(ومن لا يَذُد عن حوضه ..)

أقرأ بيت الحكيم زهير بن ابي سُلمى في معلقته:

ومن لا يَذُد عن حوضه بسلاحه       يُهّدّمْ، ومن لا يظلم الناس يُظلَمِ

فأرى أمتنا بعيدة عن فهم حياة العزّ العملية ،وإن ادّعت نظرياً أنه تفقهها، فالواقع يشي بأن أكثر أمّتنا منظّرون ،هكذا أزعم ، فتعال معي نُسقط بيتَ زهير على واقعنا ،ثمّ لك الحكم بعد ذلك.

  • اسلوب الشرط ( من لايذُد ..يهدّم) حكمة لا يخالفها أحد ، فلا بد من الدفاع عن الحياض والحفاظ عليها بالقوة ، وإلا ذهبت أدراج الرياح .
  • والذود :دفعٌ عن الأمر وحفاظ عليه، وصيانة له وبناء مستمر، بآن واحد.
  • والحوض: الشرف والمروءة، والبلدُ الحبيبُ، والحدود والمكتسبات، والأصالة والتاريخ ، والحاضر والماضي. وبكلمة جامعة: ( الوجود الإيجابي في هذه الحياة).
  • وإذا لم أدافع عن ( حوضي) بمعناه العامُّ كما ذكرنا فمن يدافع عنه؟! ومن يحافظ عليه؟!
  • والدفاع يحتاج سلاحاً ومجاهدين ، والضمير في كلمة ( سلاحه) تنبه إلى أمر خطير جداً ، فلا بد في الجهاد بسلاحنا نحن الذي صنعناه بأيدينا، فإذا حمل الرجال سلاحهم لم يستطع أحد من الضغط عليهم والتحكم فيهم.
  • السلاح الذي تشتريه الأمة من غيرها عرضة للمنع والنقص ، إن من يبيعنا السلاح يعطينا مما نطلب ما يشاء بالنوعية التي يشاء،والعدد الذي يشاء، والوقت الذي يشاء. والثمن الباهظ الذي يشاء.
  • بائع الأسلحة قد يكون صديقاً ، وقد يكون ذا مصلحة، فالصديق يعطيك ما يستطيع، وتبقى مصالحه في المقدمة ، أما الآخر فيستغلك ، ويُظهر أنه معك ما دام في ذلك منفعته هو لا منفعتك ، وقد ينقلب عليك في الوقت الذي تحتاجُه، فيتركك في حرج كبير.
  • فلا بدّ ان يصنع المسلمون سلاحهم بأيديهم ، فإن فعلوا ذلك استقلّوا بقرارهم،وتحرروا من قيود غيرهم ، وكانوا أقوياءً فحققوا رغباتهم وأهدافَهم.وإلا كانوا اسرى – في بلادهم – لا يملكون شيئاً.
  • وأقف على فعل (يُهّدّم) الذي يوحي بالهادم المجهول الذي يفجؤ دون مقدمة ، ويستبيح الديار ويخفر عهده، ويغدر، والعدو إذا تمكن فعل الأفاعيل فدمّر وهدّم وقتل وهجّر،،وقد وقد وضّح القرآن الكريم ما يفعله العدو بأمتنا حين يظهر علينا فقال: ( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً، ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء، وودُّوا لو تكفرون) فيظهرون عداوتهم،ويقتلون ويُؤذون،ويسبون ويشتمون، ويسعون إلى إعادتكم إلى الكفر.
  • ومن باعك السلاح لمصلحة منعه عنك لمصلحة، فكيف من يدّعي أنه يريد بناء القواعد في بلدنا للدفاع عن المهازيل من رويبضات هذه الأمة؟ وهو (العدوُّ الباطن) فإذا وصل إلى هدفه من إذلالها وحرفها عن أركان حياتها ،وسلبِ خيراتها أسلمها ببساطة (للعدو الظاهر).
  • لم يقصد الشاعر زهيرٌ بقوله: (ومن لا يظلم الناسَ يُظلم) الدعوةَ إلى ظلم الناس، وهو صاحب الحكمة التي رشمها في قصيدته ،يدعو إلى السلام بين المتخاصمين من ابناء الأمة، وإلى بنائها أمة قوية متماسكة، إنما نبه إلى وجوب الذود عن النفس والأهل والمجتمع، وهذا لا يكون إلا بالقوة التي نتحصن بها، ونحوزها عن جدارة، فيحسب العدو لنا ولقوة دولتنا ومجتمعنا ألف حساب ، وإلا كنا – كما نحن عليه الآن- لقمة سائغة ، ونهْبٌ داشرٌ للأمم ( توشك أن تداعى عليكم الأمم كما تَداعى الأكلَة إلى قصعتها.) وقد تداعت حين ابتعدنا عن الأمر الإلهي( وأعدّوا لهم..).
  • أما الناس الذين قصدهم الشاعر زهير فهم الأعداء بكل أنواعهم : العدو الظاهر، والعدو الخفي الذي يعمل للعدو الاول، ويزعم في الوقت نفسه الوطنية والإخلاص لبلده .ألم نقرأ قوله تعالى بعد غزوة أحد( الذين قال لهم الناسُ إنّ الناسَ قد جمعوا لكم فاخشَوهم) والناسُ بضم السين: المنافقون, وبفتحها: الكفارُ . فهم جميعاً في خندق واحد.
  • فالذي يقصده الشاعر زهير بكلمة ( الناس) هم العدو (الخفي المنافق) والعدو( الظاهر الكافر. وهؤلاء الناس( الأعداء) تضربهم وتريهم من نفسك قوة كي يخافوك فلا يعتدوا عليك ،     ( ترهبون به عدوَّ الله وعدوّكم وآخرين من دونهم ) ..أليس الهجومُ خيرَ وسيلة للدفاع؟!

وسوم: العدد 924