قطوف وخواطر

عبد المنعم مصطفى حليمة

عبد المنعم مصطفى حليمة

" أبو بصير الطرطوسي "

الصفحة الثامنة والعشرون: أرقام الخواطر من 361 إلى 380.

 361- نزعةُ حُبِّ التَّشَفِّي والانتقام!

نزعةُ حبِّ التشفي والانتقام لها في النفس جاذبية قوية .. قد تعلو جاذبية الشهوات والنوازع الأخرى .. فمن ألجمها بالنَّقلِ والعقل سلِم .. وأمِن شرّها وغوائلها .. ومن ترك لها العَنَان .. وفقد السيطرة عليها .. أوردته المهالك .. والسجون .. وأفقدته كثيراً من الخيرات .. وربما كانت سبباً في أن يلقى حتفه باكراً .. رغم أنفه!

من هنا جاء التوجيه الرباني يأمر ويحض على كبح جماح حب التشفِّي والانتقام .. فقال تعالى:) وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران:134. وما أقل من يقدر على ذلك!

وقال تعالى:) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (النازعات:40-41. ومن نهي النفس عن الهوى؛ نهيها وتحريرها من أسر وضغط وملاحقة حب التشفي والانتقام .. وما أقل من يقدر على ذلك!

  وقد جاء في الحديث الصحيح:" ليس الشديد بالصَّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " .. وما أقل من يقدر على ذلك!

  وقال r:" من كظم غيظاً وهو قادرٌ على أن يُنفِذَهُ دعاهُ الله U على رؤوس الخلائق يومَ القيامة حتى يُخيِّرهُ الله من الحورِ ما شاءَ ".

* * * * *

362- أسيرُ حبِّ التشفِّي والانتقام!

  كل أسير يتحرر من أسره مهما طال أسره .. ومهما كان نوع أسره .. إلا أسير حب التشفي والانتقام .. فيظل يتلوَّى على فراشه الأيام .. والشهور .. والسنين الطوال ـ كأن في ظهره وخز الإبر والأشواك ـ أسير أحقاده .. وثاراته .. وحب الانتقام والتشفِّي .. لا يعرف الراحة .. ولا النوم .. ولا صفو البال .. إلى أن يشفي غليله وأحقاده بالانتقام .. والثأر .. ولو في الباطل .. وهذا فيه نوع عبودية لنفسه المليئة بحب التشفّي والانتقام .. وله حظ من قوله تعالى:) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (الفرقان:43.

  وإني لأعرف رجلاً لشدة ما يجد في نفسه على شانئيه .. ينزف أنفه دماً .. لا يتوقف إلا بعد أن يشفي غليله بالانتقام ـ بحسب ما يقتضي المقام ـ ممن أثاره وأغضبه!      

* * * * *

363- أسوأ الميسِر!

  أن يُقامر المرء على ماله .. وأبنائه .. وبناته .. فيخسر ماله وأبناءه وبناته أمر سيء .. وسوءه معلوم .. لكن الأسوأ منه أن يُقامر المرء على آخرته .. وعلى الجنة أو النار .. فيراهن على الإيمان والكفر .. فيختار الكفر على الإيمان .. من قبيل المقامرة والمغامرة .. ليرى النتيجة يوم القيامة .. يوم لا ينفع مال ولا بنون .. يوم لا ينفع الندم .. يوم يعض الملحد على يديه حسرةً أن جعل آخرته عرضة للميسر والمقامرة كأي متاع .. يوم تَسوَدُّ وجوه المقامِرين .. يوم يُقال له إقرأ نتيجة مقامرتك ومغامرتك بنفسك:) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (الإسراء:14.

  وما أكثر الملحدين المقامرين المغامرين في هذا الزمان .. الذين أدمنوا المقامرة واللعب بالميسر .. الذين يتعاملون مع مسائل الإيمان والكفر .. مسائل الآخرة .. على أنها من جملة المسائل التي تقبل المقامرة .. واليانصيب .. إما أن تربح وإما أن تخسر .. فيختارون الجحود .. والكفر .. والإلحاد .. على الإيمان .. ليُفاجَأوا يوم القيامة بسوء ووبال اختيارهم .. ومقامرتهم .. فهذا أسوأ الميسر وأضرَّه على صاحبه .. لو كانوا يعلمون! 

* * * * *

364- فُشُو القلَم.

