مفارقات في زمن غزة

أخشى ما أخشاه أن يعمنا الله بعذاب من عنده بسبب خذلاننا الواضح الصريح الفج لغزة، فأهلها سيقطعون الامل والرجاء بالبشر نهائيا ويتوجهون إلى الله لأنه وحده من يقدر على نصرتهم...واقرؤوا هذه الأخبار لتتأكدوا من ذلك:

-         في الأردن صدر الحكم على الشاب يوسف توفيق البستنجي بعقوبة 7 سنوات سجنا بتهمة محاولة التسلل إلى فلسطين المحتلة لتنفيذ عمل مسلح ضد الاحتلال، ومعلق صهيوني شكر الحكومة والقضاء في الأردن على حماية حدود الكيان.

-         وبسبب جمعها التبرعات لغزة محكمة أردنية تقضي بسجن الناشطة عبير الجمال 6 أشهر.

-         40 ألف سائح صهيوني قضوا إجازة عيد الفصح في سيناء مرورا بمعبر طابا المصري لأن الأسعار جيدة والمعاملة طيبة والأمن متوفر لهم، وقد هنأت دولة الإمارات المستوطنات بهذا العيد وتمنت لهم الخير العميم.

-         في الجزائر تعلن وزارة الثقافة والفنون عن تنظيم المهرجان الدولي الرابع عشر للموسيقى السيمفونية على أن تكون السهرة الافتتاحية يوم 17 افريل 2025 ليلا بدار الأوبرا، وسعر الدخول 800 دج (ربما إحياء ليوم العلم)

-         كتب أحد الأساتذة من العاصمة يقول "رأيت طالبا بالكوفية فسألته هل تعرضت لأي مضايقة فأخبرني بأنه أوقف مرتين وفي كل مرة كانوا يطلبون منه إخفاء الكوفية فيستجيب مرغما فإذا ابتعد عنهم لبسها مجددا"، فلنا أن نسأل: "أصارت الكوفية والعلم الفلسطيني رموزا ممنوعة في الجزائر؟" وعهدنا بها أنها مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.

-         بعد ان دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى إعلان الجهاد وحمل السلاح لنجدة غزة تعالت الردود المستنكرة من شيوخ الوهابية ومعممي الأزهر، ورفضوا الدعوة وسخروا منها ودحضوها ب"الأدلة الشرعية" وكالوا لشيوخ الاتحاد كل أنواع التهم ودافعوا عن "المواثيق" التي تربط الأنظمة الوظيفية بالعدو الصهيوني وأكدوا أن الله يأمرنا باحترام العهود (لم يشيروا إلى خرق اليهود لجميع العهود وآخرها اتفاق الهدنة في القطاع) وركزوا على أن الجهاد يعلنه "ولي الأمر"!!! وتناسوا أن جهاد الدفع لا يحتاج إلى استشارة ولا استخارة...وهم يعلمون.

-         الدكتور عدنان إبراهيم سكت دهرا ونطق هجرا، تكلم فتبنى جميع موقف الأنظمة المطبعة وخذل غزة (وهو أحد أبنائها) وأيّد بقوة "الإبراهيمية" وشن هجوما لاذعا على منتقديها.

-         سلطة رام الله تضايق الدكتور مصطفى البرغوثي (الوجه الوطني البارز في الضفة) لحضوره الإعلامي القوي في الفضائيات العربية والغربية حيث يؤيد المقاومة ويفضح العدو، ولا يستبعد المراقبون أن تعتقله السلطة.

-         المظاهرات المليونية من أجل غزة عمّت أمريكا وأروبا وآسيا لكنها ممنوعة في معظم البلاد العربية (تحية خاصة لأشقائنا في المغرب واليمن وسورية الذين صنعوا الفارق)...تساءل الناس: ما سر هذه الظاهرة؟ كلنا نعلم أن الأنظمة تخشى تحوّل هذه الفعاليات إلى فعاليات شعبية ضدها لأنها هي سبب استمرار مأساة غزة مع باقي المآسي التي تعانيها الشعوب العربية.

وبعد، فإن إخواننا في القسام علموا أن الموت حق فاختاروا أن يموتوا أبطالا بدل أن يعيشوا أذلة في زمن الحرص على حياة أي حياة ولو كانت حياة تحت الاحتلال والأنظمة الشمولية القمعية بلا حرية ولا كرامة، فعلوا ذلك وهم على بينة من أمرهم، فهم ليسوا أحلاس مساجد ولا دراويش زوايا بل هم مثقفون مجاهدون جمعوا بين الكتاب والسلاح، طلاب علم، أئمة، مهندسون، أطباء، فيزيائيون، مفكرون، صحفيون، أساتذة جامعات تركوا حياة الدعة واختاروا حياة الجد والتضحية والجهاد، يقاتلون نيابة عن أمة مخدرة مشلولة تربت أجيالها في محاضن الأفلام والمسلسلات والغناء والرقص وكرة القدم واللامبالاة إلا قليلا من الأحرار الأبرار...والمشهدان لخصهما الحديث النبوي: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ" – رواه أبو داود وأحمد.

إن أهل غزة هم ذروة سنام الأمة المحمدية في هذا الزمان ورأس حربة هذا الدين، ومهما كانت نهاية معركتهم مع العدو فقد أناروا بدمائهم الطريق لجيل النصر المنشود، اما نحن أصحاب جهد المقل  فلو أبيد أهلنا في غزة عن بكرة أبيهم – لا قدر الله – ولحقوا بربهم شهداء لبقينا على عهد النصرة وعهد وأمل تحرير القدس والأقصى وفلسطين كلهالأنها  أمانة في عنق كل حر مسلم، ويكفي غزة فخرا أنها لم تترك منافقا من المحيط إلى الخليج إلا فضحته وعرّفت به ونزعت عنه ما يواري سوأته بدءا بحكام الأنظمة الوظيفية وشيوخهم المرتزقة وإعلامهم المأجور وانتهاء بالقومجيين والعلمانيين.

وسوم: العدد 1124