أحمد ضياء: أطلق أحرفي لتأخذ الكون في عباءتها

أحمد ضياء: أطلق أحرفي لتأخذ الكون في عباءتها ... والميتامسرح فضاء إشكالي منزلق لا يمكن تأكيده كنسق أو نظريّة

يصرُّ ضياء على خلق مدوّنة من العدم إلى كينونته اللاهبة بالأحرف.

منذ أن تلقى أول إشارة دالة على ظهور موهبة الكتابة لديه، بحث واستفسر دائمًا عما يمثله شخص! تقصى عن المعلومة وتوغل في دهاليز الكتابة، استخلص في النهاية برؤية مختلفة عن بعض الأساليب والطقوس الشعرية المتعارفة عليها فلا يلتزم بحالة معينة في الشعر بل تستوطنه عناصر الشعر في كل حركة يقوم بها ويطلق العنان لحرفه خارج السياقات المعهودة لدى البعض كي تخلد قصائده ضمن رؤية فلسفية مهجنة.

إلى جانب الشعر، دخل إلى عالم التمثيل والإخراج والنقد المسرحي، يعمل على الميتامسرح الذي هو تفاعلي من خلال تذويب المفاهيم والنظريات في الاختلاقية وبالتالي إبراز الأدائية والديناميكية. ورغم أن اختياره لهذا الفن جاء بالصدفة إلا أنه يحاول جاهدًا من خلال أطروحاته النقدية إلى تصحيح المسار المسرحي من وجهة نظره الخاصة مبينًا آراء مصبوغة بالفلسفية التي يعتبرها غذاء روحي وإيستمولوجي، وذلك بعيدًا عن التملق والمجاملة والنمط الكلاسيكي في التقرب من الفكر الإيديولوجي غير النفعي لصالح العام.

ولد أحمد ضياء في 1 / 1 / 1990 بابل ـ العراق شاعر وناقد مسرحي، ممثل ومخرج، حاصل على الماجستير والدكتوراه في الفنون المسرحية وعلى الجائزة الثانية في مهرجان ميزوبوتاميا في بلغراد. ترجمت بعض نصوصه إلى اللغات الفرنسية والإنكليزية والعبرية. صدر له إلى الآن: ـ "شعراء داخل حقول الألغام" مجموعة مشتركة عن دار مخطوطات لاهاي ـ "مملكة العظام" مجموعة شعرية من ورقة واحدة على ورقB2 وهي مجموعة تجريبية عن المركز الثقافي للطباعة والنشر بابل ـ "الحرب دموعها خشنة" عن دار الانتشار بيروت. ولديه عدة مؤلفات تحت الطبع منها: ـ في بعض الأحايين كنّا قتلة ـ الضحك بدم أسود ـ الميتامسرح الإفيهم والأداء ـ مسرح الصّدمة الآليّات والاشتغال ـ المسرح والفرانكفونية بين الأنا والآخر ـ الذّات المتحوّلة في الجّسد الكريوغرافي.

في هذا الحوار، نسلط الضوء على عوالم الشعر والمسرح لدى الشاعر الدكتور أحمد ضياء ... إلى التفاصيل ...

لطالما يساورنا دائمًا الشك والخوف في البدايات، فنحرص على التأني والتركيز والاستفسار ... إذن، لنقرأ معًا، كيف كانت بدايات الأستاذ أحمد ضياء الكتابية!:

البدايات دائماً يصيبها الهلع، لذا فضّلت أن أكون كتوماً في الكتابة، أسهمت دائماً في البحث عمّا يمثّل شخص، لذا كنت استشير من سبقني بالكتابة، لا أعتقدها كانت بدايات فاشلة، بل يمكن أن نضعها ضمن خانة بداية النضوج ففي مرحلة مراهقة مثلاً كنت أكتب القصيدة العمودية مولعاً بتصاريفها وأوزانها ثم انتقلت إلى قصيدة الحر إلى أن وضعت الأنكر في شواطئ قصيدة النّثر، من هنا بدأ التّقصي عن المعلومة والالتقاطة المفزعة المدويّة في سماء الكتابة الجديدة، هاجسي الّذي أحصده بالتّوغّل. الأمر مشكل داخل جملة من الانتقالات الفكرية وخصوصاً ضمن أولويّات النّشوء لكن كان البعض مرشد جيد نحو المعلومة والإفادة من التّجارب الموجودة بيئيّاً.