  قد كثر الكلام .. والقيل والقال .. وقلّت الأفعال .. انظروا كم يُكتب في اليوم .. وكم من مقال يُقال ويُكتب في اليوم .. وكم صفحة تُسوّد في اليوم .. لو قلنا بالملايين .. بل وعشرات الملايين .. لما أخطأنا في العدّ والحساب .. ولكن أين القرّاء .. وأين العاملون .. أين الأعمال .. والأفعال التي توازي الأقوال .. فهي قليلة جداً قياساً لما يُكتب أو يُقال!

  وهذا من فشو القلم الذي أشار إليه النبي r في قوله:" بين يدي الساعة فشو القلم ... ". ومن فشو القلم هذا الكم الهائل الذي يُطبع وينشر في كل يوم .. هذا التنوع الضخم في الأقلام ومتعلقاتها من المداد والأوراق .. فنحن حقاً نعيش زمن فشو القلم .. زمن ترف القلم .. وهذا من جملة دلائل نبوة سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه .. حيث أنه r قال هذا الحديث الشريف في زمنٍ كانت أمة الإسلام أمة أميّة لا تعرف القلم .. ولا كيف تستخدم القلم .. ولا كيف تقرأ ما يُكتب بالقلم .. صدق الله العظيم:) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (النجم:3-4.

* * * * *

365- الظلم في الدعاء!

  كم من والدة ـ في لحظة غضب وانفعال ـ تدعو على ولدها بالموت والهلاك ..!

وكم من شخص يضيق صدره بمخالِفه، فيطالبه ـ لمجرد أن خالفه في مسألة أو وجهة نظر، قد يكون للمخالف وجهة نظر معتبرة وراجحة ـ بالمباهلة .. ويدعو عليه بالهلاك .. والموت .. والثبور .. وأن تنزل بساحته البلايا والمصائب!

وكم من حقود لأدنى خلاف أو مخاصمة مع مخالفيه .. يقوم في الليل ليدعو عليهم .. لا ينهضه من فراشه سوى الرغبة في الدعاء عليهم .. وهذا كله من الظلم والعدوان في الدعاء .. والله تعالى لا يحب الظلم .. ولا يستجيب للظلم .. أياً كان نوعه أو كان سببه!

  كما في الحديث القدسي:" يا عبادي إنِّي حرّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرَّماً، فلا تظَّالموا " مسلم. 

* * * * *

366- نِعمَةٌ يَغفَلُ عنها كثيرٌ من الناس!

  مِن نِعَم الله العظيمة التي لم يقدر كثير من الناس قَدْرَها .. ولو ظلوا طيلة حياتهم ساجدين لله U لما وفَّوا حقَّها .. وهي أن الله تعالى قد سبقت رحمته غضبَه ونقمتَه، كما في الحديث الصحيح:" إن الله كتبَ كتاباً قبل أن يخلقَ الخلقَ: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش " البخاري.

  الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه عدَدَ خَلقِه، ورِضى نفسه، وزِنَةَ عرشِه، ومِداد كلماته .. أن جعل ربنا U رحمتَه تسبق غضبَه .. تصوروا لو أن الأمر كان بالعكس؛ غضبه سبق رحمته .. ماذا سيكون حالنا .. وحال كوكبنا الجميل الذي نعيش فيه .. لربما كانت الزلازل والبراكين .. والكوارث لا تهدأ ولا تتوقف، ولا تجعل الإنسان يهنأ بعيش ولا حياة .. ولربما رأينا كثيراً من الناس تتطاير رؤوسهم عن أجسامهم وهم يمشون في الأسواق يُؤخذون بذنوبهم ومعاصيهم في الحال .. لكن الحمد لله أن الله تعالى ـ على ما فينا من ذنوب وتقصير ـ يأخذنا ويعاملنا برحمته .. وأن رحمته سبقت غَضَبَه .. ما أجملها وأعظمها من نعمة لو كنتم تعلمون!

* * * * *

367- فِقْهُ الحَدَث.

  من فقه ونباهة المرء أن يفقه الأحداث التي تنزل به .. وبساحته وبمن حوله .. ويفقه غاياتها .. ودلالاتها .. ومضامينها .. وعِظاتها .. والعِبر والدروس المستخلصة منها .. فلا يمر عليها مرور من لا يسمع ولا يُبصر، ولا يعتبر .. ولا يفقه شيئاً!

  كم من حدَث بل كم من آية باهرة .. يمر عليها الناس .. وهم عنها وعن مضامينها ودلالاتها .. ساهون لاهون .. غافلون!

