُّ فـيه  الموصلا        والـشآمُ اعـتنقتْ عـمّانهُ

ومشـت مـصر تقود الجحفلا        تـتقي شُـهْب السما سودانهُ

فإذا (غزة)  سـوداءُ  الضـحى

وإذا  (اليرموك) ضاحي  الغلسِ

وإذا (صهيون) في شقي رحـى

يـتـلـقى  وثـبة  المفـترسِ

زمجرتْ  (نجدُ)  وثارت (جلّقُ)       فـاستفزَّ الذعرُ  قَلْبَ الرافدينْ

ومشى  تحت  العجاج (الأزرقُ)       بـالأنـاشيد  تـهزُّ الخافقينْ

وتـعالـى للـسـماء  (الأبلقُ)       هاتفاً  بالأسْد خلف  الغوطتينْ

فإذا المسلم  في بحـر الـدِّمـا

ينـشد العـزةَ فـوق (القدسِ)

وإذا يعـربٌ يُزجـيها الظـما

للمغـيريـن  عـلى  (نابلسِ)

ثـم مـاذا  كانَ والكـون دجا       والـسماء امـتلأت  بـالشُّهُبِ

ومشى الجنـد يشقّ  الـرّهجا       باعثاً في الأرض مجدَ العربِ؟؟

كانت (الهدنةُ) يا بئس الرَّجـا       فـي الأُلـى دانوا لها من كثبِ

عفّروا بالمشتري  وجهَ الثرى

وتـولانـا حـفـا ةُ الأرؤسِ

فـإذا الثـعلبُ  يحتلُّ الشَّرى

وإذا الليثُ  حبـيسُ النـفسِ

من رأى الأيِّمَ في عْرض الفلاهْ    نَـهْبَ ثُـكْلٍ وشقاء ووَصَبْ ؟

هتـكتْ حرمتَها أيـدي  الجُناه   مـن عـدويها: يـهودٍ وعربْ

فاستوى الموت لديـها  والحياةْ    تـحت بؤسينِ : هوانٍ وسَغَبْ

لا الأب الـحارس يَحميها ولا

هـيَ مـن أمتها فـي حرسِ

معـقلُ الآباء إذ مـنهم خـلا

عـاد بـالأبناء وَهْيُ الأسسِ

يـا لـها خرساءَ مـما تبصرُ    ضـيعةَ الطفل وخُسرَنَ الأبِ

 جـسدٌ عـارٍ وريـح صررُ    وجـهامٌ خـلف بـرق الخلّبِ

لـم يجد فيها الرَّدى ما يعصرُ   خفّ منها الثديُ والمرعى وَبِيْ

كيف تغنو الطفل والطفل خوى

وهي من حيرتها في محـبسِ؟

لـم تـجد غـير مآقـيها دوا

يا مـآقيَّ انـظري  وانبجسي

يا ابنةَ اليرموك صبراً وأسا      قـومك الأحرار لم ينقرضوا

لم يـفتنا إذ فقدنا (القُـدُسا)      كـلّ غيلٍ في شراه ربضوا

دوّخو الأرض قديما وعسى     بعد طول السَّبتِ أن ينتفضوا

ها هي الدنيا تـعود الـجفلا

من صياصيهم فـلا تبتئسي

ملـؤوا الدنيا قبوراً فـعلى

كـلِّ قـبرٍ أثـرِّ لم يدرسِ

ياابنةَ اليرموك لم يَطوِ الردى    قـومَكِ الغُلْبَ، فـفيمَ الجَزَعُ؟

ها هم اليـوم ، ويبقَوْن غدا     يـجدون الغيث حيث انتجعوا

الحـصى  زادوا عليه عددا     والسـما ضـاق بهم ما تَسعُ

غرسوا كلّ ثرى ، كلَّ جنى

يومَ أثروا  من سهامٍ وقِسي

ثم عادوا  والغني كل الغنى

يزدهيهم في السخيّ المفلس

أيها الـذادةُ مـن أسيادنـا      روّع الـذعرُ بكم قلبَ المسودْ

قـد أمـناكم على  أمجادنا      وعلـى التأمين وثَّـقنا العهودْ

فسلخنا الروح  من أجسادنا      وأقـمنا مـن ضحاياها سدودْ

فـإذا نـحن لكم  كنا الفِدا

  لا لِـسـيناءَ ولا  لـلقبسِ

  وإذا أنـتم على غير هدى

تسألون الهدي من لم يَسُسِ

أيُّها الراقدُ في بطن الثرى      ولـه في كل صدرِ مَرقـدُ

(طيبة) لفّتْ عليك المئزرا     وانـطوى بين يديها  الفرقدُ

يا رسولَ الله من أين نرى     وعلـينا كل باب موصـدُ؟

قد ملأنا الكون أرضاً وسما

وتـولانا صَـغارُ  الأنفسِ

هـل إلى عهدِكَ عَوْدٌ بعدما

جـاوزت  مكةُ دور العَنَسِ

يـا رسولَ الله إنّـا بشرُ    زاد فـينا الـعدُّ حتى نقصا

جاورَ الشمسَ قـديماً نفرُ    كنـتَ فيه البطل المُفترِصا

ثم أهوى نجمُهم فانتهزوا    فوق وجه الأرض تُرْباً وحَصا

رشدوا إذ كان عهدُ المصطفى

بيـنهم وضّـاءَ لـم يلـتبسِ

ثم ضـلّوا إذ جَـَفْوه  فـعفا

ونـسُوا  نفسَهُمُ حـين  نُسي