لا يأتيه إلهام ولا طقس معين وإنما يستشعر مع كل حركة وخطوة يقوم بها، فهو يحاول خلق الشعر حتى ولو من العدم:

من يقول لك كيف ينزل الشّعر فهو ماكر، لكّن الحقيقة المزدوجة في هذا الأمر إنَّك تدون بصرك على شاكلة مفردات، والدّماء وفق هذه الجمل تستشرف عبر الدّموع، الغربة داخل عناصر ارتجالية مترحّلة هو الطّقس اليومي المعاش، أنا لا أذكر كان لي طقس معيّن لكنّي أجعل الشّعر هو قرين لافت لي، في العادة ... أاكل، أشرب، أمارس، أرتدي، أسير، أٌقف، أتنفس، أنام، أصحو ... كلّ هذه الأمور أستشعرها شعراً، أي لا يمكن عمل أيَّ شيء منهم من غير الشّعر لذا أصرُّ دائماً على خلق مدوّنة من العدم إلى كينونتي اللاهبة بالأحرف.

يطلق العنان لحرفه ليصبح خالدًا، ويدعو إلى الاعتماد على ما يسميه النهج النصي الثقافي والابتعاد عن درب شعراء البلاط:

كما العادة أطلق أحرفي لتأخذ الكون في عباءتها، وبالتّالي، ثمَّة لُجام للقصيدة النّثريّة ينبغي على الشّاعر أن يكون مدركاً له حتّى لا تتشت البنية الإيقاعيّة للنّص أوّلاً، وثانياً على الكاتب مراعاة المحيط، ولكن، أيَّ بيئة بالإمكان أن تتسعها كتاباتي، الأمر كما اعتقده ينبغي أن يكون ضمن رؤية فلسفيّة مهجّنة تحتوي النّص وتضعه ضمن بعد انعكاسي، لكي لا يكون ثمَّة بنية أخرى متاحة، ما أدوّنة ينبغي عليه أن يكون خالداً في كلِّ الأوقات، بلا أي غطاء إيديولوجي أو كارزمي معيّن، فالإشكاليّات الَّتي وقع فيها (شعراء السّلطة) ينبغي للجميع الحذر منها والانتباه جيّداً لما يدور خارج المكوّن الثّقافي، فإذا كان البعد السّياسي يمتلك حنكة المراوغة يجب أن نجعل النّهج النّصي ذي بنية ثقافيّة لا يحدّه حد ولا يسكنه ساكن. وهنا ينفذ الخوف والطّروحات لتعبّر عن أكثر الأشياء عنفاً وانفعالاً داخل الفضاء الواحد، فما أقدمنا عليه في (ميليشيا الثّقافة) كان يراعاً لهذه الرّؤية.

يعتقد ضياء بأن الشّعر لم يعد قادرًا على أي حضور وخصوصًا قصيدة النّثر، لأنَّ الشّاعر غار وفق الإنوجاد وترك الأثار الطوبوغرافيّة (الموقعيّة) والحياتيّة خارج أبعاد اللعبة، الأمر الَّذي عززَّ من مفهوم الارتباك والمغادرة بالوقت الَّذي كان بمثابة التّمفصل الأساسي والرَّئيسي في هذه البيانات الخطابيّة، وهنا نجد وفي محيط مثل العراق أنَّ المستفحل الوحيد هو القصيدة الدّينيّة لكونها تماشي رغائب الطّرف الآخر (النّاس العموميّن) فاللهجة الدّارجة / الشّعبية كان غير عتاد لهذه الكابينات السّاكنة...