  ما من حدَث ينزل بالمرء ـ سواء كان خيراً أم شرَّاً ـ إلا وله رسالة .. ودلالة .. وفيه عبرة وعِظة .. علمها صاحبها أم لم يعلمها .. والفقيه هو الذي يفقهها ويعرفها .. ومن لم يعرفها حري به أن يسأل عنها أهل الذكر والفقه .. فيعرّفوه عليها!

  عن محمد بن سيرين أنه لما رَكِبَه الدَّين اغتمَّ لذلك، فقال: إني لأعرف هذا الغم بذنبٍ أصبته منذ أربعين عاماً!

  تأملوا .. لم يدَع هذا الغم ـ الذي نزل به ـ يمر من دون أن يعرف سببه .. والغاية منه .. فظل يُحاسِب نفسه .. ويعود بها إلى الماضي .. حتى وجد أنه قد أصاب ذنباً قبل أربعين عاماً .. قد عُوقِب عليه بعد أربعين عاماً .. وهذا من فقهه وورعه رحمه الله.  

  بينما في زماننا يفعل المرء الموبقات والمهلكات من الخطايا والذنوب .. فإذا نزل به عقاب أو بلاء .. اعترض .. وسخط .. وأساء الظن بالله .. وتساءل عن سبب نزول هذا البلاء به!

* * * * *

368- لا تَقطَع رَحِمَك!

  أعني لا تزوّج ابنتك أو من تلي أمرهن من النساء من فاسِقٍ ظالم .. لأنه لا يُراعي في رحمها حقَّاً ولا حرمة .. فتراه أول ما يقوم به .. ويهتم له في حياته الزوجية: كيف يستملك زوجته كما يستملكُ أيَّ متاع .. وكيف يفصلها عن رحمها .. وكيف يفصل ويُبعِد رحمها عنها .. وهو من أجل تحقيق ذلك لا يتورَّع أن يعصي الله فيها، وأن يختلق المشاكل والعراقيل .. والمرأة حينئذٍ لا تملك من أمرها شيئاً .. كما يصعب عليها الاختيار لو خُيرت بين رحمها وزوجها .. وقد أُثِر عن بعض السلف قولهم:" مَن زوَّج كريمته من فاسِقٍ فقد قطَعَ رحمها "؛ فمرادهم ما أشرنا إليه ... فالحذَر، الحذر!

* * * * *

369- البريد.

  صغائر الذنوب بريد إلى الكبائر، والكبائر بريد إلى الكفر، والكفر بريد إلى الخلود في النار.

  والنَّظر بريد إلى العشق، والعشق بريد إلى القبلة والخلوة، والقبلة والخلوة بريد إلى الزنى، والزنى بريد إلى المرض، والمرض بريد إلى الموت .. والموت على معصية بريد إلى النار إن شاء الله .. فاتقِ الله يا عبد الله وليكن بريدك كله طاعة لله، وفي طاعة الله .. الذي يوصلك في النهاية إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

* * * * *

370- رجالٌ صنعتهم الدعاية!

  كم من رجل صنعت منه الدعاية الحكومية أو الحزبيّة رمزاً مقدّساً .. وعالماً كبيراً .. ومرجعاً لا يُعقّب عليه .. وسياسيّاً لا يُعلَم له نِدٌّ .. وعند المراجعة والتحقيق نجد هذا الرجل أو  هؤلاء الرجال دون هذه المكانة التي صنعتها لهم الدعاية بكثير .. وأن مناهجهم .. ومواقفهم .. وكلماتهم التي قالوها وسطّروها .. مليئة بالأخطاء المنهجية والعقائدية والفكرية والسياسية التي لا تليق بطالب علم مبتدئ .. حديث التجربة في هذه الحياة!

حقاً الدعاية في زماننا .. تمارس دور السحرة في زمن فرعون!

* * * * *

371- الدُّنيا التي يتقاتل عليها الناس!

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" لو كانت الدُّنيا تَعْدلُ عند الله جَناحَ بعوضةٍ ما سَقَى كافراً منها شَربَةَ ماءٍ ".

وقال صلى الله عليه وسلم:" ما الدُّنيا في الآخرةِ إلا كما يمشي أحدُكُم إلى اليمِّ، فأدخَلَ إصبعَهُ فيه فما خرجَ منه فهو الدُّنيا ".

