سيكون هناك وقت - تي. إس. إليوت

clip_image002_4164d.jpg

الرجال الجوف

السيد كروتز - مات

بِنسٌ لغاي العجوز.

-1-

نحن الرجال الجوف

نحن الرجال المحشوين

نميل معاً

رؤوسنا مليئة بالقش. ويلاه!

أصواتنا الجافة، عندما

نهمس سوية

خفيضة لا معنى لها

كالريح في العشب الجاف

أو أرجل الفئران فوق كسر الزجاج

في قبونا الجاف

شكلٌ بلا هيئة، ظلٌّ بلا لون،

قوة مشلولة، إشارة بلا حركة؛

أولئك الذين وصلوا

بأنظار مصوّبة، إلى مملكة الموت الأخرى

فليذكرونا – إذا فعلوا – لا بصفتنا أرواحاً

تائهة ومتقدة، وإنما بصفتنا

الرجال الجوف

الرجل المحشوين فحسب.

-2-

أعين لا أستطيع لقياها في الأحلام

في مملكة الموت الحُلمية

لا تظهر:

هناك الأعينُ

شعاع شمسٍ على حطام عمود

هناك تتأرجح شجرة

وفي غناء الريح

أصوات

أبعد وأكثر جلالاً

من نجم يذوي.

لا تدعني أجُل أكثر

في مملكة الموت الحُلمية

ودعني أرتدي

أزياء مُحكمةَ الخفائية

معطف فأر، وجلد غراب، وهراوات متقاطعة

في حقل

أفعل فيه كما تفعل الريح

لا أكثر –

لا ذاك اللقاء الأخير

في مملكة الشفق

-3-

هذه الأرض الموات

هذه أرض الصبّار

هنا تُرفع الصور

الصخرية، وهنا تُقبل

ابتهالات يد رجل ميت

تحت بريق نجم ذاوٍ.

أذات الشيء في

مملكة الموت الأخرى

المشي وحيداً

في الساعة التي

نرتجف فيها رقة

وتودّ الشفاه لو تقبّل

وتصلّي لحطام حجر.

-4-

الأعين ليست هنا

ليست هناك أعين هنا

في وادي الأنجم الذاوية هذا

في الوادي الأجوف هذا

فك ممالكنا الضائعة المهشم هذا

في آخر الملتقيات هذا

نتلمس طريقنا معاً

ونتجنب الحديث

مجتمعين على شط النهر الطنّان هذا

عميٌ، ما لم

تظهر الأعين مجدداً

كالنجمة الأبدية

زهرة مملكة الموت

الحلميّة المورقة

أمل الرجال

الخاويين فقط.

-5-

ها نحن ندور حول الثمرة الشائكة

الثمرة الشائكة الثمرة الشائكة

ها نحن ندور حول الثمرة الشائكة

صباحاً الساعة الخامسة.

بين الفكرة

والحقيقة

بين الحركة

والفعل

يدنو الظل

لأن لك المُلك

بين التصور

والخلق

بين العاطفة

ورد الفعل

يدنو الظل

الحياة جد طويلة

بين الرغبة

والرعشة

بين القدرة

والوجود

بين الجوهر

والنزول

يدنو الظل

لأن لك المُلك

لأن لك

الحياة هي

لأن لك الـ

بهذه الطريقة سيفنى العالم

بهذه الطريقة سيفنى العالم

بهذه الطريقة سيفنى العالم

لا بضربة وإنما بأنّة.

■ ■ ■

أغنية حب لـ ج. ألفرد بروفروك

لنمضِ إذاً، أنت وأنا،

حين ينتشر المساء في السماء

كمريض مخدّر وممدد على طاولة؛

لنمضِ في بعض الشوارع نصف الخالية،

تتراجع همهمات

الليالي القلقة في فنادق الهوى الرخيصة

والمطاعم المُغبرة بمحاراتها:

شوارعٌ تلاحقك كجدالٍ مضجر

سيئ النية

لتقودك إلى سؤال يغمرك...

آه، لا تسأل "ما الأمر؟"،

لنمضِ ونقم بزيارتنا.

في الغرفة حيث تروح النساء وتجيء

يتحدثن عن مايكل آنجلو.

الضباب الأصفر الذي يحكّ ظهره بزجاج النوافذ،

الضباب الأصفر الذي يحكّ خطمه بزجاج النوافذ،

لحس بلسانه زوايا المساء،

وتوقف عند البرك المتشكّلة في المجاري،

وترك سواد الدخان المتساقط من المداخن يحطّ على ظهره،

ومرّ من الشرفة، وقام بقفزة مفاجئة،

ثم تكوّم، لكونها ليلة أكتوبرية رقيقة،

حول المنزل، ونام.

وبالفعل سيكون هناك وقت

للأفعى الصفراء المنزلقة على طول الشوارع،

التي تحكّ ظهرها بزجاج النوافذ؛

سيكون هناك وقت، سيكون هناك وقت

لتحضير وجه يواجه الأوجه التي تقابلها؛

سيكون هناك وقت للقتل وللخلق،

ووقت لكل الأعمال وأيام الأنامل

التي ترفع وتدني سؤالاً على طبقك؛

وقت لك ووقت لي،

ووقت أيضاً لمئات الحيرات،

ولمئات الرؤى والمراجعات،

قبل تناول الكعك والشاي.

في الغرفة حيث تروح النساء وتجيء

يتحدثن عن مايكل آنجلو.

وبالفعل سيكون هناك وقت،

لتسأل، "أأجرؤ؟" و، "أأجرؤ؟"

وقت للاستدارة ونزول السلالم،

وبقعة صلع تتوسط شعري -

[سيقولون: كم يتساقط شعره!]