يكرر ويؤكد أحمد ضياء على أن الشعر غير قادر على إحداث التغيير في بنية المجتمعات حاليًا إلا إذا واظبت المجتمعات على مزاولة القراءة من أجل كسب وزيادة الوعي وعدم الانهماك على التكنولوجيا:

 اليوم إذا أردنا أن نفكّر في تغيير المجتمع علينا أن نتعاون بشكل جماعي، حث الإنسان على القراءة، وأن لا ينظر إلى الكِتاب كأنَّه عقرب بل أن يتفحّصة ويطالع ما به، في هذه الحالة بالإمكان أن تكون القصيدة محرّكاً فاعلاً في المنظومة ككل، أي أنَّ تلك الأمور تتطلّب وعياً، فلو أخذنا القصيدة النّمطيّة / الكلاسيكيّة / العموديّة والثّورات والمظاهرات الَّتي حشّدتها لوجدناها فاعلة، أوّلاً لأنَّها ذات إيقاعات معيّنة معتادة الأذن العربيّة على سماعها، ثانياً الفترة المهرجانيّة في وقت (الجّواهري) مثلاً كانت القصيدة المنبريّة الأثر أو بالإمكان أن تغير مجتمعاً، لأنَّ الإنسان قارئ متفاعل حاضر في المشهد الثّقافي من خلال المقاهي والصحف ومطالعة الكتب، أي متنبئاً لكافّة الثّورات الحادثة في المجتمع، الآن الإنسان منشغل بالتّكنولوجيا، غير قادر على تغيير نفسه، فكيف بجيل ومن خلال القصيدة فقط، الأمر صعب جدَّاً!

يعتبر ضياء تجربة مجموعته الشعرية "مملكة العظام" من ورقة واحدة على ورق (B2)" تفردًا وسابقة تحسب له، وسيحكم المستقبل على مدى صوابيتها أو نجاحها من عدمها:

أجل، إنَّها مجموعة أزعم بأنّي أوّل من قام بهذه التّجربة وعلى حدِّ علمي لكونها مجموعة شعريّة من ورقة واحدة تسمّى (B2) وهي مجازفة كبيرة في وسط متلاعب أن تنتج الشّعر الأدائي عبر الكتابة ولعل هذا الأمر جاء ضمن ورشة فكريّة / قرائيّة، المجموعة تحتوي على خمسة نصوص فقط متفاوتة الطّول، وجعلت منها حيازة مختلفة العمل داخل النّظام الخطابي، إذ توزّعت بشكل مختلف وجعلت فيها نصاً على القارئ أن يديره قرائيّاً على شكل ستيرين سيّارة أو تدوير السّيارة وهذا الأمر أصبح ضمن جولة اتبعها الكثير من التّبعات، فالطّريقة هذه خاصّتي حمّلتني الكثير من النّقاشات والاعتراضات والتّوافقات وهي محكومة للمستقبل أكثر منها في الوقت الرّاهن.

أما مسألة ترجمة النصوص إلى لغات أخرى فيراها مسألة طردية:

 بالتأكيد المسألة طردية بالوقت الَّذي تحاول التّرجمة أن تُترجم للكاتب كانت ثمَّة عمليّة إيصاليّة هامة في تفعيل الخطاب وتأكيد جملة من التّداعيّات المفاهيميّة الذّاهبة تعريف الآخر بمجمل الشّعراء والنّصوص غير المعروفة وتلك التّداعيات من رأي لها الأثر الكبير على الطّرف المراد إيصال أصوات الشّعراء الجّدد إليه، وأعني الطّرف الغربي ذي اللغة المختلفة.

رغم دخوله إلى معترك الفن المسرحي بالصدفة، يعمل الفنان المسرحي أحمد ضياء على إيجاد مسار مسرحي متفرد مختلف:

أنا دخلت هذا المجال بشكل اعتباطي/ صدفوي حقيقية، لكنّي تفاعلت معه، حاولت أن أكرّس نفسي وجهدي وقراءتي فيه لأجل أن أحرث خطوة جديدة، لو قدّر لي الاختيار مرّة أخرى لكان المسرح واجهتي، اليوم أجدُ بأننا نمارس التّمسرح في جميع فضاءاته، لكنّي أتماهى مع كافّة المفاهيم التّمثيليّة والأدائيّة، بحيث تعطي شرعيّة اختلافيّة على جميع المستويات المعمولة في طيّات الخطاب، وهنا بدء الأمر يأخذ معتركاً جديداً نافذاً عبر الشّروع بإنتاج عتاد مفاهيمي من شأنه أن يخط للفرد مسار متفرّد، وهذا الشّيء أسعى جاهداً إلى تأكيده ضمن بؤرة عدسة خاصّة بي، بالتّالي، لزاماً أن أكرّس هذا المسرح بكل تعاملاتي سواء أكان الأمر في العمل (السّوق) / الحياة مع / أو في النّقد والتّمثيل، كذلك يجيب الآخر بتصرّفاتي واشتغالاتي الآثمة منها والصّادقة في نفس اللحظة.