وعن عبد الله بن مسعود t، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:" إنِّي لأعلمُ آخِرَ أهلِ النارِ خروجاً منها، وآخِرَ أهلِ الجنَّةِ دخولاً؛ رجلٌ يخرجُ من النَّار حَبْواً، فيقولُ اللهُ: اذهب فادخُلِ الجنَّةَ، فيأتيهَا فيُخيَّلُ إليه أنها مَلأى، فيرجِعُ فيقول: يا ربِّ وجدتُها ملأى، فيقولُ: اذهب فادخُلِ الجنَّةَ، فيأتيها فيُخيَّلُ إليه أنها مَلأى، فيرجعُ فيقول: يا ربِّ وجدتُها ملأى، فيقولُ: اذهَب فادخُلِ الجنَّةَ، فإنَّ لك مِثْلَ الدُّنيا وعشْرة أمثالِها، أو: إنّ لك مِثْلَ عَشْرَةِ أمثَالِ الدُّنيا، فيقولُ: تسْخَرُ منِّي، أو تضحكُ منِّي وأنتَ المَلِكُ ". فلقد رأيتُ رسولَ اللهِ r ضَحِكَ حتى بدَت نواجِذُهُ، وكان يقول:" ذاكَ أدنى أهلِ الجنَّةِ منزِلَةً " متفق عليه.

سبحان الله ما أعظَمَه .. وما أعظمَ مُلْكَهُ .. وما أعظَمَ جزاءه .. إنه العطاء والجزاء الذي يليق بجودِه وكرمه .. وسعةِ مُلكِه .. وكمالِ أسمائه الحسنى وصفاته العُليا!

* * * * *

372- أَسرَقُ الناسِ وأبخَلُهم.

  قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" أسرَقُ الناسِ الذي يَسرقُ صلاتَهُ؛ لا يُتمُّ ركوعَها ولا سجودَها، وأبخلُ الناسِ من بخلَ بالسَّلام ".

* * * * *

373- شَبابٌ لا يتَّعِظ ولا يستفيد!

  من الشّباب من لا يُريد أن يتعظ ولا أن يستفيد من تجارب .. وأخطاء .. ومعاناة الآخرين .. ممن لهم سابقة تجربة وخبرة في هذه الحياة ودروبها .. ومناهجها .. فتراهم يريدون أن يجربوا بأنفسهم ما جربه الآخرون من قبلهم، ويكرروا أخطاءهم .. فيجربون مناهج ومسالك الإرجاء والتفريط كلها .. ثم بعدها ينتقلون ليجربوا بأنفسهم مناهج الغلاة والإفراط كلها .. ويعيشون كدر وقلق ومخاطر المنهجين .. وفي النهاية وبعد رحلتين طويلتين شاقتين محفوفتين بالخطر مع المنهجين المتناقضين ـ لمن سَلِم منهم وشاء الله له أن يَسلم ـ وبعد أن يكون قد مضى من العمر الشيء الكثير .. وذهبت مرحلة العطاء والشباب عند أكثرهم فيما لا نفع فيه .. يعودون إلى رشدهم وصوابهم من جديد .. إلى المنهج الوسط الحق ـ منهج أهل السنة والجماعة ـ من غير جنوح إلى إفراط ولا إلى تفريط .. وكانوا بغنى عن خوض غمار هذه التجارب التي لا تُؤمَن عواقبها .. والتي ضررها أكبر من نفعها .. لو اتّعظوا واستفادوا من تجارب وأخطاء الآخرين!

* * * * *

374- الذي لم يَمُتْ.

  هو الذي تبقى آثاره النافعة تتحدث عنه وتُحيي ذكره واسمه بعد موته دهراً طويلاً .. ككتاب نافع يضرب الأمصار .. أو صدقة جارية .. أو جهاد في سبيل الله .. وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي تُخلّد ذكر صاحبها على لسان الأجيال من بعده .. فيترحمون عليه .. ويثنون عليه خيراً .. ويبقى ذلك دهراً .. وما شاء الله له أن يبقى .. وفي الحديث:" أيما مسلمٍ شهدَ له أربعةٌ بخير أدخله الله الجنة "، فقلنا: وثلاثة؟ قال:" وثلاثة "، فقلنا: واثنان؟ قال:" واثنان "، ثم لم نسأله عن الواحد. البخاري.

  كم من عالم عنده عدد من الأبناء .. فلم يخلدوا ذكره .. ولم يكونوا سبباً في تخليد ذكره واسمه .. بينما الذي خلّد ذكره بالخير بين الناس .. كتاب أو علم نافع تركه من بعده للناس .. فكان الكتاب النافع ـ من هذا الوجه ـ خيراً لصاحبه من الأبناء!          