ومعطفي الصباحي، وياقتي التي تصل ذقني،

وربطة عنقي، غنية ومتواضعة، لكن دبوساً بسيطاً يثبتها، -

[سيقولون: لكن كم نحيلة هما ذراعاه وساقاه!]

أأجرؤ على

تعكير صفو الكون؟

في الدقيقة الواحدة هناك وقت

للقرارات والمراجعات التي ستعكسها دقيقة واحدة.

قد عرفتها كلها سلفاً، عرفتها كلها -

عرفت الليالي، والأصباح، والآصال،

وقست حياتي بملاعق القهوة؛

أعرف الأصوات المحتضرة بسقطة محتضرة

تحت الموسيقى الصادرة عن غرفة أبعد.

كيف لي إذاً أن أجرؤ؟

وقد عرفت الأعين سلفاً، عرفتها كلها -

الأعين التي تثبّتك في عبارة مُحكمة،

وعندما أثبت، ممدداً على دبوس،

عندما أثبت، متذبذباً على الجدار،

كيف لي أن أبدأ

بصقَ أعقاب الأيام والطرقات؟

وكيف لي أن أجرؤ؟

وقد عرفت الأذرع سلفاً، عرفتها كلها -

الأذرع البيضاء، العارية، المرتدية للأساور

[لكن التي تزينها، تحت ضوء المصباح، شعيرات بينة فاتحة!]

أهو عطرٌ يفوح من فستان

هذا الذي يجعلني أسرح؟

ذراعان تستلقيان على طاولة، أو تغطيان بشال.

أوعليّ حينئذ أن أجرؤ؟

وكيف لي أن أبدأ؟

أعلي أن أقول، مضيت عند الغسق إلى الشوارع الضيّقة

ورأيت الدخان المتصاعد من غلايين

الرجال الوحيدين المرتدين قمصاناً بنصف كم، وهم يميلون خارج النوافذ؟...

كان عليّ أن أكون زوج مخالب غير مشذبة

تجوب قاع البحار الصامتة.

والأصيل، المساء، ينام بكل سلام!

وقد مسّدته أنامل طويلة،

نائماً... متعباً... أو متمارضاً،

ممدداً على الأرض، هنا بالقرب مني ومنك.

أعليّ، بعد الشاي والكعك وقطع الثلج،

أن أستجمع قواي وأدفع باللحظة إلى أزمتها؟

لكن رغم أنني قد بكيت وصمت، وبكيت وصلّيت،

ورغم أنني قد رأيت رأسي [يزداد صلعاً قليلاً]

وقد جيء به على طبق،

لست نبياً – وليس هذا بالشأن العظيم؛

رأيت لحظة عظمتي تتلألأ،

ورأيت الخادم الأزليّ يحمل معطفي،

ويشخر،

وباختصار، كنت خائفاً.

ثم أسيكون حسناً، في نهاية المطاف،

بعد الكؤوس، والمرملاد، والشاي،

بين الخزف، في خضم حديث بيني وبينك،

أسيكون حسناً،

العضّ على المسألة بابتسامة،

وعصر الكون في كرة

تُدحرج باتجاه سؤال غامر،

والقول: "أنا لعازر، قم من الموت،

ارجع لأخبرك بكل شيء، سأخبرك بكل شيء" -

لو كان على المرء، واضعاً مخدة قرب رأسها،

القول: "ذلك لم يكن ما عنيته بالمرة.

ذلك لم يكنه بالمرة".

ثم أسيكون حسناً، في نهاية المطاف،

أسيكون حسناً،

بعد المغيب والأفنية والشوارع

المبتلّة،

بعد الروايات، بعد كؤوس الشاي، بعد التنانير التي

تجرّ وراءها أثراً على الأرض -

وهذا، وأكثر منه بكثير؟ -

محالٌ عليّ أن أقول ما أعنيه!

لكن لو أن فانوساً سحرياً فضفض الأعصاب بأنماط

على شاشة:

أسيكون حسناً

لو أن المرء، واضعاً مخدّة أو رامياً بشال،

ومتجهاً نحو النافذة، قد قال:

"ذلك لم يكنه بالمرة،

ذلك لم يكن ما عنيته بالمرّة".

لا! لست الأمير هاملِت، ولم يكن مقدّراً لي أن أكونه؛

أنا ملازم مستعد لأن يتسبب،

كي يحرز تقدماً، بمشكلة أو اثنتين،

انصحوا الأمير؛ أنا، لا شك، أداة رخية،

مراعية، سعيدة بكونها ذات فائدة،

سياسية، حذرة، وموسوسة؛

فصيحة اللسان، وفي ذات الوقت متبلّدة؛

وفي بعض الأحيان، بالفعل، تافهة -

وفي أحيان أخرى، أكاد أكون غبية.

أكبر في العمر... أكبر في العمر...

سأصير أرتدي بنطالي مطويّ الأسفل.

أعليّ أن أفرق شعري في الخلف؟ أأجرؤ على أكل خوخة؟

سأصير أرتدي بناطيل فانيلية بيضاء، وأتمشى على

الشاطئ.

قد سمعت الحوريات تغنّي، بعضها لبعض.

لا أحسبها ستغني لي.

رأيتها تتجه نحو البحر على الأمواج

تمشّط شعر الموج الأبيض إلى الوراء

كلّما هب الهواء على المياه بيضاء وسوداء.

بقينا في حجرات البحر

بجانب فتيات البحر المكلّلات بأعشاب بحرية حمراء وبنية

حتى توقظنا الأصوات البشرية، ونغرق.

وسوم: العدد 798