يسهب في الشرح عن تجاربه في التمثيل والإخراج والنقد المسرحي قائلًا:

ربَّما ومن حسن حظّي أني جرّبت العمل في هذه المجالات كافّة (التمثيل، الإخراج، النقد) ففي مراحلي الأوّليّة لم أكن أفارق الخشبة كممثل أبداً، وهذا الشّيء مكّنني من استحضار الكثير من المواقف الحياتيّة وتطبيقها على الخشبة وبحريّة كاملة، ثم جرّبت الإخراج في عمليّن كان آخرها عرض مقتضب على 2 من الجّمهور اختياري بعنوان (نزول)، وهي تجربة عن الهوامش والحياة والمأكل وكذلك لمعالجة الأزمة الفعليّة والموت الّذي تعرّض له العراقيين من قبل عناصر الإجرام (داعش).

أما للنقد عنده حالة خاصة، يوضخ من خلال التالي:

النّقد هو قرين روحي مصاحب لي مع وجود تلك اليافطتان السّابقتان، لكّنني حاولت في الكثير من المرات التّكتم عليه إلى أن جاء الوقت الأساسي في رأيي لأعبّر عن طروحات النّقديّة، ولعلَّ الأمر كلّفني الكثير من الخسارات لأنَّ النّقد لا يحب المجاملة على حساب الإبداع والفن والكتابة، وهذا الأمر جعلني أكون في بعض الأحايين كقنبلة موقوتة لأجل ترسيخ مفهوم أداء وحركة جديدة بعيداً عن نسق يذكر، لذا تفاعلت مع هذه المفاهيم وبدأت أسهم في الكثير من الحلقات النّقديّة مبيناً الآراء الخاصّة بي، المصبوغة في العادة بالظّهير الفلسفي، لكونه الغذاء الرّوحي والابستمولوجي لي.

ويشير الفنان أحمد ضياء بأن الميتامسرح فضاء إشكالي منزلق لا يمكن تأكيده كنسق أو نظريّة، ولا جعله ضمن مصاف الأتمتة النّظاميّة الرّازمة، بل هو الصّيرورة / التّحول في كافّة المفاهيم عبر ضرب النّظريّة ومفاهيمها الأرسطيّة والذّهاب إلى تفعيل جوانب مشاركة في الأحداث لكنّها تخشى التّحرك ألا وهي (الجّمهور) فهو العنصر الأكثر والأشد حضورًا ضمن هذه البيانات المتفاعلة ...

ويضيف في هذا السياق: فالميتامسرح تفاعلي أكثر مما هو تنظيري أي غايته تذويب كل المفاهيم في سبيل خلق بينة اختلافيّة لا جنسانيّة / مهجّنة تتسابق مع الوجود لأجل إعطاء ماهيّات أخرى، فالتّمسرح الأنشودة الأساس الّتي يجب أن نكون داخل اشتغالاتها في سبيل تمفصل هذه البيانات الإنتاجيّة، أي أن يركن اللعب في المكان الافتراضي (العرض) إلى تجاوز النّمطية السّائدة والعمل على زج المتلقّي معه، كي يشرع بتكوين ما يرمي إليه، وليجعل غايته الأساس التّدشين ليقتنص كل ما يجوب في الصّالة وفي الخارج وممارسة اللعبة على أكمل وجه، لأنّها تمثل الواقع بكل أساليبه ومفرداته السّيكولوجيّة، ثم إن الرّكون لمظاهر جديدة عبرت عنها ثقافات لعبية عُني المؤدي بها عبر مناقشة المسرحيّة نفسها أو نقدها من خلال بواباتها الإشهاريّة، والمتّصلة زمكانيّاً بالطابع الميتامسرحي ...