 * * * * *

375- زيارة المستشفيات.

  كما في زيارة المقابر والأموات عِظة وعبرة .. وتذكير بالآخرة .. وبهادم اللذات .. ولأجل ذلك قد رغَّب النبي r بزيارتها .. كذلك زيارة المستشفيات .. ومشاهدة من فيها من المرضى .. يُذكّر الزائر بفضل الله عليه .. وبنعمه الوافرة عليه التي لا تُحصى .. وأنه كان من الممكن أن يكون واحداً من هؤلاء المرضى .. طريح الفراش مثلهم لا يقوى على الحراك .. ولا على الانتفاع أو التلذذ بشيء من نعم الحياة .. لولا فضل الله عليه .. وأن الله تعالى قد سلَّمه وحفظه .. وهذا مما يحمله على شكر الله .. ومداومة الشكر .. والعرفان بفضل الله عليه .. هذا غير الأجر الذي يناله بسبب زيارته للمريض، كما في الحديث:" مَن عادَ مريضاً لم يَزَل يخوضُ في الرحمة حتى يجلس، فإذا جلَسَ اغتمَسَ فيها ".

  لأجل ذلك يُستحسَن للمرء .. بين الفينة والأخرى .. وكلما غلبه النسيان .. أو شعر بالجفاء وقساوة القلب .. أن يزور المستشفيات .. ويتفقد بعض من فيها من المرضى .. حتى لو لم يكن بينه وبينهم سابق معرفة.

* * * * *

376- لا تنقلوا القَيءَ والبَعْرَ!

  بعض الإخوان ـ لقصد صالح ـ ينقلون لنا ما يصدر عن بعض أهل البدع والأهواء .. والإرجاف .. لكي ننشغل بالرد عليهم وعلى كلماتهم!

  ولهؤلاء الإخوان ـ حفظهم الله ـ أقول: ليس كل ما يصدر عمَّن تتآكلهم البدع والأهواء .. والمذاهب المنحرفة الضالة .. يُستحسن نقله .. ليس كل قَيءٍ أو بَعْرٍ يصدر عن هؤلاء القوم يجوز أن يُحمَل أو أن يُنقل .. أو أن يُشَاع .. لأن في نقله .. والانشغال بالرد عليه .. إذاعة للبدعة ذاتها .. وتعريف الناس بها وبصاحبها .. كما فيه أذى للناس .. ولعقولهم .. وأذواقهم .. وهذا مطلب يستشرف له أهل الأهواء والبدع .. والإرجاف .. ويدفعون في سبيله الغالي والنفيس .. فلا ينبغي أن نحققه لهم بسهولة .. ومن دون ضرورة ملحة .. وضمان أن تكون المصالح راجحة على المفاسد.

  ثمَّ أن القافلة تسير والكلاب تنبح .. فليس كل نُباحٍ يُستحسَن الالتفاتُ إليه!

* * * * *

377- جمالُ الطبيعَةِ وعظَمَةُ الكونِ!

  مما يُنعِشُ القلبَ .. ويُريح النفسَ .. ويرد لها عافيتها ونشاطها .. استنشاقُ نسمة هواء نقية منبعثة من تمايل أغصان الأشجار، أو حركة تدافع أمواج البحر، أو عَبَقِ الأزهار والورود .. وإرسال النظر والفكر في جمال الطبيعة الخلابة في مناظرها وتقسيماتها؛ في البحار، والأنهار، والأشجار، والجبال، والسهول، والوديان .. وما يسكنها من أسماك، وحيتان، ودواب، وأنعام، وطيور .. وغير ذلك من مخلوقات الله العجيبة الفريدة .. وإعمال الفكر والنظر في عظمة هذا الكون .. وما أودع الله فيه من آيات وكائنات وجمال .. يحملك ـ رغماً عن أنفك ـ أن تقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم!

  هذه الأرض بجمالها الخلاب الأخَّاذ للقلوب .. ومعها السماوات وما فيهن من آيات باهرات .. هي المعرَض البديع الفريد الذي عرَضَه الله علينا .. وأمرنا أن ننظر فيه نظر الاعتبار .. والتأمل .. والتدبر .. لا نظر الغافلين المعرضين .. لنعلم أنه الحق I، وأن ما سواه فهو الباطل، كما قال تعالى:) قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (يونس:101. وقال تعالى:) وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأنعام:99.

* * * * * 

378- لكي تَظهَر عبر وسائل إعلامِ الطغاة!