يعمق أكثر في شرح مشهدية وأدائية وأسلوب العرض الميتامسرحي، فيقول:

كما إنَّ المسرحية بثيمتها الأساس تحاول إتمام الحبكة الداخليّة أو الرديفة للحبكة الأصليّة، غايتها جعل المؤدي الفرد ذا طابع تذويتيّ يميل إلى برنامج ارتجالي لحظوي معقباً على نص العرض أو على حالة صورية أو ديكوريّة. كما إنَّ تيقّن الجمهور من اللعبة الَّتي يحيكها المؤدون في جانب مهم من جوانب العرض ساهم في إبراز طابع إستاتيكيّ آخر، كأنه مصل جديد يُضخ إلى فكرهم حول هذه الحالة. الكسر للإيهام والغرائبية هي الأخرى ساهمت في بيان نقطة انطلاقة متكونة من لحظات الكشف عن اللعبة والممارسة الأدائية للمسرحية التي يقومون بها.

المسرح العراقي في حالة وهن وربما في ورطة! لذا يحتاج المسرح العراقي ما يمثل مجتمعه وليس استيراد نسخ غريبة عن البيئة العربية:

الورطة هي الكلمة الكبيرة الَّتي يجب أن يعيها المسرح العراقي، ففي ظلَّ طروحات تطوّح جميع المكوّنات الموجودة، ثمَّة خطاب آخر ما بعدي يقوم به المخرجون لأجل تأكيد عائديّتها فلعلّ (أنس عبد الصّمد) مثلاً استطاع أن يؤكّد مفهوماً هاماً لهويّة جديدة فاعلة على خشبة المسرح، بالتّالي، ما نحن بالعراق بحاجة إليه وبصريح العبارة إلى مسرح عراقي / عربي يمثّل التّجربة الأساسيّة لذواتنا والابتعاد عن النّسخ للعروض الغربيّة، من هنا أؤكّد على ترسيخ النّسيج الثّقافي للعروض على أن تكون هذه البنيات معموليّة فاعلة في ظلِّ التّحوّلات البادية على الجّميع، لذا فالمسرح العراقي والعربي بشكل عام يعاني من عقدة كبيرة اسمها المسرح، وعليهما أن يتجاوزا ذلك الأمر والإيمان بعدم تمكّن العرب من إنجاب مسرح في السّابق والبحث بشكل جدّي عن الآليّات الحقيقيّة تتيح لنا بث هويّتنا وثقافتنا ومعموليّنا للآخر لكي ينظروا إلينا على إننا أصحاب تنظيرات ورؤى مسرحيّة لا مرحّلين لمفاهيم غادرها الآخرون.

يعرج ضياء على كتابه "المسرح والفرانكفونية بين الأنا والآخر" والذي هو جاهز للطبع ويكشف عن محتواه بإسهاب قائلًا:

في كتابي عن المسرح الفرانكفوني أحاول أن أميط اللثام عن الكثير من الأسماء العربيّة والعالميّة الّتي تفرنست وأسست خطاباتها باللغة الثّانية / الفرنسيّة بعيداً عن لغتها الأم، لذا تجلت المرحلة الفرانكفونية في كونها جاءت لتشيع الطابع الفرنسي بشكل رئيسي كونها تساهم في بيان أهم متعالقات هذه المدرسة الفلسفية من حيث النشأة أو الظهور. مما جعل لهذا الأمر تراتبات مهمة، فيعد المنظر الأول لها الفرنسي (اونسيم ركولو) في نهايات الربع الأخير من القرن التاسع عشر حيث برز في بادئ الأمر اقتصادياً بعدها جاء المولد الفلسفي ليضع الخطة الاجتماعية والفلسفية لهذا الأمر كما إنهم (أي الفلاسفة الفرانكفونيون) أخذوا من هذا الفعل محاكاة واضحة لظاهرة التجدد فآمن منظروها بالاشتغالات الفلسفية كأن تكون الماركسية مثلاً هي الجذر الرئيسي لمعالجة أو لدرء التحول الذي طرأ في الطبيعة الديموغرافية للحياة فالصعوبات تكالبت على منظريها وحاولوا أن يضعوا الإنسان بمكان الثقافة المضادة. فلم تكن الفرانكفونية منكفئة على ذاتها بل أن الكثيرين لم ينضموا إلى هذه المدرسة إلا إنهم عدّوا فرانكفونيون في بعض من جزئيات حياتهم وهي مبدأ أولي لبروز كافة النظريات أو المدارس الفلسفية فيما بعد. أخذ منظرو هذه المدرسة بعداً اجتماعياً ساهم في بيان الوضع الذي يجب أن يتخذه المثقف في التعامل مع محيطة وكيفية الإفادة من هذا المكون وتوظيفه بفضاءٍ إشهاري وهي لحظة تعتمد على الدور الكبير الذي يأخذه المثقف في الحياة العامة والمساهمة في التغيير مع وضع الأمور التي تعاني منها الدول الضعيفة أو المهمشة على طاولة القراءة والتفاعل معها من أجل تخليصها من هامشيتها والعمل على دمج الفكر والسياسية في خطابها العام وهي مرحلة توعية لما يدور في الثكنة العامة بواسطة الفعل الاستعماري.

كما يسلط الضوء على كتابه الآخر (الميتامسرح الإفيهم والأداء) الذي هو أيضًا قيد الإنجاز، ويتحدث لنا عن أهم خطوطه العريضة:

 في حين جاء خطاب الميتامسرح على نحو آخر، من غير الملائم السير عبر خط واحد، وتستمر في هذا النسق دون الخروج عن هذا الفعل بواقع جديد يمثلك. ففي النظريات السابقة، حاول الأقدمون تسليط الضوء على كل ما يشبه واقعهم غير آبهين لما يحصل بعد ذلك، فعروضهم مثلت واقعهم، لذا فمن باب آخر ينبغي أن تكون العروض الآن تمثل المعاناة كلها التي نسير في أروقتها وأن نملك نظرية أو إطاراً يمثل ما نحن عليه الآن بعد أن بدأت الحروب والأزمات تأخذ مساراً أيقونياً في حياة الفرد. عملت العروض المسرحية على تماثلات من شأنها الخوض في مضمار الميتا مسرح كونه رافداً أساسياً من الروافد التي تبنتها أنظمة ما بعد الحداثة والتي جاءت مُعلّقاً أساسياً على السياقات التي تجري بها العروض، كما إن هذه السمات الميتامسرحية ذات الاختلاجات الإبستيمولوجية ساهمت في إضفاء طابع دياكلتيكيّ يعني المؤدي به، لذا فعتبة القراءة تغيرت مع اختلاف مستوى العروض حيث كونت فعلاً ناجعاً تمحور حول بعض المعالجات المتشابكة والمتشتتة ضمن فضاء خطابي عالج نقطة معينة ربما أثارت حفيظة المجتمع.

يؤمن الشاعر والناقد المسرحي أحمد ضياء بالمساواة بين الرجل والمرأة، ويبين أهم أعمدة هذه المساواة:

بالتأكيد المساواة بين الرّجل والمرأة مشروع محقق لدى الآخر ويجب على الجّميع أن يتعامل به، كما أنا أحاول أن أكوّن علاقة ترابطيّة بين الهذين الذّاتين في سبيل عدم التّفريق وتفريد المكوّنات البيولوجيّة، وربّما سيمون استطاعت أن تقبل على جمرة الحدثة / الحالة الجّندريّة لتقول مقولتها الشّهيرة "لا تولد المرأة أنثى لكن المجتمع يحوّلها إلى ذلك". ونجد الحيف المركزي الّذي تتفاعل داخله هذه الذّوات، لذا كانت للبدايات الأولى منذ عام 1850 تقريباً تكريس مرحلة المرأة كذات مقابل الرّجل وبعيداً عن أي تفاصيل وأعباء تخصّ الطّرف الآخر الرّجل، وهي الحالة الّتي أحدثت ثورة في الكثير من الاشتغالات الحياتيّة واليوميّة المتّبعة في جميع المفاهيم.

وفي النهاية، أشكرك أستاذ خالد ديريك على منحي هذه الفسحة الأساسيّة في عوالمي بين الشّعر والمسرح، متمنياً لك إبداعاً متواصلاً وحضوراً مائزاً كروحك. تحيّاتي.

ـــــــــــــــــــــــــ

أدناه، صورة للشاعر والناقد المسرحي أحمد ضياء

clip_image002_0baf5.jpg

وسوم: العدد 840