  لكن اعلم ـ في نفس الوقت ـ أنك بذلك قد ازددت من الله ورحمته بعداً .. كما في الحديث:" ما ازدادَ أحدٌ من السلطان قُرباً إلا ازدادَ من الله بُعداً ". هذا في السلطان .. فكيف إذا كان هذا السلطان طاغية من الطغاة الذين يُحادّون الله ورسولَه ..؟!

  من تلبيس إبليس على بعض هؤلاء الدعاة الذين ازدادوا من الطغاة قرباً .. وازدادوا من الله بُعداً .. أنهم يفسرون القبولَ الآتي من قِبل الطغاة وقصورهم .. ومحافلهم .. وجنودهم .. أنه علامة على القبول لهم في السماء .. وأن الله تعالى قد وضع لهم القبول في الأرض .. وهذا لعمر الحق عين الجهل والضلال .. لو كانوا يعلمون!

* * * * *

379- علاماتُ القبول في السماء والأرض.

  ومنها: حسن الخاتمة .. فمن أحبه الله ـ وأراد له القبول في الأرض وفي السماء ـ استعمله بأحب الأعمال إليه قبل موته .. نسأل الله تعالى لنا ولكم حسن الخاتمة..

  كم من عالم مات غريباً .. وحيداً .. سجيناً .. طريداً .. ثم ـ بعد موته ـ وضع الله له ولآثاره وعلمه القبول في الأرض .. وأجرى الثناء الحسن له على ألسنة الناس .. ولقرونٍ عدة .. شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مثالاً على ذلك .. وما أكثر الأمثلة الدالة على ذلك لو أردنا الاستدلال والاسترسال!

  وفي المقابل كم من طاغية ظالم هتفت باسمه الجماهير والملايين المملينة من الناس .. وفدوه ـ في حياته ـ بالروح والدم .. ثم لما مات وهلَك .. ومضى على موته أيام قلائل .. هتفوا بلعنه .. وسبه .. ونَسَوه .. وتبرؤوا منه .. وكأنه لم يكن موجوداً بينهم .. وما أكثر الأمثلة الدالة على ذلك لو أردنا الاستدلال والاسترسال!

* * * * *

380- الحيَاءُ والخَجَل..

  في كثير من الأحيان يُستخدَم الحياءُ في موضع الخَجَل، والخجَل في موضع الحياء .. ويُحمل أحدهما على معنى الآخر .. والصواب أنه يوجد فرق بينهما:

r شُعبةً من شعب الإيمان.

إذا قوي الحياءُ .. قويت بقوته مناعة الإنسان في مواجهة المحظورات .. والمنكرات .. وضعفت جرأته على مقارفة الحرام.

والمرء كلما ضعف حياؤه كلما ازدادت جرأته على مقارفة المحظورات .. فإذا انتفى الحياء مطلقاً .. انتفت بانتفائه المناعة مطلقاً .. وأصبح المرء حينئذٍ لا يأبه ولا يُسَاء إذا ما ارتكب المنكرات والسيئات .. وطاوع شهواته في الحرام جهاراً نهاراً .. لذا قد جاء في الحديث:" إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت " البخاري. فإذا كنت لا تستحي من الله .. ولا من عباد الله .. فما الذي يمنعك أن تصنع ما شئت؟!

أما الخجَل: فهو خُلُق سلبي مذموم؛ من معانيه وآثاره الحيرة والدهشة، والاستكانة، والذِلّة .. يحمل صاحبه على الانكماش في موضع الانبساط، والاحجام في موضع الإقدام، والجبن في موضع الجرأة والشجاعة، والسكوت في الموضع الذي يتعين أو يُستحسن فيه الكلام .. تُنتَهك حرماته .. ويُغتصَب حقه .. ويبقى ساكناً لا يتحرّك ولا يتكلم خوفاً وخجَلاًَ .. وقد جاء في الحديث:" لا يمنعنَّ رجلاً هيبةُ الناسِ أن يقولَ بحقٍّ إذا علمَه؛ فإنه لا يُقرِّبُ من أجلٍ ولا يُبعِد من رِزقٍ ".

وقال r:" لا يَحْقِرَنَّ أحدُكُم نفْسَه " قالوا: يا رسولَ الله كيف يحقِرُ أحدُنا نفسَه؟ قال:" يرى أمراً لله عليه مقالاً ثمّ لا يقول فيه، فيقول الله U

* * * * *

381- ... يتبع في الصفحة التّالية إن شاء الله..